دعا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الشعب إلى وقف مؤقت لتجمعات «حراسة الديمقراطية» التي بدأت منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) الماضي واستمرت كل مساء في ميادين مختلفة في أنحاء تركيا استجابة لدعوة من إردوغان لمواجهة أي خطر محتمل من جانب الانقلابيين. وقال إردوغان في كلمة وجهها، بعد أن تحولت أيام تجمعات «حراسة الديمقراطية» إلى حشد جماهيري تركي بالقرب من القصر الرئاسي في أنقرة: «سنوقف (تجمعات حراسة الديمقراطية) مؤقتا، وسندافع عن ديمقراطيتنا وحريتنا ودولتنا ومستقبلنا داخل منازلنا وأماكن عملنا وفي كل مكان».
ولم يكن الأتراك هم الوحيدون الذين وقفوا ضد محاولة الانقلاب الفاشلة، التي شهدتها بلادهم، بل شاركهم في ذلك مواطنون من دول مختلفة حول العالم، وتحديدًا من العالمين العربي والإسلامي. وممن حرصوا على الوجود في هذه التجمعات رجل الأعمال السعودي خالد الشريف، الذي ترك أعماله في جدة وجاء إلى إسطنبول التركية، ليشارك آلاف الأتراك في ميادين وشوارع المدينة مظاهراتهم المنددة بالانقلاب الفاشل، والمؤيدة للحكومة المنتخبة. وتحدث الشريف، البالغ من العمر 68 عامًا مع وكالة أنباء «الأناضول»، قائلا إنه سمع بمحاولة الانقلاب بتركيا عبر التلفزيون، وقدم إلى تركيا مصطحبًا زوجته وأبناءه الخمسة، للتعبير عن رأيه الرافض للانقلاب، ودعم رئيس البلاد رجب طيب إردوغان الذي يُكنُّ له «المحبة». وأضاف: «أتابع الأحداث في تركيا، البلد المسلم، على الدوام.. ومنذ 16 يوليو الماضي وأنا في ميادين وشوارع إسطنبول أشارك كل ليلة في (مظاهرات حراسة الديمقراطية) رافعًا بيدي العلم التركي». وأشار رجل الأعمال السعودي إلى أهمية دعم البلدان الإسلامية بعضها لبعض، مضيفًا: «في اللحظات التي وطأت فيها قدماي تركيا، سألت عن حال إردوغان الذي أحبه كثيرًا، وارتحت عندما علمت بأنه بصحة جيدة». وأردف قائلاً: «رغم أن آخر زيارتي لتركيا كانت قبل 42 عامًا، فإنني أتابع التطورات الاقتصادية والاجتماعية فيها عن قرب، وأود أن أعرب عن احترامي الكبير لشخص الرئيس إردوغان لمساعيه الحثيثة في الجزيرة العربية وتركيا من أجل الإسلام». ومضى الشريف قائلاً: «إن إردوغان قائد كبير، وهو رجل ينبغي تقديم الدعم له من قبل جميع مسلمي العالم، ومن أجل هذا تركت جميع أشغالي وأعمالي ببلادي وأتيت مع أسرتي إلى هنا». وأعرب الشريف عن اعتزازه الكبير بمشاركته في المظاهرات وارتدائه قميصًا نُقش عليه العلم التركي، مضيفًا: «صدّ الشعب التركي ورئيسه محاولة الانقلاب، مثال يحتذى عند جميع دول المنطقة، كما أننا، نحن الشعب في المملكة العربية السعودية، نؤكد دعمنا لتركيا».
ولفت إلى أنه شارك في مظاهرة «تجمع الديمقراطية والشهداء» في ميدان يني كابي بإسطنبول، الأحد الماضي، الذي شهد أكبر مظاهرة منددة بالانقلاب الفاشل في تركيا، بحضور رئيس البلاد رجب طيب إردوغان والحكومة والأحزاب الثلاثة الكبرى بالبرلمان التركي، لافتًا إلى أنه قدم 10 ذبائح شكرًا لله بسبب فشل الانقلاب في تركيا.
وأضاف: «منظر المتظاهرين كان في غاية الروعة، وسالت الدموع من عيني أمام هذا المشهد، وسط قرابة 5 ملايين متظاهر، كانت رسالة مهمة حول استقرار البلاد، وأنا سعيد جدًّا لمشاركتي في تلك التظاهرة».
