{الشرعية} تطالب صندوق النقد بتجميد فوري لصرف احتياطيات اليمن النقدية

خطاب من بن دغر يدعو إلى إيقاف اعتماد توقيع محافظ «البنك المركزي» ونائبه

طفل يمني يجلس في متجر شعبي بوسط المدنية القديمة في العاصمة صنعاء (أ.ف.ب)
طفل يمني يجلس في متجر شعبي بوسط المدنية القديمة في العاصمة صنعاء (أ.ف.ب)
TT

{الشرعية} تطالب صندوق النقد بتجميد فوري لصرف احتياطيات اليمن النقدية

طفل يمني يجلس في متجر شعبي بوسط المدنية القديمة في العاصمة صنعاء (أ.ف.ب)
طفل يمني يجلس في متجر شعبي بوسط المدنية القديمة في العاصمة صنعاء (أ.ف.ب)

طلبت الحكومة اليمنية الشرعية رسميًا وبشكل فوري من صندوق النقد الدولي وعدد من البنوك الخارجية التحفظ على أموال اليمن ووقف التصرف بها من قبل إدارة البنك المركزي اليمني الواقع تحت سيطرة الانقلابيين.
تأتي هذه التطورات، في أعقاب حصول الحكومة اليمنية على معلومات مؤكدة من مصادر داخلية وخارجية تفيد بأن إدارة البنك المركزي اليمني لجأت للسحب من الاحتياطيات النقدية بالعملات الأجنبية المودعة في البنوك الخارجية في الولايات المتحدة وأوروبا، بعد استنزافها مخزون العملات الأجنبية في خزانة البنك المركزي في العاصمة صنعاء ومحافظة الحديدة لمصلحة عملياتها الحربية. وحسب مصدر مسؤول في مكتب الدكتور أحمد بن دغر رئيس الوزراء اليمني، فإن الحكومة طالبت «وعلى نحو عاجل» المؤسسات النقدية الدولية والبنوك التي تحتفظ بأموال للجمهورية اليمنية بوقف التصرف بها من قبل إدارة البنك المركزي الحالية.
وتسرب خطاب رسمي لوسائل الإعلام موجه من رئيس الوزراء اليمني أحمد بن دغر لمدير عام صندوق النقد الدولي، يطالبه بتجميد احتياجات العملات الأجنبية الخاصة بالبنك المركزي اليمني، وإيقاف اعتماد توقيع محافظ البنك المركزي الدكتور محمد بن همام، ونائبه الدكتور محمد السياني.
وقال مصدر بوزارة المالية اليمنية لـ«الشرق الأوسط» إن الخطاب المسرب صحيح وتم بالفعل توجيهه لمدير عام صندوق النقد الدولي، مرجحًا أن يكون الحوثيون قاموا بتسريب الخطاب لإحداث بلبلة والضغط على الحكومة اليمنية الشرعية.
من جانبه، أكد مسؤول بمكتب رئيس الوزراء أن بن دغر تلقى معلومات مؤكدة من مصادر محلية وخارجية أن قيادة البنك قد لجأت إلى الاحتياطيات النقدية بالعملات الأجنبية المودعة في البنوك الخارجية في أميركا وأوروبا، بعد أن استنزفت ما كان تحت يدها من العملات الأجنبية في خزائن البنك المركزي في صنعاء والحديدة للمجهود الحربي.
وأضاف: «حرصًا من الحكومة اليمنية على أموال وممتلكات الشعب اليمني وحفاظًا على ما تبقى من أموال عامة، وفي ضوء توجيهات رئيس الجمهورية، قررت الحكومة اليمنية اتخاذ هذا الإجراء والذي يشمل وقف التعامل مع محمد عوض بن همام محافظ البنك المركزي، الذي لم يعد قادرًا على ممارسة مهامه وصلاحياته بحيادية تامة، لوقوع البنك المركزي تحت سيطرة الميليشيات الحوثية وقوات صالح الانقلابية».
ووفقًا للمصدر ذاته، تأكد للحكومة أن الميليشيات وقوات صالح قامتا بتحويلات خارجية عاجلة ومشبوهة، وصرفتا لأطراف كثيرة أموالاً هدفها السيطرة على ما تبقى من مخزون الدولة من الاحتياطيات النقدية الخارجية، مع علمهما أنها أموال تعود للدولة والشعب اليمني، وأن التصرف بها يتطلب موافقة الحكومة اليمنية، ممثلة بوزارة المالية وهو ما لم يحدث، الأمر الذي استوجب إجراءً عاجلاً وحاسما وواضحًا يقيد حركة هذه الأموال ويمنع العبث بها.
وأكد المصدر أن هذا الإجراء اتخذ استنادًا إلى صلاحيات الحكومة المنصوص عليها في الدستور اليمني، والقوانين المالية المنظمة لاستخدامات النقد المحلي والأجنبي وإدارة المال العام، وهي الصلاحيات التي أكدتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ودعمتها الإرادة الوطنية المعبر عنها في مخرجات الحوار الوطني. وقرار مجلس الأمن رقم 2216. والقرارات الأخرى ذات الصلة.
وكانت الحكومة الشرعية كسرت هيمنة الانقلابيين على المركزي اليمني، وذلك باستحداث حسابات حكومية ترد إليها الموارد الاقتصادية المتنوعة، وأعلنت الحكومة في منتصف يوليو (تموز) الماضي، أنها استحدثت حسابا بنكيا وزعته على المؤسسات كافة ليكون حساب الحكومة.
وقال المستشار الاقتصادي اليمني، خالد عبد الواحد نعمان لـ«الشرق الأوسط» إن رئاسة الحكومة اليمنية سبق لها وأن قامت خلال الأيام الماضية بجملة من الإجراءات الممهدة لقرارها الأخير بشأن وقف التعامل مع قيادة البنك المركزي اليمني بعيد سيطرة الميليشيات الانقلابية عليه، وعدم قدرة المحافظ بن همام على مزاولة مهامه نتيجة لتلك السيطرة، وما ترتب عنها من تجاوزات مالية أفقدته لطبيعة وظيفته المفترض فيها الحياد.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.