بين الاتهام والبراءة

بين الاتهام والبراءة
TT

بين الاتهام والبراءة

بين الاتهام والبراءة

* «قلبي مليء بأسف عميق»، كتب المخرج نايت باركر على«فيسبوك» قبل ثلاثة أيام. ومدعاة أسفه أن المرأة التي اتهم باغتصابها قبل سبعة عشر سنة انتحرت. ليس أنها انتحرت قبل أيام، ولا حتى قبل أسابيع أو أشهر، بل في عام 2012 عن عمر لم يتجاوز 30 سنة.‬
* أصل الحكاية هي أن تلك المرأة اتهمت الشاب باركر ورفيق دراسته في كلية «بن ستايت» باغتصابها، وتم تقديمهما إلى المحكمة التي برأت باركر ووجدت رفيق دراسته (واسمه جين سلستين) مذنبًا، هذا قبل أن يواصل دفاعه ويحصل على البراءة لاحقًا. حينها بدت القضية وقد انتهت عند هذا الحد سنة 1999. لكن المرأة المعتدى عليها عانت من جراء ما حدث لها، كما يبدو، فحاولت الانتحار أكثر من مرّة ونجحت سنة 2012 بوضع حد لحياتها.
* الخبر لم يصل إلى باركر إلا عندما أثارته الصحافة مجددًا وهو على وشك عرض فيلمه الجديد «مولد أمّة». خطر ذلك واضح على مصير الفيلم الذي توزعه «فوكس سيرتشلايت»، التي تصرف عليه الآن حملاته الترويجية التي ستؤهله، فرضيًا، للأوسكار. لكن شائبة من هذا النوع شديدة الضرر حتى وإن كان المخرج بريئًا. من آثارها إخفاق الفيلم في عروضه. أما الأوسكار فيمكن للفيلم أن يقبّله قبلة الوداع من الآن.
* باركر، في رسالته المطوّلة على «فيسبوك»، أكد براءته وقال إنه «كزوج وأب وشقيق ورجل مؤمن» يفهم الألم الذي خلفته الحادثة خصوصًا بالنسبة لعائلة المتهمة. وهذه ردّت بما معناه أن ما حدث جزء من الماضي لكن ذلك لا يعني أنها تغاضت عنه. شقيقة الراحلة شذّت وهددت بمواصلة القضية. أما الإعلام فلديه الآن لعبة جديدة يلهو بها على وجهي التهمة والبراءة.
* هذا حدث سابقًا في هوليوود. في عام 1922 اتهم الكوميدي فاتي أرباكل باغتصاب الممثلة الشابة فرجينيا راب وقتلها خلال حفلة أقيمت في داره في سان فرنسيسكو. ما حدث أن الفتاة توعكت خلال الحفلة وحسب الادعاء استغل أرباكل (الذي كان آنذاك نجمًا تكاد شهرته توازي شهرة باستر كيتون وتشارلي شابلن) حالتها واعتدى عليها ثم قتلها. المحكمة، عبر لجنتها من المحلفين، حكمت عليه مرّتين ثم برأته واعتذرت له في المرّة الثالثة. لكن الحادثة قضت على مستقبله بالكامل.
* ومعظمنا يعلم حكاية رومان بولانسكي مع الفتاة القاصر. هذه تبدو مؤكدة خصوصًا وأنها دفعت المخرج الشهير إلى التسلل هربًا من الولايات المتحدة والحياة والعمل بين فرنسا وسويسرا متجنّبًا الدول التي تستطيع بحكم القانون إلقاء القبض عليه وإرساله إلى أميركا.
* في كل هذه الحالات، لعب الإعلام الدور المنشود منه، بصرف النظر عما إذا كان المتهم بريئًا أم مذنبًا. لا يمكن وصم الإعلام بالمتجني لكنه في الوقت ذاته آلة مخيفة إذا ما تداولت تهمة كهذه.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز