الفلسفة كمادة للبحث والتدريس

ثمة حاجة أكيدة إلى تجديد خطابها

الفلسفة كمادة للبحث والتدريس
TT

الفلسفة كمادة للبحث والتدريس

الفلسفة كمادة للبحث والتدريس

بأي معنى يمكن للفلسفة أن تكون مادة للتدريس والبحث؟ من اللافت أن الفلسفة تجد امتداداتها لدى الأدباء والفنانين والعلماء والمفكرين، وحتى الساسة، الذين يستحسنونها، في حين أن أهلها يبدون القلق عليها. فكل إصلاح لها، يثير حنق أهلها وقلقهم، ويؤدي إلى الرفض جراء تخوفاتهم من مآلها ومستقبلها، لكنهم يقبلون الأمر في النهاية. كيف نفسر ذلك؟
وهكذا، وجد تدريس الفلسفة نفسه، عرضة هذا الفصل الفظ والمشؤوم المفروض تدريجيًا في التعليم الثانوي والعالي بين الآداب والعلوم، وضحية له، حتى صارت الفلسفة متعبة جراء اعتبارها تخصصًا أدبيًا: تقليد النموذج الفلسفي. غير أن هذا الفصل يعود في الحقيقة، إلى عصر كانط، الذي خاض صراعًا مريرًا عبر عنه في كتابه «صراع الكليات»، حين صرخ أمام تهميش كلية الفلسفة مقابل الإعلاء من شأن كليات الحقوق والطب، لأنها تخدم الآيديولوجيا السائدة، وتتقن عملية إعادة الإنتاج. فهل نستطيع أن نتجاوز تقليد إرث التدريس بالنصوص؟ إن هذا العمل التكراري في الحقيقة، بقدر ما هو مفيد فهو أيضًا مضر بالفلسفة.
أين نحن اليوم؟ إننا لا نزال عند حدود الحفاظ على التراث الفلسفي وعلى الأدوات الأكثر عراقة: التوليد والتساؤل والترداد الممل. لكن الحقيقة هي أن إرثنا التاريخي للخطاب الحجاجي، لا يزال ضعيفًا جدًا، وعلينا أن نتجه صوب إعادة الربط بين الفلسفة وباقي المجالات العلمية والقانونية: الاتجاه صوب التفكير العلمي، والقانوني، والسياسي، والتقني، والأخلاقي، والإنثربولوجي، والمنطق. إذا اعتبرنا أن الفلسفة هي فن طرح السؤال في كل مجالات المعرفة، أي هي نمط من الحجاج يسمح للبشر بأن يفكر في ما يؤرقه، موجهًا بمنظور كوني وغايات إنسانية.
تجديد الخطاب الفلسفي
يستند الإقرار بالحاجة إلى تجديد الخطاب الفلسفي المدرسي، على الواقع المزري الذي آل إليه وضع تدريس الفلسفة، وهو ما يمكن إجماله فيما يلي:
- غياب المناقشة داخل الفصول الدراسية، بحيث تحول الدرس الفلسفي إلى مجرد تدريس للنصوص بشكل ميكانيكي لا يسمح للمتعلم بالخوض في النقاش الحر.
- طغيان المقاربة الديداكتيكية، والتسليم بمجموع الوصفات الجاهزة وكأنها قدر لا مجال للشك في نجاعتها.
- إكراهات لا تتعلق لا بالمدرس ولا بالمتعلم، وإنما بالمنظومة التعليمية ككل: إيقاعات الزمن المدرسي، توزيع الحصص، عقم بعض المذكرات المنظمة للشأن الداخلي، وعدم مراعاتها للبعد التربوي في سير العملية التعليمية.
- ضعف التكوين الذاتي لدى المتعلمين، وغياب تحفيزهم على القراءة والمناقشة والتحليل.
تضاف إلى هذه العوامل، تمظهرات جمّة لا تخفى على الممارسين في واقعهم اليومي. لكن رغم كل ذلك، فإننا مفعمون بالأمل (كل الأمل) في تجاوز هذه الوضعية.
