زيادة مخاطر فرار اللاجئين عبر البحر المتوسط

تركيا تهدد بإلغاء الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي.. والنرويج تعتزم ترحيل 50 %

لاجئ يمسك بالقارب المكتظ بالمهاجرين بعد أن قفز في البحر خلال عملية إنقاذ لخفر السواحل الإيطالية (أ.ب)
لاجئ يمسك بالقارب المكتظ بالمهاجرين بعد أن قفز في البحر خلال عملية إنقاذ لخفر السواحل الإيطالية (أ.ب)
TT

زيادة مخاطر فرار اللاجئين عبر البحر المتوسط

لاجئ يمسك بالقارب المكتظ بالمهاجرين بعد أن قفز في البحر خلال عملية إنقاذ لخفر السواحل الإيطالية (أ.ب)
لاجئ يمسك بالقارب المكتظ بالمهاجرين بعد أن قفز في البحر خلال عملية إنقاذ لخفر السواحل الإيطالية (أ.ب)

شهر أغسطس (آب) الحالي كان أكثر هدوءا مقارنة مع السنوات السابقة، إذ إن مجموع الوافدين إلى إيطاليا قبل عمليات الإنقاذ التي تمت في الأيام الماضية بلغ نحو 105 آلاف شخص، بحسب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ومع عمليات الأحد والاثنين الماضيين قد يبلغ العدد أكثر من 112 ألفا و500 مهاجر، وهو رقم أدنى من عدد المهاجرين خلال الفترة نفسها من 2015 (116 ألفا). وتنتشر زوارق عسكرية وإنسانية بأعداد كبيرة هذا العام قبالة سواحل ليبيا لإنقاذ المهاجرين الذين يبحرون في ظروف صعبة ويقضي بعضهم خلال الرحلة.
إلا أن هناك تحذيرات بأن أعدادهم قد تزداد بسبب الأوضاع السياسية المتفاقمة في الشرق الأوسط وأفريقيا، والتهديد التركي بإلغاء اتفاقية تنظيم حركة المهاجرين.
قال خفر السواحل الإيطالي، على حسابه على «تويتر»، إن إيطاليا أنقذت 6500 مهاجر قبالة السواحل الليبية في 40 عملية إنقاذ منفصلة يوم الاثنين، في واحدة من أكبر تدفقات اللاجئين في يوم واحد هذا العام.
وقال خفر السواحل إن نحو 1100 مهاجر أنقذوا من زوارق في مضيق صقلية يوم الأحد الماضي أثناء محاولاتهم الوصول إلى أوروبا. ومن المتوقع أن يبحر مزيد من المهاجرين هذا الأسبوع بسبب أحوال الطقس المواتية. وتقع إيطاليا على خط المواجهة في أزمة المهاجرين إلى أوروبا منذ ثلاث سنوات، ونجح أكثر من 400 ألف في الوصول إلى إيطاليا قادمين من شمال أفريقيا منذ بداية عام 2014 هربا من العنف والفقر.
ازدياد أعدادهم والمخاطر التي قد يتعرضون لها قد تتفاقم. إذ حذر وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو في حديث لصحيفة «كاثيميريني» اليونانية نشر أمس الثلاثاء من أن تركيا «لن تتمكن من الاستمرار في وقف» تدفق المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي إذا لم يتم إعفاء الأتراك من تأشيرات دخول بحلول أكتوبر (تشرين الأول).
ووجه الوزير هذا التحذير مجددا إلى الأوروبيين بعد تسجيل السلطات اليونانية بين أول من أمس (الاثنين)، وصباح أمس (الثلاثاء)، لتدفق جديد قياسي لمهاجرين مع وصول 462 شخصا انطلقوا من السواحل التركية.
وقال الوزير التركي: «قامت تركيا بواجباتها» لقطع تدفق المهاجرين بعد الاتفاق المبرم في مارس (آذار) مع الاتحاد الأوروبي، وباتت تنتظر من الأوروبيين «أن يحترموا وعودهم»، منها إعفاء الأتراك من تأشيرة شنغن.
وأضاف، في حال تخلف الاتحاد الأوروبي عن تعهداته «لا يمكن لتركيا أن تستمر وحدها في وقف الهجرة غير الشرعية» إلى أوروبا. وتابع: «ننتظر إعفاء المواطنين الأتراك من التأشيرات في أكتوبر (تشرين الأول) على أبعد تقدير».
وتخشى أثينا، كما الاتحاد الأوروبي، من أن تسمح تركيا مجددا بتدفق المهاجرين في بحر إيجه، في حين أن تسلط النظام التركي بعد الانقلاب الفاشل في 15 يوليو (تموز) سبب فتورا في علاقاته مع الأوروبيين.
وتراجع عدد المهاجرين الذين كانوا الصيف الماضي بالآلاف في بحر إيجه، إلى نحو مائة يوميا بعد الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. لكن هذه الأعداد ارتفعت بعد الانقلاب الفاشل في تركيا، وبلغت ذروتها خصوصا يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين. لكن السلطات اليونانية امتنعت عن التعليق على هذا الموضوع، وتسعى للحفاظ على التعاون مع أنقرة.
من ناحية أخرى، قال ضابط بخفر السواحل اليوناني لوكالة الأنباء الألمانية: «نأمل أن يكون الطقس الجيد هو السبب وراء ذلك، وألا يكون ذلك إيماءة من الجانب التركي».
لكن الأعداد تشير إلى أن تدفق المهاجرين لا يزال مطردا بعد خمسة أشهر من إبرام الاتفاق. وبموجب الاتفاق يعاد من يصلون إلى اليونان دون وثائق اعتبارا من يوم 20 مارس آذار إلى تركيا ما لم يتقدموا بطلب لجوء ويقبل طلبهم. وتقول اليونان إنه تمت إعادة 482 مهاجرا بموجب الاتفاق حتى الآن إلى تركيا، ولم يطلب أي منهم اللجوء. ولم تجر إعادة أي شخص رفض طلبه اللجوء.
وتقول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن معدل الوافدين من تركيا إلى الجزر اليونانية بلغ 100 يوميا في أغسطس، مرتفعا من 60 في يوليو (تموز).
ومن جانب آخر، قال رئيس الإدارة النرويجية لشؤون الهجرة، فرود فورفانج، أمس الثلاثاء، إن النرويج تعد لترحيل ما يصل إلى 15 ألف مهاجر بعد رفض طلبات اللجوء التي تقدموا بها. وتم تسجيل عدد قياسي من طلبات اللجوء في النرويج العام الماضي بلغ 31 ألف طلب، وأوضح فورفانج أنه يمكن رفض ما بين 12 ألفا و15 ألف طلب لجوء. وقال لهيئة الإذاعة النرويجية إن «التعامل مع ترحيل هؤلاء الذين تم رفض لجوئهم ضروري لضمان دمج هؤلاء الذين جرى السماح لهم بالبقاء في النرويج». وطبقا لإحصائيات الإدارة النرويجية لشؤون الهجرة، تصدر مواطنون من سوريا وأفغانستان وإريتريا والعراق وإيران قائمة المهاجرين الذين طلبوا اللجوء في النرويج عام 2015. وشكّل السوريون ثلث هؤلاء المهاجرين. ولم يدل فورفانج بتفاصيل حول الدول التي جاء منها طالبو اللجوء، لكنه أشار إلى أن بعض الحالات تتعلق بما يعرف بقواعد «دبلن» التي تنص على أن الدولة التي يصل إليها المهاجر أولا هي التي ينبغي أن يتم تسجيله بها. وقال وزير الهجرة النرويجي، سيلفي ليثاوج، إنه سوف يكون «تحديا» أن تطبق اتفاقيات إعادة اللاجئين، مضيفا أن ذلك سوف يكون ضروريا لتحفيز الأشخاص على العودة طواعية إلى الدول التي وصلوا إليها في الأصل. ومن ناحية أخرى، عدلت الدنمارك تقديراتها لأعداد طالبي اللجوء المتوقعة بها هذا العام من 25 ألف شخص إلى 10 آلاف فقط، حسب الخطة المالية الحكومية. وقالت الحكومة إن هذا التعديل سوف يوفر 3 مليارات كرونة (450 مليون دولار).



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