قوات النظام وميليشياته تبدأ عمليات «تعفيش» داريا المدمرة

سلع مسروقة من برادات وغسالات مستعملة تظهر في دمشق

قوات النظام وميليشياته تبدأ عمليات «تعفيش» داريا المدمرة
TT

قوات النظام وميليشياته تبدأ عمليات «تعفيش» داريا المدمرة

قوات النظام وميليشياته تبدأ عمليات «تعفيش» داريا المدمرة

بعد أقل من يومين على تهجير ما تبقى من سكان مدينة داريا بريف دمشق الغربي امتلأت أسواق المدن والبلدات المجاورة بأثاث وعفش منازل وبضائع من مخازن المباني المدمرة، أخرجتها من تحت الأنقاض عناصر من قوات النظام والميليشيات الداعمة لها.
ورغم أن أهالي داريا الذين أخرجوا قسرا من مدينتهم المدمرة يوم الجمعة الماضي، أحرقوا ما تبقى لهم داخل المدينة من ممتلكات شخصية يصعب حملها قبيل خروجهم منها، فإن مدينة داريا وقبل اندلاع الثورة كانت تعد واحدة من أهم مراكز صناعة الأثاث المنزلي الفاخر، كما كانت مقصد كبار التجار ورجال الأعمال لتملك واستئجار مستودعات ضخمة للبضائع، لقربها من دمشق. وبحسب أبو جمال من سكان داريا الذين هجروا من المدينة عام 2012 قبل فرض الحصار، أن هناك بضائع بمئات الملايين ما تزال في مستودعات ومخازن داريا، وأن هناك أحياء كاملة هجّر سكانها عام 2012 بعد المجزرة الكبيرة التي ارتكبتها قوات النظام، بقيت مغلقة، وأن الثوار حموها من السرقة لأكثر من ثلاث سنوات، وكان أصحابها يتواصلون معهم من خارج المدينة يطمئنون على أملاكهم وبيوتهم بأنها لا تزال على حالها تنتظرهم. إلا أن تكثيف القصف من قبل قوات النظام وشراسة المعارك واشتداد القصف حال دون بقاء تلك المنازل وكثير منها هدم على ما فيها. ويتابع أبو جمال أنه واحد من الناس الذين كان يتواصل مع الداخل لمعرفة مصير بيته ومستودع ورشة النجارة وفيها بضاعة بأكثر من مائتي مليون ليرة، تقدر بنحو 400 ألف دولار، وقال إنهم كانوا يرسلون له صورا بعد التأكد من أنه صاحبها، لكن التواصل انقطع منذ عام 2014. ولم تعد لديه أي فكرة عما حل بالبيت وورشة النجارة والمزرعة. لكنه يتوقع أن يرى ممتلكاته تباع في أسواق «التعفيش». وجرت عادة قوات النظام بعد الاستيلاء على أي منطقة القيام بعمليات تمشيط تقوم خلالها قوات النخبة بنزع الألغام وسرقة ما يعثرون عليه مما خف وزنه وغلا ثمنه، قبل أن يطلق يد ميليشيات جيش الدفاع من المتطوعين لنهب كل ما يمكن بيعه، بدءا من أدوات الطبخ وليس انتهاء بأسلاك التمديدات الكهربائية في الجدار المهدمة. وبعد أكثر من خمس سنوات من حرب ضروس تكرس على هامشها عادات وأعراف للأعمال غير مشروعة تقوم بها مجموعات أقرب إلى مؤسسات ظل ترفد الأسواق بكميات هائلة من البضائع المسروقة.
ويقول أبو جمال إنه رأى يوم أمس عدة شاحنات تنقل برادات وغسالات مستعملة إلى منطقة الباردة القريبة من داريا، كما امتلأت المخازن في الأشرفية ببطانيات لا تزال مغلفة أي غير مستعملة، ويرجح أنها سرقت من مخزن لبيع البطانيات في داريا.
وبحسب ناشطين فإن بضائع مسروقة غزت يوم أمس أسواق ضاحية قدسية ومزة 86 ومساكن الحرس وصحنايا وأشرفية صحنايا والباردة.
و«التعفيش» كلمة راجت مع اندلاع الحرب بين قوات النظام والمعارضة، وجاءت كناية عن سرقة عفش المنازل في مناطق المعارضة التي تجتاحها قوات النظام، ونتج عنها نشوء أسواق في مناطق سيطرة النظام صارت تعرف بأسواق «السنة» أي أن ما يباع فيها مسروق من بيوت المسلمين السنة المعارضين للنظام. وبعد أربعة أيام من عملية تهجير ما تبقى من سكان محاصرين في داريا مع الثوار المسلحين يقول أبو جمال إن عمليات «التعفيش» لم تبدأ بعد، ومتوقعا أن تغص مناطق النظام بريف دمشق بخيرات داريا المدفونة تحت الركام!!
وكانت عمليات تفريغ مدينة داريا من أهلها قد بدأت يوم الجمعة 27 أغسطس (آب)، واستمرت ليومين، وذلك بموجب اتفاق توصلت إليه لجنة مثلت فعاليات داريا العسكرية والمدينة مع وفدٍ للنظام السوري، وقضى بخروج المدنيين مراكز إيواء في منطقة حرجلة بريف دمشق والعسكريين بسلاحهم الفردي مع عائلاتهم، إلى ريف إدلب. وكانت المفاجأة الكبرى للموالين للنظام أن عدد العسكريين لم يتجاوز 700 عسكري بين شاب ويافع، وهؤلاء صمدوا في وجه أشد وأطول حصار وأشرس هجمات عرفتها البلاد على مدار خمسة أعوام، كانت الأشهر الست الأخيرة منها هي الأقسى والأعنف على الإطلاق. وبحسب إحصاءات المجلس المحلي في داريا، والشبكة السورية لحقوق الإنسان، استمر حصار داريا من قبل النظام 1375 يومًا، ابتداءً من نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 وحتى 26 أغسطس 2016. وبلغ عدد سكان داريا نحو 255 ألف نسمة وفق الإحصاء الرسمي عام 2007، لينخفض العدد إلى سبعة آلاف مدني ومقاتل حتى 26 أغسطس 2016. قبل أن يبدأ تفريغها بشكل كامل. نسبة الدمار في المدينة فاقت الـ95 في المائة، طالت معظم معالمها الرئيسية وبناها التحتية، وتعدّ المدينة السورية الوحيدة المدمرة كليًا من قبل النظام السوري. وخلال الأعوام الثلاثة الماضية قذفت بنحو ستة آلاف برميل متفجر، ونحو 3500 برميل في عام 2015 وحده، عدا عن آلاف القذائف والأسطوانات والصواريخ المتنوعة.
ومنذ نحو ستة أشهر أحكم الخناق على داريا وتم قطع المنفذ الوحيد بينها وبين مدينة المعضمية، وقبل نحو شهر تقدم النظام نحو المزارع وأحرق مساحات واسعة منها، فلم يعد هناك أي طريق أو مصدر للغذاء والإمداد. وفي الأسبوع الأخير بدأ النظام بقصف المدينة بقذائف النابلم الحارقة المحظورة دوليا وبشكل همجي وسط صمت دولي غير مسبوق، مما جعل البقاء على قد الحياة مستحيلا، مما اضطر ذلك المقاتلين في داريا للدخول في مفاوضات تقضي بخروجهم إلى إدلب وإخراج المدنيين لا سيما النساء والأطفال. وتكاد تكون مدينة داريا الوحيدة بين المدن السورية الثائرة على نظام الأسد التي احتفظت بروح الثورة المدنية رغم الحرب، وقدمت نموذجا فريدا في العمل الثوري، حيث شكّل مجلسها المحلي مظلة جامعة للمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية فيها، لتتحول إلى نموذج ناجح بالمقارنة مع تجارب الشمال والجنوب. لذلك كان لطي صفحتها على هذا النحو وقع مرير في نفوس غالبية السوريين المعارضين للنظام.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.