ليبيا.. صراع عابر للحدود

أميركا من الغرب وفرنسا من الشرق.. والدواعش يفرون للجنوب

ليبيا.. صراع عابر للحدود
TT

ليبيا.. صراع عابر للحدود

ليبيا.. صراع عابر للحدود

خلال أقل من ثلاثين يوما خرجت تصريحات رسمية في كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا تفيد بأن لهما قواتا تعمل على الأراضي الليبية. والظاهر الآن أن كلا من الدولتين الغربيتين الكبريين تعضد فريقا من الفريقين الليبيين المتنافسين على السيطرة على حكم البلاد. قوات أميركية في الغرب، وقوات فرنسية في الشرق.. كل منهما يساعد في محاربة تنظيم داعش الإرهابي المتطرف، بطريقته، لكن يبدو أن عناصر التنظيم بدأت تفر إلى مناطق الجنوب تاركة ساحة الصراع بين السياسيين في شمال البلاد وقد أصبحت أكثر وضوحا من السابق.
حتى وقت قريب كان يسود اعتقاد بين كثيرين من الليبيين بأن أي تدخل دولي في الشأن الداخلي، خاصة توجيه ضربات دولية، من البر، ضد «داعش»، يمكن أن يؤدي إلى توحيد جبهة المتطرفين وضياع أي محاولة يبذلها السياسيون للم شمل الدولة التي تعاني الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
ما حدث، حقا، يبدو أنه أمر مغاير تمامًا لمثل تلك التوقعات والمخاوف. إذ دلت تصريحات من كل من فرنسا والولايات المتحدة، خلال الأسابيع الأخيرة، على وجود قوات على الأرض تعمل جنبا إلى جنب مع أطراف ليبية تحارب «داعش» والمتطرفين في محيطي مدينتي سرت وبنغازي، إلى فتح قنوات اتصال جديدة بين الخصوم المحليين المتحصنين وراء حكومات صغيرة وهشة في شرق ليبيا وغربها.
ما الحل؟ أخذ مثل هذا السؤال يتردد بين الحضور في قاعة تابعة لوزارة الخارجية المصرية مطلة على نيل القاهرة لدى حضور وفد برلماني ليبي هو الأول من نوعه الذي يلتقي مع مسؤولين مصريين قبل عدة أيام. هذا نوع من نواب الغرب الليبي ممن يصغى إليهم للمرة الأولى بشكل رسمي في مصر. وكان معظمهم يتخوف من انحياز القاهرة لنواب المنطقة الشرقية، لكن اتضح من خلال اللقاء الأخير أن هذا لم يكن صحيحا، وأن مصر تحاول جاهدة الوصول إلى حلول وسط بين الطرفين. ويمكن لحدوث تفاهم بين قيادات الشرق وقيادات الغرب في ليبيا، أن ينهي الكثير من الملفات العالقة بما فيها بوادر الصراع الأميركي - الفرنسي على أراضي هذا البلد الغني بالثروات. فرنسا أقرت في أواخر الشهر الماضي بمقتل ثلاثة من أفراد قواتها الخاصة بشرق ليبيا بعد إسقاط مروحيتهم قرب بنغازي. ويومها أكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن قواتا فرنسية تنفذ «عمليات خطيرة» ضد المتشددين في ليبيا.

