تشاد.. في قلب الإعصار

مع بدء إدريس ديبي فترة رئاسته الخامسة

تشاد.. في قلب الإعصار
TT

تشاد.. في قلب الإعصار

تشاد.. في قلب الإعصار

بعد عقود طويلة من الحروب الأهلية والتمرد المسلح، وشرخ اجتماعي متجذر ما بين الجنوب المسيحي - الزنجي والشمال المسلم - العربي، بدأت تشاد قبل سنوات قليلة تدخل مرحلة من الاستقرار الحذر، بعدما تمكن الجنرال إدريس ديبي من إزاحة الرئيس السابق حسين حبري من الحكم في نهاية تمرد عسكري بدأه من الأراضي السودانية. ولقد أعاد ديبي ترتيب الأمور في البلاد بطريقة تضمن له أن يكون محور معادلة الحكم التي لا تستقيم من دونه، والظهور قوة إقليمية في منطقة ملتهبة. وعلى الرغم من الهدوء والاستقرار الذي تحقق في تشاد خلال السنوات الأخيرة وجعلها تظهر بلدًا مستقرًا في محيط إقليمي مضطرب، يرى مراقبون أن ذلك لا يعدو كونه الهدوء الذي يسبق العاصفة، وأن تشاد مرشحة للدخول في دوامة من الهزات الكبيرة بسبب السياسات الجريئة لنظام ديبي، خصوصًا فيما يتعلق بلعب دور «القوة الإقليمية» في منطقة «الساحل الأفريقي» الملتهبة، ومشاركة الجيش التشادي في حروب كثيرة ومعقّدة، بدعم وتشجيع من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية.
أمسك العصا الخشبية بقبضته القوية.. اعتدل واقفًا أمام عشرات الآلاف من أنصاره الذين كانوا يهتفون باسمه: إدريس ديبي.. إدريس ديبي. رفع عصاه عن الأرض وبدأ يلقي أول خطاب في مأموريته الخامسة رئيسًا لجمهورية تشاد.
كان حريصًا على إظهار قوته وجبروته، إلا أنه مع ذلك لم يستغن عن تلك العصا التي يتوكّأ عليها بين الفينة والأخرى، ولكنه سيحتاج أكثر لقدراتها السحرية - إن كانت موجودة - وهو يواجه أزمات كثيرة محدقة ببلاده، أزمات يعتقد معارضوه أن الحل السحري الوحيد لها هو أن يغادر السلطة.

تحقيق الاستقرار
«المسؤولون الحكوميون في تشاد نجحوا في تحقيق الاستقرار»، ذلك ما قاله وزير الخارجية التشادي، موسى فقيه محمد، عندما وقف عام 2013 أمام مجلس الأمن بعد انتخاب بلاده عضوًا في المجلس، قال الرجل بثقة كبيرة وهو يلخّص إحساس نظام الرئيس ديبي الكبير بالثقة: «تشاد التي كانت ولعدة عقود أحد الملفات المطروحة على طاولة مجلس الأمن، أصبحت اليوم جزءًا من هذا المجلس. إن تشاد التي كانت قبل سنوات قليلة دولة معدومة، لم تصبح اليوم حاضرة فقط وإنما فاعلة أيضًا».
التقارير الدولية الصادرة في السنوات الأخيرة، التي تناولت الوضع في تشاد بكثير من التحليل والاستشراف المستقبلي، تحدثت عن أزمات صامتة في البلد الذي يحمل بذور الهشاشة منذ استقلاله عن فرنسا عام 1960. وآخر هذه التقارير ذلك الصادر في شهر مارس (آذار) الماضي عن المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات تحت عنوان: «تشاد ما بين الطموح والضعف». يقول هذا التقرير إن «الحركات المجتمعية التي تتصاعد، وتعبئ بشكل خاص فئة الشباب، تعكس استياءً عميقًا في المجتمع وهي نتيجة مباشرة لتراكم عدد من الأزمات التي قد تقود إلى الوقوع في فخ الصراع المسلح».
ويضيف التقرير أن «البلد يواجه أزمة ديمقراطية وسياسية يطبعها غياب التناوب الديمقراطي على السلطة منذ 26 سنة، ووعود كاذبة بمكافحة الفساد والحصانة من العقاب، ولكن أيضًا أزمة اقتصادية ومالية كبيرة ذات انعكاسات خطيرة على التشغيل. وأخيرًا يفتح البلد عدة جبهات عسكرية في ظل الهجمات التي تشنها جماعة (بوكو حرام) الإرهابية المتطرفة منذ يناير (كانون الثاني) 2015»، كل هذه العوامل ترشح الوضع في تشاد للانفجار.