كما أظهر صمود المرأة التركية خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا مدى الشجاعة وحب الوطن.
وعقب ورود أول الأنباء عن شروع مجموعة من الجيش التركي في تنفيذ محاولة انقلاب على الحكومة المنتخبة ديمقراطيا بالبلاد، تكاتفت السيدات مع الرجال والشباب، صانعين تكتلات منيعة حالت دون نجاح الانقلاب، لا سيما بعد دعوة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ملايين الأتراك إلى النزول إلى الميادين وحماية بلدهم من قبضة الانقلابيين.
وسرعان ما ملأت النساء الشوارع والميادين، في مختلف المدن بالبلاد، في ظاهرة فريدة من نوعها، أحيت في العقول نماذج مشابهة على مر التاريخ التركي.
وتوجه كثير من السيدات للوقوف أمام الدبابات والعربات المصفحة، للحيلولة دون السيطرة على مؤسسات حيوية بالدولة، فيما توجهت أخريات إلى الجنود والضباط المسلحين، لإقناعهم بالتخلي عن هذه التصرفات، والوقوف في صف الشعب، وهن على ثقة كاملة بأنهم لن يطلقوا عليهن النيران، إيمانا بأنهم أبناء هذا الوطن.
ومن هؤلاء النساء تركان تكين، ربة منزل (52 عاما)، ضربت مثلا في التضحية من أجل وطنها، عند تلقيها خبر توجه إحدى الدبابات بمنطقة آسانلر بمدينة إسطنبول، صوب مطار أتاتورك الدولي للسيطرة عليه، فتقدمت وسط الحشود ودفعت بنفسها أمام الدبابة، لمنعها من تحقيق هدفها، ما أسفر عن استشهادها، بعد نقلها إلى المستشفى، تاركة وراءها زوجها وثلاثة أبناء. وتُعد عائشة أيكاج، 44 عاما، من أبرز النماذج النسائية التي لمع اسمها في هذا اليوم، فعقب سماعها دعوة الرئيس إردوغان بالخروج إلى الميادين، توضأت وصلت، وودعت أبناءها، وخرجت مع زوجها، صوب جسر «شهداء 15 يوليو» (البوسفور سابقا)، الذي كان تحت سيطرة الانقلابيين حينها، وعند تقدمها نحوهم، استشهدت عقب إطلاق النار عليها، مُخلفة وراءها 4 أطفال.
عائلة شوكاتلي أوغلو أيضا لم تكن تضحياتها من أجل بلدها أقل، فخرج الزوج «شفيق» وزوجته «وحيدة»، من منطقة آسانلر للمشاركة في الدروع البشرية التي كانت تحمي المطار حينئذ، في انتظار وصول الرئيس إردوغان، لكن تقدمت نحوهما دبابة بسرعة كبيرة، ساحقة تحتها عددا من المواطنين، ما أسفر عن استشهاد زوجها وإصابتها بجروح بالغة، نُقلت على أثرها إلى المستشفى.
ولا يزال الأطباء في مستشفى إسطنبول الجامعي، يواصلون محاولاتهم الحثيثة لإنقاذ القدم اليسرى الباقية لها، بعد أن أجبروا على بتر القدم اليمنى، عقب 9 عمليات من أجل إبقائها على قيد الحياة.
وعلى جسر «شهداء 15 يوليو» أيضا، تقدمت صفية بايات، 34 عاما، نحو الجسر، عقب خروجها من بيتها بعد منتصف ليل 15 يوليو، وعقب سيرها قرابة 45 دقيقة، وصلت للجسر، إلا أنها لم تعبأ بتحذيرات أفراد الشرطة المتمركزة هناك من الأخطار، التي قد تتعرض لها نتيجة شجاعتها الكبيرة، وتقدمت مباشرة صوب الجنود، وهي على ثقة بأنهم لن يمسوا النساء بسوء.
أخذت صفية بثقة تامة وشجاعة لا مثيل لها، تقنع الجنود والضباط بمدى الأخطاء التي ارتكبوها، راجية إياهم بالتراجع والانسحاب، ما دفعهم في النهاية إلى إطلاق أعيرة نارية في الهواء لإخافتها وإبعادها.
