البنا لم يتردد في مهاجمة السعودية.. وانقلاب 1948 في اليمن شكل بداية التوتر

استقبلته والهضيبي بالرعاية والعناية لكنها ظلت حذرة في تعاملها معه (الحلقة 2 الإخوان والسعودية..القصة الكاملة)

حسن البنا يقود السيارة وفي جواره بهاء الأميري وسعيد رمضان ومحمد عبد الحميد أحمد
حسن البنا يقود السيارة وفي جواره بهاء الأميري وسعيد رمضان ومحمد عبد الحميد أحمد
TT

البنا لم يتردد في مهاجمة السعودية.. وانقلاب 1948 في اليمن شكل بداية التوتر

حسن البنا يقود السيارة وفي جواره بهاء الأميري وسعيد رمضان ومحمد عبد الحميد أحمد
حسن البنا يقود السيارة وفي جواره بهاء الأميري وسعيد رمضان ومحمد عبد الحميد أحمد

في عام 1936، توجه حسن البنا للحج أول مرة في حياته. ويشير مؤرخ الإخوان، شبه الرسمي، محمود عبد الحليم إلى هذه الحجة فيقول: «الأستاذ المرشد قد كاشفنا بأن فكرة الهجرة بالدعوة إلى بلد آخر من البلاد الإسلامية يكون أقرب إلى الإسلام من مصر، قد سيطرت على تفكيره وملأت نفسه».
ويضيف عبد الحليم نقلا عن كلمة البنا، بعد عودته من الحج، قوله: «وقد اتصلت بالمحكومين والحكام في كل بلد إسلامي، وخرجت من ذلك باقتناع تام بأن فكرة الهجرة بالدعوة أصبحت غير ذات موضوع وأن العدول عنها أمر واجب».
* ثالثا: التعارف. 1936 - 1948.
* التقى البنا، في هذه الحجة، بالملك عبد العزيز، ولهذا اللقاء قصة يرويها عبد الحليم عن البنا قائلا: «اعتاد الملك عبد العزيز آل سعود أن يدعو كل عام كبار المسلمين الذين يفدون لأداء فريضة الحج إلى مؤتمر بمكة المكرمة، تكريما لهم وليتدارسوا أحوال المسلمين في العالم... وطبعا لم توجه إلينا دعوة باعتبارنا من عامة الحجاج». قال: «علمت بموعد هذا المؤتمر وبمكانه الذي سينعقد فيه، فأعددت نفسي والإخوان المائة في هيئة موحدة هي الجلباب الأبيض والطاقية البيضاء... وفي الموعد المحدد فوجئ علية القوم المجتمعون بمائة رجل في هذه الهيئة، يخطون خطوة واحدة يتوسط الصف الأول منهم رجل منهم هو المرشد العام... فكان هذا حدثا مثيرا للالتفات»، وتحدث المتحدثون. ثم يضيف البنا: «فطلبت الكلمة واعتليت المنصة وارتجلت كلمة كانت أطول كلمة ألقيت، وكانت الكلمة الوحيدة التي أيقظت الحاضرين وقوبلت بالإعجاب، واهتزت لها المشاعر.. وما كدت أنهي كلمتي حتى أقبلت علي جميع الوفود تعانقني وتشد على يدي، وتعاهدني وتطلب التعرف علي وعلى من معي وتفتح قلوبها للفكرة التي تضمنتها كلمتي».
وقد نشر هذا الخبر، كما يشير محمود، في العدد الأخير من «جريدة (أم القرى)، وهي الجريدة الوحيدة التي تصدر في السعودية في ذلك الوقت، وكانت جريدة شبه رسمية... وتصفحنا الجريدة وكانت قليلة الصفحات فوجدنا يشغل مكان الصدارة فيها خطاب للأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين».
ويشير عبده دسوقي إلى تفاصيل هذا الخبر فيقول: «كما أن جريدة (أم القرى) كبرى الجرائد السعودية رحبت بالإمام البنا وصحبه فنشرت تحت عنوان: (على الرحب والسعة)، تقول: وصل على الباخرة (كوثر) التي أقلت الفوج الأخير من الحجاج المصريين كثير من الشخصيات المصرية المحترمة لم تسعفنا الظروف بالتعرف إليهم إلا بعد صدور العدد الماضي، وإنا نذكر منهم الأستاذ الكبير حسن أفندي البنا المرشد العام لجمعية الإخوان المسلمين» (عبده دسوقي: «في رحاب الحج.. الإمام البنا وبعثات الحج للإخوان المسلمين» موقع الشبكة الدعوية على الرابط التالي: «http://www.daawa - info.net»).
ويعلق محمود عبد الحليم على هذه الحادثة قائلا: «وبدأ آل سعود يتعرفون على الداعية الجديد».
ولعله في هذه السنة 1936 كان اللقاء الشهير بين حسن البنا والملك عبد العزيز، الذي طلب فيه البنا إنشاء فرع لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، فكان جواب الملك عبد العزيز ذكيا ودبلوماسيا حين رفض الطلب قائلا للبنا: «كلنا إخوان مسلمون».
وجاءت الإشارة إلى هذا الموقف من إنشاء فرع للإخوان المسلمين في السعودية، عند هاشم عبد الرزاق صالح الطائي، حيث يقول: «ورغم ذلك لم يتمكن تنظيم الإخوان المسلمين من فتح فرع له في المملكة العربية السعودية، ورفضت كل الطلبات التي قدمت من قيادات الإخوان بهذا الشأن». («التيار الإسلامي في الخليج العربي: دراسة تاريخية»، بيروت، مؤسسة الانتشار العربي، الطبعة الأولى2010 ص136).
وعن نشاط البنا في مواسم الحج، قال محمد المجذوب: «وفي العام 1945 وفقني الله لأداء فريضة الحج... وهناك التقيت بالإمام الشهيد واستمعت إلى بعض محاضراته، التي كان يدعو إليها رؤساء الوفود الإسلامية سواء في مكة المكرمة أو في المدينة المنورة». («علماء ومفكرون عرفتهم»، الرياض، دار الشواف، الطبعة الرابعة بلا تاريخ نشر 2-99).
وفي رحلة البنا للحج عام 1946، يقول عبده دسوقي: «ولقد أقام الملك عبد العزيز مأدبة غداء لبعثة الإخوان، كما أقام الإخوان حفل شاي للأمراء والحجاج البارزين في فندق بنك مصر».
نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» مذكرات الشاعر عبد الله بلخير، مترجم الملك عبد العزيز، وأول وزير إعلام سعودي، التي قال فيها: «ومن الشخصيات البارزة التي أدت فريضة الحج... في تلك الأيام... وعرفنا واستمعنا إليها واجتمعنا بها مع ألوف المجتمعين والزائرين الأستاذ العظيم حسن البنا... كان يحج في عدد قليل من رجال الإخوان المسلمين، ويحرص أشد الحرص على لقاء الملك عبد العزيز والاجتماع به والتحدث إليه والإصغاء لما يفضي به إليه، وكان ينزل منزلة الكرامة والإكرام من الملك فيلبي طلبه في الحال كلما أبدى رغبة في لقاء جلالته». (الحلقة رقم 20 المنشورة بتاريخ: 13 يناير/ كانون الثاني 1986).
وتشير جريدة «الإخوان المسلمين»، إلى مراسلات «بين الملك ابن السعود وفضيلة المرشد العام». (جريدة الإخوان المسلمين، العدد: 639 ص2 بتاريخ: 21-7-1948». وتجدر الإشارة هنا إلى أن جريدة الإخوان المسلمين كانت تصدر بمعدل خمسة أعداد كل شهر، وأنها كانت تعد مسألة فلسطين أولوية سياسية وفكرية في خطابها، يتلوها مسألة الصراع السياسي المصري الداخلي الذي يتضمن مسألة الاغتيالات السياسية بشكل واسع.
وذكر دسوقي عن حجة البنا عام 1948 حكاية لم أجدها في مصادر أخرى فقال: «ومن ناحية أخرى فإن الحكومة المصرية أعدت العدة لقتله (أي البنا) في السعودية، على أن تنسب الجريمة إلى بعض اليمنيين! وكان أمير الحج المصري حامد جودة (رئيس مجلس النواب الذي ينتمي إلى الحزب السعدي) قد صحب معه بعض الأشخاص الخطرين، ولكن الحكومة السعودية استشعرت ذلك فأنزلت المرشد العام ضيفا عليها وأحاطت مقره بحراسة شديدة وقدمت إليه سيارة خاصة بها جندي مسلح لمنع الاعتداء عليه».
ويذكر عباس السيسي أنه «حين زار الملك عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية مصر عام 1945 استقبلته جوالة الإخوان المسلمين في مطار القاهرة بالمشاعل والهتافات الإسلامية مرحبين بمقدمه وحين تحدد موعد زيارته للإسكندرية... تجمعت فرق جوالة الإخوان بالإسكندرية في ملعب الأولمبي لتنظيم برنامج الاستقبال في الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم، وفي هذا الوقت المبكر قدم من القاهرة الأخ الأستاذ سعد الدين الوليلي المراقب العام للإشراف على تنظيم الاستقبال، فاستقبلته وأديت له التحية... ثم أمرني أن أجمع الإخوان الجوالة في طابور... وبعد أن أخذت التمام عدت إليه... قائلا تمام يا أفندم، العدد 850 من الإخوة. قال: نظمهم فصائل... ثم قام مع الأخ حسن سالم مراقب جوالة الإسكندرية بتوزيع الإخوة على أماكن الاستقبال من محطة السكة الحديد إلى قصر الملك فاروق في رأس التين.. الاستقبال الذي فاق كل تصور وكان يوما مشهودا للإخوان المسلمين» («حكايات عن الإخوان»، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1998، الجزء الثاني ص90).
ويذكر يوسف القرضاوي الحادثة نفسها فيقول: «كانت رحلة إلى الإسكندرية بمناسبة زيارة الملك عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية إلى الإسكندرية. وكان طلبة الأزهر يكنون مشاعر مودة وتقدير لابن سعود، لما شاع عنه أنه يطبق أحكام الشريعة السمحة، ويقيم الحدود، ويحكم بالكتاب والسنة. ولهذا سافرنا إلى عروس البحر الأبيض (الإسكندرية)، لنستقبل ابن سعود... وقد كنت أعددت قصيدة كان طلاب المعهد ينشدونها، ويهتفون ببعض أبياتها، أذكر منها:
ملائكة تلك أم أنبياء
أم ابن السعود إلى مصر جاء
فأهلا وسهلا بأكرم ضيف
ويا مرحبا بالسنا والسناء» («ابن القرية والكتاب» 1-212).
وقد تحدث الأديب أحمد حسن الزيات، صاحب «مجلة الرسالة»، عن هذه الزيارة، وذكر عظمة الاستقبال وأنه جمع الألوف المؤلفة. («وحي الرسالة»، الطبعة الخامسة، 1964. مكتبة نهضة مصر بالفجالة، ج3 ص260).
وبحسب محمود عبد الحليم، فإنه لما تحمس الإخوان لعقد مؤتمر عربي من أجل فلسطين، وجهت جماعة الإخوان المسلمين دعوات لرجالات البلاد العربية، وحضر المؤتمر فارس الخوري من سوريا وغيره، وكما يروي محمود عبد الحليم فقد «صار يتوافد على المركز العام رجال كثيرون من زعماء البلاد العربية والإسلامية ومن ذوي الرأي فيها، وكان ممن توافد الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود والأمير أحمد بن يحيى ومعهما بعض إخوتهما، أوفدوا من قبل والديهم ملك السعودية وإمام اليمن، ليتفاهموا مع الحكومة المصرية ومع الإخوان المسلمين فيما يجب عمله لإنقاذ فلسطين».
وهنا «طلبت (إنجلترا) عقد مؤتمر من أجل فلسطين في لندن يضم العرب واليهود وممثلي الحكومة البريطانية، وكان من ممثلي العرب عدا عرب فلسطين الأميران فيصل بن عبد العزيز وأحمد بن يحيى، واشترك الإخوان في المؤتمر باعتبارهم سكرتيرين للأميرين ومترجمين لهما، وأذكر أن ممن أوفد الإخوان الأخ محمود أبو السعود وكان طالبا بكلية التجارة ويجيد اللغة الإنجليزية كتابة وتحدثا، وسمي هذا المؤتمر بمؤتمر المائدة المستديرة».
كانت لمحمد رشيد رضا علاقة وثيقة بالملك عبد العزيز، وقد دعمه الملك بشتى أنواع الدعم، حتى إنه كما ينقل رشيد رضا: «كتب إلي أنه يعدني من الأسرة السعودية» (شكيب أرسلان في كتابه عن رشيد رضا، ص622) ويقول حمد الجاسر عنه: «محمد رشيد رضا العالم السلفي الذي كان ذا صلة قوية بالملك عبد العزيز، وبعلماء نجد، لمؤازرته للدعوة السلفية بنشرها والإشراف على طبع كتبها» (من سوانح الذكريات، ج1 ص316).
وكان لحسن البنا علاقة وثيقة بمحمد رشيد رضا، يذكرها محمود عبد الحليم فيقول: «لم يكن الأستاذ غريبا على أسرة الشيخ رشيد فلقد كان على صلة وثيقة بالشيخ منذ كان طالبا بدار العلوم، وكانت دار (مجلة المنار) ملتقاه بأكثر من التقى بهم من رجالات الحركة الإسلامية في ذلك العهد... وظل الأستاذ على اتصال بالشيخ بعد قيام دعوة الإخوان وكان يستشيره في كثير من الأمور».
وقد كانت وفاة رشيد رضا في طريق عودته للقاهرة بعد رحلته للسويس لوداع الأمير سعود بن عبد العزيز حيث «أتعب ذهنه وجسده: أتعب ذهنه بإجهاده بالنصائح والوصايا لولي العهد (شأنه مع كل من يتوسم فيه خيرا) وأتعب جسده بركوب السيارة إلى السويس ذهابا وإيابا». وقد تولى حسن البنا إصدار الأعداد الأخيرة من «المنار» قبل توقفها النهائي.
* رابعا: الاختلاف حول اليمن. 1948.
* كانت ثورة اليمن 1948 بداية توتر العلاقة بين السعودية والإخوان المسلمين، وعن دور الإخوان في هذه الثورة يذكر محمود عبد الحليم أن «فكرة إعداد الشعب اليمني للثورة قد نبتت في المركز العام». ويضيف: «عند تناول ثورة اليمن نجد أنفسنا أمام شخصيتين من غير اليمنيين كانا قطبي رحى هذه الثورة هما: الفضيل الورتلاني وعبد الحكيم عابدين». والورتلاني جزائري يعد أحد أخطر أتباع البنا وعابدين صهر البنا. ويضيف عبد الحليم فيذكر عن دعوة الإخوان أنه قد «صار للدعوة وجود في كل بلد عربي»، وأن «الإخوان يقيمون الدول ويسقطونها».
أبدى الإخوان غضبهم من الملك عبد العزيز لوقوفه ضد هذه الثورة. يقول محمود عبد الحليم: «وبعد هذا التلكؤ قام الوفد (أي وفد الجامعة العربية) ولم يتوجه إلى اليمن مباشرة كما كان ينتظر، بل اتجه إلى السعودية ومكث في السعودية أياما تلقى نصائح العاهل السعودي الذي قد لا يسعده أن يقوم حكم في جارته المتاخمة له يضرب بنظام الوراثة والأسر المالكة عرض الحائط ويختار الأصلح غير عابئ بالأسرة التي ينتمي إليها». ويضيف عبد الحليم: «كان لهذه الثورة آثار على المستوى المصري وأخرى على المستوى العربي... أما على المستوى المصري، فإنها ألقت في روع القائمين على الحكم في مصر أن هذه الثورة نذير لهم بين يدي عذاب شديد، فليلقوا بثقلهم أولا لإحباطها ثم ليعدوا العدة للقضاء على مدبريها وهم الإخوان المسلمون الذين بلغوا أشدهم حتى إنهم يقيمون الدول ويسقطونها. فوجد فاروق في مصر تجاوبا لأحاسيسه عند عبد العزيز آل سعود في السعودية، وقد قربت ما بينهما وأنستهما الخلافات التي كانت بينهما».
ومن هذا الموقف، أصبحت السعودية حذرة في تعاملها مع حسن البنا. قال فهمي أبو غدير: «سعدت بصحبة أستاذي الأستاذ البنا في مكة موسم حج 1367هـ - 1948 وتوثقت الصلة بيني وبين أحد النجديين المتحركين المتصلين (كذا)... نصحني لله ألا أعود لمصر هذا العام، الاعتقالات والسجون والمنافي والمحاكمات والمشانق والاغتيالات في انتظاركم!! وعهد الله أنني أجوب معك نجد والحجاز داعين إلى درب الإخوان المسلمين... تبسم البنا عندما سمع بذلك (وقال:) ألا تعلم أن الحكومة السعودية لم تسمح لي بالحج هذا العام إلا بعد أن تعهدت بعدم الخطابة والكلام في السياسة؟ قلت: بلى. فكيف تسمح بالدعاية للإخوان؟». (في تقديمه لكتاب حسن البنا «قضيتنا» ص 1 منشور على موقع الشبكة الدعوية على الرابط التالي: «http://www.daawa - info.net»).
تطرقت «جريدة الإخوان المسلمين»، في بعض أعدادها لمشكلة اليمن، فمن ذلك قولها: «ولكنا نقول لعل أفضل أساس تقترحه الجامعة العربية لوحدة الأمة اليمنية أن تتشدد أولا في صورة نظام الحكم الذي يجب أن تكون عليه اليمن بحيث يكون حكما إسلاميا دستوريا». («جريدة الإخوان المسلمين»، العدد 574 ص2 بتاريخ: 3-5-1948). وما ذكرته تحت عنوان «بعثة الإخوان المسلمين في اليمن: تصريحات للأستاذ عبد الحكيم عابدين رئيس البعثة». (المصدر نفسه، العدد 636 ص3 بتاريخ 17-8-1948).
ومع كل العناية والرعاية التي لقيها البنا من السعودية والتي يقول عنها د. محمد حسين هيكل: «قيل لي وأنا بالحجاز إن له (أي البنا) صلة بالحكومة السعودية وإنه يلقى منها عطفا ومعونة» (نقلا عن كتاب حلمي النمنم) إلا أنه كان يتهجم عليها في بعض الأحيان، ومن ذلك ما ذكره أخوه جمال البنا في كتابه المذكور أعلاه عن رسالة من «الشيخ أبو السمح (إمام الحرم ومقرب من الملك) للوالد يقول: هذا وبلغوا سلامي وعتبي لنجلكم حسن أفندي، وذلك أنه نشر في (النذير) لولدنا عبد اللطيف مقالا عنوانه (من صعلوك إلى ملك) باسمه الصريح... فكان حقا على الأخ حسن أفندي... أن يلاحظ صلتنا وصلتكم بجلالة الملك العربي المسلم ويحافظ عليها، فلا يترك مجالا لسفيه كهذا يكتب ما كتب مما أساءنا وأساء الملك».. ص55.
