سفن الموت

20 ألف مهاجر غير شرعي قضوا خلال 20 سنة في رحلات الوصول بحرا إلى أوروبا

سفن الموت
TT

سفن الموت

سفن الموت

«إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا.. فما حيلة المضطر إلا ركوبها»..
بيت شعر قيل منذ أكثر من ألف عام، صار مضرب مثل في ركوب الصعاب. ولكن الأسنة في زمننا هذا هي ركوب «سفن الموت» أو قوارب الموت، تلك التي تحمل المهاجرين غير الشرعيين، الذين تضطرهم أوضاعهم المعيشية، وظروف بلدانهم القاسية، جنوب المتوسط، إلى الإبحار وركوب الأمواج العالية، مخاطرين بأرواحهم بحثا عن شواطئ أمان على الجانب الآخر من البحر المتوسط.. هذه الرحلة التي باتت أشبه برحلة إلى الموت في أحشاء أسماك البحر، والناجون منها قلة.
تقول المنظمة الدولية للهجرة، ومقرها جنيف، إن 20 ألف مهاجر غير شرعي لقوا حتفهم، خلال السنوات العشرين الأخيرة، وسط أمواج البحر المتوسط، معظمهم في السنوات الأخيرة، حيث تسارعت الرحلات غير الشرعية التي تنظمها «مافيا» بحرية تتلقى آلاف الدولارات من مهاجرين يائسين من دول البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، بمن فيهم لاجئون سوريون وفلسطينيون مقيمون في سوريا وهاربون من مصر. يحلم هؤلاء بتسفيرهم إلى أوروبا، بلاد الأحلام، في رحلة جنونية محفوفة بالمخاطر والعواصف، تستغرق نحو عشرة أيام يقتاتون خلالها الخبز فقط.

لم تفلح جميع الصيحات الدولية ومحاولات المسؤولين على جانبي المتوسط، والإجراءات التي تتخذ من هنا أو هناك، في الحد من الظاهرة. وشهد الشهر الحالي وحده عددا من الحوادث المرعبة، بغرق قوارب كانت تنقل نحو 500 مهاجر، وصلت قواربهم إلى شواطئ قريبة من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي تبعد 113 كيلومترا عن تونس، فانقلبت في البحر بسبب الأجواء المناخية السيئة والعواصف والرياح العاتية، ومات منهم مائتان.
وفي الشهر نفسه غرق 360 مهاجرا على بعد 500 متر فقط من الشاطئ، بعد أن توقف محرك القارب القديم فأشعل القبطان النار في بطانية كي يلفت الأنظار، لكن النار انتشرت في القارب كله وأجبرت الركاب على القفز في ماء البحر وأغلبهم لا يعرف السباحة، فغرقوا على الفور. ووصف بابا الفاتيكان تلك الحادثة بأنها مصيبة.
وتكرر الحادث مرة أخرى بعد يومين من الحادث الأول، وغرق العشرات من الضحايا. ورصدت قوات خفر السواحل الإيطالية على بعد 8 كيلومترات من لامبيدوزا قاربا يقل 210 أشخاص من سوريا وإريتريا والصومال، بينهم 36 طفلا و32 امرأة، وقد استخدم الركاب هاتفا نقالا لإرسال إشارات استغاثة، كما اهتدت الدوريات الإيطالية إلى قارب آخر تم إنقاذه وفيه 80 مهاجرا من نيبال وبنغلاديش ونيجيريا، منهم 10 نساء أربع منهن حوامل.
هزت هذه الأحداث حكومة إنريكو ليتا الإيطالية، والاتحاد الأوروبي، فقام رئيس الوزراء الإيطالي برفقة خوسيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الأوروبية، بزيارة الجزيرة. وقال باروزو إنه مصدوم لرؤية التوابيت «فرؤيتها أمام العين تختلف عن رؤيتها أمام شاشة التلفزيون». ووعد ليتا بإقامة جنازة رسمية للضحايا.. أما باروزو فأعلن في منتصف الشهر الحالي أن إيطاليا ستحصل على 30 مليون يورو (ما يزيد على 40 مليون دولار) للمساعدة في زيادة عدد الدوريات البحرية والجوية في البحر المتوسط ما بين قبرص وإسبانيا، ودعم إدارة الأمن الأوروبية لتكتشف القوارب القادمة إلى الشواطئ الإيطالية.
كما لو أن الحكومة الإيطالية لا تكفيها مشاكلها هذه الأيام فأضافت إليها أزمة المهاجرين غير الشرعيين، وغرق قواربهم وموت المئات منهم، لتضيف عبئا على أعباء تثقل كاهل رئيس الوزراء إنريكو ليتا.
قامت المظاهرات الصاخبة في روما في عطلة نهاية الأسبوع الماضي بعد الإضراب العام الذي سبقها بيوم واحد، وأعلنت حالة الحصار في وسط العاصمة الإيطالية، بينما كان المتظاهرون يصطدمون بالشرطة والدرك أمام وزارة الاقتصاد ويجرحون 20 منهم وهم يهتفون «يسقط قانون بوسي - فيني حول الهجرة»، و«يا للعار»، ثم يصيحون «أوقفوا التقشف.. ضربنا الخيام في الساحات وسنهاجم قصور السلطة.. يكفيكم تهريجا».
فروما تعيش حاليا جوا من التوتر. رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني حاول إسقاط الحكومة الائتلافية الحالية وفشل، بل سبب الانقسام في حزبه اليميني وحكم عليه القضاء بعدم صلاحيته لتولي أي منصب عام لمدة سنتين، مما هدد حكومة الائتلاف بين اليمين واليسار بإمكانية الانهيار.
والأزمة المالية تتفاقم رغم الوعود البراقة، وحالة الانكماش الاقتصادي تدفع البلاد إلى حافة الهاوية مع ازدياد الدين العام إلى حد خطير. وشركة الطيران الإيطالية «أليطاليا» على وشك الإفلاس، وميزانية عام 2014 مكروهة لدى رجال الأعمال والنقابات العمالية على حد سواء.
فوق هذا كله يتزايد عدد القوارب والسفن الصغيرة التي تنقل المهاجرين غير الشرعيين من دول البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، ويزداد عدد الموتى والهالكين. وبعد أسبوعين من هذا الكلام لم تقم الجنازة، وتناست الحكومة وعودها، وانتهت رحلة المهاجرين المعذبين بالموت مرتين، الأولى بموت الأمل الذي بدأوا فيه الرحلة القاسية، والثانية أن 85 من الأموات الغرقى دفنت جثثهم من دون جنازة ومن دون اسم بل من دون رقم في مقبرة خارج مدينة اغريجنتو بجزيرة صقلية التي تتبع لها إداريا جزيرة لامبيدوزا الصغيرة وسكانها الذين لا يتجاوز عددهم 4500 نسمة.
المسؤول عن المقبرة سالفاتوري دانا قال إن الحكومة لم تبعث حتى بممثل لها، مما يثبت ذروة عدم الاكتراث الحكومي بعد أيام من ذرف الدموع الكاذبة. ودفنت 200 جثة أخرى في مناطق متعددة في جزيرة صقلية. ويضيف بقوله «ما زلت أرى بعيني ست شاحنات نقلت الجثث الملقاة فوق بعضها». أما عمدة لامبيدوزا جوزي نيكوليني فتقول «لم تصلنا أي تعليمات من روما، ولو علمنا أن مصير الغرقى سيكون بهذا الشكل لأقمنا لأولئك المساكين جنازة هنا.. ما جرى ليس إنصافا للضحايا من إريتريا والصومال وسوريا، فأغلبهم في مقتبل العمر.. ووضعت جثث طفل وامرأة حامل وزوجين مع جثث 11 مهاجرا». وأردفت «زوار المقبرة هنا يضعون الزهور على قبور أحبائهم ولا أحد يلتفت إلى قبور المهاجرين في الحوادث السابقة أو يصلي لهم طلبا للغفران والرحمة سوى بضعة زوار من إريتريا يتمتمون بعبارات الأسى».
