شعراء العالم ينشدون معزوفة للسلام في مهرجان «سيت» بفرنسا

القصائد تعانق البحر والشوارع والحدائق والشرفات

جانب من الفعالية
جانب من الفعالية
TT

شعراء العالم ينشدون معزوفة للسلام في مهرجان «سيت» بفرنسا

جانب من الفعالية
جانب من الفعالية

تغنّى أكثر من مائة شاعر من أنحاء حوض المتوسط، بينهم 22 شاعرًا عربيًا، بالسلام ونبذ الإرهاب والعنف في مهرجان «أصوات حيّة.. من متوسط إلى متوسط» الشعري، الذي تحتضنه مدينة سيت الفرنسية صيف كل عام.
التصقت المدينة الساحلية بجمالها اللافت وهدوئها الجنوبي المشمس بالشعر، واحتضنته بمحبة ووعي على مدى 9 أيام، في الفترة من 22 حتى 30 يوليو (تموز) الماضي، هي دورة الانعقاد المعتادة للمهرجان، الذي يُعد منذ تأسيسه قبل 19 عاما أكبر تظاهرة شعرية في أوروبا.
كسر المهرجان النظرة التقليدية النخبوية للشعر، وتحولت المدينة بشوارعها وساحاتها وأزقتها وحدائقها وشواطئها وبحرها ومراكبها إلى منصة مفتوحة بحيوية وجمال لإلقاء الشعر، مصحوبًا بالموسيقى والغناء.
وعبر أكثر من 650 فعالية، تبارى الشعراء من مختلف الثقافات في إلقاء الشعر، والنقاش بحرية حوله قضاياه، بهدف اكتشاف روح الكلمة المعاصرة، في إطار تاريخ مشترك وجغرافيا واحدة، مهما كانت التوترات والمآسي، وهو الهدف الذي يسعى إليه المهرجان، معتبرًا الشعر أرضًا للسلام والحرية، وأننا جميعا شركاء في حمل هذه الرسالة.
حالة من الألفة والمحبة والتناغم خلقها المهرجان بين معظم الشعراء، رغم اختلاف اللغات والثقافات، فالكل يتنفس شعرًا، سبقتهم إلى ذلك مدينة سيت نفسها، مسقط رأس بول فاليري شاعر فرنسا الكبير، فبها قبره، يجاوره متحف خاص فخم باسمه، يضم كل متعلقاته وآثاره الشعرية والإنسانية.
الشعر في كل مكان.. ترفرف لافتاته في الشوارع والشرفات ومنصات الإلقاء، وذلك في شكل شذرات شعرية، على لوحة من القماش، مطبوع عليها اسم الشاعر وبلده. ورغم تفاوت مواعيد الندوات التي تقام بالعشرات وفي فواصل زمنية متقاربة وأماكن متفرقة، فإن الجمهور كان حاضرًا بكثافة في جميعها، سواء في الصباح المبكر، أو الظهيرة، أو منتصف الليل. الشعر بطل المشهد وعريس المدينة، حتى في أوقات الراحة بالمقهى، وعلى طاولات الغداء والعشاء.
لقد تحولت المدينة إلى قصيدة مفتوحة تتنقل كفراشة من شاعر إلى آخر، ولم يعدم الصم والبكم من أن يجدوا ضالتهم في المهرجان، ويستمتعوا بالشعر في ندوات خاصة، حيث يصل إليهم المعنى بواسطة مختصين في لغة الإشارة، كما وجد الأطفال ضالتهم في ندوات شعرية حكواتية، اهتمت بالجانب الحكائي في الشعر، وإبرازه في ثوب مسرحي، وأدوار متنوعة قام الأطفال بأدائها بطريقة مسرحية شيقة.
شارك في المهرجان 27 شاعرًا فرنسيًا يمثلون الحصة الأكبر، منهم: جاك أنسي، وجايمس ساكري، وسيلفستر كلانسيي، وإيمانويل غاتاري (ابنة الفيلسوف فيليكس غاتاري)، إضافة إلى شعراء معروفين بالتركيز على الأداء الصوتي وإيقاع الجسد، مثل جان بيار بوبييو، وسيلفي نيف، وباتريك دوبوست.
مثلت المشاركة العربية الحصة الثانية الأكبر في المهرجان، حيث ضمت 22 شاعرًا عربيًا، منهم: صلاح ستيتية، وعبير خليفة (لبنان)، حسين بن حمزة وهالا محمد (سوريا)، فاتنة الغرّة وطارق العربي (فلسطين)، عاشور الطويبي (ليبيا)، آمال موسى وأيمن حسن (تونس)، غازي الذيبة (الأردن)، نجوم الغانم (الإمارات)، محمد بنيس، ومحمد حمودان (المغرب)، وعبد الله ثابت (السعودية). كما حضر في أواخر المهرجان الشاعر غسان زقطان، برفقة وفد رسمي من فلسطين، ووقعوا اتفاقًا مع إدارة المهرجان، على استضافة نسخة مصغرة منه في مدينة رام الله الفلسطينية.
حمل أغلب الشعراء العرب في قصائدهم جراح الإرهاب والاستبداد التي تضرب عددًا من أوطانهم، فارتفعت فيها نبرة شعرية الصرخة، كأداة للمقاومة والتشبث بالأمل وإرادة الحياة، وكان لافتًا حرص المهرجان على دعوة الأصوات الشابة، بجوار الشعراء المتمرسين، سواء من العرب والأجانب، مما خلق حالة من الحوار الشفيف الخصب بين شتى التيارات والأجيال الشعرية، وأبرز فكرة التنوع في إطار هم شعري وجمالي وإنساني مشترك بين الشعراء. هذا التنوع برز بشكل واضح في الندوات، وعلى وجه الخصوص في كتاب أنطولوجيا المهرجان، الذي يضم نصًا واحدًا لكل شاعر مشارك، بلغته الأم، إضافة إلى الترجمة الفرنسية له.
فجّرت شعرية الصرخة طاقة الشعراء الشباب، وخلقت حالة من الاندماج الحي بين الشعراء والجمهور، كما كشفت عن حساسية مرهفة بالشعر ورؤية العالم، من ثقب خاص جدًا، اتسع في النصوص، وأصبح بمثابة هم إنساني، يقفز على حواجز الجغرافيا والتاريخ، ويشد جمهور المهرجان والقراء إلى مواطن كارثية، يمكن أن تعصف بالجميع، إن لم يتنبهوا لها ويتكاتفوا في مواجهتها.
في ظل هذا المناخ يأتي نص الشاعر العراقي كاظم حنيطر، حيث تمتزج شعرية الصرخة بالمرثية الإنسانية في تدفق شعري، مجسدًا أجواء الرعب والقتل التي يخلفها الإرهاب في بلاده، وكأن الموت أصبح خبز الحياة اليومي.. يقول الشاعر في نصه بعنوان «ذبحوه واقفًا»:
«ذبحوه واقفًا
يداه مقيدتان إلى الأعلى على عمود إشارة المرور
ذبحوه واقفًا
أي أن دمه تدفق على القميص فقط
ولم يلامس الإسفلت
ذبحوه واقفًا
بهدوء كامل رفع رقبته
وأنزل صوته المدبب
لم تسقط نظارته الطبية
وهُمْ يضعون رأسه بين قدميه
ذبحوه واقفًا
علقوا على جزئه يافطة
كتبوا عليها بأنه (خالد محمد الأسعد)»
في ظلال هذه الشعرية تجسد الشاعرة السورية هالة محمد مشهد اللاجئين السوريين قسرًا إلى أوروبا من جحيم الحرب، وما يتعرضون له من مخاطرة الموت غرقا في البحر، مازجة الصرخة بمرارة الفقد والحرب، حيث لا بيت، لا أهل، لا أمل، لا تاريخ.. تقول الشاعرة في نصها المنشور بالأنطولوجيا بعنوان «هس»:
«لغة اللاجئ الضيف الصمت
لا صوت للاجئ
يُقفل الباب على صوته في البيت
ويخرج من بوابة التاريخ بلا ذرة جغرافيا».
