فرنسا في مواجهة الإرهاب

حرب السياسيين وتحذيرات الأكاديميين

انتشار أمني فرنسي عقب هجمات باريس (أ.ف.ب)
انتشار أمني فرنسي عقب هجمات باريس (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب

انتشار أمني فرنسي عقب هجمات باريس (أ.ف.ب)
انتشار أمني فرنسي عقب هجمات باريس (أ.ف.ب)

أظهرت الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا منذ عام 2015م أن هذه الدولة الأوروبية أصبحت مسرحًا للإرهاب المعولم. فلوقت قريب كانت فرنسا في طليعة دول البحر الأبيض المتوسط القوية المواجهة للإرهاب في عقر داره في أفغانستان، وفي الصحراء الأفريقية كذلك، خاصة مالي، وفي العراق، وأخيرا في سوريا وليبيا. في كل هذه الجغرافية الواسعة كانت الوحدات الخاصة والجيش الفرنسي تخوض حربًا حقيقية ضد التنظيمات والجماعات التي تعتبرها باريس إرهابية. ومنذ غزو أفغانستان والعراق، انغمست فرنسا بشكل انفرادي تارة، وعن طريق نسج تحالفات على الأرض مع بعض القوى الغربية تارة أخرى في حرب عسكرية، لم يعلنها السياسيون ولم يكشفوا عنها وعن دوافعها للشعب الفرنسي، إلا أخيرًا عندما تعرضت فرنسا لما يعتبره الإرهابيون غزوة باريس في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 التي راح ضحيتها 129 قتيلا و200 جريح.
طبول الحرب ضد الإرهاب المعلوم، المتسربل زورًا سربال الإسلام، لم يعلنها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لوحده، فقد انضم إليه رئيس حكومته منذ البداية، كما أعلن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي بدوره أنها «حرب» و«ليس لنا خيار إلا الانتصار فيها». يأتي هذا المسار السياسي إذن بعد سلسلة من الهجمات النوعية التي تعرضت لها كل من باريس ونيس (يوم الخميس 15‏ / 07‏ / 2016)، ووصلت مثل هذه الجرائم لهوامش المدن في عملية كنيسة النورماندي بشمال غربي فرنسا الثلاثاء 26 يوليو (تموز)، أسفرت عن قتل قس ذبحًا على يد المهاجمين؛ محققة بذلك رعبًا عامًا في البلاد مما دفع الفرنسيين إلى التزام منازلهم وعدم النزول للاحتفالات العامة، وهو مؤشر مقلق يدل على إحساس مجتمعي عميق بفقدان الأمن داخل حدود الدولة.
في ظل هذا الوضع العام، تدخلت النخب السياسية لاستثمار التعبئة العامة ضد الإرهاب لأهداف حزبية انتخابية، ونادى الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي بضرورة تشديد الترسانة القانونية المتعلقة بالأجانب والإرهاب. وذهب اليمين المتطرف أبعد من ذلك حينما اقترح روزنامة من الإجراءات أكثر مصادرة للحقوق والحريات، من تلك التي يقترحها ساركوزي. غير أن الأكاديميين المتخصصين في قضايا الإرهاب بفرنسا، سبحوا منذ البداية ضد طروحات النخبة الحزبية، وخطابها السياسي والإعلامي، وحذّروا من مغبة تشجيع ثقافة اليمين واليمين المتطرف الفرنسي، التي أسست لظاهرة «الإسلاموفوبيا» في فرنسا، والتي وقفت ضد بعض الحقوق والحريات الدينية مثل لبس الحجاب والرموز الدينية في الفضاءات العامة.
أكثر من ذلك رفض كل من جيل كيبيل وأولييفيه روا، وهما أبرز الخبراء الأكاديميين المتخصصين في قضايا الإرهاب والشرق الأوسط، مقولة النخبة السياسية القائلة بأن فرنسا في «حرب» ضد «داعش» والإرهاب. إذ اعتبر كيبيل أن النخبة الحزبية والإعلامية الفرنسية ليست مؤهلة لمعرفة تطورات الثقافة السياسية والتنظيمية للحركات الإرهابية، وأن هذا كاف لحدوث الارتباك الذي تعيشه السياسة الفرنسية في مواجهتها للإرهاب، ولذلك تزعم أننا في «حرب»؛ فهذه الدعوة دليل على عجز السياسيين على فهم طبيعة تحول الإرهاب زمن العولمة. ومن ثم أشار كيبيل في كتابه: «رعب في فرنسا، نشأة الجهاد الفرنسي» الصادر عن دار النشر الفرنسية «غاليمار» 2016، إلى أن «الجيل الجديد» من الإرهابيين الفرنسيين استفاد من تطورات الفكر «الراديكالي» في الثمانينات من القرن العشرين، لكنه شهد انعطافا كبيرا مع الحرب بالجزائر خلال تسعينات ذلك القرن، حين انضم الشباب الفرنسي من أصول جزائرية للتنظيمات الإرهابية وبدأت النشاط في الأراضي الفرنسية. لكن ما لم تستوعبه النخب الحزبية والإعلامية، حسب أستاذ العلوم السياسية كيبيل، هو «عالمية وعولمية» الإرهاب. ذلك أن تنظيم داعش عالمي، وهو يتعايش مع العولمة، ولذا يخوض المواجهة في أوروبا بقصد تدميرها من الداخل، باستعمال «جنود» من الجيل الثالث والرابع من مسلمي فرنسا. هذا - كما يرى كيبيل - يجعل المواجهة شرسة، وتحتاج لاستيعاب وإعادة نظر في السياسات العامة الموجهة للمسلمين بأوروبا، وفرنسا تحديدا، بشكل يسحب البساط من تحت «داعش» والفكر المتطرف عمومًا. وهذا الهدف الاستراتيجي لن يتحقق من دون اندماج الجيل الجديد من الشباب في المجتمع الأوروبي والفرنسي وتمتعه بحقوق المواطنة.
وفي مقاربة أكثر تفسيرية يقدم أوليفييه روا، باعتباره كبير المتخصصين الفرنسيين في التنظيمات الإرهابية، أطروحة تناقش طبيعة المواجهة بين فرنسا والإرهاب. ويعتقد روا أن كلمة «الحرب» غير واقعية ولا تعبر عن الحدث الواقع. إذ إن «داعش» تهاجم فرنسا باستمرار في عقر دارها، لكن هذا التنظيم ليس «دولة» تشبه دولة «طالبان» في أفغانستان إبان الهجوم على نيويورك 2001. بل إن تنظيم البغدادي نموذج لحلم الخلافة المتوهمة، وحينما يقول الرئيس الفرنسي الحالي هولاند والرئيس السابق ساركوزي: «إننا في حرب»، فإن الإشكال يبدأ في أسلوب المواجهة. ومن ثم يرى أستاذ العلوم السياسية روا أنه «لا سبيل إلى الفوز بالحرب من غير اللجوء للقوات برية، ويبدو أن فرنسا وحدها مَن يرغب في القضاء على (داعش)». ولكنها لا تستطيع تحقيق مرادها، كما أنها غير قادرة على شن حرب على جبهتين: الشرق الأوسط ومنطقة الساحل الأفريقي. وعليه فلسان حال فرنسا اليوم هو «العين بصيرة واليد قصيرة». وفي المقابل حال «داعش» من حال فرنسا. فـ«داعش» لا يملك القدرة على بلوغ أهدافه. وإثر سيطرته السريعة على رقعة أراض واسعة في الشرق الأوسط، تقتصر نجاحاته اليوم على تصدّره عناوين الصحف وانشغال رواد وسائط التواصل الاجتماعي به، بشكل أكثر من اهتمامهم بنجاحات «القاعدة». ويمكن القول حاليا إن «داعش» بلغ أقصى ما يمكنه بلوغه.
علينا أن نستحضر أن الإرهاب الداعشي وهو يكرّر ضرباته في فرنسا، إنما يحاول بذلك الظهور بمظهر المنتصر في الوقت الذي يفقد فيه بريقه في الشرق الأوسط، خاصة في العراق، كما أنه يواجه مشكلات الحصار في سوريا.
