الجدل حول الإرهاب يقسم الإعلام الفرنسي

«من نحن؟» و«لماذا يريدون قتلنا؟» يتصدران أغلفة المجلات الأسبوعية الأكثر شعبية

مجلات  وصحف فرنسية تصدر الإرهاب عناوينها ({الشرق الأوسط})
مجلات وصحف فرنسية تصدر الإرهاب عناوينها ({الشرق الأوسط})
TT

الجدل حول الإرهاب يقسم الإعلام الفرنسي

مجلات  وصحف فرنسية تصدر الإرهاب عناوينها ({الشرق الأوسط})
مجلات وصحف فرنسية تصدر الإرهاب عناوينها ({الشرق الأوسط})

«من نحن؟» و«لماذا يريدون قتلنا؟» اثنان من الأسئلة التي طرحت على أغلفة المجلات الأسبوعية الأكثر شعبية في فرنسا خلال الأسابيع الأخيرة. كما تتمحور النقاشات الوطنية الفرنسية الأخيرة حول هذين السؤالين أيضا، وهي النقاشات التي أثيرت في أعقاب الهجمات الإرهابية في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، والتي انتشرت في طول البلاد وعرضها منذ ذلك الحين.
كان تأثير الهجمة الإرهابية الأولى على صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة مزلزلا. فلقد جلبت ملايين الناس والزعماء والقادة من أكثر من 80 دولة إلى الشوارع الفرنسية للتنديد بالإرهاب. وبعد 18 شهرا وقعت 250 ضحية جديدة للهجمات الإرهابية في فرنسا، واستبدل بمزاج التحدي العام آنذاك نزعة التسليم بالأمر الواقع. وفي العصر الذي يسعى الناس فيه إلى الحصول على نتائج سريعة في كل منحى من مناحي الحياة والحلول الفورية لكل مشكلة تواجههم، أصبح من الواضح بشكل متزايد أنه لن تكون هناك إجابة جاهزة على التهديدات التي يشكلها الإرهابيون الإسلاميون.
في البداية، كان الشعار المرفوع عند وسائل الإعلام الفرنسية بسيطا للغاية: «يجب علينا متابعة حياتنا كما هي».
وفي هذا الصيف، رغم ذلك، لا يكاد يمر يوم من دون أخبار تقول للشعب الفرنسي إن الحياة التي اعتادها لن تكون سهلة كما كانت على نحو ما ظهر في نوفمبر الماضي. ولقد ألغيت في الأسبوع الماضي كثير من الفعاليات في ليون، ومارسيليا، ورين، وغيرها من المدن بسبب «التهديدات الأمنية». كما أن هناك إشارات تفيد أن باريس قد تضع محاولاتها تنظيم دورة الألعاب الأوليمبية المقبلة على نار هادئة، في الوقت الراهن على أدنى تقدير.
يقول رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، كما نقلت عنه وسائل الإعلام: «علينا أن نتعلم كيفية التعايش مع هذا الواقع. إننا في حالة حرب وليست في الحروب إجابات سهلة».
ومع ذلك، لم تتخل وسائل الإعلام الفرنسية عن مسعاها للحصول على إجابات، حيث إن الإجابات المقترحة يمكن فصلها إلى مجموعات ثلاث.
الأولى، وهي المفضلة لدى الصحف الفرنسية اليمينية مثل «لوفيغارو» و«الإكسبريس»، وهي تدور حول تشديد القبضة الأمنية في البلاد.
وتتساءل صحيفة «لوفيغارو»: كيف يمكن السماح للمراهقين اللذين ذبحا الكاهن البالغ من العمر 86 عاما خلال الشهر الماضي أن يزاولا أعمالهما بطريقة طبيعية على الرغم من أن الشرطة الفرنسية تعلم تماما أنهما يشكلان تهديدات إرهابية على البلاد، وأحدهما يحمل بطاقة إلكترونية من المفترض أن تساعد في الكشف عن تحركاته؟
كما تم إلقاء القبض على أحد القاتلين مرتين من قبل بتهم تتعلق بالإرهاب وأطلق سراحه من دون توجيه الاتهامات في كلتا الحالتين.
وتطالب وسائل الإعلام من يمين الوسط بإنشاء وحدة مستقلة لمكافحة الإرهاب، وبإنهاء وضعية عشرات الجماعات، بما في ذلك بعض من المستويات المحلية، التي يعتقد بأنها من المفترض أن تتعامل مع هذه المسألة. كما أنها تطالب بفرض مزيد من القيود على بناء المساجد الجديدة، وبفرض حظر نهائي على الدعاة غير الفرنسيين العاملين على الأراضي الفرنسية.
ولقد حاول كل من الرئيس الفرنسي ورئيس وزرائه تحديث الاستجابة الأمنية الوطنية عن طريق نشر 10 آلاف شرطي مسلح في العاصمة باريس وبعض من المدن الكبرى الأخرى، وتشديد القبضة الأمنية، وتمديد حالة الطوارئ السارية منذ العام الماضي، التي لم تأت بنتائج تذكر حتى الآن.
وتأتي الإجابة الثانية للتهديدات الإرهابية من ناحية وسائل الإعلام لتيار يسار الوسط، بما في ذلك الصحيفة اليومية «ليبراسيون» ومجلة «أوبس» الأسبوعية. وتقول نظرية هذا التيار إنه ينبغي على فرنسا تطوير نسختها الخاصة من الإسلام عن طريق تدريب الدعاة الناطقين باللغة الفرنسية، وتوفير الدروس حول الحريات المدنية وحقوق الإنسان إلى المسلمين، ومكافحة «الإسلاموفوبيا» بأي طريقة ممكنة.