وقبل أن نتلمس بعض الخيوط التي يمكن أن تنير الدرب نتساءل: ماذا نقصد بالخطاب الفلسفي؟
يتضمن الخطاب الفلسفي (كأي خطاب: أدبي، علمي، سياسي، فني إلخ)، رسائل موجهة لجمهور محدد في سياق خاص لغايات معينة، يسعى إلى الإجابة عن جملة إشكالات معلنة أو غير معلنة، أو على الأقل، إعادة طرحها من جديد، بغية تحفيز التساؤلات وفتح المناقشة في صفوف المعنيين. ويرتكز إلى حجج وبراهين تسير في اتجاه بيان المفارقات القائمة وراء الإشكالات المطروحة، لصياغة أطروحة متماسكة بهذا القدر أو ذاك، بغرض عرضها أمام جمهور معين. غير أن نظام الحجج يفترض نزع الطابع الوثوقي عن الخطاب الفلسفي، لجعله خطابًا محفزًا للنقاش وتبادل الرأي.
ينتج المدرس بشكل مستمر ويومي، خطابًا فلسفيًا موجهًا للمتعلمين. وقد يكون خطابًا خاصًا به كفرد يدلي بدلوه حول القضايا التي يعالجها. وقد يكون خطابًا مستوحى من متون فلسفيّة، حسب زاده المعرفي وتكوينه النظري الذي تسلح به في مراحل معينة من حياته. إلا أنه في كلتا الحالتين يتخذ لبوسات عدة: أخلاقية، آيديولوجية، سياسية، دينية، ثقافية وغيرها.
لا ينفصل الخطاب المنتج داخل الفصل، عن مجموع الشروط السياقية التي تحيط به، والتي عادة ما ترتبط باليومي، وبما يدور في المجتمع من قضايا وإشكالات متداولة في الإعلام العمومي، ويعجز النقاش العمومي الرسمي عن مقاربتها بشكل موضوعي. غير أن هذا الخطاب، لا يتحاشى الدخول في المناقشة الحرة، لأن الهوة ساحقة جدًا بين المتعلمين والمدرس. ولا يراعي هذه الخصوصيّة إلا عند المربي الذي يتقن فن إدارة الخطاب. وهنا نثير الانتباه إلى هذا التمايز الصارخ بين المدرسين: لماذا يجد بعضهم الطريق نحو مقاربة الإشكالات والقضايا الراهنة، من دون أن يفرض بعض الوصاية على مريديه، في الوقت الذي يمارس البعض الآخر الوصاية الكلية على المتعلمين؟ هل نستطيع أن نترك الخطاب الوثوقي بعيدًا لصالح خطاب حجاجي، يحترم الآراء ويعطي للمتعلم حقه في صوغ رأيه بكل حرية؟ كيف السبيل نحو خطاب فلسفي حجاجي يرتكز إلى الممارسة ومتحرر من سلطة النصوص؟
رهانات الدرس الفلسفي
ماذا عسى مدرس الفلسفة أن يفعل بعد أن يفرغ من وظيفته التربوية والتعليمية؟
يبدو أنه آن الأوان للتمييز بين الأستاذ العمومي والمفكر الحر، بغرض حصول انتقال واعٍ من الدور الوظيفي إلى الدور الطبيعي. نعم أقول الدور الطبيعي، لأن من ينخرط في حركية ودينامية الفكر الفلسفي، تنتظره مهام جمة لدعم التفكير الحر، ولحفز الناس على التساؤل والنقد والهدم وبناء الخطاب الحجاجي.
يقوم الأستاذ العمومي بمهام وظيفية منهكة، لا تتجاوز سقف إعادة إنتاج المتداول في تاريخ الفلسفة، كعملية لا تكتمل، أغلب الظن، بل تشوبها اختلالات فظيعة، وتضمن له تلك الوظيفة أجرة لتجديد قوة عمله الذهنية (في عصر بلترة - من بروليتاريا - العمل الذهني)، في حين يتجه المفكر الحر نحو الانفلات من تقلبات اليومي وانشغالات الوظيفي، ليكتسح قارات حساسة منتقاة من المعيش ومن معاناة البشر، في عالم توتاليتاري مسكون بأصنام غير واعية: الاستهلاك، الاستغلال، اللهو، الوهم، التسليع وغيرها:
التسليع: هو أكبر الأصنام التي عززتها الرأسمالية وشرعت له الليبرالية، وهو يخترق وجدان الإنسان المعاصر بشكل جنوني ولا نستطيع الانفلات منه.
الاستهلاك: هو صنم ثنائية الطلب والعرض، ويقود إلى إيهام الناس بأن الرفاهية تكمن في القدرة على الاستهلاك المفرط والجنوني، من دون الانتباه إلى الخطر الذي يحدق بمصير الكوكب. ويؤدي العماء السلعي، جراء الوفرة الملحوظة في الأسواق، إلى استلاب حقيقي لمعنى الحياة ولفن العيش.
الوهم: لا أحد منا يمكنه التخلص من أوهام العصر، التي هي أوهام الذات حول نفسها وحول العالم. وهي أوهام شتى تحيط بالبشر من كل حدب وصوب، وصارت أقنعة لا بد منها لتحقيق التوازن النفسي والعاطفي والمادي والسياسي أيضًا. تأتي الأوهام من التنشئة الاجتماعية، ومن القلق المفزع الملازم للحياة المعاصرة.
اللهو: يزداد اليقين بأن اللهو هو الطريق الملكي نحو السعادة، في الوقت الذي لا يعدو أن يكون غير لعبة لتجديد قوة العمل يدويًا كان أو ذهنيًا. فلماذا نلهو وفي أي سياق؟ لا نلهو لأننا لهاة بالطبيعة. وإنما لأننا مرهقون من فرط الاستغلال، ولأننا مبعدون كليًا عن شروط حياتية طبيعية. نسكن الأقفاص حيث تحيط بنا الجدران من كل صوب، ونخرج إلى الجدران التي تصد في وجهنا أي أفق بصري.
إن الاستكانة لأصنام العصر، توصد الأبواب أمام التفكير الحر، وتجعل الأستاذ العمومي في ترداد واجترار لعبارات وأقوال، عادة، ما تصطدم بآراء المتعلمين.
نحو فلسفة أخرى:
ليست الفلسفة مجرد مفاهيم، ولا هي مجرد لغة تسبح في سماء المعقولات. بل هي فكر حي ينمو ويتطور بيننا، إنها إحساس وشعور ووجدان.
ليست الفلسفة مجرد ميدان معرفي وفكري قائم الذات، له أهله. بل توجد في الفنون والأدب والعلم أيضًا، وفي رؤى العالم وفي الدين. وتوجد كذلك، بين الناس في يومهم المقيت والمثقل بفيض من التمردات والمقاومات الجياشة. والفلسفة ليست مجرد مهنة لتجديد قوة العمل الذهني، بل هي ممارسة يومية تكرس النقد، وتسعى إلى بناء نظام حجاجي عقلاني. ليست الفلسفة مجرد تراث محفوظ في الكتب، بل هي أيضًا تراث شفوي يدعم المكتوب والمتداول. وهي ليست (الفلسفة) رهينة الأقسام والمدرجات، بل هي فكر ترحالي يجوب الشوارع والمقاهي والبلدات.
من المؤكد جدًا، أن هذا لا يعني السعي نحو الابتذال، بل للوقوف ضد من يختزل الفلسفة في التفكير المجرد والميتافيزيقي، ويشحن المتعلمين بالمثاليات، في سبيل فلسفة فعل تتجذر في تربتها وواقعها، وتواكب، وتفعل في الممارسة العملية للناس المهمشين والمضطهدين والمقصيين من دائرة الإنتاج. فلسفة تنبني على الإحساس والانفعال والشعور. فلسفة تستشعر عمق الذات الإنسانية كما نحياها. فأي نفع وفائدة وأية غايات للفلسفة غير هذا؟



تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني

تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني
TT

تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني

تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني

في روايته الجديدة «ولا غالب» الصادرة أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة، يقدم الكاتب الكويتي عبد الوهاب الحمادي معالجة فنية ودرامية جديدة لتاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني يعلي من قيمة التسامح وقبول الآخر ويستنكر منطق الإقصاء بين الشرق والغرب.

على تلال غرناطة تلتقي أربع شخصيات معاصرة تطاردها أزماتها الشخصية في زماننا الحالي وقد دلفت عبر «بوابة الزمن» لتستيقظ في عام 1492 عشية سقوط المدينة حيث وجدوا أنفسهم أمام مهمة إنقاذ غرناطة من مصيرها المحتوم كآخر قلاع العرب في بلاد الأندلس. تمنح الرواية الشخصيات أحد خيارين: تغيير مجرى التاريخ أو أن يصبحوا ضحاياه الجدد، لكن كيف لأربعة غرباء يحمل كل منهم ندوب صدمته الخاصة أن يغيروا مصير الأمة الأندلسية؟

وسبق أن صدر للمؤلف عدة أعمال منها «سنة القطط السمان» التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة كتارا للرواية العربية، كما صدر له كتاب «دروب أندلسية» في أدب الرحلات.

من أجواء الرواية نقرأ:

على تل أخضر أمامي، استوى قصر الحمراء مثل شيخ شاحب ممدد على سرير مستشفى، لم يقتص المرض من وسامة تالدة. لطخت الشمس الآفلة غيوماً، تلتحف سماء غرناطة بلون النارنج. نظرت إلى الساعة في معصمي، قاربت السابعة أعدت لف الشال المغمور بعطرها حول رقبتي أحميها من صقيع نهايات ديسمبر فغمرتني رائحة الليمون. أغمدت كفي في جيبي، ضحكة شبان ورائي ونغمات عازف غيتار يصدح بغناء إسباني مكلوم. جميع الأعين وفرقعات آلات التصوير تحاول أن تقتنص جمال الشيخ على سريره الأخضر، لولا الحمراء لما أمسى لهذا المكان معنى لهم ولولاك ياصاحبة العطر، لما كان للحمراء معنى لي.

فهمت الآن لماذا كنت ياغادة تحبين هذه المدينة الواقعة خارج خريطة السياحة العربية غرناطة، ولماذا كنت تقرئين قبل النوم كتباً مصورة عن الأندلس أو تنصتين لبرامج إذاعية تاريخية وتتنهدين في أواخر أبيات الشعر، أو ترهفين لوديع الصافي وفيروز يتناجيان موشحاً، غصة في قلبي لن تزول لفتوري عن تحقيق رغبتك في زيارة هذا المعلم.

تغافلت أن القدر قد يسلب منا من نحب وقد يسلبنا أنفسنا. كنت أؤجل وكنت ترضين بأعذار انشغالي: عيادة مكتظة، سعال مرضي، حالات طارئة تنزف، خفارات ليلية مرهقة، نحيب أطفال، إعداد أوراق مؤتمرات طبية، بل وتجدين أعذاراً تقنعك أو هكذا كنت تتظاهرين لأنك تدركين أن التاريخ لا محل له في تلافيف دماغي.أحب تنفس عطر الليمون عندما تدنين مني وتلقبيني هامسة بصانع المعجزات، صانع المعجزات الذي رحلت يا غادة بين يديه، أغمضت عينيك إلى الأبد دون أن يقدر على فعل أي شيء».


إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».