الشاهد.. أصغر رئيس حكومة في تاريخ تونس

هل ينجح المهندس الزراعي الشاب حيث فشل «الشيوخ»؟

الشاهد.. أصغر رئيس حكومة في تاريخ تونس
TT

الشاهد.. أصغر رئيس حكومة في تاريخ تونس

الشاهد.. أصغر رئيس حكومة في تاريخ تونس

عندما فاجأ الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي شعبه قبل شهرين بالإعلان عن «مبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية» وتحدث عن حاجة البلاد إلى «صدمة نفسية قوية»، لم يكن أحد يتوقع أنه سوف يقترح عليهم وزير الجماعات المحلية يوسف الشاهد لرئاسة الحكومة الجديدة وهو في الـ41 من عمره.
ولعل السؤال الكبير الذي يطرح مع اختيار الشاهد، القيادي الشاب في حزب الرئيس أي حزب «نداء تونس» وخريج إحدى كليات الزراعة في فرنسا، يهم دلالات الانفتاح الفعلي على جيل جديد من السياسيين وإن كان جزءا من «الصدمة النفسية» التي أورد قائد السبسي أن تونس تحتاج إليها حاليا حتى تحسن أداء مؤسسات الدولة والاقتصاد.
يشير متابعو الساسة السياسية إلى أن خبرة يوسف الشاهد في الحكم محدودة جدا لأنه أمضى أغلب مسيرته المهنية بين القطاع الخاص والتدريس في كليات الزراعة بجامعات فرنسا. وبناء عليه لا يتجاوز رصيد رئيس الحكومة التونسي المكلّف الجديد في الإدارة العمومية والحكم أكثر من سنتين تنقل خلالهما بين منصبي وزير دولة في وزارة الزراعة ثم وزير الجماعات المحلية التابعة لوزارة الداخلية، بيد أن هذا «النقص» في الخبرة داخل مؤسسات الدولة والقطاع العام يعتبره آخرون «نقطة قوة». بل إن قيادات منظمات رجال الأعمال رحبت بترشيح «رجل الأعمال الشاب» لرئاسة الحكومة القادمة، واعتبرت أن من مصلحة تونس أن يكون المشرف الأول على السلطة التنفيذية، بعد رئيس الجمهورية، من خارج «المؤسسات الإدارية البيروقراطية» التي خرجت منها غالبية رؤساء الحكومات والوزراء السابقين.

المصالحة مع تونس الأعماق
في الوقت نفسه اعتبر بعض زعماء حزب «نداء تونس»، مثل المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي (نجل رئيس الجمهورية) ورئيس كتلة الحزب البرلمانية سفيان طوبال، أن رهان الأطراف التي عينت يوسف الشاهد على رأس الحكومة الجديدة تهدف أساسا إلى «محاولة ردم الهوة بين الطبقة السياسية التقليدية وشباب البلاد» الذي تؤكد كل الدراسات واستطلاعات الرأي أن الشرخ تعمق بينه وبين «شيوخ السياسة» الذين يتهم «الشباب الثائر» بعضهم بركوب ثورته التي فجرت في أواخر عام 2010 ومطلع 2011 انتفاضات شبابية اجتماعية سياسية شاملة في جل الدول العربية.
ولكن إلى أي حد يمكن لرئيس الوزراء المكلف يوسف الشاهد أن يقود مسار مصالحة مع «تونس العميقة»؟ وهل سيكون «الفارس» – أو «المهدي المنتظر» - الذي ينتظره ملايين الفقراء والمهمّشين والعاطلين عن العمل وأبناء الطبقة الوسطى الذين تدهورت أوضاعهم المادية والمعنوية بعد ست سنوات عن ثورتهم التي رفعت شعار «الكرامة»؟
محسن مرزوق، الوزير السابق وزعيم المنسحبين من حزب الباجي قائد السبسي، يستبعد ذلك. بل إن بعض رفاق يوسف الشاهد القدامى مثل القيادي السابق في اتحاد نقابات العمال والسياسي المعارض مصطفى بن أحمد يعتبرون أن «شخصية يوسف الشاهد ضعيفة» وستحرمه من فرصة أن يكون زعيما وقائدا سياسيا كاريزماتيا يؤثر في الشباب ويكسب ثقة السياسيين المنتمين إلى الحزب الحاكم والمعارضة.

