فرنسا: جدل حول تعيين عضو في مجلس الشيوخ رئيسًا لـ«مؤسسة الإسلام»

المشككون اعتبروا الهدف من القرار الرئاسي خدمة مصالح سياسية

فرنسا: جدل حول تعيين عضو في مجلس الشيوخ رئيسًا لـ«مؤسسة الإسلام»
TT

فرنسا: جدل حول تعيين عضو في مجلس الشيوخ رئيسًا لـ«مؤسسة الإسلام»

فرنسا: جدل حول تعيين عضو في مجلس الشيوخ رئيسًا لـ«مؤسسة الإسلام»

أثار خبر تعيين الوزير السابق عضو مجلس الشيوخ الفرنسي الحالي جان بيار شوفنمان رئيسا لـ«مؤسسة الإسلام في فرنسا» جدلا واسعا في البلاد، رغم أنه لم يصدر بصورة رسمية بعد عن رئيس الجمهورية بناء على توصية من وزير الداخلية وشؤون العبادة برنار كازنوف.
مع ذلك ورغم الاحترام واسع النطاق الذي يحظى به المرشح السابق لرئاسة الجمهورية البالغ من العمر 77 عاما، فإن اختيار شخصية سياسية بقرار من رئيس الجمهورية لا تنتمي إلى الجالية المسلمة في فرنسا يثير أكثر من تساؤل. وذهبت عضو مجلس الشيوخ التي تنتمي إلى حزب الخضر استير بنباسا إلى التساؤل عن رد الفعل لو عمد فرنسوا هولاند مثلا لتعيين شخصية غير يهودية على رأس المجمع اليهودي الفرنسي. وبرأيها، فإن بادرة كهذه كان سينظر إليها على أنها «فضيحة» بكل ما للكلمة من معنى.
بعد آخر هجوم إرهابي عرفته فرنسا يوم 26 يوليو (تموز) الماضي عندما هاجم شابان من أصول مغاربية ينتميان إلى «داعش» كنيسة «سان أتيان دي روفريه» بمنطقة النورماندي وذبحا كاهنها وجرحا شخصا آخر، أعلنت السلطات الفرنسية عن عزمها على إعادة إطلاق «مؤسسة الأعمال الخيرية للجالية المسلمة في فرنسا» التي أنشئت في العام 2005. لكنها أصيبت بالشلل بسبب الخلافات الداخلية للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهو الهيئة المشرفة عليها.
وجاءت خطة الحكومة في سياق سعيها لعزل الدين الإسلامي في فرنسا عما سمته «التأثيرات الخارجية»، خصوصا فيما يتعلق ببناء المساجد وهو ما أعلنه من غير مداورة، رئيسها مانويل فالس. وقال فالس في حديث صحافي إن حكومته عازمة على منع التمويل الأجنبي للمساجد التي يمكن أن تبنى أو القائمة في فرنسا، وهو ما يسير جنبا إلى جنب مع رغبتها في أن يتم تأهيل الأئمة المسلمين على الأراضي الفرنسية وفي المعاهد الفرنسية وليس استقدام أئمة لا يجيدون اللغة الفرنسية، ولا يعرفون قيم وأسلوب العيش ومبادئ الجمهورية.
وحقيقة الأمر أن السلطات الفرنسية التي مددت العمل بحالة الطوارئ حتى نهاية العام الجاري، بدت عاجزة عن تصور الإجراءات التي من شأنها وضع حد للعمليات الإرهابية على الأراضي الفرنسية. فرغم الإجراءات الأمنية الصارمة والصلاحيات شبه المطلقة المعطاة للأجهزة الأمنية وثلاثة قوانين لمحاربة الإرهاب صدرت في الأشهر الأخيرة، وإنزال ما لا يقل عن 100 رجل من القوى الأمنية والجيش ودعوة الاحتياط، ما زال الإرهاب يضرب دوريا في فرنسا. وبحسب إحصائيات وزارة الداخلية، فإن 236 شخصا قتلوا منذ بداية العام الماضي وجرح عدة مئات بسبب العمليات المذكورة. والأسوأ من ذلك كله، أن أعلى السلطات الفرنسية بدءا من رئيس الجمهورية ما زالت «واثقة» من حصول عمليات إضافية وهي تدعو الفرنسيين إلى الصبر والحذر من التهديد الإرهابي الذي يصيب قطاع السياحة والخدمات بالدرجة الأولى. لكن هل يعني تعيين جان بيار شوفنمان رئيسا لـ«مؤسسة الإسلام في فرنسا» سيغير شيئا في المعطى الفرنسي الحالي؟ يقول شوفنمان الذي شغل الكثير من المناصب الوزارية، آخرها حقيبة الدفاع إبان حرب الخليج الأولى التي استقال منها بسبب انضمام فرنسا إلى التحالف الدولي ضد العراق عقب غزو الكويت، إن الوزير كازنوف اتصل به منذ شهر مارس (آذار) الماضي لينقل إليه رغبة هولاند والحكومة في اختياره رئيسا للمؤسسة المذكورة. وسريعا، رأى مراقبون سياسيون أن هذا الاختيار الرئاسي ليس منزها عن الحسابات السياسية. فشوفنمان اعتاد الترشح للانتخابات الرئاسية لدى كل دورة باسم الحزب الذي أطلق عليه اسم «حركة المواطنين»، بعد أن انشق عن الحزب الاشتراكي. ويحمله كثيرون مسؤولية هزيمة المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان في الانتخابات الرئاسية للعام 1997. ووصول جان ماري لوبن والد رئيسة الجبهة اليمينية المتطرفة مارين لوبن، إلى دور الجولة الثانية.
ويرى هؤلاء أن الغرض من تعيين شوفنمان هو «تحييده»، بمعنى منعه من الترشح مجددا والتأثير سلبا على ترشح هولاند نفسه نظرا للتقدم الكبير الذي أحرزته الجبهة الوطنية التي تجعل استطلاعات الرأي العام مرشحتها مارين لوبن في مقدمة المتنافسين في الدورة الأولى.
في أول تعليق له على «مهمته» الجديدة، اعتبر شوفنمان أنها «صعبة لكن ليس بالمستطاع التهرب منها»، ما يعني عمليا أنه «جاهز» لتحمل المسؤولية التي سيوكلها إليه فرنسوا هولاند والتي تشكل جزءا من المشروع الفرنسي الساعي إلى تشكيل مؤسسات جديدة تتولى شؤون مسلمي فرنسا ولا تنحصر فقط في بناء المساجد وتأهيل الأئمة، بل جعل الديانة جزءا من المجتمع الفرنسي وليست «دخيلة» عليه.
ورغم أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية والشخصيات الإسلامية المتنوعة تهب لدى كل اعتداء إرهابي للتنديد به والتبرؤ من مرتكبيه، فإن التصاق اسم الإسلام بالإرهاب زورا يجعل المسلمين، أكثر فأكثر في حال صعبة ويوفر الوقود للعداء للمسلمين ويقوي النزعة العنصرية.
من جانبه، يرى النائب جيرار دارماران عن حزب «الجمهوريون» اليميني المعارض أن تعيين شوفنمان فكرة «سيئة» و«غلطة فادحة»، رغم اعتباره أن إعادة إطلاق «المؤسسة» فكرة «جيدة». وبرأيه أن تعيين شخصية سياسية، رغم تمتعها بالاحترام والكفاءة، أقرب إلى الممارسة «الاستعمارية» لأنها تنطلق من مبدأ أن المسلمين «ليسوا أهلا لاختيار» هذه «المؤسسة» أو لإدارة شؤونهم بأنفسهم. كذلك، انتقد النائب المذكور المشروع الداعي لفرض ضريبة على اللحم الحلال لتمويل المساجد وتساءل لماذا لا تفرض ضريبة على استهلاك الأسماك يوم الجمعة وفق التقليد المسيحي؟
في السياق عينه، ترى عضو مجلس الشيوخ ناتالي غوليه أن تعيين شوفنمان أشبه بـ«فرض الوصاية» على المسلمين، فيما ترى زميلتها استير بنباسا أن أمرا كهذا يضرب مصداقية «المؤسسة» قبل أن يبدأ شوفنمان العمل على رأسها.
في المقابل، يرى آخرون أن تعيين شوفنمان غرضه إبعاد «المؤسسة» عن النزاعات الداخلية التي كانت سببا في شل عملها طيلة سنوات مضت، بينما يقترح آخرون تعيين أمين عام لها من الجالية المسلمة لتحقيق التوازن وتفكيك الانتقادات التي تنصب عليها قبل أن تنطلق حقيقة.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.