يقول لوران جوفرين، رئيس تحرير صحيفة «ليبراسيون»، وهو ضيف أحد البرامج الإذاعية أيضا: «يريد الإرهابيون تقسيمنا. وهذا بالتحديد ما يتعين علينا تجنبه بعدم شن مزيد من الهجمات على الدين».
وفي لهجة مختلفة بعض الشيء تقول مجلة «ماريان» من يسار الوسط إن الإجابة تكمن في جعل الشباب الفرنسي المسلم أكثر إلماما بهويتنا الوطنية.
والمشكلة أن الهوية الفرنسية، لا تختلف في شيء عن الهوية الوطنية لأي دولة أخرى، فهي ليست أمرا ثابتا، وبالتالي فهي معرضة لإصدارات وأشكال لا نهاية لها. يتضمن غلاف مجلة «ماريان» الأخير، على سبيل المثال، شخصية الإمبراطور شارلمان الرمزية في مزيج من الهوية الوطنية الفرنسية. ومع ذلك، فهل إذا عاد إمبراطور العصور الوسطى من عالم الموتى يستطيع أن يبتاع تذكرة لمترو الأنفاق في باريس بسبب أنه لا يتحدث الفرنسية؟ وحتى في عشية الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر لم يكن هناك سوى 12 في المائة فقط من سكان فرنسا يتحدثون بالفرنسية. واستغرق الأمر من اليعاقبة، بعد الثورة الفرنسية، قرنين من الزمان حتى يتمكنوا من فرض قدر من التجانس على الأراضي الفرنسية.
ولقد تعرض هذا التجانس للتآكل بفعل موجات الهجرة العارمة من شمال أفريقيا، من قبل العرب والبربر، خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي.
وفي حين هم كذلك، ويشعرون بهويتهم الفرنسية بالنسبة للغالبية الساحقة من الشعب، فإنهم لا يتذكرون أحداث التاريخ نفسها، ولا يفضلون الطعام نفسه، ولا يرقصون على الموسيقى نفسها، ولا يسبحون في الفلك الآيديولوجي نفسه.
اتبعت فرنسا على الدوام سياسة الاستيعاب، مما يعني أن جميع الوافدين الجدد ينبغي عليهم «فرنسة» أنفسهم في أسرع وقت ممكن. والآن، رغم ذلك، وكما قال الفيلسوف ميشال أونفري: «أصبحت فرنسا مجتمعا متعدد الثقافات حيث باتت الهوية الوطنية الفرنسية الشهيرة تحمل وجوها عدة». تمتلئ وسائل الإعلام الفرنسية بكثير من المقالات حول كيف أن موجة الإرهاب الحالية لا علاقة لها بالإسلام الذي هو دين السلام والتفاهم. وفي الوقت نفسه هناك كثير من المقالات الأخرى التي تدور حول إصلاح الدين الإسلامي للحيلولة دون انتشار العنف والإرهاب.
والافتراض القائم يقول إن الإصلاح ضرورة إيجابية في كل الحالات.
وهذا تصور خاطئ يتضح جليا من التاريخ الحديث لدى بعض الدول الإسلامية. فلقد طرحت جماعة الإخوان المسلمين المصرية نفسها حركة إصلاحية ثم تحولت إلى مجموعة من الجماعات الدينية العنيفة عبر العقود الثمانية التالية على تأسيسها. وفي إيران، ظهرت الخمينية حركة إصلاحية شيعية، وفي شبه القارة الهندية طرح أبو الأعلى المودودي نفسه زعيم حركة الإصلاح الديني هناك.
بالنسبة للتيار اليساري من وسائل الإعلام الفرنسية، فإن الإجابة تتعلق بالأسباب الجذرية للمشكلات التي تولد وتغذي الإرهاب. ففي الأسبوع الماضي، حملت الصفحة الأولى من صحيفة «لومانيتيه»، الذراع الإعلامي للحزب الشيوعي الفرنسي، عنوانا مستمدا من خطاب البابا فرانسيس رأس الكنسية الكاثوليكية، ومفاده أن السبب الحقيقي للإرهاب هو «ليس الدين ولكنه المال».
ووفقا لذلك التحليل، فإن «المال» يتجسد في صورة الولايات المتحدة الأميركية، التي، بدروها، تساند وتدعم إسرائيل. وبالتالي، من أجل منع الإرهابيين من قتل الناس في شوارع باريس، فمن الضروري أن نكون معادين للولايات المتحدة ولإسرائيل ومؤيدين للفلسطينيين، وامتدادا لذلك، أن نكون مؤيدين لروسيا تحت حكم فلاديمير بوتين، ولإيران تحت حكم الملالي!
ومن المثير للدهشة، أن يتشارك في تبني هذا التحليل عدد قليل من وسائل الإعلام المتعاطفة مع الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، والمناوئة للاتحاد الأوروبي، وللولايات المتحدة، ومن المتوقع لتلك الجبهة أن تستحوذ على نصيب كبير في الانتخابات الرئاسية الفرنسية في العام المقبل. ووفقا لصحيفة «مينيت» المتعاطفة مع الجبهة الوطنية الفرنسية المتطرفة، فإن فرنسا تدفع ثمن تدخلها العسكري في أفغانستان والعراق وليبيا، ومؤخرا، في مالي.
وهناك إضافة على إجابة تساؤلاتنا: يتعين على فرنسا أن تنأى بنفسها عن الدوران في الفلك الأميركي، وتوقف التدخلات العسكرية الخارجية، وتمنع هجرة مزيد من المسلمين إليها، وتطرد كثيرين منهم أيضا.
يظهر مسح أجري على وسائل الإعلام الفرنسية أنه لا يوجد إجماع على تعريف المشكلة، وبالتالي، لا يوجد اتفاق على الحل كذلك.



تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».