ماذا تغير بعد مرور عامين على حكم «نهضة الغنوشي» في تونس؟

بروز ظواهر جديدة في الشارع التونسي.. واختلاف بين الإسلاميين والعلمانيين في قراءة أسبابها وأبعادها

ماذا تغير بعد مرور عامين على حكم «نهضة الغنوشي» في تونس؟
TT

ماذا تغير بعد مرور عامين على حكم «نهضة الغنوشي» في تونس؟

ماذا تغير بعد مرور عامين على حكم «نهضة الغنوشي» في تونس؟

مرت يوم الأربعاء 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2013 سنتان على فوز حزب حركة النهضة الإسلامي بأول انتخابات جرت في تونس بعد سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي. وقد تسلمت الحركة رسميا مقاليد الحكم في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2011 باعتبارها الحزب الذي حصل على أغلبية المقاعد في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي) بترؤس أمينها العام حمادي الجبالي للحكومة، بعد تحالفها مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي) وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (حزب مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي).
ومنذ ذلك التاريخ ما انفكت تونس تعيش على وقع حراك سياسي كبير، وأزمات متعددة ذات طابع اقتصادي وسياسي واجتماعي بالدرجة الأولى.. ولكن ماذا عن نمط عيش التونسيين وطريقة حياتهم؟ هل طرأ تغيير على هذا النمط بعد أن أخذت «النهضة» بزمام الأمور وهي صاحبة مشروع مجتمعي بمرجعيات تختلف ولو نسبيا عن المرجعيات التي قام عليها النموذج المجتمعي التونسي حتى الآن؟

مخاوف
حتى قبل تسلم «النهضة» مقاليد الحكم، بادرت عدة جهات - تحسب غالبا على العلمانيين - بالتعبير عن مخاوفها من إمكانية سعي الحركة، في حالة فوزها بالانتخابات، إلى محاولة تغيير نمط المجتمع التونسي، والتراجع عما تعده هذه الجهات مكاسب تضعها تحت خانة «الحداثة والتحرر والانفتاح». وفي المقابل أكدت قيادات الحركة ومن بينهم راشد الغنوشي رئيسها أكثر من مرة أن الحكومة في حالة فوز النهضة بالانتخابات «لن تتدخل في لباس الناس وأكلهم وشربهم وطريقة عيشهم». كما شددت قيادات النهضة على أن «لا شيء يبرر هذه المخاوف»، معتبرة إياها مجرد «فزاعات» يحاول خصومها السياسيون استخدامها ضدها.

موقع المرأة
قبل نحو ستة أشهر أثيرت ضجة كبرى حين أقدم رجل أمن في مطار «تونس قرطاج الدولي» على سؤال امرأة تونسية كانت تتأهب للسفر إلى الخارج إن كان لديها ترخيص من زوجها يسمح لها بالسفر. وقد قامت هذه المرأة التي تترأس جمعية أهلية في الحين بنقل تفاصيل هذه الحادثة على صفحتها بالموقع الاجتماعي «فيس بوك» لتقوم الدنيا بعدها في أوساط المجتمع المدني التونسي، وخصوصا المهتمين بالدفاع عن حقوق المرأة، الذين اعتبروا هذا التصرف مقدمة للتراجع عن مكاسب المرأة. في حين أصدرت الجهات الرسمية بيانا أكدت فيه أنها لم تتخذ أي إجراء يفرض على المرأة التونسية الحصول على تصريح من زوجها أو من ولي أمرها للسفر خارج حدود البلاد.
البعض رأى في هذه الحادثة «بالون اختبار» ومقدمة لمحاولة التراجع عن بعض مكاسب المرأة التونسية قد تصل حسب رأيهم إلى حد التراجع عن قانون منع تعدد الزوجات المعمول به في تونس منذ سنة 1957. ولكن وعدا بعض التصريحات لدعاة لا علاقة مباشرة لهم بحركة النهضة، فإنه لم تتحدث أي جهة رسمية من قيادات الحركة الحاكمة عن هذا الموضوع.
من جانب آخر، وفي علاقة بمسألة الزواج والأسرة تناولت وسائل إعلام محلية منذ فترة بروز موضوع الزواج العرفي في أوساط الشباب التونسي، وخصوصا طلاب الجامعات، مؤكدة أن تونس تشهد تناميا في مثل هذه الزيجات. ولم تقم أي جهة رسمية بتأكيد وجود هذه الظاهرة أو نفيها، ولا بإنجاز دراسة حول هذا الموضوع، علما بأنه لا توجد إحصائيات رسمية أو غير رسمية حول هذه الظاهرة.