المحيط الملتهب
من خلال نظرة فاحصة للمحيط الإقليمي لدولة تشاد نجد أنها تقع في قلب عاصفة العنف التي تجتاح أفريقيا، فهي محاطة ببؤر انعدام الاستقرار من مختلف الجهات. في الشرق تحدها أزمة دارفور بغرب السودان حيث استقبلت تشاد شهر فبراير (شباط) الماضي عشرات آلاف اللاجئين بعد معارك عنيفة بين الجيش السوداني والمتمردين. أما في الجنوب فيحتدم الصراع الدامي في جمهورية أفريقيا الوسطى، وفي الشمال تشتعل الحرب الأهلية في ليبيا التي تحوّل جنوبها إلى مركز نفوذ للتنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة العابرة للحدود. والمشهد نفسه نجده غربًا، في شمال النيجر المحاذي لتشاد حيث تتمركز عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنمو شبكات تهريب السلاح والممنوعات. وكذلك في الجرح النيجيري النازف على وقع ضربات جماعة «بوكو حرام» التي بايعت تنظيم «داعش». ورغم تراجع قوة «بوكو حرام» خلال الفترة الأخيرة بسبب الحرب الإقليمية عليها، فإنها تبقى مصدر تهديد جديًا بالنسبة لتشاد، وتؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الهش للبلاد، لا سيما أنها متغلغلة في مجتمعات شمال نيجيريا والكاميرون وتبحث عن موطئ قدم لها في تشاد.
لقد كان انهيار نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011 بمثابة الكارثة بالنسبة لتشاد ولنظام رئيسها إدريس ديبي، إذ إنه تسبب في اختلال توازن المنطقة وأسفر عن انتشار شبكات وتنظيمات مسلحة أصبحت مصدر تهديد حقيقيًا لشمال البلاد. وبما أن القذافي كان حليف ديبي التقليدي وأحد المستثمرين الكبار في بلاده، أعرب الرئيس التشادي عن معارضته لتدخل القوى الغربية للإطاحة بنظامه، بيد أنه بعد بضع سنوات (عام 2014) وجد نفسه يدعو لتدخل عسكري دولي في ليبيا، في ضوء خشيته من قرب فقدانه السيطرة على مسالك التجارة في الصحراء، وتأثر التبادلات الاقتصادية في شمال تشاد، بالإضافة إلى انتشار الأسلحة واحتمال ظهور متمردين جُدد.
في خضم هذا الوضع الإقليمي المضطرب بدأت تشاد تتحرك نحو لعب دور «الشرطي الإقليمي»، وذلك من خلال مشاركتها عام 2013 في الحرب على الجماعات الإرهابية في شمال مالي إلى جانب القوات الفرنسية، وتدخلها القوي في الحرب على «بوكو حرام»، والمشاركة في قوة حفظ السلام الأفريقية بجمهورية أفريقيا الوسطى، ودعوتها لتدخل عسكري دولي في ليبيا. كل هذا يؤكد رغبتها في الظهور كقوة عسكرية صاعدة، وفي الوقت عينه تعزيز نفوذها الإقليمي والتغطية على مشكلاتها الداخلية.
في أي حال، على الرغم من المخاطر الكبيرة المحدقة بالبلاد استطاع نظام ديبي أن يحول هذه المخاطر إلى نقاط لصالحه من خلال الظهور حقًا قوة إقليمية معتمدًا على جيش مدرّب على القتال في أكثر المناطق الصحراوية وعورة وجفافًا، وتغلب عليه صبغة الميليشيات أكثر من الجيش المنظم، ولكنه في النهاية يُعد واحدًا من أقوى جيوش المنطقة ويتولى ديبي قيادته بشكل مباشر. إلا أن هذه المكاسب مهددة بنقاط الضعف السياسية والاقتصادية، وغياب عقد اجتماعي داخلي، وفق ما يشير له تقرير المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات.