وفي روما تجمع أفراد من الجاليتين الإثيوبية والإريترية أول من أمس، لتأبين مهاجرين غرقوا في زورق في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. حملوا الشموع واللافتات، التي كتب على إحداها «احترموا معاهدة دبلن»، في إشارة إلى قانون الاتحاد الأوروبي المتعلق بطالبي حق اللجوء. وكتب على أخرى «قتلى لامبيدوزا سيبقون في قلوبنا».
وقالت أنا، وهي إثيوبية حضرت حفل التأبين «نشعر بالكثير من الألم والغضب». وردت على سؤال عما إذا كانت تعتقد أن إيطاليا قدمت ما يكفي من المساعدة للمهاجرين قائلة «الناس تصرفوا بشكل رائع، لكن المسؤولين عن هذه الأمور لم تكن استجابتهم مناسبة». وأضافت «لامبيدوزا كانت تمثل الأمل لهؤلاء، لكنها أصبحت مقبرة للعديد من الناس.. إننا لا نريد أن يحدث ذلك مرة أخرى». ولتجنب المزيد من الكوارث تعمل إيطاليا عن كثب مع دول الاتحاد الأوروبي على مراقبة البحر. ورغم أن إيطاليا نشرت حتى الآن سفينة برمائية تحمل مستشفى عائما وطائرات هليكوبتر تطير لمسافات بعيدة وخمس سفن تابعة للبحرية، وطائرة مجهزة بأجهزة رؤية ليلية ورادار، إضافة إلى طائرة من دون طيار متمركزة في صقلية، فإن القوارب لا تزال تختفي في أعماق المتوسط، والناجون منها قليلون.
وتعد إيطاليا منذ وقت طويل نقطة وصول للمهاجرين غير الشرعيين الساعين إلى حياة أفضل في الاتحاد الأوروبي. وطلبت روما إدراج موضوع الهجرة على جدول أعمال المجلس الأوروبي ورؤساء الدول خلال اجتماعه المقرر يومي 24 و25 أكتوبر الحالي.
المشكلة أوروبية بامتياز، والرأي العام في إيطاليا وأوروبا غير متعاطف مع مآسي المهاجرين غير الشرعيين بسبب الأزمة الاقتصادية المؤلمة والكساد في أغلب دول أوروبا. يصل الآن 70 في المائة من المهاجرين إلى فرنسا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا والسويد من بين 330 ألفا من مقدمي طلبات الهجرة كل عام، وتم طرد 115 ألفا عام 2012، منهم 73 ألفا جاءوا بطرق غير قانونية سهلتها منظمات إجرامية كالمافيا وغيرها هربا من الأوضاع السياسية والأمنية والحروب في بلادهم الأصلية، والواقع أن نحو 190 مليون نسمة (أي 3 في المائة من سكان العالم) يعيشون الآن خارج أوطانهم ومسقط رأسهم.
يقول المهاجر السنغالي أحمد كامو، الذي يعمل حاليا في روما «لم أجد عملا في بلدي يمكنني من العيش الشريف في السنغال، وعن طريق وسيط دفعت منذ ثلاث سنوات مبلغ ألف دولار للسفر إلى ليبيا، وعملت فيها مؤقتا في قطاع البناء، ثم دفعت ألف دولار من جديد لأصل إلى لامبيدوزا، ولم أعرف إلى أي بلد أوروبي سوف أحط الرحال».
في الماضي كان المهاجرون إلى إيطاليا يأتون من بوركينا فاسو وإثيوبيا وساحل العاج والسنغال وبنغلاديش، وما زال أبناء الصومال وإريتريا (من المستعمرات الإيطالية سابقا) يتدفقون على إيطاليا حيث يقضي من يصل منهم إلى لامبيدوزا بضعة أيام للتحقيق والتأكد من هويتاهم، ثم ينقلون إلى مراكز إقامة مؤقتة (يسمونها مجازا مراكز الضيافة) حتى تتم تسوية أوضاعهم وقبول طلبات اللجوء أو الطرد. كانت تلك المراكز وعددها 11 تعيش ظروفا سيئة لا تختلف كثيرا عن السجون، وأحدها يقع بالقرب من روما في بونته غاليريا. لكن الآن باتوا يأتون أكثر من سوريا ولبنان وفلسطين.
حسين خضر باع متجره الصغير في شمال لبنان ليدفع 80 ألف دولار مقابل تهريبه مع أسرته إلى أستراليا بحثا عن حياة أفضل. لكن خضر (44 عاما) عاد خالي الوفاض بمفرده إلى قريته قرب طرابلس بعد أن غرق القارب الذي كان يستقله مع أسرته وعشرات المهاجرين الآخرين قبالة سواحل إندونيسيا الشهر الماضي، وغرقت زوجته وأبناؤه الثمانية. وشدد خضر على أنه على الرغم من تلك الفجيعة فإنه عازم على الهجرة من لبنان. وقال «تسألني لماذا؟.. أؤكد لك أن كل اللبنانيين يرغبون في ذلك.. وسيأتي يوم يظل فيه السياسيون وحدهم يتطلعون إلى الحيطان».
وبات لبنان يؤوي ما يزيد على مليون سوري فروا من جحيم الحرب الأهلية في بلدهم. في الوقت نفسه يستميت كثير من اللبنانيين للهجرة من بلدهم خصوصا أهالي منطقة عكار الفقيرة في الشمال التي امتدت إليها هذا العام أعمال العنف المستمرة في سوريا. وسجل ما يزيد على 230 ألف سوري أسماءهم لدى الأمم المتحدة في شمال لبنان، وباتوا يشكلون عبئا على البنية الأساسية الضعيفة بالفعل، وأدى وجودهم إلى انخفاض الأجور في المنطقة.

