القضاء البلجيكي يوافق على تسليم المتهم الثالث في اعتداءات بروكسل لباريس

«خطأ» يتسبب في تسديد الحكومة الفرنسية 13 ألف دولار لمتطرف

وزيرا الداخلية بيرنار كازنوف والدفاع جان إيف لودريان الفرنسيان يغادران الإليزيه  في باريس بعد اجتماع حول مكافحة الإرهاب الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
وزيرا الداخلية بيرنار كازنوف والدفاع جان إيف لودريان الفرنسيان يغادران الإليزيه في باريس بعد اجتماع حول مكافحة الإرهاب الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
TT

القضاء البلجيكي يوافق على تسليم المتهم الثالث في اعتداءات بروكسل لباريس

وزيرا الداخلية بيرنار كازنوف والدفاع جان إيف لودريان الفرنسيان يغادران الإليزيه  في باريس بعد اجتماع حول مكافحة الإرهاب الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
وزيرا الداخلية بيرنار كازنوف والدفاع جان إيف لودريان الفرنسيان يغادران الإليزيه في باريس بعد اجتماع حول مكافحة الإرهاب الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)

وافق القضاء البلجيكي أمس على تسليم محمد عبريني إلى السلطات الفرنسية لمحاكمته على احتمال تورطه في تفجيرات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، مشترطة أن يقضي عقوبة سجنه في بلجيكا.
وعبريني هو المشتبه في كونه المتهم الثالث في تفجيرات مطار بروكسل، وكان قد صدر أمر اعتقال أوروبي في حقه، وأصبح واجب النفاذ الشهر الماضي من قبل الهيئة القضائية المختصة في بروكسل. واشترطت الهيئة أن يتضمن قرار الموافقة على تسليمه إلى فرنسا ضمان العودة إلى بلجيكا لتمضية العقوبة فيها، وذلك حسب ما أكد محاميه تساتيسلاس ازكيناسي في تصريحات للإعلام البلجيكي.
وكان عبريني قد اعتقل في 8 أبريل (نيسان) الماضي في اندرلخت ببروكسل، والتقطت صور لعبريني (31 عاما) عندما كان مع صديقه صلاح عبد السلام، الناجي الوحيد من بين منفذي تفجيرات باريس، وذلك عشية تنفيذ الهجمات على الطريق المؤدي إلى باريس.
وسبق أن جرى الإعلان أن عبريني كان يخضع للمراقبة من جانب الشرطة البلجيكية خلال الشهور التي سبقت تفجيرات باريس في نوفمبر الماضي، وظلت تحركاته ومسكنه تحت المراقبة حتى اختفائه مع زميله صلاح عبد السلام في أعقاب التفجيرات. بهذا الصدد، قالت صحيفة «الباريسيان» الفرنسية، إنه «منذ خروج عبريني من السجن في 25 يونيو (حزيران) 2015 خضع للرقابة من الشرطة البلجيكية. ولكن في 27 يوليو (تموز)، جرى تكثيف الرقابة على تحركاته ومسكنه بناء على تحقيقات بدأت في 17 يوليو الماضي حول نشاطه الإرهابي».
وأشارت الصحيفة إلى أن عبريني توجه إلى تركيا عقب الإفراج عنه، وكانت الشرطة تعتقد أنه سيتوجه من هناك إلى سوريا، ولكن عبريني عاد ولاحظ المراقبة الأمنية له، فسلم نفسه طوعيا إلى الشرطة وأخبرهم بأنه ذهب إلى تركيا لزيارة أماكن سياحية. كما أكّد عبريني أنه مكث أسبوعا في لندن ويومين في باريس قبل عودته إلى بروكسل. ولكن رجال الشرطة لم يقتنعوا بالأمر، واستمرت عملية المراقبة حتى يوم 13 نوفمبر عندما اختفى بشكل تام. وشوهد آخر مرة بصحبة زميله صلاح عبد السلام في إحدى المناطق الحدودية بين بلجيكا وفرنسا، وظل كل منهما مختفيا حتى اعتقال صلاح في 18 مارس (آذار) الماضي في بلدية مولنبيك ببروكسل، أي قبل أيام قليلة من التفجيرات التي ضربت العاصمة البلجيكية.
