«لاكويلا» الإيطالية.. الجزء القديم منها أشبه بمدينة أشباح

بعد خمس سنوات من زلزال دمر معظم معالمها التاريخية التي تعود للقرون الوسطى

الرئيس أوباما مع الرئيس السابق سلفيو برلسكوني في مدينة لاكويلا
الرئيس أوباما مع الرئيس السابق سلفيو برلسكوني في مدينة لاكويلا
TT

«لاكويلا» الإيطالية.. الجزء القديم منها أشبه بمدينة أشباح

الرئيس أوباما مع الرئيس السابق سلفيو برلسكوني في مدينة لاكويلا
الرئيس أوباما مع الرئيس السابق سلفيو برلسكوني في مدينة لاكويلا

لا تزال مدينة لاكويلا، التي تعود للقرون الوسطى، تعاني من أضرار جسيمة، على الرغم من تأكيدات الحكومة الإيطالية بأن إعادة إعمار المدينة تمثل أولوية، بعد مرور خمس سنوات على الزلزال الذي دمر معظم معالمها. وكتب فيليب دافيريو، وهو خبير فني صنع فيلما وثائقيا عن حالات إعادة الإعمار بعد الزلزال في إيطاليا، في صحيفة «كورييري ديلا سيرا»: «ببطء، وبلا هوادة، تتحول الأنقاض إلى أثر تاريخي».
وأضاف دافيريو محذرا: «اليوم، تتعرض لاكويلا لمخاطر يمكن أن تحولها إلى بومبي القرن الـ21»، في إشارة إلى أنقاض المدينة الرومانية القديمة التي دمرها ثوران بركاني في القرن العشرين.
يذكر أن زلزالا بقوة 6.3 درجة على مقياس ريختر ضرب مدينة لاكويلا و56 قرية مجاورة في ساعة مبكرة من صباح 6 أبريل (نيسان) 2009، مما أسفر عن مقتل 309 أشخاص وتشريد ما يقرب من 70 ألف شخص. ولا يزال أكثر من 20 ألفا يعيشون في مساكن مؤقتة.
ووفقا للبيانات الرسمية، جرى الانتهاء من أكثر من 70 في المائة من أعمال إعادة الإعمار في البلديات المحيطة بمدينة لاكويلا. أما معدل الإنجاز في المراكز التاريخية فلم تتجاوز نسبته نحو 30 في المائة.
ويقارن الجزء القديم من لاكويلا بمدينة أشباح، حيث تخلو الشوارع من المارة وتدعم السقالات غير مستقرة المظهر الكنائس والمباني العامة والمنازل. وهو محروم من روح المجتمع التي كانت سائدة من قبل.
وتقول فالنتينا فيلا، التي تدرس الهندسة في إحدى الجامعات المحلية، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): «إذا خرجت في فترة ما بعد الظهر إلى شارع التسوق الرئيس، فلن تجد أحدا هناك، كل شيء مغلق، إنه لأمر محزن بعض الشيء. فقط في المساء، تفتح بعض الحانات القليلة أبوابها أمام الطلاب». وتضيف: «الناس يفضلون التسكع في مراكز التسوق» في النهار. ووصف وزير الثقافة داريو فرانشيسكيني أصحاب المحال التجارية القلائل الذين استأنفوا نشاطهم التجاري في وسط المدينة بـ«الأبطال» أثناء زيارة له أخيرا إلى المدينة، ووعد بإعادة المدينة القديمة إلى الحياة «في غضون خمس سنوات». ويرى البعض أن هذا التعهد مفرط في التفاؤل.
وفي مقابلة مع صحيفة «إيل سنترو»، قال رئيس النقابة المحلية للمهندسين المعماريين، جيانلورينزو كونتي، إن «الوفاء بوعد السنوات الخمس مستحيل». وحذر قائلا: «أنا أخشى أن ينخدع الناس بهذه الكلمات: أعتقد أن الأمر سيستغرق من 30 إلى 40 سنة للانتهاء من إعادة الإعمار».
وكان وزير المعونة الإقليمي السابق فابريتسيو باركا قد قدر في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية العام الماضي، أن إعادة الإعمار ستستغرق من 10 سنوات إلى 12 سنة، لكنه أشار إلى أن عملية إعادة السكان إلى المركز التاريخي للمدينة يمكن أن تبدأ بحلول عام 2016 مع الانتهاء من إعادة ترميم أولى المباني السكنية. وحتى الآن، يجري تأجيل العمل بسبب خليط من خلافات البيروقراطية، والافتقار إلى التمويل، واتهامات بالكسب غير المشروع، وتغلغل عصابات المافيا في مناقصات إعادة الإعمار العامة المربحة. وتقول ستيفانيا بيتزوباني، وهي مشرعة من الحزب الديمقراطي الحاكم، يسار الوسط، والحاكمة الإقليمية السابقة، إن وتيرة الإجراءات الإدارية تسارعت منذ العام الماضي، لكن العجز في الميزانية يبقى المشكلة الرئيسة.
وتضيف في مقابلة مع (د.ب.أ): «هناك العديد من المعالم ما زلنا لا نعرف ما إذا كنا سنستطيع إعادة بنائها» مشيرة إلى كنيسة سانتا ماريا دي كوليماجيو التي تضررت بشدة وتعد المعلم التاريخي الأكثر شهرة في لاكويلا، بوصفها أحد المواقع المعرضة للخطر.
ومنذ عام 2009، خصصت الحكومة 12 مليار يورو (16.5 مليار دولار) من أجل إعادة إعمار المدينة والمناطق المحيطة بها. وجرى إنفاق ما يقرب من نصف هذا المبلغ. وتقول بيتزوباني إن هناك حاجة لنحو ستة مليارات يورو إضافية على مدى السنوات الست المقبلة لإنجاز هذه المهمة. وتابعت: «نريد إعادة بناء كل شيء تقريبا بحلول الذكرى السنوية العاشرة للزلزال المشؤوم. إذا حصلنا على مليار دولار سنويا من الآن فصاعدا، فسنستطيع أن نفعل ذلك». وحث بابا الفاتيكان فرنسيس الأول الأسبوع الماضي سكان البلدة على «إبقاء الأمل حيا». وأضاف: «بعد مرور خمسة أعوام على الزلزال الذي دمر مدينتكم، أنضم إلى الصلوات من أجل العديد من الضحايا». وتابع: «أدعو كل شخص إلى التمسك بالأمل».
أما طالبة الهندسة فيلا، التي تبعد قريتها نحو 100 كيلومتر عن لاكويلا، فقد كانت شاهدة على الدمار الناجم عن الزلزال. في البداية، شعرت فيلا أن «قدميها لن تطئا أبدا» المدينة مرة أخرى، لكن الدرجة الجامعية أجبرتها على الارتباط بالمكان. وترى فيلا أن لاكويلا بدأت تستعيد عافيتها «ببطء.. ببطء شديد». وتضيف: «الآن بعد أن أنهيت دراستي على مدى ثلاث سنوات تقريبا للحصول على الدرجة الجامعية، أنا لست متأكدة من أنني سأبقى من أجل استكمال دراساتي العليا».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».