حليف الغرب
من خلال قراءة العقود الأخيرة من تاريخ تشاد نجد أن هذا البلد كان دائمًا حليفًا مقرّبًا من القوى الغربية، وخصوصا فرنسا والولايات المتحدة الأميركية. وما عززت تحالفاته الصراعات التي خاضتها تشاد مع كل من ليبيا والسودان. وبالتالي، فإن الشراكة الأمنية والعسكرية بين تشاد والغرب ظلت تقوم على مجموعة من الأعداء المشتركين، لكنها تعززت بشكل خاص بعد ظهور التهديد الإرهابي المتمثل في الجماعات المتطرفة المسلحة التي ترفع شعارات إسلامية.
الحرب التي خاضتها القوات التشادية في مالي إلى جانب الفرنسيين، أخرست الانتقادات الفرنسية لنظام الرئيس ديبي، خصوصا فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان والتضييق على الحريات وانعدام أفق للتناوب الديمقراطي على السلطة. وضاعفت مستوى التعاون العسكري بين تشاد والولايات المتحدة خاصة في مجال التكوين والاستخبارات.
وفي غضون ذلك، تنطلق بين الفينة والأخرى تحذيرات من أن يستمدّ النظام التشادي شرعيته من انعدام الاستقرار في محيطه الإقليمي والخوف من الإرهاب، فيقدّم نفسه على أنه الضامن الوحيد للأمن والاستقرار، تمامًا كما اعتمد نظام حسين حبري السابق على معاداته لليبيا والسودان، وأعطى لنفسه الحق في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
إلا أن القوى الغربية كما يبدو غير مستعدة لمراجعة طبيعة شراكتها مع تشاد، ففرنسا اتخذت من نجامينا مقرًا لعملياتها العسكرية المناهضة للإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، والولايات المتحدة عزّزت من حضورها في البلاد عبر مناورات عسكرية دورية. ثم إن «المجموعة الدولية» التزمت الصمت حيال تعديل الدستور من طرف ديبي وبقائه في السلطة لفترة رئاسية خامسة ستمكنه من تمديد حكمه حتى 31 سنة.

الوضع الداخلي
رغم الصورة الصلبة والقوية التي قدّمتها تشاد للعالم عبر حضورها العسكري في مختلف الصراعات الإقليمية، فإنها لم تخفِ مكامن الهشاشة داخل البلد الذي لا يزال يعد من أفقر بلدان العالم، وتصل نسبة الأمية فيه إلى أكثر من 75 في المائة مديبي الرئيس في السلطة منذ 26 سنة، وغياب أي مخطط لتناوب ديمقراطي، بينما يرى كثير من التشاديين أن ذلك يعرض البلاد لخطر الدخول في أزمة عنيفة خاصة في ظل تدهور الوضع الصحي للرئيس والماضي الدموي الذي عاشته البلاد.
ولعل التشاديين يتذكرون الوعد الذي أطلقه ديبي عندما وصل إلى السلطة عام 1991، حين قال لهم: «لا أعدكم بالذهب ولا بالفضة، لكنني أعدكم بالحرية». اليوم تمنع المظاهرات في تشاد ويُقمَع الشباب المحتجون ويختفي عشرات الجنود لأنهم صوّتوا لصالح المعارضة في انتخابات أبريل (نيسان) الماضي، وفق ما تحدثت عنه المعارضة، وسط حالة من الاحتقان الاجتماعي والتأزم الاقتصادي.
الجدير بالذكر أن الصراعات المسلحة التي تدور في محيط تشاد ليست مجرد مشكلات أمنية، بل أيضًا مشكلات اقتصادية كبيرة بالنسبة لبلد لا يملك أي منفذ على المحيط. إذ تحوّلت الطرق التي تربط العاصمة نجامينا بمحيطها الإقليمي إلى طرق خطرة بسبب «بوكو حرام»، كالطريق الذي يربط نجامينا بمدينة مايدوغوري في شمال شرقي نيجيريا، أو مدينة ماروا في الكاميرون، أو حتى الطريق المؤدي إلى ميناء دوالا الكاميروني الذي يعد المنفذ الأول بالنسبة لتشاد على المحيط الأطلسي. لقد نجحت «بوكو حرام» فعليًا في خنق مدينة نجامينا وكبرى مدن الجنوب.
أما بالنسبة للنفط، فمن المهم أن نعرف أن دخول تشاد نادي البلدان المنتجة للنفط عام 2004 حوّلها إلى «دولة ريعية»، فخلال الفترة ما بين 2004 و2014 تضاعفت ميزانية الدولة أربع مرات، لتنتقل من 670 مليون دولار أميركي إلى 208 مليارات دولار. ولكن في نهاية عام 2014 وجدت الحكومة نفسها أمام وضع صعب بسبب تراجع مستوى الإنتاج في آبار النفط وتأخر انطلاق الأشغال في احتياطات نفطية أخرى.
وتشير التقارير إلى أن عائدات النفط خلال عام 2014 وصلت إلى 1.02 مليار دولار أميركي بيد أنها تراجعت العام الماضي لتتوقف عند 450 مليون دولار فقط. ولقد تراكمت ديون الدولة لصالح الشركات الوطنية والأجنبية، وبدأت الحكومة تتأخر في تسديد رواتب الموظفين ومستحقات المتقاعدين، وهو ما صب النار على زيت الأزمة الاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد.

