الانتخابات الأميركية بعيون شرق أوسطية

«نيويورك تايمز» تخصص مراسلاً أجنبيًا لتغطية السباق الرئاسي

مرشحة الرئاسة الأميركية الديمقراطية هيلاري كلينتون تتحدث في مجمع انتخابي في مدرسة إبراهام لنكولن في أيوا «واشنطن بوست»..  وفي الإطار دكلان والش مدير مكتب «نيويورك تايمز» في القاهرة
مرشحة الرئاسة الأميركية الديمقراطية هيلاري كلينتون تتحدث في مجمع انتخابي في مدرسة إبراهام لنكولن في أيوا «واشنطن بوست».. وفي الإطار دكلان والش مدير مكتب «نيويورك تايمز» في القاهرة
TT

الانتخابات الأميركية بعيون شرق أوسطية

مرشحة الرئاسة الأميركية الديمقراطية هيلاري كلينتون تتحدث في مجمع انتخابي في مدرسة إبراهام لنكولن في أيوا «واشنطن بوست»..  وفي الإطار دكلان والش مدير مكتب «نيويورك تايمز» في القاهرة
مرشحة الرئاسة الأميركية الديمقراطية هيلاري كلينتون تتحدث في مجمع انتخابي في مدرسة إبراهام لنكولن في أيوا «واشنطن بوست».. وفي الإطار دكلان والش مدير مكتب «نيويورك تايمز» في القاهرة

