عزل رئيسة البرازيل يثير أزمة دبلوماسية في أميركا اللاتينية

قادة اليسار في فنزويلا والأكوادور وبوليفيا والسلفادور يوجهون أصابع الاتهام إلى واشنطن

عزل رئيسة البرازيل يثير أزمة دبلوماسية في أميركا اللاتينية
TT

عزل رئيسة البرازيل يثير أزمة دبلوماسية في أميركا اللاتينية

عزل رئيسة البرازيل يثير أزمة دبلوماسية في أميركا اللاتينية

بعد صراع مرير على السلطة استمر لأشهر طويلة، اتُخذ القرار بإقالة ديلما روسيف من رئاسة البرازيل، يوم أمس (الاربعاء)، وكانت هذه الخاتمة مرتقبة؛ لكنها لم تشكل تسوية للأزمة السياسية التي يشهدها هذا البلد.
وإذ نددت روسيف بـ"انقلاب برلماني" وتوعدت بمعارضة شرسة "للحكومة الانقلابية" الجديدة برئاسة خلفها ميشال تامر، صور رد فعلها بصورة واضحة أنّ هذا اليوم التاريخي الذي شهد اقالتها في البرلمان ليس خاتمة للأزمة. ما يظهر أنّ هذا الحدث ليس سوى الحلقة الاخيرة من الفصل الاول ضمن مسلسل سياسي قد لا ينتهي قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة عام 2018.
ولم تقتصر تداعيات عزل الرئيسة روسيف على الداخل البرازيلي فقط، بل أدت أيضًا إلى نشوء توترات في العلاقات مع حكومات يسارية في أميركا اللاتينية بعد أن استدعت فنزويلا والاكوادور وبوليفيا سفراءها احتجاجا على الخطوة التي وصفتها هذه الدول بأنها "انقلاب" وردت البرازيل بالمثل.
وأيد مجلس الشيوخ البرازيلي عزل روسيف بأغلبية 61 صوتا مقابل رفض 20 صوتًا لإدانتها بانتهاك قوانين الميزانية.
وأنهى التصويت بعزل روسيف في مجلس الشيوخ 13 سنة من حكم حزب العمال التقدمي وأتى بنائبها السابق الذي ينتمي للمحافظين ميشيل تامر رئيسًا.
وكان القادة اليساريون في فنزويلا والاكوادور وبوليفيا والسلفادور حلفاء مقربين من روسيف وسلفها لويس ايناسيو لولا دا سيلفا ومن بينهم رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو؛ الذي قال إنّ الولايات المتحدة تقف وراء عملية مساءلة روسيف لعزلها.
وقال مادورو في خطاب بثه التلفزيون "هذا الانقلاب ليس ضد ديلما فقط. إنّه ضد أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. إنّه ضدنا... هذا هجوم على الحركة اليسارية الشعبية التقدمية".
في المقابل دافع وزير الخارجية البرازيلي خوسيه سيرا عن دستورية عزل روسيف وشكك في شرعية حكومة مادورو.
وقال سيرا في تعليقات نشرت على موقع حكومي "الحكومة الفنزويلية لا يحق لها أن تتحدث عن الديمقراطية طالما تفتقر إلى نظام ديمقراطي". واتهم فنزويلا باحتجاز معتقلين سياسيين.
أمّا الحكومة اليسارية في السلفادور فقالت في بيان إنّ عزل روسيف "يمثل تهديدًا خطيرًا للديمقراطية والسلام والعدل والتنمية والتكامل في أميركا اللاتينية"؛ لكنّها لم تعلن أنّها تعتزم سحب سفيرها هناك.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.