يعتبر رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدنماركي موغنس ليكيتوفت، من أكثر الرؤساء تميزًا، بسبب آرائه وأفكاره التي اتخذها خلال منصبه الحالي. ولم تشهد أروقة الأمم المتحدة مثيلاً له منذ حقبة اللبناني الراحل، شارك مالك، الذي كان له باع طويل في تبني قرارات حقوق الإنسان.
تمكن الرئيس ليكيتوفت، وزير خارجية الدنمارك السابق، من فرض طريقة جديدة لاختيار الأمين العام للأمم المتحدة، تعتمد على الشفافية، وتعطي أهمية إضافية للأعضاء في الأمم المتحدة (193 دولة)، على خلاف الطريقة التقليدية التي تتم عادة داخل مجلس الأمن (15 دولة)، الذي بدوره يطلب من الجمعية العامة المصادقة بالانتخاب على قرار اتخذه المجلس بالفعل.
وفي الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» هو الأول من نوعه، تحدث عن منظومة الأمم المتحدة، والتحديات التي تواجهها، واتهم مجلس الأمن بالعجز، مشيرًا إلى قيامه بـ«تغييرات مهمة في قواعد اللعبة» في سياسة الأمم المتحدة. وتحدث عن العلاقات السياسية والاقتصاد وفي القضايا العربية «المظلومة» من قبل الأمم المتحدة التي أوكل إليها حل صراعات العالم وحفظ الأمن والسلم الدوليين. الدبلوماسي المخضرم، خاض أيضًا بمشكلات الشرق الأوسط التي لا تنتهي.
* هل أنت سعيد حول ما حققته خلال رئاستك للدورة 70 للجمعية العامة؟
ـ حققنا الكثير في الأمم المتحدة حتى الآن، لكن لدينا تحديات ضخمة معلقة، منها ما يتعلق بالصراعات والكوارث الإنسانية، مثل الصراعات في الشرق الأوسط وأفريقيا، ومنها ما يتعلق بتغير المناخ والفقر وغيره. لقد أنجزنا اعتماد أهداف التنمية المستدامة 2030، ولكن ما زلنا بحاجة إلى تنفيذ هذه الأهداف. وأود هنا أن أقول إنه كان عاما مثمرا من خلال اعتماد خطط التنمية المستدامة، حيث اعتمدت الأمم المتحدة بالإجماع، 17 هدفا.
إنني سعيد جدا لأن الدول الأعضاء جلست معا واتفقت على هذه الأهداف بطريقة توافق الآراء. إن ما تبقى هو تنفيذ هذه الأهداف والقضاء على الفقر وإصلاح جذور الصراعات.
* ما أكبر إنجاز أو نجاح حققتَه خلال رئاستك للجمعية العامة؟
ـ الشفافية في اختيار الأمين العام المقبل للأمم المتحدة، كانت أهم شيء حققته؛ كون عملية الاختيار التي نحن بصددها لم تحدث قط من قبل. وكانت عملية شفافة ركزت على توقعات المرشحين حول كيفية تعزيز عمل المنظمة الدولية. لقد قمت بـ«تغيير قواعد اللعبة» في سياسة الأمم المتحدة. لقد تم تقديم مثل هذا الاقتراح قبل 20 عاما ولكن بقي فكرة ولم يتم تنفيذه إلا في العام الحالي. لقد أثرت الانطباعات والكلمات التي أدلى بها كل مرشح في النقاش داخل مجلس الأمن (وهو الجهاز الذي سيقرر من هو الأمين العام القادم). وإنني عاقد الأمل على أن تقود هذه العملية إلى اختيار شخصية قوية جدا. وأعتقد أن الأمين العام الجديد يجب أن يكون لديه المهارات السياسية والدبلوماسية وخبرة إدارية لجعل الأمم المتحدة منظمة أقوى وللتصدي للتحديات التي تواجه العالم مثل انتشار أسلحة الدمار الشامل والكوارث إنسانية والإرهاب.
* ما الأشياء التي لم تتمكن من تحقيقها؟
ـ أسوأ شيء هو عدم وجود سياسة احتواء لإنهاء الصراعات، داخل منظومة الأمم المتحدة. ومع العلم أن المسؤولية (لإنهاء الصراعات) تقع على عاتق مجلس الأمن، إلا أننا في الجمعية العامة نعاني من ذلك. وكذلك، لم نكن قادرين على مساعدة اللاجئين، ويحدونا الأمل في أن تنجح قمة الأمم المتحدة المقبلة حول اللاجئين والمهاجرين التي ستعقد في 19 من الشهر المقبل، لإقناع الدول بالتبرع بسخاء لهذه القضية.
* لكن في ذلك الوقت سوف تكون قد غادرتَ مكتبك؟
ـ نعم، سأقوم بتسليم الرئاسة يوم 13 سبتمبر (أيلول) إلى الرئيس الجديد السيد بيتر تومسون (فيجي). ولكنني سأشارك في ترؤس قمة اللاجئين والمهاجرين معه في التاسع عشر من الشهر المقبل. وهذا يعني أنني سأبقى في الأمم المتحدة حتى انتهاء القمة.
* ما نصيحتك لرئيس الجمعية العامة القادم؟
ـ لدى الرئيس تومسون خبرة في مجال التنمية، ونحن بحاجة إلى تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. وإنني آمل أن يكون ملتزما بما بدأناه في الدورة الـ70. إنني أرى أنه ملتزم بتنفيذ ما بدأناه؛ فعلى سبيل المثال، قرر الرئيس تومسون الإبقاء على نحو 12 شخصًا من فريق عملي (الرئيس الحالي لديه 36 موظفًا في المجموع). أود أن أضيف هنا أن الانتقال بين الرئيسين يسير بشكل سلس جدًا.
* لقد بدأت عملية لم يجرؤ على الخوض بها أي رئيس من قبل، وهي عملية اختيار أمين عام جديد للأمم المتحدة بطريقة شفافة.. هل أنت راضٍ عن سير تلك العملية؟
ـ نعم أنا راضٍ وسعيد. أنا سعيد لجعل هذا الابتكار الجديد حقيقة، وراضٍ لمعرفة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (193 دولة) وشعوب العالم وسماعهم للانطباعات والآراء الشخصية لجميع المرشحين ومعرفة الأساسيات عن الأمم المتحدة. مرة أخرى، يسعدني أن ما حدث هذا العام لم يقم به الآخرون على مدار 20 عاما. لقد وضعنا الحياة في عملية اختيار الأمين العام. وقد تم تنسيق في هذه العملية في كل خطوة بيني وبين مجلس الأمن. والرسالة التي وقعناها معًا، أنا ورئيس مجلس الأمن لشهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، (الأميركية سامانثا باور)، أعطاني السلطة والقوة لبدء عملية اختيار الأمين العام بهذه الطريقة.
* لقد بقي من المرشحين لمنصب الأمين العام 10 شخصيات؛ النصف من النساء.. هل تفضل أيًا من المرشحين وتؤيده؟
ـ نعم، لدى مرشح أو مرشحة، ولكنني أعتذر عن إفصاح الاسم لك. لن أكون قادرًا على ذلك، لأنه ينبغي عليّ أن أبقى محايدًا طيلة عملية الاختيار.
* إلى أين أنت ذاهب..؟ إلى السياسة؟ أو التقاعد؟
ـ أنا ذاهب إلى الدنمارك كعضو في البرلمان. لقد كنت قد انتخبت عضوًا في البرلمان الدنماركي، وأخذت إجازة 15 شهرًا. ووفقا للقواعد والإجراءات في بلدي، فيحق لي أن أبقي في منصبي كعضو في البرلمان.
* ما أكثر شيء تعلمته خلال فترة رئاستك للجمعية العامة؟
ـ عندما طلبت مني وزارة الخارجية الدنماركية (بخصوص منصب الجمعية العامة)، اعتقدت حينها أنها ستكون مماثلة لعملي في رئاسة البرلمان الدنماركي. لكن الأمر لم يكن كذلك. لقد تعلمت كيفية التعامل مع أكثر من 193 دولة، وتقديم التوجيه إليها، وأيضًا كنت جزءًا من عملية صنع القرار في سياسة الأمم المتحدة التي كانت تجربة جديدة لي تعلمت منها الكثير. كنت في الدنمارك أتعامل مع دولة واحدة، ولكن هنا فالتعامل يختلف كون مطالب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تتزايد.
وفي واقع الأمر، لم أكن أعرف أن عملية اختيار الأمين العام ستستغرق كثيرًا من الوقت مني، ولكنها كانت عملية طويلة تعلمت منها أيضًا.
* كيف تقيمون علاقتكم بالأمين العام، السيد بان كي مون؟ هل كان هناك أي مشكلة أو سوء تفاهم بينك وبينه؟
ـ العلاقة مع السيد بان كي مون كانت عظيمة. فلديه خبرة جيدة، ويتمتع بقوة الشخصية. لقد كان لدينا تعاون رائع على مدار العام. وعادة نلتقي على غداء عمل مرة كل شهر لمناقشة بعض الأعمال المختلفة. وعلاقة العمل سارت بيننا على نحو سلس. ولدي علاقة جيدة أيضًا مع نائبه السيد إيان جونسون الذي عرفته في أوروبا، ونحن على حد سواء، كنا في فترات مختلفة وزيري خارجية لبلدينا.
* ماذا عن المشكلات مع مكتب الأمين العام؟
ـ في بعض الأحيان كانت هناك بعض المشكلات مع منظومة الأمم المتحدة بشكل عام، ليس من الضروري أن تكون مع الأمين العام أو مكتبه المباشر، ولكن سبب ذلك يعود إلى البيروقراطية. كنا نمر ببعض الأوقات الصعبة تتعلق ببعض القضايا التي تحتاج إلى عناية فورية، ولكن لم نتمكن من التصدي لها في الوقت المناسب بسبب النظام البيروقراطي السائد في المنظمة. لكننا تمكنا من حل المشكلة، كون بعض الموظفين في مكتبي تمت استعارتهم أصلاً من إدارات الأمم المتحدة المختلفة، فكانوا قادرين على إنجاز العمل وحل القضية بطريقة أو بأخرى.
* هل كنتَ على علم بانعقاد المؤتمر الذي نظمته البعثة الإسرائيلية منذ أشهر قليلة داخل الأمم المتحدة بهدف مواجهة حركة «BDS»، وهذه الأخيرة تطلب من دولة إسرائيل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة؟ هل تعتقد أنه كان من المناسب أن يقام داخل قاعة الجمعية العامة، القاعة التي تم فيها إصدار قرار تقسيم فلسطين؟
ـ ليس لي علم عن ذلك المؤتمر على الإطلاق. لكن رئيس الجمعية العامة ليس المسؤول عن ترتيبات وحجوزات القاعات. هناك على ما يبدو الإدارة والمؤتمرات. قطعا ليس مكتبي.
* هناك كثير من الحروب في العالم الآن؟ ما الخطأ الذي حدث في العالم العربي؟
ـ أولا، أعتقد أن السبب يعود إلى خلفية الصراعات. فتاريخيا، كانت نتائج الحرب العالمية الأولى ظالمة، وأدى تدخل القوى الغربية خلال تلك الفترة إلى «سايكس بيكو» وكذلك الحدود المفروضة على شعوب المنطقة. أضف إلى ذلك الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، الذي خلق مشكلة في ذلك البلد وبداية الصراع العرقي وصعود تنظيم داعش. فالصراع الطائفي في العراق طفا على السطح بسبب الغزو الأميركي للعراق. هناك أسباب كثيرة لما حدث في العالم العربي، ولكن، أساسًا، التدخل الأجنبي في تلك المناطق هو السبب الرئيسي.