قبل ثلاثة شهور، أرسلت رئاسة صحيفة «نيويورك تايمز» في نيويورك خطابا إلى دكلان والش، مدير مكتبها في القاهرة، ليستعد للعودة إلى الولايات المتحدة لتغطية الانتخابات الأميركية. تهدف الصحيفة من هذه السياسة الجديدة انفتاح القارئ العالمي على ما يجرى داخل الولايات المتحدة (والعكس بالنسبة للقارئ الأميركي).
لكن، منذ بداية الخطة، ظهرت تحديات أمامها؛ وذلك بسبب الاختلافات الكبيرة بين القارئ الأميركي والقارئ الأجنبي (ناهيك عن السياسات الأميركية وسياسات الدول الأجنبية). والش آيرلندي، وحصل على الجنسية الأميركية مؤخرا، وقضى سنوات كثيرة يغطي أخبار العالم للصحيفة، ومن القاهرة منذ ثلاث سنوات.
قال: «لا أعرف أي شيء عن الكلية الانتخابية، والأعضاء السوبر، وبرنامج الحزب».
عن هذه التجربة الجديدة، قال والش إن هناك هدفين:
أولا: مزيد من الانفتاح الأميركي على العالم الخارجي.
ثانيا: مزيد من استغلال تكنولوجيا المعلومات الحديثة.
وأضاف: «يريد القارئ الأجنبي متابعة ما يحدث داخل الولايات المتحدة. لكنه، أحيانا، خصوصا في موضوعات معقدة مثل ميكانيكية الانتخابات، يجد نفسه في حيرة. يجد نفسه وجها لوجه أمام ثقافة وتاريخ غير متعود عليهما. لحسن الحظ، توفر تكنولوجيا الاتصالات فرصا كثيرة لنستغلها لتحقيق هذا الهدف».
قبل عامين، دمجت «نيويورك تايمز» إليها صحيفة «إنترناشونال هيرالد تربيون» (كانت تملكها، بعد أن اشترتها من صحيفة «واشنطن بوست» التي كانت تقاسمها الملكية).
وفي فبراير الماضي، أصدرت «نيويورك تايمز أن إسبانول» (الطبعة الإسبانية) من المكسيك.
وفي أبريل (نيسان) الماضي، رصدت شركة «نيويورك تايمز» 50 مليون دولار لتوسيع خدماتها العالمية تحت اسم «نيويورك تايمز غلوبال». ليس حبا في القراء الأجانب، ولكن لزيادة دخلها منهم. تريد أن توسع نظام الاشتراك في موقعها، وفي خدماتها، كما تفعل في الوقت الحاضر داخل الولايات المتحدة.
في الأسبوع الماضي، نشرت الصحيفة نفسها أن الشركة المالكة تتوقع دخلا يصل إلى مائة مليون دولار كل عام بحلول عام 2020. لكن، قالت دورية «كولمبيا جورنالزم ريفيو» (تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا، في نيويورك) إن تحقيق هذا الهدف يواجه بعض العوائق:
أولا: تقل قدرة القارئ الأجنبي الاقتصادية، بالمقارنة مع القارئ الأميركي.
ثانيا: تتعقد عملية تحويل الاشتراكات من الخارج، خصوصا لأن البطاقات الائتمانية ليست متوافرة في كثير من دول العالم.
ثالثا: توجد منافسة من صحف ومؤسسات إخبارية تنشر محتوياتها مجانا عبر العالم. (حتى داخل الولايات المتحدة، لا تبيع صحيفة «واشنطن بوست» محتوياتها اليومية، كما تفعل «نيويورك تايمز»).
لكن، يبدو أن هذه المعوقات لا تخيف المسؤولين في شركة «نيويورك تايمز».
في الأسبوع الماضي، قال مارك طومسون، كبير المديرين التنفيذيين في الشركة: «نريد أن نجعل صحافتنا منفتحة على جمهور جديد». وأيده في ذلك دين باكيت، رئيس تحرير الصحيفة. وأيدته ليديا بولغرين، رئيسة تحرير الطبعة الإسبانية في المكسيك. وأيده جوزيف كان، رئيس التحرير الدولي. وأيده مايكل سلاكمان، مدير التحرير الدولي.
هكذا، ولهذا، نقلت الصحيفة والش من القاهرة إلى الانتخابات الأميركية. لكن، من يرأس والش؟ رئيس القسم السياسي الذي يشرف على التغطية الانتخابية؟ أو رئيس القسم الخارجي الذي يشرف على المراسلين في الخارج؟
قال والش إنه ينسق مع القسم السياسي، لكنه يرسل تقاريره إلى القسم الخارجي. وقال: إنه يركز على شرح تعقيدات السياسة الأميركية.
مثلا: عندما كان في ولاية وسكونسن، كتب عن أميركية ترتدي قبعة على شكل قطعة جبن عملاقة. وقالت له وهي فخورة بولايتها: «نحن أصحاب رؤوس الجبن». فشرح هو للقارئ الأجنبي بأن ولاية وسكونسن مشهورة بإنتاج الجبن. وبأن شعار فريق «باكرز» في غيرين باي (ولاية وسكونسن) يرمز إلى مصانع ميلواكي.
ليست صحيفة «نيويورك تايمز» هي الصحيفة الأميركية الوحيدة التي بدأت تنشر تقارير خاصة موجهة للقارئ الأجنبي. في العام الماضي، بدأت مجلة «سليت» كتابة تقريرين عن كل حدث كبير: واحد للقارئ الأميركي، والثاني للقارئ الأجنبي. مثلا: العناوين الآتية للقارئ الأجنبي:
أولا: «موت قاض محافظ يهدد حياد المحكمة العليا التي تفسر الدستور». (قال العنوان الأميركي: «موت القاضي سكاليا فجأة»).
ثانيا: «إسقاط الاتهامات ضد شرطة بولتيمور في قتل رجل أسود». (قال العنوان الأميركي: «مدعية بولتيمور تسحب بقية الدعاوى»).
ثالثا: «ترامب يدافع عن حق الأميركيين في شراء السلاح وحمله». (قال العنوان الأميركي: «ترامب يركز على التعديل الثاني (في الدستور)».
لكن، كما قالت دورية «كولمبيا جورناليزم ريفيو»، تظل هذه التجربة في بدايتها. خاصة بسبب عدم وجود اختلافات واضحة بين القارئين: الأميركي والأجنبي (الذي هو، في هذه الحالة قارئ أجنبي يجيد اللغة الإنجليزية، وربما درس في الولايات المتحدة، أو يتابع الأحداث الأميركية).
يعنى هذا أن «القارئ الأجنبي» المستهدف يمثل نسبة قليلة جدا من القارئ الأجنبي الحقيقي.
في بداية هذا العام، قال موقع «كوم سكور» (يتابع شعبية مواقع الإنترنت) إن 36 في المائة من التواصل مع موقع صحيفة «نيويورك تايمز» يأتي من الخارج. طبعا، يدخل في هذه النسبة الأميركيون الذين يعيشون في الخارج، بالإضافة إلى «الأجانب المتأمركين».
لا يقلل والش، وهو الذي يعيش في دولة أجنبية، من مثل هذه التعقيدات.
يبقى الجزء الثاني من مشروع «نيويورك تايمز غلوبال»، وهو استغلال تكنولوجيا الاتصالات. عن هذه قال والش إنه سيستخدم «فيسبوك لايف» (خدمة جديدة في موقع «فيسبوك» للإرسال المباشر). في بداية هذا العام، دفعت شركة «نيويورك تايمز» ثلاثة ملايين دولار لشركة «فيسبوك» للاشتراك في «فيسبوك لايف» لمدة عام واحد.
ويبقى الجزء الأهم الذي يبدو أن شركة «نيويورك تايمز» لم تضع أي اعتبار له. ربما بسبب الجهل، وربما بسبب النكران. هذا هو الشقة العريضة والعميقة بين رأي الأميركيين في شعوب العالم الثالث، ورأي شعوب العالم الثالث في أميركا. هنا، وبالنسبة لوالش، رأي العرب والمسلمين في السياسة الأميركية نحوهم، ورأي الأميركيين فيهم كلهم.
يعترف والش بهذه المشكلة، ويقول: «هاأنذا أغطي الانتخابات الأميركية، وفيها تصريحات كثيرة عن اللاجئين السوريين. يبدو لي أن هناك ظلما في تصريحات في الحملة الانتخابية بأن اللاجئين السوريين يمكن أن يكونوا عملاء لتنظيم داعش».
وأضاف: «مؤخرا، عدت من سوريا، وكنت في دمشق وفي حلب. ثم هاأنذا أغطي الانتخابات الأميركية، وفيها تصريحات تخون وتجهل أسباب هجرة السوريين».
وقال: «حتى الصحافيون الأميركيون» يشتركون في هذا الرأي.
لهذا؛ يبدو أن مشروع «نيويورك تايمز» لكسب القارئ الأجنبي سهل نظريا، لكن، صعب عمليا. (ناهيك عن در إعلانات بمائة مليون دولار كل عام).



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».