أيضًا في هذا المناخ، كان الجرح الفلسطيني حاضرًا، في قصائد الشعراء طارق العربي، وفاتنة الغرة، وغازي الذيبة، اختلط نزفه بنثريات حياتهم اليومية، وهمومهم العاطفية والإنسانية.. يقول غازي الذيبة في نصه بعنوان «ابتعد عني قليلاً»:
«كم مرة سوف أقتل كي تنتبه
وكم من شهيد على باب منزلنا
سوف يصعد فوق الذرى كي تراه
وكم من نشيد ستصغي إليه
لتسمع صوت المياه
يحلِّق في صمتِك الأبدي
ولا تستطيع التجاوب مع نبضه
أو هواه؟».
وإذا كانت شعرية الصرخة هنا مشدودة إلى الخارج، نتيجة هموم الواقع الدامي الذي يعيشه الشعراء في أوطانهم، فثمة وجه آخر يتقاطع مع هذه الشعرية، تبدو فيه الصرخة مشدودة إلى الداخل، وكأنها بمثابة حبل سري يربط الشاعر بنوره الداخلي المفقود. برز هذا على نحو لافت في نصوص الشعراء: عاشور الطويبي، ومحمد بنيس، ومحمد حمودان، وعبير خليفة، وصلاح ستيتية، ونجوم الغانم، وآمال موسى وعدد من الشعراء الفرنسيين والأجانب.. حيث تختلط الصرخة بفكرة الأنوثة والحب أحيانًا، وأحيانًا أخرى بفكرة الموت، واللعب مع الحياة والأشياء والعناصر، وأيضًا اللعب مع الذات. في محاولة لتوسيع بئر الشعر، وتلوينه بصرخات شعرية تتقطع أحيانًا، وتتصل أحيانًا أخرى، لكنها في كل الأحوال تظل مشدودة إلى الأعماق.
يقول الشاعر الليبي عاشور الطويبي:
«منذ الصباح الباكر
يخذلني بصري
لا السحبُ سحب
ولا الأشجارُ أشجار
أحدِّق مليًّا في يدي
...
كأني
أحملُ نهر حزنٍ
كلّما فاض على ضفتيه
ماؤه
مددتُ يديّ
خشية الغرق».
وتقول الشاعرة عبير خليفة:
«لأبلغ الينبوع
أتبع الدرويش
وأفقد خطاي
...
قليل من الندي في حلمي
يكفي لأصحو على سريري».
لم تنفصل الموسيقى عن الشعر طيلة أيام المهرجان، فكنت تسمع دبيب جسدك وهو يرقص ويتموج على نقرات الطبول والآلات النحاسية في الشوارع والساحات، حيث يتبارى في عزفها شباب وشابات ونساء ورجال كهول. كما لعبت الموسيقى والغناء دورًا ساحرًا في حفلَيْ افتتاح المهرجان الحاشدَين بالجمهور في حديقة «عرائس الماء بالمدينة».
من الأشياء المهمة في هذا المهرجان إقامته مختبرًا لترجمة الشعر، يقوم بترجمة قصائد الشعراء المشاركين إلى الفرنسية للقراءة، ممن لا يتوافر لديهم وسيلة للترجمة، كما يقوم المختبر أيضًا بترجمة نصوص أنطولوجيا شعرية خاصة بالمهرجان تصدر سنويا بالاتفاق مع إحدى دور النشر الباريسية.
وفي هذا العام صدرت مختارات شعرية مترجمة إلى الفرنسية لشاعرين عربيين هما: هالا محمد، من سوريا، وعاشور الطويبي من ليبيا. كما نجح عدد من الشعراء في الاتفاق لنشر مختارات مماثلة من شعرهم مع بعض دور النشر المشاركة في معرض الكتاب المصاحب للمهرجان، التي بلغت هذا العام أكثر من 100 دار فرنسية وأجنبية تُعنى بنشر الشعر.
في النهاية.. تحية لمهرجان «سيت» والقائمين عليه ولكل الشعراء المشاركين في هذه الدورة الثرية، التي أكدت تحت مظلة المهرجان، أن الشعر ليس فقط أرض السلام، بل أرض الحب والجمال أيضًا.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.