سرقة «ثورة الشباب»
وبعد زهاء ست سنوات من احتجاجات شباب تونس على «الشيوخ» الذين يتهمونهم بـ«الانتهازية» وبسرقة ثورتهم ضد حكم الرئيس زين العابدين بن علي، يبدو أن الباجي قائد السبسي أراد أن يقنعهم أن «رسالتهم وصلت»، فقرر تعيين رئيس جديد للسلطة التنفيذية من «الجيل الجديد» للسياسيين الذين لم يتورطوا في غلطات الحكم في عهدي بورقيبة وبن علي، ثم في عهد الحكومات الثمانية التي تعاقبت على حكم تونس في حقبة «الربيع العربي».
لكن رموز المعارضة اليسارية التونسية - مثل عمار عمروسية وحمّه الهمامي والجيلاني الهمامي - يختلفون مع التقييم لمؤهلات المرشح لرئاسة الحكومة التونسية التاسعة ويتهمونه بـ«التبعية لقيادة حزب نداء تونس الذي يحكم البلاد منذ نحو سنة ونصف».
ويلتقي حول التقييم نفسه زعماء آخرون من المعارضة - بينهم رفاقه القدامى في «القطب التقدمي» وفي «الحزب الجمهوري» مثل سمير الطيب وعصام الشابي - في التشكيك في قوة شخصية يوسف الشاهد، رغم إقرارهم بمؤهلاته الكثيرة ومن بينها إجادته عدة لغات وانفتاحه على ثقافات فرنسا والولايات المتحدة وعلى جامعاتها ومراكز الدراسات الاقتصادية فيها.

من اليسار إلى اليمين
في هذا السياق أيضا يستحضر مصطفى بن أحمد ورفاقه الذين انشقوا عن «حزب الرئيس» كيف دخل يوسف الشاهد الساحة السياسية والحزبية «لأول مرة» بعد ثورة يناير 2011.
الشاهد بدأ بتأسيس حزب صغير مع عشرات من الشبان والمثقفين من الجنسين بينهم الحقوقية آمال بلخيريية. فلما حل موعد تنظيم الانتخابات العامة الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 التحق الشاهد وأنصاره بتحالف انتخابي يساري صغير سمّي «القطب التقدمي»، وكان بزعامة الإعلامي الاشتراكي رياض بن فضل وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية الفاضل موسى وقيادات سابقة من الحزب الشيوعي التونسي. ولكن عندما فشلت الأحزاب العلمانية واليسارية والليبيرالية التونسية في أن تحصد مقاعد كثيرة من «المجلس الوطني التأسيسي» تشكل تحالف جديد لقوى اليسار المعتدل وأحزاب الوسط انضم إليه يوسف الشاهد مع بعض الكوادر الشابة المتخرجة من الجامعات الفرنسية إلى «الحزب الجمهوري» الذي أسسه قادة أكبر حزب معارضة قانونية في عهد زين العابدين بن علي بزعامة المحامي أحمد نجيب الشابي وشقيقه عصام الشابي والإعلامية والحقوقية مية الجريبي. وكانت تلك أهم تجربة حزبية سياسية خاضها الشاهد قبل أن ينسحب منها مع مئات من النشطاء ليلتحقوا في أواسط عام 2013 بالحزب الكبير الذي أسسه الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي وفتح أبوابه لكل معارضي تيار «الإسلام الاحتجاجي» و«حكومة الترويكا» بزعامة حزب حركة النهضة الإسلامي.
وشاءت الأقدار أن تنهار حكومة «النهضة» في انتخابات أواخر 2014 فأصبح الشاهد وزيرا في الحزب الحاكم الجديد الذي انحاز إلى اليمين ونجح في استقطاب غالبية رموز اليسار النقابي وكوادر الحزب «اليميني» الذي حكم تونس في عهدي بورقيبة وبن علي.. الحزب الدستوري ثم التجمع الدستوري الديمقراطي.