في سياق متصل، قالت وزارة الداخلية الفرنسية إن السلطات طردت أول من أمس رجلا تونسيا بسبب «تهديد بالغ للأمن العام»، وسط حالة التأهب التي تعيشها البلاد بعد شهر من هجوم نيس الذي راح ضحيته 85 شخصا.
ولم يعط بيان الوزارة سببا تفصيليا لطرد التونسي محسن مهادي. ورفع القرار العدد الإجمالي لحالات الترحيل من هذا النوع لأربع حالات في أغسطس (آب).
ولم يتسن الوصول على الفور لمتحدث باسم الداخلية الفرنسية للتعليق. ويتعرض السجل الأمني للحكومة الاشتراكية في فرنسا لانتقادات حادة من جانب السياسيين في المعارضة قبل أقل من عام على الانتخابات الرئاسية. وفي أنحاء فرنسا لا تزال الإجراءات الأمنية مشددة وألغيت عدة احتفالات بعد سلسلة هجمات على مدى العامين الماضيين.
وأبقت الحكومة على حالة الطوارئ التي فرضتها عقب مقتل 130 شخصا في هجمات إرهابية على باريس في نوفمبر (تشرين الثاني). وفي نهاية يوليو (تموز)، اقتحم مهاجمان قداسا في كنيسة في شمال فرنسا وذبحوا قسا في هجوم أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه.
على صعيد متصل، دفع القضاء الفرنسي بالخطأ تعويضات تقارب 12 ألف يورو (13600 دولار) إلى بلجيكي من أصل تونسي يشتبه بانتمائه إلى التيار المتطرف، على ما أفادت وزارة العدل أول من أمس في بيان.
وأوضح البيان، أن فاروق بن عباس الذي يعرف عنه أنه مقرب من فابيان كلان الذي أعلن في تسجيل صوتي تبني اعتداءات نوفمبر 2015 في باريس باسم تنظيم داعش، تقاضى 18960 يورو تعويضا عن إبقائه قيد التوقيف الاحترازي لفترة من الزمن في سياق تحقيق إرهابي خلص إلى قرار برد الدعوى.
لكن وزارة العدل أوضحت الخميس، أن هذا الرجل البالغ من العمر 31 عاما كان يحق له فقط بنحو سبعة آلاف يورو.
وينص القانون الفرنسي على دفع تعويضات لمن يدخل السجن في قضية يتم إسقاط الدعوى فيها، أو إطلاق سراحه أو تبرئته. ووضع بن عباس قيد التوقيف الاحترازي من منتصف 2010 حتى نهاية 2011 في إطار تحقيق في قضية تشكيل عصابة إجرامية على ارتباط بمخطط إرهابي، وتحديدا في قضية التخطيط للاعتداء على مسرح «باتاكلان» في باريس.
وأصدر قضاة التحقيق في المسائل الإرهابية في سبتمبر (أيلول) 2012 قرارا برد الدعوى لعدم وجود أدلة كافية. وفي مارس 2014 حكمت له محكمة الاستئناف في باريس بنحو 19 ألف يورو تعويضا عن الضررين المعنوي والمادي اللذين لحقا به، قبل أن تخفض محكمة أخرى المبلغ إلى نحو سبعة آلاف يورو.
غير أن الوزارة التي تتبع قضاء الاستئناف لم تتلق القرار القضائي الثاني، ودفعت بالتالي لبن عباس نحو 18960 يورو، فضلا عن فوائد على المبلغ بقيمة 11960 يورو.
من جهته، أكد ويليام بوردون، محامي بن عباس، لوكالة الصحافة الفرنسية، أنه «إذا كان هناك مبالغ فائضة عن القيمة المحددة، فإن فاروق بن عباس سيعيد تسديدها».
وسبق أن أخطأ القضاء تجاه فاروق بن عباس في 22 يوليو؛ إذ اضطرت السلطات إلى وقف تنفيذ قرار بترحيله في اللحظة الأخيرة بعدما اكتشفت أنه يخضع لتحقيق قضائي يحظر عليه مغادرة الأراضي الفرنسية، في إطار قضية أخرى بتهمة «تشكيل عصابة إجرامية على ارتباط بمخطط إرهابي».
ولا يزال فاروق بن عباس يواجه اتهامات في هذا التحقيق الذي يتناول موقع «أنصار الحق» الإلكتروني الفرنكوفوني الذي يروج للقتال. كما فرضت عليه الإقامة الجبرية في مدينة تولوز (جنوب) غداة 13 نوفمبر، وحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر مع النفاذ؛ لعدم احترامه شروط الإقامة الجبرية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