اعترافات واشنطن وباريس
وأضاف أن هناك حاجة إلى لمواجهة «داعش» ومحاربته في كل من العراق وسوريا وليبيا. إلى ذلك, وبعد بنحو ثلاثة أسابيع، أي يوم الثلاثاء الماضي، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين، لم تسمهم، أن جنودا من الوحدات الخاصة الأميركية قدموا إسنادا مباشرا لقوات «البنيان المرصوص»، وأنهم «يعملون بالتنسيق مع نظرائهم البريطانيين على تحديد مواقع للضربات الجوية ويزودون شركاءهم بالمعلومات الاستخبارية».
في البداية.. وفي الداخل الليبي، أي قبل نحو شهر، اتهمت قيادات في غرب البلاد، المنطقة الشرقية بالاستعانة بقوات فرنسية لمعاونة الجيش الوطني في حربه ضد المتطرفين. ويوجد في الشرق مقرات الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني، والبرلمان برئاسة عقيلة صالح، والجيش بقيادة حفتر، لكن التصريحات الأخيرة المنسوبة للمصادر الأميركية عن وجود قوات لها تعمل على الأرض في المنقطة الغربية لتعضيد عملية «البنيان المرصوص» التي تخوضها ميليشيات ضد «داعش سرت» جعل القضية بين طرفي النزاع في الدولة الليبية تبدو متعادلة. وللعلم، في الغرب مقار كل من المجلس الرئاسي وحكومته بقيادة فايز السراج، و«حكومة الإنقاذ» برئاسة خليفة الغويل، والمجلس الأعلى للدولة برئاسة عبد الرحمن السويحلي.
الجيش تمكن أخيرا من طرد المتطرفين من مناطق مهمة في بنغازي، وهم خليط من مقاتلي جماعة الإخوان وأنصار الشريعة و«داعش»، بعد حرب ضروس استمرت طوال حولي سنتين وما زالت مستمرة. وبالتوازي مع ذلك تمكنت قوات «البنيان المرصوص» التي يرعاها المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة، من تحقيق انتصارات لافتة على «داعش» سرت، بعد نحو ثلاثة أشهر من انطلاق العملية، لكن المشكلة أن «الجيش» بقيادة حفتر والبرلمان، وميليشيات «البنيان المرصوص» برعاية السراج، لا يتعاونان بل يتربص أحدهما بالآخر، وقد يضطران إلى الاقتتال إذا توغل الجيش ناحية الغرب، أو إذا انتقلت الميليشيات المنتصرة في سرت إلى الشرق.
حتى فيما يتعلق بوجود قوات أجنبية، سارع فريق السراج وفريق حفتر للتقليل من شأن هذا الأمر، فقال السراج إن بلاده ليست بحاجة إلى قوات أجنبية على الأرض، وأعلن مقربون من حفتر أن «مجموعة الاستطلاع» الفرنسية غادرت منطقة العمليات.
هذا الانقسام المحلي يبدو أنه أثَّر في مواقف الكثير من الدول وجعلها، بالمثل، تنقسم أيضا في تعاطيها مع الشأن الليبي. دول مثل فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وبريطانيا ومصر وغيرها، تعترف بالبرلمان الذي يرأسه عقيلة صالح ويعقد جلساته في طبرق شرقا، ووفقا للإعلان الدستوري المعمول به منذ إسقاط القذافي، يعد صالح القائد الأعلى للجيش الليبي. وتعترف هذه الدول نفسها بالمجلس الرئاسي الذي أعلن رئيسه السراج أنه، هو الآخر، القائد الأعلى للجيش الليبي.

اللعب على المكشوف
ويقول أحد قادة جهاز المخابرات الليبية السابق (منذ أيام القذافي ويعيش حاليا في مصر) إن المتغير اللافت في ليبيا هو اضطرار الأطراف المحلية وحلفاء كل طرف من الدول الأجنبية إلى اللعب على المكشوف. وفي حال هزيمة المتطرفين بشكل تام في بنغازي وسرت، فإن أوراق اللعب ستكون مكشوفة على الملأ أكثر من أي وقت سابق، وبالتالي سيؤدي هذا إلى أحد أمرين: إما شعور المتنافسين الليبيين بالخطر، وبناء عليه سيتنازل كل طرف لصالح الوفاق والوحدة، أو أن الوضع سيزداد تعقيدا وندخل في نفق الاحتراب الأهلي وتشرذم البلاد بين شرق وغرب. ويضيف أن وجود قوات عسكرية واستخباراتية من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة في شرق ليبيا وغربها، يعود إلى أواخر العام الماضي ومطلع العام الحالي، لكنه كان وجودا غير معلن عنه بشكل رسمي، موضحًا «أعتقد أن التطورات على الأرض وتحقيق الليبيين انتصارات على الجماعات المتطرفة، جعل الدول الكبرى، خاصة أميركا ومن معها وفرنسا ومن معها، يكشفان، بشكل سافر، عن أنهما يشاركان في تنظيف ليبيا من الإرهابيين، على أمل أن يقفا في النهاية على خشبة الانتصار وما يتبع ذلك من تعاقدات على السلاح وعلى إعادة الإعمار واستئناف التنقيب والتصدير من حقول النفط والغاز».
من جانبه يقول عيسى عبد المجيد، المستشار السابق لرئيس البرلمان، إن الحالة الراهنة في ليبيا تتيح القول إن الدول الأجنبية تتصارع على الأراضي الليبية، ومن يدفع الثمن هو الشعب. ويزيد قائلا: «إن الولايات المتحدة وفرنسا تظهران في الواجهة كطرفين يتسابقان ويتنافسان على الاستحواذ على الكعكة الليبية»، مشيرا إلى أن هذه الدول لا يعنيها الشعب الليبي، بل مصالحها الخاصة، محذرا من انتقال الدواعش من سرت والتركز في الجنوب الليبي، «وعندها لن تتمكن طائرات أو قوات هذه الدول من الوصول إليهم، وهذا يشكل خطرا على مستقبل ليبيا ودول الجوار».