رجل وساطات
لكن من بين نقاط القوة بالنسبة ليوسف الشاهد - حسب أنصاره - أنه «رجل وساطات»، وسبق أن اختاره الرئيس قائد السبسي قبل سبعة أشهر ليرأس «لجنة الوساطات» التي تضم 13 قياديا في حزب «نداء تونس» ضمن محاولة المصالحة بين القيادات المتصارعة فيه بعد استقالة الرئيس وتفرغه لمنصب رئاسة الدولة تطبيقا للدستور. ويقر خصوم يوسف الشاهد - مثل مصطفى بن أحمد والصحبي بن فرج وعبد الرؤوف الشريف - أن الرجل يتميز بهدوئه وتواضعه وحرصه على التوفيق بين الفرقاء، غير أنهم في المقابل يلتقون مع زعيم «حزب المشروع» الوزير السابق محسن مرزوق في اتهام الشاهد بكونه «لم ينجح في وساطاته بسبب انحيازه لموقف جناح نجل الرئيس والمدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي.. ما أدى إلى مسلسل من الاستقالات من الحزب قبل مؤتمره الأول في يناير الماضي وبعده».
فإذا كان من بين أهداف تعيين قيادي من حزب الرئيس على رأس الحكومة الجديدة تقوية مواقع الحزب في الدولة والمجتمع فإن التحدي الكبير هو: هل ستنجح هذه الخطة؟ أم أن اختيار رئيس «لجنة التوافقات» سوف يزيده انقسامات وأزمات وسيورطه في مزيد من الصراعات بين «الإخوة الأعداء» الذين صنعوا انتصارات انتخابات 2014 الرئاسية والبرلمانية.. ثم تسببت صراعاتهم على الكراسي والمناصب و«الغنائم» في تراجع مصداقية الحزب وكوادره ؟

أقوى من الحبيب الصيد
لكن بعيدا عن التقييمات المتباينة لشخصية الشاهد وخبرته ومؤهلاته القيادية وفرص نجاحه، فإن السؤال الأكبر الذي يفرض نفسه في تونس منذ الكشف عن مبادرة الرئيس عن «حكومة الوحدة الوطنية» هو: هل سيكون رئيس الحكومة الجديد أقوى من سلفه الحبيب الصيد الذي سحب البرلمان ثقته منه ومن حكومته يوم 30 يوليو (تموز)؟

إقناع الأغلبية
وهل سينجح في إقناع الأغلبية البرلمانية - وكتلة حزب «حركة النهضة» الذي أصبح صاحب الكتلة الأكثر عددا - كي تمنحه ثقتها عند عرض حكومته عليها قبل مطلع الشهر القادم ؟
ثم هل سيضمن الرئيس المكلف الشاب دعمهما بعد ذلك عندما يعرض عليها مشاريع «قرارات لا شعبية» و«إجراءات موجعة» مثل تلك التي تهم تصفية الأوضاع المالية للمؤسسات العمومية المفلسة والصناديق الاجتماعية التي استفحل عجزها المالي؟ أم سيجد الشاهد نفسه وجها لوجه مع «سياسيين براغماتيين» أو «ميكيافيليين» يتخلون عنه وقت الشدة ثم يحملونه لوحده مسؤولية كل الصعوبات التي تواجه البلاد وعلى رأسها الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والمخاطر الأمنية ؟

الانفجار الأخطر
في هذا السياق رحب قادة الأحزاب الكبرى بالأولويات الأمنية والتنموية التي أعلن رئيس الحكومة المكلف أنه سيتفرغ لها. لكن التخوفات كبيرة من قدرة رئيس الحكومة الجديد على أن يكون في مستوى رفع التحديات التي تواجه البلاد بسبب تداخل المستجدات في تونس بتعقد ملف الإرهاب في ليبيا ودول الاتحاد الأوروبي.
ومن جهة ثانية يخشى بعض علماء الاجتماع السياسي، مثل سالم الأبيض والمهدي مبروك، من سيناريوهات تعرض حكومة يوسف الشاهد إلى الإرباك أو الإسقاط في وقت قياسي بسبب «الانفجار الأخطر» الذي قد يهدد تونس في أقرب وقت إذا تراكمت مشاكل الشباب والمهمشين وعجزت الأحزاب والنقابات التقليدية عن التفاعل معها وقيادتها.. وذلك على غرار ما حصل في «انفجارات شعبية عنيفة» سابقـة مثل «ثورة الخبز» في 1984 و«انتفاضات» 2008 و2010 في مناطق المناجم والولايات الفقيرة علــــى الحدود التونسية الجزائرية والليبية.. قبل سقوط حكم بن علي وبعده.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.