وأثناء مساعدتها أحد المصابين على الجسر، أصيبت بطلق ناري في ساقها، نُقلت على أثرها إلى المستشفى.
وقالت صفية لوكالة أنباء «الأناضول» عقب تعافيها نسبيا بعد حقن ساقها بالبلاتين: «لست مدركة حتى الآن كيف توجهت بهذه الشجاعة نحو قوات الجيش»، مشيرة إلى أنها تحولت إلى إنسانة أخرى وتغير الدم في عروقها عندما سمعت كلمة «الوطن».
وتعد شريفة بوظ، من أشهر النماذج النسائية التي صمدت أمام المحاولة الانقلابية الفاشلة، حيث لم تكتف بالمشاركة في الحشود المتظاهرة في ميدان «تقسيم» وسط مدينة إسطنبول، بل ركبت سيارة نقل كانت مركونة أمام بيتها في حي «ليفنت» دون تردد أو خوف، وشرعت في نقل المتظاهرين من أماكن مختلفة إلى مناطق تجمع الحشود، على الرغم من عدم امتلاكها رخصة قيادة.
ولقيت شجاعة وصمود شريفة إعجابا كبيرا في قطاعات كبيرة من الشعب التركي وعلى رأسها رئيس الوزراء بن علي يلدريم وانتشرت صورها عبر قنوات التلفزيون والصحف ومواقع الإنترنت.
ولم تمنع السن المتقدمة فكرية تمال، 75 عاما، من الخروج بعصاها الخشبية، مع ابنتها نعمة، لمواجهة الانقلابيين على جسر «شهداء 15 يوليو»، مما أكسبها شهرة كبيرة عقب انتشار صور لها وهي رافعة عصاها أمام الانقلابيين على مواقع التواصل الاجتماعي.
ووصفت فكرية هذه الحادثة قائلة: «لم أشعر بالخوف قط، ولو عاد بي الزمن لكررت ما قمت به» مضيفة: «شعرت بقوة لا توصف لدرجة أنني ظننت عصاي الخشبية بندقية آلية».
ومن الحوادث الطريفة التي حدثت بعد انقلاب 15 يوليو، والتي تدل على هلع المواطنين الأتراك من تكرار محاولة الانقلاب، أن هرع مواطنون أتراك في ولاية سييرت، جنوب شرقي تركيا، إلى مبنى الولاية وتجمعوا أمامه فيما اتصل آخرون بالشرطة، لاعتقادهم بوقوع محاولة انقلاب جديدة في البلاد بعد أن رفع أحد الأئمة أذان الفجر قبل موعده بساعة. وأثار رفع الأذان في غير موعده قلق سكان حي بهشلي إيفلار في سييرت، لا سيما أن مكبرات الصوت في المساجد رفعت الأذان ليلة محاولة الانقلاب ودعا الأئمة الناس للخروج إلى الشوارع.
واتصل بعض المواطنين بالشرطة للاستفسار عن وجود أي محاولة جديدة للانقلاب أو اضطرابات تستدعي خروجهم إلى الشوارع والميادين، وقال أحد المواطنين إنه خرج من منزله أثناء الأذان لقلقه من وقوع انقلاب جديد، مشيرا إلى أنه اتصل بأصدقائه أيضا لاستطلاع الأمر.
وأضاف: «بعض المواطنين أظهروا حساسية عالية واتصلوا بالشرطة، فيما خرج كثيرون إلى الشارع، وتجمع البعض أمام مبنى الولاية».
وقالت رئيسة التنظيم النسائي في حزب العدالة والتنمية الحاكم في سييرت، تورتان تيميز، إنهم سمعوا صوت الأذان أثناء مواصلتهم التظاهر في الميدان (مظاهرات حراسة الديمقراطية)، مشيرة إلى أنهم استغربوا ذلك جدا. وأشارت إلى تنفسهم الصعداء عقب معرفتهم بأن الأذان رفع قبل موعده بساعة عن طريق الخطأ، لافتة إلى أن المواطنين الذين سمعوا صوت الأذان أتوا إلى أمام مبنى الولاية في حالة قلق.
الرئيس التركي يوقف «تجمعات حراسة الديمقراطية» مؤقتًا
سعودي شارك فيها يوميا وقدم 10 ذبائح حبًا في إردوغان
الرئيس التركي يوقف «تجمعات حراسة الديمقراطية» مؤقتًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة