أزمة الثقة تعيق الحوار السياسي في موريتانيا

لقاءات سرية بين الحكومة والمعارضة من دون جدوى

أزمة الثقة تعيق الحوار السياسي في موريتانيا
TT

أزمة الثقة تعيق الحوار السياسي في موريتانيا

أزمة الثقة تعيق الحوار السياسي في موريتانيا

بعيدًا عن أعين الصحافيين تجري منذ أيام لقاءات محاطة بقدر كبير من السرية ما بين ممثلين عن رئاسة الجمهورية الموريتانية وقيادات من المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، أكبر كتلة معارضة في البلاد، وتحدثت مصادر لـ«الشرق الأوسط» عن حالة من انعدام الثقة تمنع الطرفين من التوصل لاتفاق على شكل الحوار المرتقب، رغم اتفاقهم على مبدأ الحوار.
وفي حين تؤكد المعارضة الراديكالية ممثلة في المنتدى وحزب تكتل القوى الديمقراطية، أن الكرة في ملعب النظام الممسك بالسلطة وصاحب القرار الأخير في تنظيم حوار جدي تشارك فيه مختلف أطراف المشهد السياسي ويناقش جميع الملفات، ترى الحكومة أن المعارضة تضع العراقيل أمام الحوار من أجل تضييع الوقت وخلق «أزمة سياسية مفتعلة».
وكان المنتدى قد رفض العام الماضي الدخول في حوار مع الأغلبية أو الحكومة، مؤكدًا أنه يريد حوارًا مباشرا مع رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز أو من ينوب عنه من موظفي الرئاسة، وقد انتدب ولد عبد العزيز الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية مولاي ولد محمد لقظف لتمثيله في الحوار مع المعارضة.
ومر التحضير للحوار السياسي في موريتانيا بالكثير من المراحل خلال السنوات الأخيرة، إذ تسعى الحكومة لتنظيم حوار تشارك فيه المعارضة الراديكالية التي قاطعت حوار 2011، بينما ترفض المعارضة الدخول في أي حوار قبل تلبية مجموعة من الضمانات طرحتها على طاولة الحكومة في شهر مايو (أيار) 2015، وكانت آنذاك هي السبب المباشر في توقف الاتصالات بين الطرفين، بعد رفض الحكومة الرد على وثيقة المعارضة بوثيقة أخرى مكتفية برد شفوي.
ورغم أن الرئيس الموريتاني في شهر مايو (آذار) الماضي قد أعلن نيته تنظيم الحوار السياسي «بمن حضر»، حاول مستشارون في الرئاسة إقناع منتدى المعارضة بالدخول في الحوار خلال لقاءات سرية وغير رسمية، وقال رئيس المنتدى السفير السابق الشيخ سيد أحمد ولد باب مين: «تواصلنا مع الرئاسة لم يتجاوز لقاءات تمهيدية لم تفض إلى نتيجة، رغم إبقاء التواصل مفتوحا لكنه في النهاية ليس اتفاقا»؛ وأضاف: «نحن نرغب في الحوار الجاد ولكننا متمسكون بالاستجابة للضمانات التي طالبنا بها العام الماضي».
ونفى ولد باب مين خلال مؤتمر صحافي عقده في نواكشوط أول من أمس (الاثنين) أن تكون اللقاءات التي أجروها بشكل غير رسمي مع ممثلي رئاسة الجمهورية قد أسفرت عن اتفاق يضمن مشاركتهم في الحوار المرتقب، ورفض اتهامهم بالعزوف عن الحوار قائلاً إن «المنتدى يضم أقطابًا سياسية ونقابية واجتماعية وحقوقية، وجميعها ضحت بما لديها من مكتسبات انتخابية من أجل الحوار، فليس من المستساغ اتهامها برفضه»؛ ولكنه في الوقت نفسه أكد أن المنتدى «يسعى إلى حوار حقيقي وجاد يخرج البلاد من أزمته الحالية».
من جهة أخرى كان الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية مولاي ولد محمد لقظف قد دعا منتدى المعارضة إلى الالتحاق بركب المشاركين في الحوار، مشيرًا إلى أن أحزاب الأغلبية وكتلة المعاهدة المعارضة وأحزاب سياسية كثيرة رحبت بالحوار وأعلنت نيتها المشاركة فيه، بل إنها قدمت مقترحات لأبرز المواضيع التي يجب أن تطرح على طاولته.
وقال ولد محمد لقظف في مؤتمر صحافي بنواكشوط نهاية الأسبوع الماضي إن «على المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وحزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض الالتحاق بركب الحوار الوطني قبل فوات الأوان»، وأضاف أن الوقت لم يعد يسمح بتأجيل الحوار نظرًا لحاجة البلاد إلى خلق توافق سياسي يعزز المكتسبات الديمقراطية؛ ولكن ولد محمد لقظف قال إن «عوامل نفسية هي التي تحول دون التواصل والحوار المباشر»، بين المعارضة والنظام.
وتكررت دعوات نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى الحوار السياسي خلال السنوات الأخيرة، ولكنه هذه المرة يتزامن مع وصول ولايته الرئاسية الثانية إلى منتصفها، وهي الولاية الرئاسية الأخيرة بموجب الدستور الموريتاني؛ ويشير عدد من المراقبين إلى رغبة ولد عبد العزيز في خلق حالة من الاستقرار تمهد لخروجه من السلطة، خاصة بعد أن تعهد بعدم تعديل الدستور من أجل الترشح لمأمورية رئاسية ثالثة.
أما المعارضة الراديكالية فقد سبق أن طالبت بالتزام صريح من الرئيس بعدم المساس بالدستور ومغادرة السلطة بعد انتهاء مأموريته الثانية، ولكنها تؤكد أن التجربة علمتها أن ولد عبد العزيز لا يفي دائمًا بالتزاماته وتستدل على ذلك بتورطه في انقلابين عسكريين (2005 و2008)، وعدم تطبيق جميع بنود اتفاقية داكار عام 2009 التي مهدت لانتخابات رئاسية فاز بها ولد عبد العزيز.
من جهتها تعاني المعارضة الموريتانية من حالة من الانقسام والتشظي، في الواجهة نجد معارضة راديكالية ممثلة في «المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة» سبق أن طالبت برحيل النظام الحاكم وتعتبره سبب جميع الأزمات التي تعاني منها البلاد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.