ثروات هائلة.. وشعب جائع
* تشاد بلد يقع في قلب القارة الأفريقية، نصفه الشمالي يقع ضمن المجال الصحراوي، بينما يقع نصفه الجنوبي في منطقة استوائية، وتشير الروايات التاريخية إلى أن تشاد أخذت اسمها من نوع من الأسماك الشهيرة في بحيرة تشاد، الواقعة جنوب غربي البلاد، وتطل عليها أربعة بلدان هي: تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون.
أما المجتمع التشادي فيتكوّن من أجناس بشرية (إثنيات وجماعات) مختلفة، إذ إن الإنسان قطن هذه المنطقة منذ عشرات الآلاف من السنين وفق ما تؤكده الحفريات، إلا أن هجرات كثيرة حوّلت تشاد إلى ملتقى كثير من الحضارات التي قامت في شمال الصحراء وجنوبها. ويبلغ تعداد السكان وفق آخر إحصائية 12 مليون نسمة، مقسّمة إلى أكثر من 260 قبيلة تتكلّم أكثر من مائة لهجة محلية. إلا أن هذه القبائل تضم 25 قبيلة عربية ما جعل بعض الباحثين يضع تشاد ضمن البلدان التي يمكن تصنيفها على أنها عربية، فالعربية لغة رسمية في البلاد منذ عام 1985 ويتكلمها أغلب المواطنين، لكن الفرنسية هي الأخرى لغة رسمية بموجب الدستور وتهيمن على الإدارة.
اقتصاديًا، تعتمد تشاد على الزراعة التي يمارسها عدد كبير من سكان الجنوب، وتخطّط الحكومة منذ عقود لتحقيق الأمن الغذائي، ومع أنها تواجه صعوبات كبيرة في ذلك، فإنها نجحت في رفع مستوى الإنتاج من القطن والفول السوداني والقمح والدَّخن والنخيل والأرز والذرة والمانجو والصمغ العربي. غير أن النفط أصبح العمود الفقري للاقتصاد التشادي في السنوات الأخيرة، إذ بدأ استخراجه وتصديره عام 2004 مع وجود مخزون هائل في الجنوب، بينما تتحدث التقارير عن ثروات معدنية في الشمال لم تستغل بعد من أهمها: اليورانيوم والبوكسيت والحديد والنحاس.
مع كل ذلك تعد تشاد واحدة من أفقر بلدان العالم، وتشكل نسبة الأمية فيها أكثر من 75 في المائة.

