عروة بن الورد.. صوت المهمشين

عروة بن الورد.. صوت المهمشين
TT

عروة بن الورد.. صوت المهمشين

عروة بن الورد.. صوت المهمشين

هل يمكن لصعلوك، امتهن السطو والغزو والإغارة على الناس وسلب أموالهم وسبي نسائهم، وقتل من يعترضه من رجالهم أن يكون ملهمًا وشخصية ذَات أثر عميق حتى بعد 15 قرنًا من وفاته؟
يمكن لذلك الصعلوك أن يكون «نكرة» يمتد ذكره بامتداد الأسى الذي خلفه في قلوب ضحاياه، ثم يتلاشى ويندثر خلف ركام التاريخ، فالكثيرون مروا من هناك: طغاة وغزاة ولصوص.. كما مر إلى جانبهم قادة وأهل الفضيلة والكرم، فالتاريخ باب مشرع للجميع.
لكن ما يبقي ذكرى عروة بن الورد أمير الصعاليك، أنه جمع بين منقبتين: المروءة والشعر. فلم يخلده التاريخ لأنه مجرد صعلوك هجر الديار وعاش متسكعًا مع رفاقه بين القفار، وليس لأنه لص يسطو على أملاك الناس، بل لأنه حول هامشيته ونفوره من الحضارة والعمران إلى مصدر إلهام وإبداع تغمرهما فلسفة عميقة نحو الكون والحياة. من تلك البراري في جزيرة العرب تمكن أن يقرأ فلسفة الإنسان، وبالتالي انحاز سريعًا للمهمّشين والضعفاء والفقراء والمعدمين، ولم يلتصق ككل الشعراء بالأغنياء وأهل الجاه والسلطة.
أعطى عروة بن الورد للصعلكة معنى فلسفيًا مختلفًا، حين جعل منها ملاذًا للضعفاء والفقراء والمهمشين، وامتاز عروة بالشجاعة والنبل والإقدام والسخاء والعطف على الفقراء، حتى كان ملاذهم لاستيفاء لقمة عيشهم من خزائن الأثرياء وأهل الجاه والسلطة.
أصبح عروة بن الورد شخصية أسطورية لامعة، تشبه إلى حد كبير ما شاهدناه في الفلكلور الإنجليزي من شخصية روبن هود في العصور الوسطى، شخصية «اللص النبيل» الذي يستخدم شجاعته ليسلب الأغنياء من أجل أن يطعم الفقراء.
لكن ما يفرق بين عروة بن الورد وروبن هود هو الشعر، وفي التراث العربي، فإن الشعر إكسير الخلود، خصوصًا إذا اجتمع مع الشجاعة والفروسية ومكارم الأخلاق.
كان يمكن لعروة بن الورد أن يكون رمزًا في زمانه، ولكن الشعر أعطاه تأشيرة العبور للتاريخ وللأزمان التالية، هذه واحدة من قيمة الأدب والشعر التي ينالها الشعراء، وتنالها المجتمعات التي تنجبهم وترعاهم.
لكن الشعر الذي يمنح صاحبه طاقة للبقاء، لا يمكنه أن يسبغ عليه صفات المروءة والنبل والشجاعة، فالصحراء العربية عرفت شعراء صعاليك كانوا لصوصًا وبقوا لصوصًا، ولم يزكِ سيرتهم الشعر الذي خلفوه، نعرف من بينهم: الشنفرى، وتأبط شرًا، وجبار بن عمرو الطائي، والسليك بن السلكة، والأطيلس الأعسر البقمي، وحاجز بن عوف الأزدي، وعمرو بن براقة، وأبو خراش الهذلي. لكن عروة ابن الورد كان متميزًا من بينهم لأنه يمتلك رؤية، وصاحب موقف، وكان منحازًا للضعفاء وهو يعلم أنهم لا يربحونه ولا يحققون له مكسبًا. لكنه كان مقتنعًا بما يفعل، وما فعله ليس صورة جامدة أو قالبًا متحجرًا. فالانحياز للضعيف لا يعني السطو والسرقة دائمًا، فلكل زمان ثقافته ومفاهيمه، ما فعله عروة ابن الورد وروبن هود كان مستوفيًا للقيمة الأخلاقية في وقته، ويمكن لكل صاحب رأي وفكر وأدب أن يعبر عن انحيازه للعدالة والقانون والمنطق وإنصاف الضعفاء والمهمشين بما يستوفي واجبه الأخلاقي في كل زمان.
يقول عروة بن الورد:

إنِّي امرؤٌ عافِي إِنائي شِركَةٌ
وأنتَ امرؤٌ عافِي إنائك واحِدُ
أتَهزَأُ منِّي أنْ سمنتَ وقد تَرى
بجِسمي مسَّ الحقِّ، والحقُّ جاهِدُ
أقسِّمُ جِسمي في جُسومٍ كَثيرةٍ
وأحسُو قَراحَ الماءِ، والماء باردُ

يطل عروة بن الورد هذا العام في سوق عكاظ في موقعه التاريخي في «العرفاء» شمال شرقي مدينة الطائف، في المكان الذي كان قبل 13 قرنًا تضرب فيه للنابغة الذبياني قبة حمراء من أدم، فيأتيه الشعراء ليعرضوا عليه أشعارهم، وأصبح اليوم مكانًا لكل ذلك، وإلى جانبها مسامرات في الفن والأدب ومناقشات جادة ورصينة في التنمية الفكرية والثقافية.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).