ظواهر جديدة
من يتجول في الشارع التونسي لا يلاحظ تغييرا كبيرا في سلوك التونسيين وطريقة عيشهم، سواء من حيث الاختلاط بين الجنسين في المؤسسات التربوية وأماكن الترفيه، أو من حيث تواصل إقبالهم، رجالا ونساء، على الشواطئ والمهرجانات الثقافية وارتياد المقاهي. التغيير الوحيد البارز للعيان هو ظاهرة النساء المنتقبات وتنامي عدد الرجال الذين أصبحوا يطلقون لحاهم، أو أولئك الذين يلبسون «القميص الأفغاني»، وهو ما لم يكن متاحا في زمن حكم بن علي، حيث كانت اللحية «شبهة»، وحيث وصل الأمر إلى حد ملاحقة النساء المحجبات فما بالك بالمنتقبات، مقابل ذلك تشتكي بعض التونسيات اليوم مما تعتبرنه «تلميحات جارحة وحتى سوء معاملة من البعض بسبب عدم ارتدائهن الحجاب»، حسب قول إحداهن.
كذلك أصبحت كتب الفقه والدين، وهي التي كان الكثير منها ممنوعا خلال حكم النظام السابق، حاضرة بشكل بارز سواء في المكتبات أو أمام المساجد أو في معرض تونس الدولي للكتاب الذي يقام سنويا.
كما بعثت الكثير من المدارس القرآنية للصغار وللكبار في كل أحياء تونس، الراقية منها والشعبية، هذا فضلا على أن المساجد لم تعد تغلق أبوابها خارج أوقات الصلاة، كما كان الشأن قبل سقوط نظام بن علي.
ولكن هذه المظاهر سبقت تسلم حركة النهضة للحكم، حيث بدأت في البروز في زمن حكومة محمد الغنوشي الذي شغل منصب الوزير الأول مع بن علي، وترأس أول حكومة بعد سقوط هذا الأخير، وكذا حكومة الباجي قائد السبسي من بعده. وهي مظاهر يعدها البعض في باب الحرية الفردية التي أصبح ينعم بها كل التونسيين دون استثناء بعد سقوط النظام السابق.
الظاهرة البارزة الأخرى التي عرفها المجتمع التونسي خلال السنتين الأخيرتين تتصل بالحضور الكبير للعمل الخيري وتوسعه. وهو ما يعكسه تزايد عدد الجمعيات الخيرية بشكل لافت حيث أصبحت تعد بالآلاف. ولا يخفى أن الكثير من هذه الجمعيات الخيرية ترتبط بالأحزاب السياسية. ويدور منذ مدة جدل واسع ومثير حول هذه الجمعيات وما إذا كانت أهدافها خيرية حقا أم سياسية. كما تطرح نقاط استفهام كثيرة عن مصادر تمويلها. وقد وصل الأمر إلى تبادل الاتهامات بين القوى السياسية التونسية بهذا الخصوص.
وتبقى ظاهرة «خروج عدد من المساجد عن السيطرة»، حسب التعبير الذي استخدمه مسؤولون في وزارة الشؤون الدينية التونسية في تصريحات إعلامية، من الظواهر الجديدة التي برزت في المجتمع التونسي وهو ما دفع ببعض المواطنين إلى تغيير المساجد التي اعتادوا أداء الصلاة فيها، بسبب خطاب يعتبره البعض «متطرفا»، خاصة حين وصل الأمر إلى «التكفير والتحريض المباشر وغير المباشر على العنف». وتؤكد وزارة الشؤون الدينية أنه «جرت استعادة الكثير هذه المساجد شيئا فشيئا»، وأن «المشكل لا يزال قائما في نحو مائة مسجد» في كامل تراب البلاد.