وهو أمر مارسه البنا تارة أخرى عبر «جريدة الإخوان المسلمين» وذلك بالتشكيك في الحاج عبد الله فلبي أحد مستشاري الملك عبد العزيز، تحت عنوان: «الحاج عبد الله فلبي: هل هو من المسلمين الأطهار أم من دعائم الاستعمار؟» ما نصه: «أما أنا فلا ألوم المستر فلبي، فهو رجل قد وقف نفسه على خدمة أمته وبلاده، إنما ألوم العرب إذا انخدعوا بأمثال هؤلاء وغرتهم مظاهرهم. ألوم أولئك الذين لا يزالون يعتقدون بإخلاصهم وولائهم، وكم أرجو لو أعادوا النظر، وفيما بدر عبرة لمن اعتبر» (العدد 211 ص5 المنشور بتاريخ: 11-1-1947) وقد رمز لاسم الكاتب بحرفين هما: (م.ع) ما يشير إما إلى مسلم عربي، أو مصري عربي، وقد تردد مثل هذا الرمز في كثير من أعداد الجريدة، ويبدو من استقراء الجريدة أن كاتبه إما حسن البنا نفسه أو أحمد السكري أو أحد المقربين من البنا.
خامسا: العلاقة مع الضباط الأحرار. ودور السعودية. ما بعد 1952.
تولى حسن الهضيبي منصب المرشد العام بعد اغتيال البنا بعامين ونصف العام تقريبا، فقد اغتيل البنا في 12 فبراير (شباط) 1949 وتولى الهضيبي في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 1951 وفي عصره مر الإخوان المسلمون بواحدة من أسوأ لحظات تاريخهم فقد ناصبوا ما كان يعرف بـ«ثورة الضباط الأحرار» العداء ولم يدخر الضباط جهدا في رد العداء بعداء أشرس وأقسى، فكان حل الجماعة الثاني ثم الاعتقالات في 1954 وفي 1964 وقبلها وبعدها. وقد أودع الإخوان السجون وتعرضوا للاعتقال والتعذيب والتنكيل، وأعدم بعض رموزهم، وهرب من استطاع النجاة منهم إلى الخارج، وخصوصا إلى السعودية ودول الخليج.
وقال علي عشماوي، وهو آخر قادة التنظيم الخاص: «لقد حضر الملك سعود للوساطة بين الإخوان والحكومة بعد الحل الأول، وفعلا جامله أعضاء الثورة وفتحوا صفحة جديدة مع الإخوان». («التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين»، مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية 2006. ص51). وهو ما يشير إليه يوسف القرضاوي بقوله: «وقد قيل: إن هذا الانفتاح كان بناء على وساطة من الملك سعود ملك المملكة العربية السعودية». (مذكرات القرضاوي بعنوان «ابن القرية والكتاب» 2-179).
قال نبيه عبد ربه: «شاءت الأقدار أن يكون الأستاذ الهضيبي في سوريا ولبنان في صيف عام 1954 بعد زيارة للمملكة العربية السعودية قام بها في أول ذلك الصيف إجابة لدعوة من الملك السابق سعود بن عبد العزيز رحمه الله. كان الهضيبي موضع الحفاوة والتكريم في جميع الأوساط الدينية والاجتماعية والسياسية في البلدين الكريمين، متنقلا بين المدن والقرى في أحفال عامة». («حسن الهضيبي، المرشد الثاني للإخوان المسلمين»، الأردن، دار الضياء، الطبعة الأولى 1987. ص37).
* غدا في {الشرق الأوسط}
* كيف كانت طبيعة التوافق بين السعودية والجماعة؟ وما هي مسبباتها؟ وهل يصح أن يحاسب السياسي على معايير اختلفت فيها موازين القوى وطبيعة العلاقة؟ وهل أنشأ الإخوان تنظيمات في السعودية؟ وكيف وفقوا بين خطابهم السياسي والخطاب الفقهي في السعودية؟ وما هو دور محمد أحمد الراشد؟ وكيف أخطأوا بحق السعودية بعد الصلح مع أنور السادات؟.



مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
TT

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)

أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن إيران والسعودية تعتزمان إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة، مضيفاً أن ذلك يتطلب «استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه، مستهدفين تذليل التهديدات الحالية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته إلى السعودية التي تخلّلها بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خلال لقاء، الاثنين، مع وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، قال روانجي: «الإجراءات الإيرانية - السعودية تتوّج نموذجاً ناجحاً للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف دوليّاً في إطار التنمية والسلام والأمن الإقليمي والدولي»، مشدّداً على استمرار البلدين في تنمية التعاون في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والقنصلية؛ بناءً على الأواصر التاريخية والثقافية ومبدأ حسن الجوار، على حد وصفه.

الجولة الثانية من المشاورات الثلاثية عُقدت في الرياض الثلاثاء (واس)

والثلاثاء، رحبت السعودية وإيران «بالدور الإيجابي المستمر لجمهورية الصين الشعبية وأهمية دعمها ومتابعتها لتنفيذ (اتفاق بكين)»، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السعودية، أعقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في العاصمة السعودية الرياض.

وأشار نائب وزير الخارجية الإيراني إلى أن الطرفين «تبادلا آراءً مختلفة لانطلاقة جادة وعملية للتعاون المشترك»، ووصف اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض، بأنه «وفَّر فرصة قيّمة» علاقات متواصلة وإيجابية بين إيران والسعودية والصين.

روانجي الذي شغل سابقاً منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعضو فريق التفاوض النووي الإيراني مع مجموعة «5+1»، اعتبر أن أجواء الاجتماعات كانت «ودّية وشفافة»، وزاد أن الدول الثلاث تبادلت الآراء والموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأكّدت على استمرار هذه المسيرة «الإيجابية والاستشرافية» وكشف عن لقاءات «بنّاءة وودية» أجراها الوفد الإيراني مع مضيفه السعودي ومع الجانب الصيني، استُعرضت خلالها مواضيع تعزيز التعاون الثنائي، والثلاثي إلى جانب النظر في العلاقات طوال العام الماضي.

الجولة الأولى من الاجتماعات التي عُقدت في بكين العام الماضي (واس)

وجدّد الجانبان، السعودي والإيراني، بُعيد انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في الرياض، الخميس، برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ومشاركة الوفد الصيني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير خارجية إيران للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي؛ التزامهما بتنفيذ «اتفاق بكين» ببنوده كافة، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.

من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للاستمرار في دعم وتشجيع الخطوات التي اتخذتها السعودية وإيران، نحو تطوير علاقتهما في مختلف المجالات.

ولي العهد السعودي والنائب الأول للرئيس الإيراني خلال لقاء في الرياض الشهر الحالي (واس)

ورحّبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية - الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على المستويات والقطاعات كافة، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خصوصاً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة؛ ما يهدد أمن المنطقة والعالم.

كما رحّب المشاركون بالتقدم الذي شهدته الخدمات القنصلية بين البلدين، التي مكّنت أكثر من 87 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، وأكثر من 52 ألف إيراني من أداء مناسك العمرة بكل يسر وأمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

ورحّبت الدول الثلاث بعقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية - الإيرانية المشتركة، وتوقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية، التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.

كما أعرب البلدان عن استعدادهما لتوقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAA)، وتتطلع الدول الثلاث إلى توسيع التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية.

ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وتدين الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه سيادة الأراضي الإيرانية وسلامتها، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الأمن البحري.

وفي الملف اليمني، أكدت الدول الثلاث من جديد دعمها الحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكانت أعمال «الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، اختتمت أعمالها في العاصمة الصينية بكّين، ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأكد خلاله المجتمعون على استمرار عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة، وعلى مدى الأشهر الماضية، خطت السعودية وإيران خطوات نحو تطوير العلاقات وتنفيذ «اتفاق بكين»، بإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، والاتفاق على تعزيز التعاون في كل المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية.

وأعادت إيران في 6 يونيو (حزيران) الماضي، فتح أبواب سفارتها في الرياض بعد 7 أعوام على توقف نشاطها، وقال علي رضا بيغدلي، نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية (حينها): «نعدّ هذا اليوم مهماً في تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية، ونثق بأن التعاون سيعود إلى ذروته»، مضيفاً: «بعودة العلاقات بين إيران والسعودية، سنشهد صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والإقليمية نحو مزيد من التعاون والتقارب من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار والتنمية».