* كيف يمكن إصلاح الفوضى في سوريا، والعراق، وليبيا، وغيرها؟
ـ من وجهة نظري الشخصية، لن يكون هناك سلام في سوريا حتى تستعيد كل أقلية في سوريا حقوقها. عليهم وضع إطار مؤسسي يكفل حقوق كل الأقليات، ويجب إعطاؤها دورًا تلعبه في شؤون البلاد. إذا نظرتم إلى العراق، فالسبب الأول للكارثة الرئيسية هو عدم حصول كل أقلية على حقها مباشرة بعد الغزو في عام 2003. إن الديمقراطية أمر مهم في هذه البلدان، ولكن حماية الأقليات أمر لا بد منه للحفاظ على ديمومة الديمقراطية.
* من علينا أن نلوم في البلدان المذكورة؟ وهل هي مسؤولية الأمم المتحدة أم الدول الكبرى أو قادة تلك الدول؟
ـ مجلس الأمن الدولي عاجز وكهل.. وفشل في الاتفاق على حل بشأن الأزمة السورية وغيرها في الوقت المحدد، فبعد 5 سنوات على الحرب السورية توصل المجلس في ديسمبر لقرار يتضمن خريطة الطريق للسلام في سوريا، التي لم تنفذ بعد.
* كيف تقيمون علاقتكم بالصحافيين المعتمدين في الأمم المتحدة والمراسلين؟
ـ إنها علاقة جيدة، ولكنني أتمنى أن يقوموا بتغطية عمل الأمم المتحدة بطريقة أفضل. وينبغي على الصحافيين دفع الحكومات إلى تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وتعريف الناس على دور الأمم المتحدة في حفظ السلام وبناء السلام. ونأمل كذلك أن يكتبوا المزيد عن عمل مفوضية حقوق الإنسان، وذلك لدفع الحكومات التي لا تحترم حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني لأن تقوم بذلك. يمكن للأمم المتحدة أن تقوم بعمل أفضل ودور أكبر، إذا وجدت الدعم من العالم الخارجي.
* هل يمكن التعليق على وفاة جون آشي، الرئيس السابق للجمعية العامة، وقضايا الفساد التي وجهت ضده قبل وفاته؟
ـ لا، لن أعلق على ذلك، فقضيته هي قضية حساسة جدًا، وبسببها حظيت مسألة الشفافية في الأمم المتحدة باهتمامنا.
* هل ينبغي منح رئيس الجمعية العامة المزيد من السلطة؟
ـ أعتقد أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تدعم هذا التغيير. فلقد أصبح رئيس الجمعية أكثر أهمية، والطلب عليه ومنه في تزايد مستمر.
* هل تؤيد فكرة تقييد ولاية الأمين العام للأمم المتحدة بفترة واحدة، إذ إنها الآن فترتان كل واحدة 5 سنوات؟
ـ بعض الدول تؤيد وجهة النظر هذه.. لكن ليس لدي أي رأي محدد حول هذا الأمر.
بروفايل موغنس ليكيتوفت
* ليكيتوفت.. سياسي دنماركي مرموق، انتخب، العام الماضي، من قبل دول العالم رئيسًا للدورة السبعين للجمعية العامة، وكان عند انتخابه رئيسًا لمجلس النواب في بلاده منذ 2011.
وبالإضافة إلى خبرته الواسعة في البرلمان والخارجية، يُعتبر يكيتوفت من الخبراء الاقتصاديين على مستوى بلاده ومنطقته فقد عمل وزيرًا للضرائب والمالية، وله جهود كبيرة في مجال التنمية الدولية. وكان ليكيتوفت من أوائل المباركين لرؤية الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، للتنمية في المملكة «رؤية 2030»، حيث كان على دراية بمقاصد الرؤية كونه هو نفسه عمل في مجالات متشابهة. ووصفها في تصريح سابق لـ«الشرق الأوسط»، بأنها رؤية طموحة تعتمد على الشفافية والانفتاح.