اعتداءات
خلال شهر رمضان المعظم الأخير، ورغم النداءات التي توجه بها بعض الدعاة، وكذلك إدلاء نور الدين الخادمي، وزير الشؤون الدينية التونسي، بتصريح فهم منه، أنه «دعوة لمنع فتح المقاهي في رمضان نهارا»، فإن عددا قليلا من المقاهي قد واصلت عملها خلال الشهر المعظم متخذة فقط بعض الاحتياطات حتى لا يبرز رواد هذه المقاهي للعيان وللمارة.
كما تواصل الحانات والنزل التي تبيع المشروبات الكحولية عملها بشكل عادي تقريبا، عدا تسجيل اعتداءات من بعض الجهات التي وصفت بالمتشددة دينيا، على محلات في مدينة سيدي بوزيد وسط غربي تونس، ومدينة جندوبة شمال غربي العاصمة، حيث قامت بعض المجموعات بتحطيم واجهات وتجهيزات هذه المحلات، وبإتلاف كميات من قوارير الجعة والخمر، علما وأن المشروبات الكحولية سجلت ارتفاعا لافتا في أسعارها خلال السنتين الأخيرتين، وهو ما رأى فيه البعض طريقة غير مباشرة لإثناء الناس عن تناولها، عوضا عن منع استهلاكها.
الواضح أن الجدل حول النموذج المجتمعي التونسي ونمط عيش التونسيين سيتواصل في المستقبل بين الجهات التي تتهم «النهضة» بـ«ازدواجية الخطاب» وبأنها «تضمر ما لا تظهر»، وأنها لن «تتأخر متى سنحت الفرصة عن محاولة تغيير نمط المجتمع التونسي»، وبين الإسلاميين الذين يؤكدون أنهم «لن يتعسفوا على التونسيين» ويرون فيما جد من أحداث أنها «تبقى أحداثا معزولة وقع تهويلها وربط الحركة بها لتشويهها ولتخويف الناس منها لغايات سياسية بحتة».



«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة المبرم قبل نحو شهرين، وسط حديث إسرائيل عن أن هناك تعثراً وشروطاً إسرائيلية للانتقال لتلك المرحلة.

تلك الجهود التي تشمل تحركات واتصالات أميركية ومصرية بخلاف اجتماع عسكري بالدوحة، تعزز فرص التوصل إلى حل لإنهاء تعثر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ما يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، معتقدين أن هناك ترقباً للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لحسم الانتقال من عدمه.

وعاد الحراك الأميركي بشأن غزة مكثفاً، وأطلع ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، مبعوثا ترمب، وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين، على المستجدات بشأن اتفاق غزة خلال مؤتمر عبر الفيديو، وفق ما نقلته وكالة «رويترز».

فلسطيني يجمع قوالب الخرسانة الخفيفة لبناء مأوى لعائلته قبل حلول فصل الشتاء في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن توم برّاك مبعوث ترمب يصل إلى إسرائيل، الاثنين، لبحث بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة أن «الزيارة بالغة الحساسية، وتقيّم مدى استعداد إسرائيل للتقدم نحو المرحلة الثانية، وتعكس نفاد صبر الرئيس ترمب إزاء تعثر الانتقال إلى المرحلة التالية من خطته لقطاع غزة، وستناقش قوات الاستقرار بغزة».

وأوضحت أن «برّاك يرى أن تركيا يجب أن تكون جزءاً من قوة الاستقرار، بفضل قدراتها العسكرية ونفوذها في غزة، ولكن إسرائيل تعدّ ذلك خطاً أحمر، إذ ترى أن أي طرف يحتفظ بعلاقات مع (حماس) لا يمكن أن يُصنف قوةَ استقرار، وإشراكه (في القوة الدولية) قد يقوض الاتفاق».

