كل أجهزة الوكالة

مات دامون وتومي لي جونز في سلسلة (بورن)
مات دامون وتومي لي جونز في سلسلة (بورن)
TT

كل أجهزة الوكالة

مات دامون وتومي لي جونز في سلسلة (بورن)
مات دامون وتومي لي جونز في سلسلة (بورن)

* «جاسون بورن» Jason Bourne
* إخراج: بول غرينغراس
* بطولة: مات دامون - أدوار مساندة: تومي لي جونز - أليسيا فيكاندر - جوليا ستايلز
* أكشن/ 2016
* تقييم الناقد: *** (من خمسة)

* «قد يكون أسوأ من سنودون»، يقول أحد موظفي وكالة الاستخبارات الأميركية في هذا الفصل الخامس من سلسلة «بورن». والإشارة إلى خبير الوكالة الأمنية الأميركية إدوارد سنودون الذي كشف المستور ولجأ إلى موسكو، تأتي عندما عاين رئيس «سي آي إيه» (جونز) الاحتمالات، بعدما تسلل أحدهم إلى ملفات «سي آي إيه».
هذه مغالاة واضحة، إلا إذا كان رئيس «سي آي إيه» الذي يمضي الوقت أمام شاشات «المونيتورز» متابعًا مطاردات رجاله لعدوه بورن من عاصمة لأخرى، كما لو أن كل الأشغال والمهام الأخرى تستطيع الانتظار، يقصد ما يحل في الفيلم من تدمير ممتلكات ونسف سيارات وقتل الناس وإصابة الآخرين بهلع شديد. في هذه الحالة، نعم إدوارد سنودون لم يفعل ولم يتسبب في أي من هذا كله.
لكن هذا هو لب سلسلة جاسون بورن بالتحديد: مطاردات متواصلة يمارس فيها مات دامون، في دور العميل الذي تحاول كل أجهزة المخابرات الأميركية قتله منذ عام 2002، عندما تم عرض الفيلم الأول «هوية بورن»، من دون فائدة.
نراه في مطلع الفيلم وقد تحوّل إلى مصارع - ملاكم في ألعاب رهونات غير قانونية على الحدود اليونانية - الألبانية. المخابرات الأميركية تكتشف مكان وجوده فينتقل إلى العاصمة اليونانية المشغولة بالمظاهرات المعادية للحكومة والاتحاد الأوروبي. إليها يصل القاتل المحترف «آست» (Asset كما يؤديه الفرنسي فنسنت كاسل). هذا قنّاص تستعين به الوكالة الأميركية كلما فكرت بإزاحة أحد (مما يعني أنه بالكاد لديه وقت للنوم)، وهي تطلب منه التخلص من بورن مرّة واحدة وإلى الأبد. سيفشل وسيعتبر المسألة شخصية («إما أن أقتله وإما أن يقتلني» يقول في مشهد لاحق)، وسينطلق وراء بورن الذي يترك أثينا إلى لاس فيغاس مع وقفة في آيسلندا.
هذه مطاردة طويلة مليئة بالتشويق والإثارة والسيارات التي تنقلب بعضها فوق بعض، ورجال «سي آي إيه» الذين لا يدرون من أين سيأتيهم غضب جاسون بورن. خلال ذلك تأقلم المخرج بول غرينغراس ومدير تصوير باري أكرويد ومونتيره كريستوفر راوز مع شروط السلسلة الإيقاعية والبصرية. الكاميرا محمولة غالبًا (على نحو محترف جيد)، والمونتاج يقطع المشاهد نتفًا، ليؤلف منها العمل الذي نراه يلهث أمامنا. في الواقع، وعلى صعيد سينمائي صرف، لا توجد نقاط ضعف أو رداءة في كل هذا، فالفيلم في أيدي خبيرة. ولا تمر إشاراته السياسية من دون أثر. هناك تلميح إلى أن «فيسبوك» باع زبائنه للمخابرات الأميركية، طبعًا مع تبديل الأسماء في الفيلم.



شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز