رئيس وزراء مالي المعين يبدأ مشاورات تشكيل حكومة جديدة

الحركات المسلحة تدعو إلى استئناف المفاوضات لإنهاء الأزمة في «أزواد»

رئيس الوزراء المالي السابق (يسار) مع كريم كيتا نجل الرئيس المالي الجديد في باماكو (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء المالي السابق (يسار) مع كريم كيتا نجل الرئيس المالي الجديد في باماكو (أ.ف.ب)
TT

رئيس وزراء مالي المعين يبدأ مشاورات تشكيل حكومة جديدة

رئيس الوزراء المالي السابق (يسار) مع كريم كيتا نجل الرئيس المالي الجديد في باماكو (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء المالي السابق (يسار) مع كريم كيتا نجل الرئيس المالي الجديد في باماكو (أ.ف.ب)

بدأ رئيس وزراء مالي المعين موسى مارا، أمس، المشاورات من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، بعد تعيينه من طرف الرئيس إبراهيما ببكر كيتا، إثر قبول الرئيس استقالة رئيس الوزراء السابق عمر تاتام لي وحكومته، وفق ما جاء في بيان صادر عن الرئاسة المالية بثه التلفزيون الرسمي في وقت متأخر الليلة قبل الماضية.
وجاء في البيان الذي تلاه الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن الرئيس كيتا قرر تعيين وزير التخطيط العمراني في الحكومة المستقيلة، موسى مارا، في منصب رئيس الوزراء وكلفه تشكيل حكومة جديدة.
وحسب ما جاء في رسالة الاستقالة التي بعث بها رئيس الوزراء المستقيل إلى الرئيس كيتا، فإن «الفشل والعجز اللذين يحدان من قدرته على رفع التحديات» هما المبرران اللذان دعواه إلى الاستقالة، قبل أن يضيف أنه «بناء على ذلك، وأخذا بالاعتبار تباين وجهات النظر التي لا تضعني في وضع يمكنني من القيام بالمهمة التي أوكلتم إليّ، فإنني مرغم على تقديم استقالتي».
وكان تاتام لي يعد أحد وجوه التكنوقراط الشباب في مالي، متخصص في الاقتصاد وإدارة البنوك، ولم يعرف له انتماء سياسي، واشتهر بأنه أحد المقربين جدا من الرئيس كيتا، حيث كلفه تشكيل أول حكومة بعد تنصيبه رئيسا للبلاد في سبتمبر (أيلول) 2013، وهي الحكومة التي واجهت تحديات كبيرة، أبرزها ملف الصراع في شمال مالي، حيث تطالب حركات مسلحة من الطوارق والعرب بحقها في تقرير المصير في إقليم (أزواد) الذي يمثل ثلثي مساحة البلاد، في حين تنشط جماعات إسلامية مسلحة تدعو إلى تطبيق الشريعة في المنطقة.
ويأتي تعيين مارا (39 عاما) في منصب رئيس الوزراء، وتكليفه تشكيل حكومة جديدة، مستغربا لدى الأوساط السياسية في باماكو، خاصة أنه يرأس أحد الأحزاب السياسية المغمورة، ولا يملك تحت قبة البرلمان سوى مقعد وحيد من أصل 147 مقعدا، كما كان مارا أحد المرشحين للشوط الأول من الانتخابات الرئاسية في يوليو (تموز) 2013، وحصل حينها على نسبة 1.5 في المائة من أصوات الماليين، قبل أن يدعم كيتا في الشوط الثاني من نفس الانتخابات. ومارا هو ابن وزير العدل الأسبق جوزيف مارا الذي اعتقل خمس سنوات خلال عقد السبعينات من القرن الماضي إبان حكم الديكتاتور موسى تراوري.
وتبدي الأوساط السياسية والإعلامية في باماكو خشيتها من هشاشة الوضع السياسي في باماكو، خصوصا بعد ما أشارت الصحافة إلى تدخل الرئيس كيتا في عمل الحكومة، وتقييد يدي رئيس الوزراء، والحد من صلاحياته. وشددت بعض كبريات الصحف الصادرة في باماكو على ضرورة توحيد الصف السياسي الداخلي من أجل الدخول في مفاوضات مع الحركات المسلحة في الشمال لإنهاء أزمة أزواد. وتأتي استقالة الحكومة المالية بالتزامن مع مساع تقوم بها الحركات المسلحة في شمال مالي، نحو الضغط لاستئناف المفاوضات مع الحكومة، خاصة بعد عودة زعيم الطوارق إنتالا أغ الطاهر، أول من أمس إلى مدينة كيدال، في أقصى شمال شرقي مالي، قادما من المغرب، حيث قضى شهرين للعلاج بعد دعوة تلقاها من العاهل المغربي الملك محمد السادس. واستقبل أغ الطاهر من طرف المئات من سكان مدينة كيدال، أغلبهم من الحركة الوطنية لتحرير أزواد المحسوبة على قبائل الطوارق. ووجه أغ الطاهر بعيد وصوله إلى كيدال، نداء للتوصل إلى «سلام دائم» في منطقة شمال مالي، المعروفة محليا بإقليم «أزواد».في المقابل، عقدت الحركة العربية الأزوادية الأسبوع الماضي، مؤتمرا استثنائيا في منطقة حدودية بين موريتانيا ومالي، دعت في ختامه إلى استئناف المفاوضات مع الحكومة المالية من أجل التوصل إلى حل ينهي الأزمة التي يشهدها إقليم أزواد.
 



قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
TT

قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)

يعقد قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، الأحد، قمة «عادية» تشارك فيها 12 دولة من أصل 15، هم أعضاء المنظمة الإقليمية، فيما يغيب قادة كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر التي قررت الانسحاب من المنظمة، بسبب موقف الأخيرة من الأنظمة العسكرية التي تحكم هذه الدول، والمحسوبة على روسيا.

ورغم أن هذه القمة «عادية»، فإنها توصف من طرف المراقبين بأنها «استثنائية»؛ بسبب حساسية الملفات التي سيناقشها قادة دول غرب أفريقيا، التي في مقدمتها الملفات الأمنية بسبب تصاعد وتيرة الإرهاب في المنطقة، وملف العلاقة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل، والسعي لإقناعها بالتفاوض والتراجع عن قرار الانسحاب.

قرار نهائي

وفيما يسعى قادة المنظمة الإقليمية التي ترفع شعار الاندماج الاقتصادي، لإقناع دول الساحل الثلاث بالبقاء في المنظمة، إلا أن الأخيرة أعلنت، الجمعة، أن قرارها «لا رجعة فيه»، وجدّدت اتهامها للمنظمة الإقليمية بأنها «أداة» تتحكم فيها فرنسا. وتمسّكت الدول الثلاث بالمضي قدماً في تشكيل منظمتها الخاصة، حيث أعلنت قبل أشهر إقامة «تحالف دول الساحل»، وبدأت التحضير لتحويله إلى «كونفيدرالية» تلغي الحدود بين الدول الثلاث، وتوحد عملتها وجواز سفرها، بالإضافة إلى قدراتها العسكرية والأمنية لمحاربة الإرهاب الذي يعصف بالمنطقة.

قرار انسحاب دول الساحل من منظمة «إيكواس»، يدخل حيز التنفيذ يوم 29 يناير (كانون الثاني) المقبل (2025)، فيما يسعى قادة المنظمة إلى إقناع هذه الدول بالتراجع عنه أو تأجيله على الأقل، بسبب تداعياته الاقتصادية والأمنية على المنطقة.

إلغاء التأشيرة

جانب من الاجتماع بين قادة «إيكواس» في أبوجا ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

وقبل انعقاد قمة دول «الإيكواس» بعدة ساعات، أصدرت دول الساحل بياناً قالت فيه إنها قرّرت إلغاء التأشيرة عن مواطني جميع دول غرب أفريقيا، في خطوة لتأكيد موقفها المتمسك بقرار مغادرة المنظمة الإقليمية.

وقالت الدول الثلاث المنخرطة في كونفدرالية دول الساحل، إنها أصبحت «منطقة خالية من التأشيرات لجميع مواطني المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)». البيان الذي قرأه وزير خارجية مالي، عبد الله ديوب، عبر التلفزيون الحكومي المالي، مساء السبت، أكّد أن «لرعايا دول (إيكواس) الحق في الدخول والتنقل والإقامة والاستقرار والخروج من أراضي البلدان الأعضاء في كونفيدراليّة دول الساحل وفقاً للقوانين الوطنية السارية».

ولا يغير القرار أي شيء، حيث إن قوانين منظمة «إيكواس» كانت تنص على الشيء نفسه، وتتيح حرية التنقل والتملك لمواطني الدول الأعضاء في فضاء المجموعة الاقتصادية الممتد من السنغال إلى نيجيريا، وكان يضم 15 دولة قبل انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

توتر ثم قطيعة

وبدأت القطيعة بين تحالف دول الساحل ومنظمة «إيكواس» عقب الانقلاب في النيجر في يوليو (تموز) 2023، وهو الانقلاب السادس في المنطقة خلال ثلاث سنوات (انقلابان في مالي، انقلابان في بوركينا فاسو، وانقلاب في غينيا)، بالإضافة إلى عدة محاولات انقلابية في دول أخرى.

وحاولت المنظمة الإقليمية الوقوف في وجه موجة الانقلابات، وفرضت عقوبات على مالي وبوركينا فاسو، وهدّدت بالتدخل العسكري في النيجر بعد أن فرضت عليها عقوبات اقتصادية قاسية، قبل أن تُرفع تلك العقوبات لاحقاً.

وتضامنت مالي وبوركينا فاسو مع النيجر، وأعلنت أن أي تدخل عسكري في النيجر يُعدّ انتهاكاً لسيادتها وسيجعلها تتدخل لدعم المجلس العسكري الحاكم في نيامي، لتبدأ مرحلة جديدة من التوتر انتهت بقرار الانسحاب يوم 28 يناير 2024.

قمة لم الشمل

قوات «إيكواس» خلال تأدية مهامها العسكرية في مالي (أرشيفية - رويترز)

من المنتظر أن يُخصّص قادة دول غرب أفريقيا حيزاً كبيراً من نقاشهم للعلاقة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل، حيث لا تزالُ المنظمة الإقليمية متمسكة بالطرق الدبلوماسية لإقناع الدول الثلاث بالتراجع عن قرار الانسحاب.

ذلك ما أكده رئيس نيجيريا، بولا تينيبو، وهو الرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، حيث أكد الأربعاء أن «الدبلوماسية والحكمة هي السبيل الوحيد لإعادة دمج هذه الدول في المنظمة الإقليمية».

وأشار الرئيس النيجيري إلى أن المجالس العسكرية التي تحكم الدول الثلاث «لا تزالُ مترددة في وضع برامج واضحة لمرحلة انتقالية محددة من أجل تسليم السلطة إلى المدنيين والعودة إلى الوضع الدستوري»، ورغم ذلك، قال تينيبو: «ستستمر علاقة الاحترام المتبادل، بينما نعيد تقييم الوضع في الدول الثلاث». وأضاف في السياق ذاته أن منظمة «إيكواس» ستترك الباب مفتوحاً أمام عودة الديمقراطية إلى البلدان المعنية، مشدداً على أن احترام المؤسسات الدستورية وتعزيز الديمقراطية «هو ما تدافع عنه المنظمة».

مفترق طرق

أما رئيس مفوضية «إيكواس»، أليو عمر توري، وهو الشخصية الأهم في المنظمة الإقليمية، فقد أكّد أن «منطقة غرب أفريقيا تقف عند مفترق طرق غير مسبوق في تاريخها كمجتمع».

وقال توري في تصريحات صحافية، الخميس، إنه «في الوقت الذي تستعد الدول الأعضاء في (الإيكواس) للاحتفال باليوبيل الذهبي لجهود التكامل الإقليمي العام المقبل، تواجه أيضاً احتمالية انسحاب بعض الدول الأعضاء»، وأضاف أنه «من الضروري التأمل في الإنجازات الكبيرة التي حققتها (إيكواس) على مدى العقود الماضية، وكذلك التفكير في مستقبل المجتمع في ظل التحديات السياسية التي تواجه شعوبنا».

وفيما يرفعُ قادة المنظمة الإقليمية خطاباً تصالحياً تجاه دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، تواصل الأخيرة في خطاب حاد يتهم «إيكواس» بالتبعية إلى القوة الاستعمارية السابقة (فرنسا).