في فنادق القاهرة
في خلفية هذه الأحداث ظهرت وجوه الكثير من الشخصيات الليبية المتصارعة في فنادق العاصمة المصرية خلال الأيام الماضية. يمكن أن تضع مقياسا تحسب به التطورات. مقياس اليوم وفقا لما جرى بالفعل، هو القاهرة التي يوجد فيها غالبية قيادات النظام الليبي السابق، بالإضافة إلى عدد كبير من قيادات الجيش الليبي ممن فضلوا الابتعاد عن البلاد عقب انتهاء نظام القذافي. وفي المقابل كان الزعماء المتحكمون في المناطق الغربية يشيحون بوجوههم عن مصر، متهمين إياها بالانحياز إلى قيادات الشرق، لكن وصل أخيرا إلى هنا عشرات النواب. لقد تغيرت الصورة تحت ظلال البحث عن مخرج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومع ذلك فإن «داعش» ليس قضية ليبية فقط. فمنذ إعلان تمركزه في سرت العام الماضي، أصبح هذا التنظيم هاجسا لدول الجوار وأوروبا والولايات المتحدة.
تبعد سرت أكثر من 300 كيلومتر شرقي طرابلس، ويقول مسؤول في مركز دراسات الجنوب الليبي للبحوث والتنمية، وهو مركز ليبي يعمل باحثوه بعيدا عن الأضواء خشية تعرضهم للانتقام من المتطرفين، إنه كان من الطبيعي أن يفكر «داعش» في أن تكون له قاعدة في ليبيا؛ نظرا للظروف المساعدة والمشجعة على ذلك، مثل غياب دور الدولة المركزية، وانتشار الصراعات الأهلية في كامل التراب الليبي.
ويتابع الباحث قائلا إن تونس صاحبة الـ3 آلاف مقاتل ممن كانوا يحاربون في سوريا، أصبحوا مصدرا رئيسيا للمقاتلين الأجانب الذين قدموا إلى ليبيا، خاصة أولئك الذين عادوا من سوريا إلى تونس واختاروا المجيء إلى ليبيا خوفا من الملاحقة التي تعرض لها الكثيرون منهم في بلدهم. وبالفعل استجاب كثرة من المقاتلين لدعوة «أبو بكر البغدادي» زعيم «داعش» بالانتقال إلى ليبيا.. «فشملت قائمة القادمين - إضافة إلى المقاتلين الليبيين العائدين من سوريا - مقاتلين من تونس والسودان واليمن والشيشان والمغرب والجزائر، ودول أخرى. واستقر هؤلاء في سرت ودرنة وشنوا عمليات على الحقول النفطية والسفارات الأجنبية والمناطق الحيوية ليصبح وجود التنظيم رسميا في ليبيا بعد أن تشكلت أركانه كما ينبغي».

تركي البنعلي
لكن الحدث الأبرز الذي جعل من وجود «داعش» في سرت أمرا حقيقيا، كان وصول تركي البنعلي، عضو مجلس التنظيم الرئيسي، من خارج البلاد إلى سرت. والبنعلي - كما هو معروف - بحريني الأصل، ويعد من المقربين من البغدادي. وفور وصوله إلى سرت العام الماضي، أخذ يلقي فيها الخطب والدروس. ومنذ ذلك الوقت أصبحت جميع أحياء مدينة سرت في قبضة التنظيم ما عدا الحي رقم 3 الذي كانت تسيطر عليه قبيلة الفرجان وكتيبة «الجالط» التابعة لها، «لكن الأمر لم يستمر كثيرا إذ أحكم (داعش) سيطرته على كامل المدينة بعد اندلاع اشتباكات بينه وبين قبيلة الفرجان إثر مقتل شيخ وإمام مسجد قرطبة، الشيخ خالد بن رجب الفرجاني». وفقا لما ذكره مركز الجنوب المشار إليه، وبعد هذه الواقعة اندلعت اشتباكات بين «داعش» وكتيبة «الجالط» انتهت بسيطرة «داعش» بالكامل على سرت.
تتميز سرت، مسقط رأس معمر القذافي، بموقع استراتيجي حاول التنظيم الاستفادة منه في الإشراف على عملياته في ليبيا. ويوجد في المدينة ميناء بحري ومطار جوي حديث، وتعد أيضا نقطة اتصال بغرب البلاد وشرقها، إضافة إلى سهولة التحرك منها عبر الدروب إلى مناطق الجنوب الصحراوية، حيث يفد المقاتلون والأسلحة المهربة من الدول الأخرى، إلى جانب قرب سرت من الهلال النفطي.
وبعد استقراره في سرت عمل «داعش» على إنشاء مراكز تجنيد مهمة خاصة في مدينة صبراتة (غرب طرابلس وقرب الحدود مع تونس) حيث كان فيها مركز لاستقبال المقاتلين الجدد، كما أسس خلية له في طرابلس. وقامت الولايات المتحدة في فبراير (شباط) بضرب مواقع قالت إنها لـ«داعش» صبراتة قتل فيها أكثر من أربعين غالبيتهم تونسيون.
بعدها حاول «داعش» أن يعلن من سرت أنه ما زال قويا، فنفذ حملة جديدة ضد سكان المدينة وقتل معارضيه فيها وعلقهم على أعمدة الكهرباء. وشن أيضا حملة واسعة على حقول البترول وهدد باحتلال الهلال النفطي بأكمله، والمنطقة تضم نحو 60 في المائة من نفط ليبيا، وتمتلك عدة شركات غربية نصيبا في هذه الحقول، منها شركات أميركية وفرنسية وإيطالية وبريطانية. كذلك هاجم التنظيم عدة مواقع أخرى وذبح فيها بعض العاملين، ما أدى إلى فرار الباقين وإغلاق حقول رئيسية جنوب شرقي سرت. واستمر هذا الوضع إلى أن تمكن المجلس الرئاسي من دخول طرابلس، ومباشرة مهامه رغم ما تعرض له من عراقيل من الخصوم السياسيين، وأعلن السراج عن عملية «البنيان المرصوص».