ورأت الهيئة زيارة برّاك، رغم أنه مهتم أكثر بشؤون سوريا ولبنان، «خطوة تحضيرية مباشرة للقاء المرتقب بين نتنياهو وترمب بفلوريدا في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي»، في ظل انشغال ويتكوف وكوشنر بملف أوكرانيا.

وتأتي تلك الزيارة عشية استضافة الدوحة اجتماعاً للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة 25 دولة، الثلاثاء، لبحث هيكل القيادة وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة، بحسب ما ذكره مسؤولان أميركيان لـ«رويترز» قبل أيام.

وسبق أن تحدثت القناة «14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الولايات المتحدة حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة إلى إمكانية تأجيله مجدداً.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، أن المساعي الأميركية تعكس وجود ضغوط لتسهيل التفاوض بشأن المرحلة الثانية، التي تبدو معقدة للغاية مع مساعي نزع سلاح القطاع وتشكيل قوات الاستقرار ولجنة إدارة القطاع، مشيراً إلى أن «تلك الملفات لم تحسم بعد، وليست هناك ملامح بشأن إنجازها قريباً والأمور ضبابية».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، بأنه «أياً كانت المساعي فيجب أولاً وقف التماهي بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن تضغط واشنطن بقوة على نتنياهو، غير ذلك ستذهب التحركات الأميركية بلا نتائج مؤثرة، خصوصاً أن هناك حديثاً عن توجه للقفز للبند 17 من اتفاق غزة الذي يسمح ببدء تحركات فردية إسرائيلية في أماكن سيطرتها وإعمارها، وهذا أمر خطير».

ووسط تلك المساعي الأميركية، والمخاوف، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال اتصال هاتفي، الاثنين، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترمب، وأهمية نشر قوة الاستقرار الدولية المؤقتة لمراقبة وقف إطلاق النار، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر أمني، أن تنفيذ المرحلة الثانية «غير وشيك»، مع استمرار مساعي إسرائيل لاستعادة جثة الرهينة ران غويلي، التي تعد آخر جثة تطالب باستعادتها من قطاع غزة، فيما أفاد موقع «والا» العبري بأن تل أبيب تربط التقدم في الاتفاق باستعادة الجثة.

ويرى السفير هريدي أن إسرائيل تتعمد إفساد التوجه للمرحلة الثانية بتلك الذرائع، مشيراً إلى أن «القاهرة تعمل على إنهاء تلك الذرائع وتوسيع دائرة التحركات، لدفع واشنطن نحو إجبار نتنياهو على تنفيذ الاتفاق، وهذا سيتضح أكثر خلال لقاء القمة مع ترمب أواخر الشهر».

وشدد الرقب على أن «محددات المرحلة الثانية 3 أمور رئيسية؛ هي وصول قوات الاستقرار، وتشكيل لجنة إدارة القطاع، ووجود جهاز شرطي فلسطيني لتسلم غزة، وجميع ذلك لم يحدث، وبالتالي سيتأخر الانتقال لتلك المرحلة، ما لم يحسم ترمب الأمر مع نتنياهو خلال القمة المرتقبة».


الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
TT

الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)

تفجّرت مشادة كلامية بين رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس، وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، حول قيمة الحد الأدنى للأجور في البلاد.

وبدأت المهاوشة على خلفية دعوة ساويرس لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 ألف جنيه شهرياً (الدولار يساوي نحو 47.48 جنيه)، إلا أن الرد من بكري جاء لاذعاً، متهماً رجل الأعمال بـ«البطولة الوهمية»، مطالباً إياه بأن يبدأ بنفسه بتطبيق الحد الأدنى في شركاته قبل أن يطالب الدولة.

رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (صفحته الرسمية)

كان نجيب ساويرس قال قبل أيام، خلال كلمته في مؤتمر توظيفي، إن مؤسسة «ساويرس للتنمية الاجتماعية» تواصل جهودها في دعم وتأهيل الشباب لسوق العمل، بما يسهم في رفع دخولهم من مستويات متدنية قد لا تتجاوز ألفي جنيه إلى نحو 14 و15 ألف جنيه، وهو ما اعتبره «الحد الأدنى الضروري للمعيشة وضمان حياة كريمة للمواطن في ظل التضخم الحالي».

وقرر «المجلس القومي للأجور» في فبراير (شباط) الماضي زيادة الحد الأدنى من 6 آلاف جنيه لتصل إلى 7 آلاف جنيه بدأ تطبيقها في مارس (آذار) الماضي.

وتأتي دعوة رجل الأعمال المصري وسط مطالبات مجتمعية وبرلمانية متزايدة برفع مستويات الدخل في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتكاليف المعيشة، ومع تذبذب مؤشرات التضخم.

وأصدر البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان التضخم عن نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي أظهر استمرار التراجع الطفيف في وتيرة ارتفاع الأسعار؛ حيث بلغ معدل التضخم السنوي في الحضر 12.3 في المائة مقارنة مع 12.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) السابق عليه.

ورغم أن مطلب ساويرس لاقى دعماً شعبياً واسعاً، وهو ما اتفق عليه أيضاً البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، فإنه أضاف في تغريدة له على حسابه بمنصة «إكس»، موجهاً حديثه لرجل الأعمال: «ما رأيك أن تبدأ أنت بالمبادرة وترفع رواتب الموظفين عندك»، واتهم ساويرس بأن رواتب الأغلبية لديه «لا تتعدى 5760 جنيهاً شهرياً، وهناك من هو أقل من ذلك».

وأثارت هذه المهاوشة الافتراضية تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن ساويرس يسلط الضوء على قضية فعلية تتعلق بضعف الأجور، ومن يعتبر أن بكري محق في مطالبته لرجل الأعمال بأن يكون قدوة في مؤسساته الخاصة قبل أن يطالب الدولة بالتغيير.

وأيد كثير من نشطاء التواصل الاجتماعي أن يكون الحد الأدنى للأجر 15 ألف جنيه، وتمنوا أن يصل صوت ساويرس إلى المسؤولين في مصر.

كما تفاعل عدد من الإعلاميين مع ما نادى به رجل الأعمال، وقال الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه «الحكاية»، مساء الأحد، «إن مصر تحتاج إلى وزارة للرحمة، وأن المجتمع المصري لن ينجو بالاقتصاد ولكن سينجو بالرحمة».

وأشار إلى أنه طالب بهذا الرقم قبل سنوات ما عرضه للانتقاد وقتها، موضحاً «أن الحد الأدنى الحالي للأجور البالغ 7 آلاف لا يطبق في أغلب الشركات».

بدوره، قال الإعلامي محمد علي خير، في برنامجه «المصري أفندي»، إن ملف الأجور في مصر أصبح أحد أخطر ملفات العدالة الاجتماعية، مشدداً على أن الدخول الحالية لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، خصوصاً للشباب المقبل على الزواج.

وأضاف: «الحديث عن أجور 4000 و5000 و6000 و7000 جنيه لم يعد مقبولاً في ظل الغلاء الحالي وتراجع القدرة الشرائية»، مؤكداً أن الأجور في مصر تحتاج إلى تغيير جذري وليس حلولاً شكليةً.

كما تبادل العديد من النشطاء الرؤى حول الحد الأدنى المناسب للراتب، لضمان حياة كريمة للملايين من العاملين.

وتطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير (كانون الثاني) 2022، حيث بدأ بـ2400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2700 جنيه في يناير 2023، و3000 جنيه في يوليو (تموز) 2023، ثم 3500 جنيه في يناير 2024، و6000 جنيه في مايو (حزيران) 2024، ليصل إلى 7000 جنيه اعتباراً من مارس 2025.