محطات سياسية.. صراعات وحروب لا تنتهي
11 / 08 / 1960: تشاد تحصل على استقلالها من فرنسا، والبرلمان التشادي ينتخب فرنسوا تومبالباي رئيسًا للجمهورية.
23 / 04 / 1962: تامبالباي يفوز بالانتخابات الرئاسية بعد اعتماد نظام الحزب الواحد.
28 / 08 / 1968: القوات العسكرية الفرنسية تتدخل لإخماد التمرد المتفجر في شمال تشاد.
01 / 1973: القوات الليبية تسيطر على إقليم أوزو الحدودي في شمال البلاد.
13 / 04 / 1975: انقلاب عسكري يشهد مقتل تومبالباي، والجنرال فيليكس مالوم يتولى رئاسة البلاد بعد خروجه من السجن.
04 / 1978: تدخّل القوات الفرنسية لمساندة الجنرال مالوم.
12 / 02 / 1979: اندلاع مواجهات عنيفة بين قوات الرئيس مالوم والوزير الأول (رئيس الوزراء) حسين حبري.
03 / 1979: استقالة مالوم والوزير الأول حسين حبري، ليصبح غوكوني عويدي رئيسًا لمجلس حكم انتقالي.
29 / 04 / 1979: محمد شواد، من الحركة الشعبية لتحرير تشاد، يصبح رئيسًا للبلاد.
21 / 03 / 1980: تفجرت الحرب الأهلية التشادية بين حسين حبري مدعومًا من فرنسا وغوكوني عويدي مدعومًا من ليبيا.
08 / 1983: مواجهات عنيفة بين قوات حسين حبري ومتمردين مدعومين من ليبيا.
13 / 08 / 1983: القوات الفرنسية في تشاد تسيطر على وسط وجنوب البلاد في عملية «مانتا».
19 / 06 / 1982: حبري يتولى رئاسة تشاد بعد سيطرته على العاصمة نجامينا.
1984: الجفاف يضرب تشاد.
01 / 04 / 1989: محاولة انقلابية يقودها الجنرال إدريس ديبي ضد نظام الرئيس حبري.
10 / 11 / 1989: إدريس ديبي يبدأ التمرّد من شمال البلاد.
02 / 12 / 1990: ديبي يدخل العاصمة نجامينا ويستولي على السلطة.
02 / 03 / 1991: اعتماد الميثاق الوطني، وتنصيب إدريس ديبي رئيسًا للبلاد.
03 / 02 / 1994: المحكمة الدولية في لاهاي (هولندا) تحكم بأحقية تشاد في إقليم أوزو، والقوات الليبية تخلي الإقليم الحدودي.
31 / 03 / 1996: الاستفتاء على دستور جديد للبلاد.
03 / 07 / 1996: إدريس ديبي يفوز بالانتخابات الرئاسية في تشاد (الفترة / المأمورية الرئاسية الأولى).
01 / 1998: «الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة» تتمرّد على الحكومة.
20 / 05 / 2001: إعادة انتخاب ديبي ليبدأ فترته (مأموريته) الرئاسية الثانية.
05 / 2002: معارك عنيفة بين المتمردين والحكومة في شمال تشاد.
16 / 05 / 2004: الحكومة تتحدث عن محاولة انقلابية فاشلة ضد ديبي.
26 / 05 / 2004: تعديل دستوري يسمح للرئيس ديبي بالترشح لفترة رئاسية ثالثة.
15 / 03 / 2006: الحكومة تتحدث عن محاولة انقلابية فاشلة.
13 / 04 / 2006: الجيش يحبط هجومًا للمتمردين على العاصمة.
14 / 04 / 2006: استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السودان.
02 / 02 / 2008: متمردون يدخلون العاصمة نجامينا ويحتلون القصر الرئاسي، قبل أن ينسحبوا بعد تدخل الجيش.
03 / 05 / 2006: ديبي يفوز بالانتخابات الرئاسية التي قاطعتها المعارضة (الفترة الثالثة).
13 / 03 / 2008: التوقيع في العاصمة السنغالية دكار على اتفاق وقف الأعمال العدائية بين السودان وتشاد.
15 / 11 / 2008: استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السودان.
03 / 05 / 2009: توقيع اتفاق مصالحة بين السودان وتشاد في العاصمة القطرية الدوحة.
25 / 07 / 2009: التوقيع في طرابلس على اتفاق سلام مع «الحركة الوطنية» التي تضم ثلاث حركات متمردة.
25 / 04 / 2011: إعادة انتخاب إدريس ديبي لفترة رئاسية رابعة.
01 / 2013: القوات التشادية تشارك في الحرب على الجماعات الإرهابية في شمال مالي إلى جانب القوات الفرنسية.
03 / 2013: اعتقالات واسعة في صفوف المعارضة والصحافة بعد الكشف عن مخطط لاستهداف الرئيس.
16 / 01 / 2015: البرلمان يصادق بالإجماع على إرسال قوات لمحاربة جماعة «بوكو حرام» المتطرفة في نيجيريا والكاميرون.
13 / 02 / 2015: جماعة «بوكو حرام» تشن أولى هجماتها داخل الأراضي التشادية.
10 / 04 / 2016: ديبي يفوز بالانتخابات الرئاسية ويبدأ فترته الرئاسية الخامسة.



«الحلم الجورجي» يكسب الجولة ضد «الحلم الأوروبي»

الأعلام الجورجية والأوروبية مرفوعة في تظاهرات العاصمة الجورجية تبيليسي (رويترز)
الأعلام الجورجية والأوروبية مرفوعة في تظاهرات العاصمة الجورجية تبيليسي (رويترز)
TT

«الحلم الجورجي» يكسب الجولة ضد «الحلم الأوروبي»

الأعلام الجورجية والأوروبية مرفوعة في تظاهرات العاصمة الجورجية تبيليسي (رويترز)
الأعلام الجورجية والأوروبية مرفوعة في تظاهرات العاصمة الجورجية تبيليسي (رويترز)

«لقد انتصرت روسيا اليوم في جورجيا... علينا أن نعترف بذلك»... بهذه الكلمات لخّص الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي تخوض بلاده حرباً مفتوحة مع روسيا منذ 33 شهراً، المشهد في جمهورية جورجيا السوفياتية السابقة. وبالفعل، عكست عبارته البُعد الأوسع للصراع الانتخابي في البلد القوقازي الصغير، الذي تحدى منذ سنوات قيود الكرملين وانفتح على توسيع علاقات تحالف مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي «ناتو»، فدفع أثماناً باهظة. ولا شك أن الانتخابات النيابية الأكثر سخونة في تاريخ جورجيا، شكّلت علامة فارقة في مسار تطور هذا البلد، الذي شهد كثيراً من التقلبات وخاض صراعات عدة، أسفرت في وقت سابق عن اقتطاع أجزاء منه. هذا الوضع أدّى إلى استفحال معركة سياسية داخلية حادة بين طرفين، يدين أحدهما بالولاء لـ«الحلم الأوروبي» التي ظل على مدى سنوات هاجساً لطموحات كثيرين رأوا أن تبليسي العاصمة يمكن أن تتحول إلى «باريس قوقازية» إذا نعمت بالأمن والاستقرار، وفقاً لمقولة رئيسة البلاد سالومي زورابيشفيلي. وفي المقابل، ثمة طرف آخر حظي بدعم كامل من جانب الكرملين، يؤكد على ضرورة المحافظة على علاقات وثيقة مع روسيا، رافعاً شعار «الحلم الجورجي» بديلاً عن الأحلام الطامحة لتحالفات مع أوروبا و«الناتو».

فاز «الحلم الجورجي» في الانتخابات العامة بجورجيا، التي أثير حولها كثير من الشكوك، بعد اتهامات واسعة بوقوع عمليات تزوير وحشو صناديق، وتأثير دعائي وتدخّل مالي واسع من جانب مؤسّس «الحلم» رجل الأعمال الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلي. وهو شخصية مقرّبة من الكرملين، ويطلق عليه الجورجيون لقب «سيد جورجيا» كونه يدير فعلياً - من وراء ستار التمويل والدعم الواسع - الحكومة التي تدير شؤون البلاد منذ عام 2012.

وفق نتائج فرز الأصوات، حصل حزب «الحلم الجورجي» الحاكم على نحو 54 في المائة من الأصوات، مقابل أقل بقليل من 38 في المائة لتحالف المعارضة، الذي يحظى بدعم رئيسة البلاد، سالومي زورابيشفيلي، في الجمهورية التي يقوم الحكم فيها على نظام شبه رئاسي.

عندها، سارعت المعارضة، التي كانت توقّعات سابقة رشّحتها للفوز بأكثر من 52 في المائة من الأصوات، إلى رفض النتائج، وأعلنت أنها لن تشارك في جلسات البرلمان المنتخب على أساسها. ومع اشتعال مظاهر الاحتجاج في الشارع، بدا أن معركة دستورية وقانونية قد انطلقت للتوّ، إذ رفضت «لجنة الانتخابات» التشكيك بنتائج عملها، واستندت إلى دعم واسع من جانب الحكومة، التي حرّكت بدورها النيابة العامة لمواجهة تحالف المعارضة. بل شكّل استدعاء رئيسة البلاد للمثول أمام النيابة العامة من أجل تقديم أدلتها على اتهامات التزوير، تطوراً جديداً ولافتاً قد يمهد للإطاحة بها، وتقويض سلطات الفريق الذي يدعم «الحلم الأوروبي» نهائياً.

«تحدّي» الأدلة الواضحةباختصار، إذا لم تنجح زورابيشفيلي في تقديم أدلة واضحة ومقنعة على وقوع انتهاكات، فإنها ستواجه اتهامات قضائية بالخداع وتضليل الجورجيين وإطلاق اتهامات غير مُثبتة ضد أركان الدولة، بما فيها الحكومة والجهاز الانتخابي.

هنا يقول أنصار الرئيسة إن الهدف هو القضاء نهائياً على هذا التيار. وفي المقابل، تحذّر الحكومة من أن «المهزومين في المعركة الانتخابية يعدون لانقلاب دستوري كامل من خلال مقاطعة البرلمان وشلّ حكومة البلاد وتعيين حكومة تصريف أعمال تقنية».

وهكذا، اشتعلت الآن المعركة الداخلية، والشارع لا يكاد يهدأ، والمخاوف تعاظمت من مواجهات قد تسفر عن صراع داخلي دامٍ يعيد إلى الأذهان الأوضاع المعقدة التي خاضتها جورجيا خلال السنوات التي أعقبت الاستقلال.

امتداد معركة أوكرانيا

الرئيسة زورابيشفيلي (تاس)

كان من الطبيعي أن تشكّل التطورات الساخنة في جورجيا حلقة متجددة في الصراع المحتدم بين روسيا والغرب. وطوال سنوات كان ينظر لجورجيا ومولدوفا (مولدافيا) المجاورة على أنهما ستكونان «ساحتي» المواجهة المقبلة بعد «إنجاز» مهمة الكرملين في أوكرانيا.

ومع أن الحكومة الجورجية نجحت في النأي بنفسها حتى الآن عن الصراع الدامي في أوكرانيا، ورفضت الانخراط في تنفيذ رزم العقوبات المفروضة على موسكو التزاماً بموقفها الداعي إلى التقارب مع الكرملين. وتحسباً لوصول نيران الحرب إلى الداخل الجورجي، وصل الانقسام الحاد في المجتمع الجورجي إلى «لحظة الحقيقة»، كما يقول ساسة جورجيون. ويبدو أن نتائج الانتخابات والتداعيات المنتظرة مع احتدام المواجهة الداخلية ستدفع أكثر إلى تعاظم التأثير الخارجي على البلاد، من طرفي روسيا والغرب.

لقد ظهرت أولى تلك التداعيات مباشرة بعد ظهور النتائج، إذ تلاحقت ردود الفعل الغربية الداعية إلى التحقيق في «الانتهاكات» مقابل تزايد الشعور بالنصر في روسيا، التي طغت فيها مقولات تؤكد هزيمة التيار الموالي للغرب في جورجيا، وأن الجورجيين اختاروا «الطريق الروسي».

يبدو أن نتائج الانتخابات ستدفع أكثر نحو تعاظم التأثير الخارجي على جورجيا من روسيا والغرب

وفي هذه الظروف، برزت تحركات رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، الذي يوصف بأنه «رجل بوتين في الاتحاد الأوروبي»، لتظهر مستوى امتداد المواجهة الروسية الغربية إلى جورجيا حالياً. فقد سارع أوربان إلى تهنئة الحزب الحاكم بـ«الفوز المقنع»، وتوجّه فوراً إلى تبليسي ليظهر دعمه الكامل. وبعكسه، دخل زيلينسكي على خط التوقعات المتشائمة بعد الانتخابات، فوجّه رسالة تحذيرية للغرب بأن خسارة جورجيا تعني «الهزيمة أمام الكرملين». إذ كتب الرئيس الأوكراني: «علينا أن نعترف بأن روسيا انتصرت اليوم في جورجيا. في البداية، استولوا على جورجيا، ثم غيّروا سياستها، وغيّروا الحكومة. والآن هناك حكومة مؤيدة لروسيا، وخيارها هو عدم الذهاب إلى الاتحاد الأوروبي. لقد غيّروا موقفهم. لقد فازت روسيا اليوم. سلبوا حرية جورجيا».

مولدوفا... المحطة التاليةفي حال لم تكن جورجيا كافية للغرب، يحذّر زيلينسكي من أن مولدوفا ستكون الاستحواذ التالي لروسيا، محذراً: «سترى أن روسيا تسير في الاتجاه ذاته. إنهم يريدون أن يفعلوا الشيء نفسه، وسيفعلونه إذا لم يوقفهم احد (...) الغرب يواصل التلويح بالخطوط الحمراء، لكنه لا يفعل شيئاً، وإذا استمر هذا الخطاب، فسيخسر مولدوفا خلال سنة أو سنتين».

ولكن، تعليقاً على هذه الكلمات، كتب المعلّق السياسي في وكالة أنباء «نوفوستي» أن «هذا يعني أن كييف تخيف الغرب الآن، ليس بالدبابات الروسية فقط في وارسو وبوخارست، بل بخسارة جورجيا ومولدوفا أيضاً». ويرى المحلل أن «روسيا لم تنتصر في جورجيا، ولم تُخضعها، بل انتصرت المصالح الوطنية والحسابات الرصينة في جورجيا. وبطبيعة الحال، ساعد الضعف العام للاتحاد الأوروبي والغرب كله، في الولايات المتحدة وأوروبا، إذ كانوا يرغبون في تغيير السلطة في تبليسي».

هذا السجال يظهر واقع الحال في ساحة المواجهة الجديدة بين روسيا والغرب، وسط توقعات بأن تكون الانتخابات البرلمانية الحالية حاسمة بالفعل لمستقبل جورجيا المنقسمة بين معارضة مؤيدة لأوروبا، وحزب حاكم موالٍ لروسيا... ومتهم بالانحراف نحو السلطوية. هذا، بينما تمارس موسكو تأثيراً على الناخبين والنتائج.

رأي تقرير أميركيعلى صعيد متصل، رأى تقرير لـ«معهد دراسة الحرب» في واشنطن، أن الكرملين ركّز جهوده للتأثير على الانتخابات لمساعدة حزب «الحلم» الحاكم على الفوز، وبالتالي إعادة تأسيس النفوذ الروسي على جورجيا بشكل كامل.

ويشير التقرير، في هذا السياق، إلى مخاوف حقيقية من تحوّل مؤسس حزب «الحلم» ورئيسه بيدزينا إيفانيشفيلي، إلى «لوكاشينكو جديد»، في إشارة إلى الرئيس البيلاروسي وحليف موسكو الأوثق ألكسندر لوكاشينكو.

ومن ثم، يلفت التقرير إلى أن موسكو استخدمت على مدى سنوات مجموعة من الوسائل للوصول على هذه النتيجة، أبرزها العمل العسكري المباشر من خلال احتلال أراضي أبخازيا وأوسيتيا الجورجيتين منذ عام 2008. كذلك، يدعي التقرير أن الكرملين استخدم وسائل الضغط الاقتصادي كرسوم الاستيراد المرتفعة والجمارك حتى العقوبات المباشرة على جيرانه الجورجيين لثنيهم عن مساعيهم بالانضمام للاتحاد الأوروبي. إضافة إلى ما سبق ذكره، عمد الكرملين - وفقاً للتقرير - منذ شهور إلى إطلاق حملات إعلامية مباشرة في جورجيا، تصوّر روسيا على أنها قوة استقرار، وتروّج لفكرة أن الحكومة الجورجية المؤيدة لروسيا هي الخيار الأفضل لمستقبل جورجيا.

طبيعة جورجيا الجميلة (غيتي)

 

حقائق

جورجيا: استقلال مخضّب بالثورات والدماء

جورجيا كانت بجبالها الشاهقة وسواحلها على البحر الأسود تعد «لؤلؤة» الدولة السوفياتية في زمان مضى. وكانت منتجعاتها الساحرة تعد على مرّ العصور محطّ الأنظار، ومقرات الراحة والضيافة للقياصرة والزعماء، الذين تعاقبوا على مقعد الحكم في الكرملين.

نجحت هذه الجمهورية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق في أن تخطو سريعاً، مثل جمهوريات حوض البلطيق، نحو بناء حكم جديد قضى على الفساد المستشري المزمن، وكرّس مبادئ تداول السلطة وبناء دولة حديثة. إلا أنها، رغم ذلك، ظلت حبيسة أقدار التاريخ والجغرافيا. ولم تصلح مظاهر السيادة والعلم والنشيد الوطني ومشاعر سكان الجبال التواقة إلى الاستقلال، في تجاوز حقيقة أن هذا البلد الصغير يشكل امتداداً طبيعياً لمنطقة النفوذ الروسي في جنوب القوقاز.

التطورات التي شهدتها جورجيا خلال تاريخ قصير من «الاستقلال» أظهرت صعوبة تخلص بلد صغير ومحدود الموارد من هيمنة «الأخ الأكبر». فالبلد الذي أعلن انفصاله عن الاتحاد السوفياتي قبل أشهر معدودة من إعلان الوفاة الرسمية للدولة العظمى في السابق، سرعان ما خاض حرباً أهلية دامية، قادت بعد سنوات إلى انفصال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بدعم روسي. وتم تكريس أمر واقع جديد، عزّز وجود القوات الروسية في الإقليمين. ولم تمر سنوات قليلة بعد ذلك حتى جاءت «ثورة الزهور» التي أطاحت الرئيس الجورجي الأول، إوارد شيفارنادزه، ووضعت خططاً للتقارب مع الغرب.

هذه الأحداث، إلى جانب اتهامات بتورّط جورجيا في «حرب الشيشان الثانية»، أدت إلى تدهور حاد في العلاقات مع روسيا. وغذّى هذا النزاع أيضاً دعم ومساعدة روسيا المفتوحة لانفصال الإقليمين. ولم تنجح الاتفاقات التي أبرمها الطرفان في ظروف معقدة للغاية في تخفيف حدة التوتر، برغم التزام موسكو بتنفيذ بنود حول سحب القواعد العسكرية الروسية (التي يعود تاريخها إلى العهد السوفياتي) من محيط مدينتي باتومي وأخالكالاكي. إذ جاءت الحرب الروسية الجورجية صيف عام 2008 لتكرس اقتطاع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية نهائياً بعدما وصلت الدبابات الروسية إلى العاصمة تبليسي في غضون 3 أيام من المعارك الضارية، التي أجبرت الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي على الاستسلام بوساطة أوروبية، قضت بالقبول بالأمر الواقع الجديد من دون الاعتراف رسمياً باستقلال الإقليمين، اعترفت بهما روسيا وعدد محدود من حلفائها، في مقابل انسحاب القوات الروسية من الأراضي الجورجية.

هذه الخلفية مهّدت للمواقف الجورجية لاحقاً، لجهة دعم أوكرانيا في الحرب مع روسيا. لكن في الوقت ذاته، برز تيار واسع داخل جورجيا حظي بدعم الكرملين، وطالب بالانكفاء عن «الحلم الأوروبي» وتعزيز الروابط مع الجارة الكبرى روسيا. وردّد أصحاب هذا التيار مقولة تعكس تنامي القلق من أن تلاقي جورجيا مصيراً مماثلاً لأوكرانيا في حال واصلت عنادها وتحديها لواقع الجغرافيا ودروس التاريخ.