الأزمة السورية أخّرت تسجيل مواقع تاريخية في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي

200 أجنبي فقط زاروا المتاحف عام 2014

أحد المواقع الأثرية السورية التي كانت تنقب فيه بعثة أثرية وتوقفت بسبب الحرب ({الشرق الأوسط}) - كوادر علمية محلية ترمم قطعة أثرية مكتشفة - تل بحارية أحد المواقع الأثرية في غوطة دمشق 
كانت تعمل فيه بعثة أثرية وتوقفت بسبب الحرب
أحد المواقع الأثرية السورية التي كانت تنقب فيه بعثة أثرية وتوقفت بسبب الحرب ({الشرق الأوسط}) - كوادر علمية محلية ترمم قطعة أثرية مكتشفة - تل بحارية أحد المواقع الأثرية في غوطة دمشق كانت تعمل فيه بعثة أثرية وتوقفت بسبب الحرب
TT

الأزمة السورية أخّرت تسجيل مواقع تاريخية في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي

أحد المواقع الأثرية السورية التي كانت تنقب فيه بعثة أثرية وتوقفت بسبب الحرب ({الشرق الأوسط}) - كوادر علمية محلية ترمم قطعة أثرية مكتشفة - تل بحارية أحد المواقع الأثرية في غوطة دمشق 
كانت تعمل فيه بعثة أثرية وتوقفت بسبب الحرب
أحد المواقع الأثرية السورية التي كانت تنقب فيه بعثة أثرية وتوقفت بسبب الحرب ({الشرق الأوسط}) - كوادر علمية محلية ترمم قطعة أثرية مكتشفة - تل بحارية أحد المواقع الأثرية في غوطة دمشق كانت تعمل فيه بعثة أثرية وتوقفت بسبب الحرب

في تقرير موسّع وشامل صدر مؤخرًا عن المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية تحت عنوان «التراث الأثري السوري خمس سنوات من الأزمة» تضمن مفردات الكارثة الكبيرة التي حلّت بالآثار والمباني التاريخية السورية، والأضرار بشكلها المفصّل، يبيّن التقرير في جانب منه التأثير الكبير للحرب والأزمة في واقع التنقيب الشرعي، وتواجد بعثات التنقيب وغياب مراكز علمية أثرية عالمية كانت تعمل في سوريا، وتؤكد جانيت مخول، رئيسة دائرة التخطيط في مديرية الآثار السورية، أن العمل الأثري تراجع في أنحاء سوريا كافة تجلى بعدد البعثات الأثرية العاملة بالتنقيب عن الآثار من بعثات أجنبية ومشتركة وطنية وسورية، الذي انخفض من 137 بعثة عام 2010 إلى 28 بعثة عام 2013، وانعكس بدوره على المعطيات الأثرية. ولكن ـ وحسب أحمد فرزت طرقجي، مدير التنقيب في مديرية الآثار السورية ـ فإن التواصل استمر عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مع الكثير من مديري البعثات الأجنبية والمشتركة، الذين زودوا المديرية بجديد أبحاثهم ومنشوراتهم حول نتائج أعمال التنقيب التي أجروها سابقًا في سوريا، أو الدراسات الحديثة التي توصلوا لها.
وتوضح مخول، أن عدد اتفاقيات التعاون الدولية التي تهدف إلى حماية وصيانة الإرث الثقافي وكان لها آثارها الإيجابية في الآثار السورية، تجاوزت 14 في عام 2010 وتراجعت إلى 3 اتفاقيات في عام 2014، كذلك توقفت المراكز الأثرية العلمية في سوريا، ومنها المعهد الفرنسي للشرق الأدنى IFPO، والمركزان الدنماركي والهولندي، ومراكز أخرى كثيرة، وهي تعتبر مصدرًا علميًا مهمًا للأثريين وطلاب الآثار.
ولعل اللافت هنا والمحزن، أنه في عام 2011 تم اختيار عدد من المواقع الأثرية والتاريخية السورية ضمن اللائحة الأولية لإضافتها إلى لائحة التراث العالمي المحمي من قبل اليونيسكو، وهي (نواعير حماه، مدينة طرطوس القديمة، معلولا، دورا أوروبوس وماري، أفاميا، قصر الحير الشرقي، جزيرة أرواد، الرافقة، ابلا، أوغاريت)، لكن جاءت الأزمة والحرب لتتسبب بالتأخر في تسجيلها ضمن القائمة، وعدم القدرة على حماية الكثير من هذه المواقع، فلجأت ـ تشرح مخول ـ مديرية الآثار، إلى إطلاق حملة «سوريا بلدي» في عام 2012، وتهدف إلى إشراك المجتمع في حماية الآثار، وكان لها نتائج إيجابية، وكذلك توجيه نداء محلي وإقليمي ودولي للحفاظ على هذه المواقع ووضع خطط إسعافية لإنقاذها وإنقاذ الآثار السورية المادية واللامادية عن طريق محاربة الاتجار غير المشروع ومخاطبة الإنتربول الدولي والتعاون معه لاستعادة ما تم تهريبه من آثار وإعادتها إلى الوطن. كانت آخر مواقع أثرية سورية تم تسجيلها في اللائحة الدولية المحمية من قبل اليونيسكو قلعتي الحصن في ريف مدينة حمص الغربي، وصلاح الدين في ريف مدينة اللاذقية الشرقي، وذلك في عام 2007.
كما توقفت ـ تقول مخول ـ الكثير من مشروعات ترميم الآثار في المناطق المضطربة، علما بأنها ولسنوات عدة كانت من المشروعات المباشرة بها والمستمرة.
فيما استمرت الكوادر العلمية المحلية في مديرية المخابر التابعة لمديرية الآثار العامة في ترميم الكثير من لوحات الفسيفساء المتضررة واللوحات الكتابية المنقوشة والرسوم الجدارية.
كذلك حرمت الحرب والأزمة الزوار، خصوصا الأجانب من محبي الآثار السورية من زيارتها، حيث وبالأرقام كان عددهم في عام 2010، أي قبل بدء الأزمة، نحو مليون و400 ألف زائر لينخفض العدد في عام 2014 إلى 220 زائر فقط.
جدير بالذكر، أنه تم إطلاق حملة دولية ومبادرة من اليونيسكو تحت عنوان «حشد الجهود الدولية لحماية التراث الأثري السوري»، وتضمنت اجتماعات ومؤتمرات دولية بمشاركة القائمين والخبراء في مديرية الآثار السورية العامة، ونظمت الكثير من الدورات التدريبية لكوادر الآثار السورية لإطلاعهم على طرق حماية الآثار في ظل الحرب والأزمة، وتم التعاون في هذا المجال مع مراكز عالمية متخصصة، ومنها: اليونيسكو، الإيكوموس، الإيكروم (مركز آثار الشارقة)، وصندوق تمويل الأوابد العالمي، وجمعية الأولويات الثقافية في روما، ومؤسسات كثيرة أخرى أقامت أنشطة متعددة في أوروبا ومدن عربية لحماية الآثار السورية، وتوّجت هذه الأنشطة باستصدار القرار رقم 2199 في 12 فبراير (شباط) من العام الماضي 2015 عن مجلس الأمن الدولي الذي يمنع فيه التعامل والاتجار بالتراث الثقافي السوري.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)