«صندوق النقد» بين ضغوط أوروبا وفقدان المصداقية

رضخ سابقًا من أجل إنقاذ اليونان.. ويقاوم حاليًا متمسكًا بـ«الإصلاحات»

كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي (رويترز)
كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي (رويترز)
TT

«صندوق النقد» بين ضغوط أوروبا وفقدان المصداقية

كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي (رويترز)
كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي (رويترز)

يواجه صندوق النقد الدولي حاليا تهمة الرضوخ للسيطرة الأوروبية، وهو مأخذ عليه غالبا ما يتردد منذ خطة المساعدة الأولى لليونان في عام 2010، ويعود إلى الساحة مجددا في وقت تضغط فيه منطقة اليورو على الصندوق لحضه على الالتزام ماليا من جديد حيال أثينا.
ولهذه الضغوط هدف محدد، هو حض المؤسسة المالية على المشاركة في خطة المساعدة الكبيرة التي صادق الأوروبيون عام 2015 على منحها لأثينا، في حين يرفض الصندوق منذ أكثر من عامين تقديم أي قروض لليونان.
وبعدما شارك في الخطتين الدوليتين السابقتين لإنقاذ اليونان، يقاوم الصندوق هذه الضغوط حتى الآن، ويطالب أثينا بضمانات بشأن الإصلاحات المطلوبة منها، فيما يطالب بروكسل بتخفيف عبء الدين اليوناني.. لكن السؤال مطروح حول قدرته على الاستمرار في التمسك بموقفه.
وأظهر تقرير داخلي «شديد اللهجة» صدر مؤخرا أن صندوق النقد الدولي رضخ للمطالب الأوروبية عام 2010، ووافق على تقديم أموال ضخمة لليونان، متجاهلا قواعده الداخلية، وذلك رغم الشكوك حول قدرة هذا البلد على الإيفاء بديونه، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وانعكس هذا القرار المثير للجدل سلبا على مصداقية الصندوق، وأثار آنذاك استنكار بعض الدول الناشئة، التي غالبا ما تندد بالتمييز في المعاملة.
غير أن الوضع حاليا مختلف من بعض النواحي. فالمخاوف الناجمة عن «انهيار اليونان» تراجعت، رغم استمرار الانكماش الاقتصادي. ولم تعد منطقة اليورو بحاجة كما كانت من قبل إلى «موارد الصندوق» بعدما شكلت صندوقها الخاص لإغاثة الدول التي تواجه أزمات، وباتت حاجاتها تقتصر على خبرة الصندوق في تقييم الإصلاحات.
لكن إن كانت الحاجة إلى الصندوق تقلصت، إلا أن الضغوط عليه لم تتراجع.
وطرحت ألمانيا صراحة مشاركة الصندوق المالية كشرط لالتزامها هي نفسها حيال أثينا، مؤكدة أن هذا الشرط «غير قابل للنقاش». وقال وزير المالية فولفغانغ شويبله في مايو (أيار) الماضي حاسما المسألة: «إن صندوق النقد الدولي سيشارك ببرنامج من ثلاث إلى أربع سنوات».
كذلك أعلنت فرنسا في نهاية عام 2015 أنه ليس لديها «أي شك» في مشاركة الصندوق المالية.
وأقر مسؤول في المؤسسة المالية، طالبا عدم كشف اسمه، الأسبوع الماضي بأن «الجميع يعلم أننا كنا نخضع لضغوط أوروبية هائلة الصيف الماضي من أجل اعتماد برنامج مشترك»، مضيفا أن «الكل يعلم أننا خضعنا لضغوط شديدة قبل بضعة أشهر للسبب ذاته».
ومن الصعب على صندوق النقد الدولي تجاهل صوت الأوروبيين، فالاتحاد الأوروبي ككتلة يملك أكبر حصة أصوات في مجلس إدارته، وهي الهيئة التي تصادق على خطط المساعدة، ولو أن الولايات المتحدة تبقى المساهم الأول فيه بصورة فردية.
وكل هذه الاعتبارات تزيد الوضع تعقيدا على الصندوق، الذي يترتب عليه اتخاذ قراره بحلول نهاية السنة. فإذا قرر الصندوق مساعدة اليونان من جديد، سوف يعتبر البعض حتما أنه رضخ مجددا للأوروبيين. وإن امتنع عن مساعدة هذا البلد لعدم الحصول على ضمانات اقتصادية كافية، فهو سينشر فكرة أن الخطة الأوروبية محكومة بالفشل.
وقال المسؤول السابق في دائرة أوروبا في صندوق النقد الدولي بيتر دويل لوكالة الصحافة الفرنسية: «هذه هي المعضلة التي يواجهونها»، موضحا: «إذا انضموا إلى العملية، فسوف يعطون انطباعا بالرضوخ، وإن لم ينضموا إليها، فسيجازفون بإثارة مخاوف جديدة».
وبعد قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي كان له وقع صدمة في أوروبا، لم يعد بوسع القارة خوض أزمة يونانية جديدة.. إلا أن هذا الاختبار الجديد يمكن أن يشكل فرصة لصندوق النقد الدولي من أجل تأكيد استقلاليته تجاه دوله الأعضاء. وقال ديزموند لاكمان، المسؤول السابق في الصندوق، لوكالة الصحافة الفرنسية: «إن صندوق النقد الدولي بحاجة إلى ترميم مصداقيته. وببقائه خارج اليونان ماليا، فهو سيقول لباقي العالم إننا نقر بأنه تم استخدامنا سياسيا ولا نريد أن يحصل ذلك من جديد في المستقبل».
ولا يؤمن ديزموند بإمكانية إفلات صندوق النقد الدولي بصورة تامة من الاعتبارات السياسية، بل يرى أن الولايات المتحدة وأوروبا ستواصلان إملاء قواعد اللعبة.
وقال الخبير الذي غادر الصندوق عام 2012: «أصواتهم هي التي لها وزن، ودائما ما كان الأمر على هذه الحالة».
واغتنمت اليونان من جهتها هذه الاتهامات الجديدة لتنتقد مؤسسة مكروهة في أثينا. وقالت المتحدثة باسم الحكومة أولغا ييروفاسيلي إن «صندوق النقد الدولي لم يكن مفيدا ولا ضروريا في أوروبا».



الأمم المتحدة تتوقع نمواً اقتصادياً عالمياً ضعيفاً في 2025

جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
TT

الأمم المتحدة تتوقع نمواً اقتصادياً عالمياً ضعيفاً في 2025

جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)

قالت الأمم المتحدة، في وقت متأخر، يوم الخميس، إن الاقتصاد العالمي قاوم الضربات التي تعرَّض لها بسبب الصراعات والتضخم، العام الماضي، وإنه من المتوقع أن ينمو بنسبة ضعيفة تبلغ 2.8 في المائة في 2025.

وفي تقرير «الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه (2025)»، كتب خبراء اقتصاد الأمم المتحدة أن توقعاتهم الإيجابية كانت مدفوعة بتوقعات النمو القوية، وإن كانت بطيئة للصين والولايات المتحدة، والأداء القوي المتوقع للهند وإندونيسيا. ومن المتوقَّع أن يشهد الاتحاد الأوروبي واليابان والمملكة المتحدة انتعاشاً متواضعاً، كما يقول التقرير.

وقال شانتانو موخيرجي، رئيس فرع مراقبة الاقتصاد العالمي في قسم التحليل الاقتصادي والسياسات في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة: «نحن في فترة من النمو المستقر والضعيف. قد يبدو هذا أشبه بما كنا نقوله، العام الماضي، ولكن إذا دققنا النظر في الأمور، فستجد أن الأمور تسير على ما يرام».

ويقول التقرير إن الاقتصاد الأميركي تفوق على التوقعات، العام الماضي، بفضل إنفاق المستهلكين والقطاع العام، لكن من المتوقَّع أن يتباطأ النمو من 2.8 في المائة إلى 1.9 في المائة هذا العام.

ويشير التقرير إلى أن الصين تتوقع تباطؤ نموها القوي قليلاً من 4.9 في المائة في عام 2024 إلى 4.8 في المائة في عام 2025، وذلك بسبب انخفاض الاستهلاك وضعف قطاع العقارات الذي فشل في تعويض الاستثمار العام وقوة الصادرات. وهذا يجبر الحكومة على سن سياسات لدعم أسواق العقارات ومكافحة ديون الحكومات المحلية وتعزيز الطلب. ويشير التقرير إلى أن «تقلص عدد سكان الصين وارتفاع التوترات التجارية والتكنولوجية، إذا لم تتم معالجته، قد يقوض آفاق النمو في الأمد المتوسط».

وتوقعت الأمم المتحدة، في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن يبلغ النمو الاقتصادي العالمي 2.4 في المائة في عام 2024. وقالت، يوم الخميس، إن المعدل كان من المقدَّر أن يصبح أعلى، عند 2.8 في المائة، ويظل كلا الرقمين أقل من معدل 3 في المائة الذي شهده العالم قبل بدء جائحة «كوفيد - 19»، في عام 2020.

ومن المرتقب أن ينتعش النمو الأوروبي هذا العام تدريجياً، بعد أداء أضعف من المتوقع في عام 2024. ومن المتوقَّع أن تنتعش اليابان من فترات الركود والركود شبه الكامل. ومن المتوقَّع أن تقود الهند توقعات قوية لجنوب آسيا، مع توقع نمو إقليمي بنسبة 5.7 في المائة في عام 2025، و6 في المائة في عام 2026. ويشير التقرير إلى أن توقعات النمو في الهند بنسبة 6.6 في المائة لعام 2025، مدعومة بنمو قوي في الاستهلاك الخاص والاستثمار.

ويقول التقرير: «كان الحدّ من الفقر العالمي على مدى السنوات الثلاثين الماضية مدفوعاً بالأداء الاقتصادي القوي. وكان هذا صحيحاً بشكل خاص في آسيا؛ حيث سمح النمو الاقتصادي السريع والتحول الهيكلي لدول، مثل الصين والهند وإندونيسيا، بتحقيق تخفيف للفقر غير مسبوق من حيث الحجم والنطاق».

وقال لي جون هوا، مدير قسم التحليل الاقتصادي والسياسات في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية: «لقد تجنَّب الاقتصاد العالمي إلى حد كبير الانكماش واسع النطاق، على الرغم من الصدمات غير المسبوقة في السنوات القليلة الماضية، وأطول فترة من التشديد النقدي في التاريخ». ومع ذلك، حذر من أن «التعافي لا يزال مدفوعاً في المقام الأول بعدد قليل من الاقتصادات الكبيرة».