في المقابل، انتقد بعض المدونين كلمات بكري المنتقدة لمطلب رجل الأعمال البارز، مطالبين إياه بمساندة ساويرس في كلامه بدلاً من السخرية منه. كما طالبه آخرون، كونه إعلامياً بارزاً وصوتاً للمواطن في البرلمان، بفتح النقاش عن الحد الأدنى للرواتب والمعاشات.

بينما سخر طرف ثالث من المهاوشة الافتراضية، لافتين إلى أن طرفيها رجلان يملكان الملايين، ويتنازعان حول أجور ومستحقات البسطاء، في حين أن المحصلة النهائية ستكون غياب أي نتيجة إيجابية من الطرفين.


أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
TT

أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)

على الرغم من أن التدخلات التنموية في اليمن تمكّنت من إحداث فارق ملموس في تحسين سبل العيش، تزداد تحذيرات وكالات الأمم المتحدة من اتساع فجوة تمويل الأعمال الإنسانية في اليمن، مع سعيها إلى الاستجابة الطارئة لحماية الأطفال والفئات الأكثر هشاشة من الوصول إلى مستويات شديدة من نقص الاحتياجات.

نفاد الإمدادات

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن حاجتها إلى 126.25 مليون دولار، لتنفيذ خطتها الإنسانية في البلاد للعام المقبل، وضمان استمرار خدمات الصحة والتغذية والمياه والتعليم والحماية لملايين الأطفال الذين يعتمد غالبيتهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، محذرة من أن استمرار التدهور قد يحرم أعداداً متزايدة من الرعاية الأساسية.

وتراجعت حاجة «اليونيسف» إلى تمويل نشاطها في اليمن للعام المقبل بنسبة 40 في المائة عن العام الحالي، الذي طلبت فيه تمويلاً بمبلغ 212 مليون دولار.

ونبهت المنظمة الأممية إلى أن إغلاق أكثر من 3000 مركز تغذية، ونفاد الإمدادات الحيوية بحلول أوائل العام المقبل، يجعلان حياة مئات الآلاف من الأطفال عرضة للخطر.

ملايين الأطفال اليمنيين يواجهون خطر سوء التغذية ونقص الخدمات الصحية (الأمم المتحدة)

بدورها، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) نداء تمويلياً بقيمة 86.57 مليون دولار، لدعم سُبل العيش الزراعية وتعزيز القدرة على الصمود لنحو 9.15 مليون شخص في اليمن خلال العام نفسه.

تدخلات زراعية

تقدّر «فاو» أن اليمن يُعد ثالث أكبر أزمة غذاء في العالم، حيث يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم نحو 41 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة، بعد عقد من بدء النزاع المسلح، والتطورات الأخيرة التي عطّلت سلاسل التوريد، إلى جانب الانهيار الاقتصادي والتغيرات المناخية القاسية.

ويتوقع المنسق العام للجنة اليمنية العليا للإغاثة، جمال بلفقيه، أن نقل مكتب منسق الشؤون الإنسانية إلى العاصمة المؤقتة عدن سيساعد بشكل كبير على تنفيذ خطط الاستجابة الإنسانية وتغيير مسار العمل الإنساني وبيان أثرها، داعياً إلى الشراكة بين المنظمات الدولية والقطاع الخاص في اليمن، لتوفير السلع الأساسية والشراء من السوق المحلية.

فجوة تمويل الإغاثة في اليمن تهدد بتراجع كبير في القدرة الشرائية للسكان وفق خبراء (أ.ف.ب)

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يبدي المسؤول الإغاثي الحكومي قلقه من أن اختطاف الجماعة الحوثية العاملين في الوكالات الأممية، وممارسة الابتزاز باستخدام الورقة الإنسانية سيعوقان أداء المنظمات ويؤثران سلباً على الدعم الخارجي، مبدياً تفاؤله بأن تؤدي الإجراءات الاقتصادية الحكومية إلى تحسين أسعار المواد الأساسية، مما يساعد في تحسين القوة الشرائية.

وتوضح الوكالة الأممية أن 17.68 من التمويل سيُوجّه إلى صالح تدخلات زراعية طارئة لتحقيق تعافي سُبل المعيشة، ويشمل ذلك توزيع البذور، وتطعيم الماشية، وإعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية والمائية، في مساعٍ للحد من اعتماد السكان الكامل على المساعدات الغذائية، فيما سيُستخدم المبلغ المتبقي لتعزيز القدرة على الصمود للفئات المستهدفة.

وبسبب مواجهة برنامج الغذاء العالمي عجزاً كبيراً في تمويله، تم تقليص المستفيدين من خدماته إلى النصف، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية وسحب ما بين 200 و300 مليون دولار سنوياً من الأسواق المحلية، حسبما أورده المستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية، فارس النجار.

تعزيز صمود الريف

وبينما يحتاج البرنامج الأممي إلى أكثر من 300 مليون دولار للستة الأشهر المقبلة، لم يحصل سوى على 106 ملايين دولار فقط.

طفل يتلقى العلاج من سوء التغذية في أحد مستشفيات صنعاء (الأمم المتحدة)

ويقدّر النجار أن سوء التغذية سيؤدي إلى خسارة مستقبلية في إنتاجية الفرد ما بين 10 و15 في المائة، مما يعني اقتصاداً أصغر وناتجاً أقل لعقد كامل إذا لم تجرِ حماية الفئات الأضعف، لافتاً إلى أن عدم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية سيضع اليمنيين أقرب من أي وقت مضى أمام سيناريوهات المجاعة.

في غضون ذلك، كشف الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) عن أن التدخلات التنموية متوسطة المدى يمكن أن تُحدث فرقاً ملموساً حتى في ظل استمرار النزاع، وأن هذه التدخلات عززت من تحسين سبل العيش والأمن الغذائي لعشرات الآلاف من السكان في المناطق الريفية في اليمن، رغم استمرار النزاع وانهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية.

جاء ذلك بعد أن أظهر مشروع تنمية سبل العيش الريفية، المنفذ بين عامَي 2021 و2024، أن تحسين الوصول إلى المياه وتحديث أنظمة الري أسهما في خفض استهلاك المياه بنسبة وصلت إلى 80 في المائة، إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعي، وتحسين دخل آلاف الأسر في خمس محافظات يمنية.

تنمية سبل العيش الريفية تُسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتحسين دخل آلاف الأسر (إيفاد)

وذكر «إيفاد»، في تقرير حديث، أن إجمالي تمويل المشروع وصل إلى 5.3 مليون دولار، وشمل 5 محافظات و31 مديرية، واستفاد منه أكثر من 84 ألف شخص في نحو 12 ألف أسرة ريفية. وركزت التدخلات على تحسين الوصول إلى المياه، وإعادة تأهيل أنظمة الري، وحماية الأراضي الزراعية من الفيضانات، بالإضافة إلى دعم المزارعين بمدخلات زراعية وتدريب تقني.

ونوه «إيفاد» إلى أن اعتماد نهج التعاقد المجتمعي، بالشراكة مع صندوق التنمية الاجتماعية ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، مكّن المجتمعات المحلية من قيادة عملية التخطيط والتنفيذ، مما عزّز الحوكمة المحلية والتماسك الاجتماعي في بيئات تعاني هشاشة مؤسسية شديدة.

وبيّن التقرير أن تحديث البنية التحتية المائية أسهم في خفض استهلاك مياه الري بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المائة، وتحسين إنتاجية المزارعين، إلى جانب حماية 131 هكتاراً من الأراضي الزراعية. كما استفاد أكثر من 3300 مزارع من المدارس الحقلية والأعمال الزراعية، فيما تلقت 4000 امرأة ورجل تدريبات في مجالات التغذية والزراعة المنزلية.