مع غروب الشمس.. الحرب تدور رحاها في حلب

الأهالي يواجهون صواريخ الطيران الروسي بإحراق إطارات السيارات

دكان صغير في مدينة حلب وبدا خاليًا من المواد التموينية بعد الحصار الذي فرضه النظام السوري بدعم روسيا وإيران و«حزب الله» («الشرق الأوسط»)
دكان صغير في مدينة حلب وبدا خاليًا من المواد التموينية بعد الحصار الذي فرضه النظام السوري بدعم روسيا وإيران و«حزب الله» («الشرق الأوسط»)
TT

مع غروب الشمس.. الحرب تدور رحاها في حلب

دكان صغير في مدينة حلب وبدا خاليًا من المواد التموينية بعد الحصار الذي فرضه النظام السوري بدعم روسيا وإيران و«حزب الله» («الشرق الأوسط»)
دكان صغير في مدينة حلب وبدا خاليًا من المواد التموينية بعد الحصار الذي فرضه النظام السوري بدعم روسيا وإيران و«حزب الله» («الشرق الأوسط»)

غيمة سوداء تتشكل فوق مباني حلب لليوم السادس على التوالي منذ اندلاع المعارك جنوب حلب، كل صبي أو رجل يمر من الشارع تجده يدحرج دولابًا من إطارات السيارات وسرعان ما يشعلون في النيران، لتنطلق منها الأدخنة لتعانق السماء، مهللين ومكبرين بأصواتهم «اللهم انصرنا».
ويدحرج سامي أبو الجود (23 عامًا) إطار سيارة، ليضعه في كتلة كبيرة من النار، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن: «الدخان المتصاعد يساعد في الحد من قدرات الطيران الحربي، لذلك أحاول جمع (الدولايب) أو أي شي قابل للاحتراق لإشعاله».
ويتصاعد الدخان من معظم أحياء حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، خصوصًا القريبة من جبهات القتال، لتتشكل في السماء سحبٌ سوداء ضخمة من الدخان، إنها المرّة الأولى، التي يجري فيها استخدام مثل هذا الأسلوب في المعارك بسوريا، وهنا يفرض السؤال نفسه، ما مدى فاعلية هذه الخطوة؟
يقول صابر، وهو فني إشارة في الجيش السوري الحر: «إنها خطوة إيجابية، وكان لها أثر جيّد» ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «خلال اليوم الأول من المعركة، كانت الطائرات لا تملك أهدافا لأنها لا ترى ما يحدث على الأرض، باستثناء الطائرات التي تملك أهدافًا مسبقة».
ويتابع: «كثير من أهداف الطيران - خصوصًا في المعارك - تعتمد على مشاهدة التجمعات والتحركات، ومع تشكل سحب الدخان لا يمكن للطيران تحديد أهداف جديدة». لكنه في نفس الوقت قلل من فاعلية الخطوة، وقال: «يجب حرق كميات كبيرة من الإطارات، وتوزيعها على مناطق شاسعة حتى تكون ذات جدوى».
ومع هذا يحاول السكان في حلب فعل كل ما يمكنهم من الوسائل لمنع سلاح الجو الروسي والتابع للنظام من استهدافهم.. سلاح كان المسؤول الأبرز عن المجازر بحق المدنيين، بينما لا يزال حظر مضادات الطيران مستمرًا عليهم. وقد اختلف سير المعركة بالأمس عن الأيام الماضية، إذ تنتقل المعارضة من وضع الهجوم، إلى وضع الدفاع وتثبيت مواقعها في المناطق التي سيطرت عليها مؤخرًا، وأعلن جيش الفتح (المؤلف من حركة أحرار الشام وجبهة فتح الشام وفصائل أخرى) عن صدّ محاولة قوات النظام اقتحام مشروع 1070 شقة التابع لحي الحمدانية، الذي سيطرت عليه مؤخرًا، و«تكبيده خسائر فادحة»، كما أعلنت أيضًا عن صدّ هجوم آخر على «تلة الجبس».
ويفصل مقاتلي المعارضة عن فك الحصار عن الأحياء الشرقية من مدينة حلب نحو 1500 متر، وهي تسعى للسيطرة على حي الراموسة وكلية المدفعية لتحقيق ذلك، في الوقت الذي يحشد فيه نظام بشار الأسد دعم حلفائه في سبيل صد هجوم المعارضة، ممثلة بسلاح الجو الروسي، والميليشيات المرتبطة بإيران (مثل ما يسمى «حزب الله» اللبناني، وحركة النجباء العراقية).
ومع قرب غروب الشمس تنطلق الحرب بدأ من الصواريخ والمدافع والقنابل بأصواتها التي تهز المكان من كل الجوانب، معلنة بدء معركة جديدة بين المعارضين وقوات نظام الأسد، كأن خيار الليل وهو خيار السكينة للإنسان أصبح خيار صوت الحرب والخوف والألم على حد سواء، وعن هذا يقول أحد السكان معلقا بضحكته أنه قد تم اختيار ذلك التوقيت لتبدأ المعركة ليلا لانخفاض درجة الحرارة واعتدال الجو فيها، ومع هذا يقول أحد مسلحي المعارضة أن الظروف هي التي تدفع لأن تكون المعركة ليلا لا في النهار لأهداف استراتيجية في المعركة.
على ناصية بعد الظهر يقف أحد السكان أمام دكان صغير لم يبق ما يباع فيه إلا حفن من الأرز المربوطة بأكياس صغيرة وبعض قطع من العلب لبعض المأكولات المعلبة، مرددا مقولته: «ما بعد الصبر إلا الفرج»، فيما على الناصية الأخرى مجموعة من الأطفال يلهون ببعض القطع المتناثرة في الشارع مستغلين فترة من السكون قبل اندلاع عاصفة الحرب مع غروب الشمس والتي لا تنقشع إلا مع بزوغ الفجر لتبدأ تخفو فجأة لتنطلق بعدها أصوات الطائرات الروسية تدك المباني المأهولة بالسكان مدعية أنهــــا للمعـــارضة، لتبدأ قصة جديدة من الألــم بين السكـــان لـدفن أحدهم أو دفن عــائلة كــاملة مع أطفـــالهم تحت الأنقــاض دون رحمة أو شفقة وعلى مسمع ومرأى من المنظمات الدولية وهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.