ولكن علينا كذلك أن نأخذ بعين الاعتبار أيضًا، استراتيجيته العولمية في الانتماء والتجنيد، حيث يخترق الفعل الداعشي جغرافية الولادة والانتماء العربي الإسلامي. ويرى الخبير روا أن هذا المنهج يتحول إلى هوية غير محددة و«يبدو هذا اللاّ انتماء جليًّا عندما ندرس منفذي العمليات الانتحارية اجتماعيًا. هذا ما اسميته «اللاإقليمية / اللاترابية»: فهم لا يقاتلون مطلقًا من أجل جماعة ملموسة من المسلمين، لا يندمجون مطلقًا مع هذه الجماعة. هم يمارسون الترحال الراديكالي، وغالبًا إلى محيط العالم الإسلامي (الشيشان، أفغانستان، الساحل، البوسنة). ويأتون غالب الوقت من المحيط الغربي (أوروبا، الولايات المتحدة). مسارهم يضم غالبًا ثلاثة بلدان (بلد الأصل الذي تنحدر منه عائلتهم، بلد منشئهم، وبلد فعلهم وعملياتهم). ومن بينهم عدد كبير من معتنقي الإسلام (والنسبة آخذة في التزايد: يبدو أنها تبلغ ثلث الشبان الذين يغادرون إلى سوريا، وكانت في تسعينات القرن الماضي تدور حول نسبة 20 في المائة)».
يبدو كذلك أن ما تعيشه فرنسا، يتطلب مقاربة جديدة تتجاوز اللقاءات مع مختلف ممثلي الديانات، ومع المؤسسات الدينية التي ترعى وتتحكم فرنسا في هياكلها، عبر التوجيه المباشر أو التحكم عن بعد. فالجيل الإرهابي الجديد لا علاقة له بمؤسسات المسلمين المعترف بها، ولا علاقة لهم بالمساجد، والجمعيات الإسلامية المدنية المختلفة. إنهم شباب راديكالي ضد الحركات الإسلامية مثلما هم ضد الغرب الذي يعتبرونه صليبيًا.
وهكذا، علينا ونحن نواجه الإرهاب أن نأخذ بعين الاعتبار قضية مركزية يلخصها أوليفييه روا في «التمييز بين الحركات والأحزاب الإسلامية المعتدلة، والتنظيمات الإرهابية». وفي ذلك يقول روا «والحق يقال، لم تحضن الحركات الإسلامية السياسية الغلو الراديكالي، لا في الجزائر مع جبهة الإنقاذ الإسلامية، ولا في المغرب مع حزب العدالة والتنمية، ولا في فرنسا أو سوريا أو الأردن أو حركة النهضة التونسية أو جماعتي إسلامي بباكستان. وفي أفغانستان، اغتيل الإخواني عبد الله عزام، رائد الحركة الراديكالية ضد السوفيات، في 1989، لأنه عارض الانحراف الإرهابي والمناهض للغرب الذي رفع لواءه خالف عزام، أسامة بن لادن. ولم يكن بن لادن إخوانيًا، في يوم من الأيام. إن «الراديكالية» الإسلامية اليوم هي ثمرة العولمة واضمحلال الثقافة الإسلامية، وليست وليدة الأحزاب الإسلامية، على ما وصفت في كتابي «الإسلام المعولم» – والكلام لا يزال لروا.
من ناحية أخرى، يبدو أن تبني تنظيم «داعش» للجريمة البشعة التي استهدفت كنيسة النورماندي، واعتبار منفذي الهجوم الإرهابي «جنديين من جنود التنظيم في فرنسا، نفذا العملية «استجابة لنداءات استهداف دول التحالف الصليبي» يؤكد أن المواجهة المفتوحة بين «داعش» والتنظيمات الإرهابية مع باريس ستطول، ويطول معها النقاش السياسي. وستزداد أيضًا الهوة بين السياسيين والأكاديميين المتخصصين في الإرهاب. ذلك أن همجية الفكر والفعل الإرهابي، يجد أمامه في فرنسا ثقافة غير متسامحة مع الدين، تتحول لموجات متتالية من الإسلاموفوبيا يغذيها اليمين واليمين المتطرف الفرنسي؛ وهو ما يحقق حسب أوليفييه روا، وجيل كيبيل هدف «داعش» الرامي لتقسيم المجتمعات وتدميرها بالحرب الداخلية.
* أستاذ العلوم السياسية - جامعة محمد الخامس، الرباط



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».