نظرة على منتدى الفن العالمي.. حقب من التاريخ تتبدى للعيان

ناقش المعمار الكويتي وأزمة صناعة اللؤلؤ في البحرين

ركزت جلسات المنتدى هذا العام على التاريخ والروايات التاريخية التي سقطت سهوا
ركزت جلسات المنتدى هذا العام على التاريخ والروايات التاريخية التي سقطت سهوا
TT

نظرة على منتدى الفن العالمي.. حقب من التاريخ تتبدى للعيان

ركزت جلسات المنتدى هذا العام على التاريخ والروايات التاريخية التي سقطت سهوا
ركزت جلسات المنتدى هذا العام على التاريخ والروايات التاريخية التي سقطت سهوا

على مدى السنوات الثماني الماضية، أصبح منتدى الفن العالمي جزءا أصيلا من فعاليات المعرض السنوي «آرت دبي». وكان المنتدى قد ظهر إلى النور على يد الكاتب والناقد شمون باسار، المقيم في برلين. ورغم انعقاد فعالياته بشكل يومي طوال أسبوع تنظيم معرض آرت دبي، لم يكن تركيز المنتدى منصبا فقط على مجال الفن رغم وجود الكثير من معارض الفن الدولية والبعثات الخاصة بعدد كبير يفوق قدرة المرء على متابعتها جميعا خلال خمسة أيام فقط. وبدلا من ذلك، أخذ المنتدى يتجول في شتى دهاليز ومجالات الثقافة المختلفة، معتمدا على الفنون كمرجح لكل تلك المجالات.
اشترك في إدارة منتدى هذا العام الفنان والقيم علاء يونس، والمترجم والكاتب ومدير دار المأمون في مراكش، عمر برادة. افتتح المنتدى فعالياته في العاصمة القطرية، الدوحة، في مركز كتارا للفن على مدار يومي 15 و16 مارس (آزار) قبل انتقاله إلى معرض آرت دبي المقام في مدينة الجميرة لاستكمال أسبوع فعالياته هناك.
أما الجانب الأكثر لفتا للانتباه في دورة المنتدى هذا العام فهي المعلومات النادرة التي يتلقاها الجمهور لأول مرة، والتي تجعل من المنتدى ندوة ثرية لا تسعى فقط لاستكشاف الجوانب المعرفية المختلفة، بل لإنتاج تلك المعرفة بطريقة أو بأخرى. وألقى منتدى هذا العام مزيدا من الضوء على بعض الأحداث التاريخية التي ذهبت في طي النسيان، طارحا الكثير من علامات الاستفهام حول السياقات المختلفة وراء فقدان تلك الأحداث، متقصيا الكثير من الحقائق حول طريقة كتابة التاريخ ومشكلات إضفاء نوع من الجاذبية على الموضوعات التاريخية حتى يسهل الاطلاع عليها، بالإضافة إلى مفاهيم الزمن، لا سيما فيما يتعلق بالشكل الجذاب لرواية أحداث الماضي.
خلال ما يزيد على خمس عشرة ساعة من المناقشات التي دارت في أسبوع فعاليات المنتدى، جرت مناقشة الكثير من الموضوعات، التي كان أبرزها: الاتجاهات الإيجابية في فترة سبعينات القرن العشرين في الدوحة ودبي والكويت، وأزمة صناعة اللؤلؤ في منطقة الخليج في الثلاثينات، وصولا إلى أفريقيا والهند، وكذلك الوجود السوداني في منطقة الخليج العربي.
وقد ناقشت جلسة الحوار الخاصة بالكويت التي استمرت لأكثر من ساعتين، تاريخ البلاد على مدى عشرين عاما خلال الفترة بين خمسينات وسبعينات القرن العشرين. وقد شكلت تلك الفترة التي هيمن عليها الاتجاه نحو التصنيع بعد اكتشاف النفط، بداية عهد جديد كان الهم الأساسي فيه محاولة نسيان الفقر المدقع والصعوبات المعيشية التي كانت تضرب الإقليم بأكمله قبل اكتشاف النفط في منطقة الخليج العربي. وقد عرض المشاركون في جلسة الحوار تلك، الكاتب المسرحي سليمان البسام، وفرح النقيب، أستاذة التاريخ المساعد ومديرة مركز الخليج للدراسات بالجامعة الأميركية بالكويت، والكاتبة والباحثة كريستين خوري، نظرة ثاقبة ومفصلة عن ازدهار العمارة والفن في تلك الحقبة في محاولة لفهم تأثيراتها على منطقة الخليج بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام. ولم تعد الكويت محل اهتمام في الوقت الحالي، كما هو الحال بالنسبة للكثير من المدن الحالية ذات التأثير الثقافي الكبير، لا سيما الدوحة ودبي. غير أنه وخلال فترة ازدهار الإبداع المعماري في الكويت، ظهرت قبلة جديدة للمعارض المتنقلة لفناني الشرق الأوسط، والتي دشنت بدايات لم يكن هؤلاء الفنانون على علم بها في ذلك الوقت. وبالعودة إلى عام 1962، قام الفنان غازي سلطان الذي درس في جامعة هارفارد، وشقيقته نجاة سلطان بإنشاء «غاليري سلطان»، والتي كانت بين أوائل قاعات العرض المتخصصة في المنطقة، وما زالت تعمل حتى الآن. وقد شكلت «غاليري سلطان» نقطة انطلاق للكثير من الفنانين، من بينهم إيتل عدنان وفاتح المدرس‎، بعيدا عن وطنهم الأم. وقد ترك مهندسون معماريون كبار، من أمثال كنزو تانغه ويورن أوتسون، بصمات جلية في فن المعمار في الكويت في تلك الفترة، لكن السؤال الذي يطرحه ذلك التاريخ الثقافي المبهر الآن: لماذا لم يستمر ذلك الاتجاه من الإبداع؟ ومن هم صانعو القرار الذين كان لهم قصب السبق في جعل الكويت تخوض مثل تلك التجربة الفريدة، وأين هم الآن؟
وفي الوقت الذي كانت فيه الحقب التاريخية المختلفة في منطقة الخليج هي الموضوع المسيطر على ندوات الأيام الخمسة في المنتدى، جرى تسليط الضوء أيضا على قصص وأفكار أخرى من شتى أنحاء العالم تعود جذورها إلى ثقافات ومجتمعات مدهشة نعرف عنها القليل أو ربما ذهبت طي النسيان. وتكشف تلك المناطق المجهولة تاريخيا الكثير عن المجتمعات المعاصرة. عرض الكاتبان والمحرران بدورية «The State» (الحالة) - مقرها دبي - أحمد مكية وراحيل أئمة، بحثا عن المجتمعات غير العربية التي عاشت في المنطقة الغربية في القرن التاسع وكيف جرى تهميش تلك المجتمعات، مما أدى إلى اندثارها في نهاية الأمر. ويذكرنا مثل هذا البحث بأهمية دراسة التاريخ، وكذلك أهمية فهم الثقافات والمجتمعات واللغات التي احتلت جزءا من الماضي، وأسهمت فيما نشهده الآن من إمكانيات مستقبلية. ويشير إلقاء المنتدى الضوء على قضية التركيز الضعيف على الحقب التاريخية المختلفة منطقة الخليج إلى ضآلة ما ينشر رسميا عن ذلك الإقليم.
ويسبق مناقشات المنتدى عرض اثنتين من لقطات الفيديو من موقع «يوتيوب» (YouTube)، واللتين تلخصان الفكرة التي ستجري مناقشتها خلال ندوات ما بعد الظهيرة. في أحد تلك الفيديوهات، يتحدث الكاتب الأميركي، ويليام بوروز، عن الذاكرة، مشيرا - تماما كما ذكرت الكاتبة البريطانية مارينا وارنر في جلستها الختامية - إلى نوعية ذلك الخط الزمني من عقولنا، والذي لا يتناسب مع الوقت الحاضر. ويشير بوروز إلى أنه في بعض الأحيان، نكاد نبدو كما لو أننا نتخيل الماضي ونتذكر المستقبل. ويمكن تفسير تعليق بوروز، الذي يبدو سرياليا إلى حد ما، بطرق شتى. يمكن للمرء أن يفكر في الأحلام والأفكار، وكذلك التفكير في العنصر الذاتي والتصوري لكيفية تذكر ورواية الأحداث المختلفة. ومما لا شك فيه أن الاستماع إلى الآراء والتعليقات النظرية خلال الأيام الأربعة من عمر المنتدى يضفي الكثير من المعاني الخفية إلى أهمية تلك الندوات التي تركز على استكشاف الحقب التاريخية المختلفة لمنطقة الخليج.
وقد أشار البعض إلى حاجة المنتدى إلى إضافة المزيد من الموضوعات المطروحة للنقاش مناقشات، ولا سيما أنه يجري عقد المنتدى في دولة الإمارات العربية المتحدة وباللغة العربية، إضافة إلى الترجمة الحية - المتوفرة على العرض المباشر على شبكة الإنترنت وكذلك سماعات الرأس التي يجري استخدامها خلال المنتدى – وهي خدمة على قدر كبير من الأهمية للمنتدى والتي يأمل الجميع في أن تستمر كجزء لا يتجزأ من فعاليات المنتدى. يمثل منتدى الفن العالمي نقطة لربط المنطقة العربية بكل الشعوب والمؤسسات والأفكار في جميع أنحاء العالم. وقد شهدت النسخة الثامنة من المنتدى هذا العام نقاشا ثريا شارك فيه مجموعة من أفضل العقول التي تدعم شكلا من أشكال التنمية الثقافية والمعرفية.
وقد جرى تسجيل جميع المناقشات ويمكن الاطلاع عليها باللغتين العربية والإنجليزية على قناة موقع «Ibraaz.org» على شبكة الإنترنت.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».