«البنيان المرصوص»
الدكتور عبد الرحمن السويحلي، رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية، قال من جهته لـ«الشرق الأوسط» إن مجلسه وقف بقوة من أجل صدور قرار بتشكيل هذه القوة لمحاربة «داعش» في سرت. وينظر السويحلي إلى الفريق أول حفتر على أنه مجرد قائد لمجموعة مسلحة وليس جيشا بالمعنى المتعارف عليه. ووجهة النظر هذه يبدو أنها تعبر عن تجذر الخلافات بين الشرق والغرب، ورفض قيادات الغرب التعامل مع حفتر، رغم أنها في أشد الحاجة إلى تضافر الجهود لمواصلة الحرب على «داعش».
على أي حال.. ومنذ انطلاق عملية «البنيان المرصوص»، سيطرت هذه القوات، تدريجيا على معظم ضواحي سرت وبدأت من حي الزعفران ومحور الغربيات، ثم وصلت إلى الحي 700 ومنطقة أبوهادي والمحمية. وبعد ذلك، رغم الخسائر الكبيرة في صفوفها بسبب مفخخات التنظيم، انتقلت العملية إلى المحور الشرقي لتسيطر على الميناء ومناطق السواوة والطويلة، ثم «مجمّع واغادوغو»، إلى أن تراجعت قوات «داعش» إلى ضاحيتين صغيرتين داخل المدينة.
يرى البعض أنه لم يكن في مقدور عملية «البنيان المرصوص» التوغل في سرت لولا مساعدة القوات الأميركية التي كانت توجه ضربات جوية لمواقع التنظيم، بالإضافة إلى ما تقدمه من معلومات استخباراتية، إلى جانب عناصرها الموجودة على الأرض. ويقول مسؤول مركز الجنوب، عن الخسائر الكبيرة في صفوف مقاتلي «البنيان المرصوص» إن هذا الأمر قد يعود إلى ضعف هذه القوات من حيث تنظيم الخطوط وتأمين المناطق التي تسيطر عليها وتنظيم وتوزيع المقاتلين التابعين لها بشكل يضمن تحديد هوية جميع المركبات والأفراد الذين يدخلون ويخرجون من خطوط العمليات ويسهل عن طريقه معرفة أي مركبات أو أفراد مجهولي الهوية يحتمل أن يكونوا تابعين لـ«داعش».

السكان «دروع بشرية»
ولكن الخشية اليوم من تحصن مقاتلي «داعش» داخل ما تبقى من أحياء سكنية تحت يد التنظيم، ولجوء عناصره لحرب الشوارع، واتخاذه من سكان المدينة دروعا بشرية. ومع ذلك توجد مخاوف أخرى من تسلل «داعش» من سرت إلى الجنوب، كما يقول عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط»، لأنه يمكن أن يتخذ قواعد هناك يصعب استهدافها من البر والجو، مع سهولة تواصله من مراكزه الجديدة مع جماعة «بوكو حرام»، وهو ما يمثل خطرا جديدا على ليبيا لا يقل عن خطر الخلافات السياسية في الشرق والغرب. ولا يستبعد مسؤول مركز الجنوب مشاركة مرتزقة بيع السلاح وتهريب البشر والمخدرات من مساعدة «داعش» في حال هروبه للجنوب الليبي، لأن هؤلاء المرتزقة لا يهتمون بـ«هوية الزبون» ولكن بالمبلغ المدفوع.
تجري هذه التطورات على الأرض، بينما يحاول الأفرقاء التلاقي حول طاولات الحوار، وكان آخرها زيارة الوفد البرلماني الليبي (غالبيته من المنطقة الغربية) إلى القاهرة. وعلى الهامش تستمر الاتهامات بشأن استعانة هذا الفريق أو ذاك بقوات أجنبية للقتال على الأراضي الليبية. ويقول عبد المجيد عن التصريحات الأخيرة التي خرجت من أميركا وفرنسا إنها تعد بمثابة «صراع دولي على بسط النفوذ داخل ليبيا. إنها تعلم أن ليبيا دولة غنية بها موارد النفط والغاز والذهب واليورانيوم وغيرها من المعادن الثمينة». ويضيف: «كما تعرف مساحة ليبيا كبيرة جدا. فرنسا وبعض حلفائها الأوروبيين يسعون أيضا إلى العمل على إيقاف الهجرة غير الشرعية، من الشواطئ الليبية، إلى أوروبا، والسيطرة على خيرات ليبيا.. وبتقسيم ليبيا ستكون الأمور تحت سيطرتها». ويتابع قائلا إنه «بالنسبة إلى قصف القوات الأميركية لسرت، فإنني أقول إن أميركا هي من صنعت الدواعش. لماذا لم تقصف أميركا الدواعش حين كانوا يقتلون ويذبحون الضباط والصحافيين والناس في بنغازي وغيرها في الساحات علانية وأمام العالم. أين كانت أميركا؟ أميركا، في الحقيقة، تريد المنطقة الغربية. لكن نتمنى من عقلاء ليبيا أن يجنبوها هذا المصير وهذه المخاطر».



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.