الهجرة والعنصرية

ينص قانون الهجرة الإيطالي المسمى بأسماء السياسيين الذين وضعوه عام 2002 «بوسي وفيني» على فرض عقوبات مالية وغرامة تصل إلى 5000 يورو (أي 6650 دولارا) والطرد لمن يصل إيطاليا حيا، ويتهم من يساعدهم مثل الصيادين في البحر بتهم جنائية. والحقيقة أنه مع تزايد الاضطرابات في العالم فلا يمكن لأوروبا وحدها خاصة أنها تعاني من البطالة والمشاكل الاقتصادية أن تستوعب المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين كل سنة، بل أصبح الأمر مأساة إنسانية عالمية.
حين سئل امبرتو بوسي، الزعيم السابق لحزب «رابطة الشمال» اليميني، منذ أيام عن احتمال إلغاء القانون الذي أسهم في وضعه، قال «لا توجد دول من دون حدود، ولن نستغني عن حدود إيطاليا». أما نائب رئيس مجلس الشيوخ والوزير السابق من الحزب نفسه روبرتو كالديرولي فأطلق تعليقا عنصريا من العيار الثقيل حين شكلت الحكومة الحالية قبل شهور وضمت لأول مرة وزيرة سوداء من أصول أفريقية (الكونغو الديمقراطية) سيسيل كيينغه، واصفا الوزيرة بأنها «تذكره بالقرود»، وتبعه بعض المتطرفين بإلقاء الموز عليها وهي تخطب في اجتماع حزبي مطالبة بتسهيل إجراءات قبول المهاجرين الجدد.
يتساءل البعض في إيطاليا، ومنهم جيمس والتسون أستاذ السياسة في الجامعة الأميركية في روما، قائلين «طلب زعماء اليمين من كالديرولي الاعتذار من الوزيرة، لكنهم لم يطلبوا منه الاستقالة»، لذا بعث لها كالديرولي باقة من الورود، لكن البعض يطرح السؤال «هل تغطي الورود على التفكير العنصري؟». الغريب أن رئيس حركة الاحتجاج «خمس نجوم» اليساري بيبي غريللو صرح منذ أيام منتقدا الحكومة على تساهلها مع المهاجرين غير الشرعيين، مما هدد بشق حزبه الحاصل على ربع أصوات الناخبين. وأردف أن «تفكير الحكومة في تعديل قانون الهجرة الحالي هو دعوة لبلاد الشرق الأوسط وأفريقيا لإرسال المزيد من المهاجرين غير القانونيين إلى إيطاليا». أما السياسي اليميني أرمينيو بوسو فقال إنه سعيد لأن قارب المهاجرين قد غرق.
الخلاصة أن إيطاليا منقسمة حول تعريف العنصرية ومعالجة مسألة الهجرة، فهناك نحو 5 ملايين مواطن من أصل أجنبي (أو ما يزيد على 7 في المائة من عدد سكان إيطاليا)، أي بزيادة 334 ألفا عن العام الفائت، خمسهم جاءوا من رومانيا ونحو نصف مليون من ألبانيا وأكثر من نصف مليون من المغرب و305 آلاف من الصين و123 ألفا من مصر و121 ألفا من تونس و87 ألفا من السنغال. أما عدد المهاجرين غير الشرعيين فيقدر بـ670 ألفا يعيش أغلبهم في شمال ووسط إيطاليا.

أبرز حوادث غرق السفن خلال الأشهر الأربعة الأخيرة

> شهد شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي 3 حوادث غرق لسفن تنقل مهاجرين، قضى فيها أكثر من 550 شخصا بين قتيل ومفقود.
> في الثالث من الشهر الحالي أحصت البحرية الإيطالية مقتل أكثر من 363 مهاجرا غير شرعي، معظمهم من الفلسطينيين والسوريين، إضافة إلى الأفارقة، نتيجة انقلاب سفينة كانت تقلهم قبالة سواحل لامبيدوزا.
> وشهدت السواحل الإيطالية في الحادي عشر من الشهر الحالي غرق زورق مهاجرين انطلق من ليبيا وعلى متنه نحو 300 راكب، معظمهم من السوريين. وأنقذت البحرية الإيطالية نحو 50 مهاجرا، فيما قتل 34 آخرون على الأقل، ولا يزال 200 في عداد المفقودين.
> في اليوم ذاته غرق قارب كان يقل عشرات المهاجرين العرب غير الشرعيين قبالة السواحل المصرية، خلال توجهه إلى أوروبا. وانتشلت قوات البحرية المصرية 12 جثة، فيما أنقذت 116 شخصا.
> قبل هذه الحادثة بأيام لقي 13 مهاجرا على الأقل حتفهم في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي غرقا قبالة سواحل صقلية، بعد أن حاولوا السباحة إثر جنوح زورق صغير كانوا على متنه، فيما تمكن حراس السواحل من إنقاذ مائتين آخرين كانوا برفقتهم على الزورق ذاته.
> في الثالث والعشرين من الشهر ذاته غرقت عبارة تقل نحو سبعين شخصا، أكثر من نصفهم من اللبنانيين، بعد انطلاقها من الشواطئ الإندونيسية متوجهة إلى أستراليا. ونجا 18 لبنانيا بعد أن تمكنوا من السباحة والوصول إلى الشاطئ، فيما مات 14 آخرون غرقا، غالبيتهم من الأطفال.
> خلال شهر أغسطس (آب)، وتحديدا في التاسع عشر منه، أنقذ خفر السواحل الإيطالية أكثر من 600 مهاجر غير شرعي، بينهم نساء وأطفال، من الموت المحقق خلال وجودهم في زورق غير شرعي في المياه الإقليمية الإيطالية قرب سواحل جزيرة لامبيدوزا وبمحاذاة جزيرة صقلية، علما بأن العدد الأكبر منهم جاء من سوريا وباكستان.
> في الثالث عشر من الشهر ذاته، نجا 163 مهاجرا غير شرعي، معظمهم من المصريين والسوريين، بعد أن انتشلهم خفر السواحل الإيطالية على بعد 50 كم من سواحل صقلية.
> في العاشر من أغسطس الماضي، قضى ستة مهاجرين سوريين غرقا في البحر المتوسط قرب جزيرة صقلية، فيما أنقذ نحو مائة آخرين، عند مدينة كاتانيا الصقلية، بعد أن علق مركب صيد صغير كانوا على متنه بالرمال.
> وقبلها لقي ما لا يقل عن 24 مهاجرا غير شرعي حتفهم قبل أيام غرقا في عرض السواحل التركية خلال توجههم على متن قارب إلى جزيرة ليسبوس اليونانية. وتمكن خفر السواحل التركية من إنقاذ 12 مهاجرا كانوا على متن القارب ذاته.
> في التاسع والعشرين من شهر يوليو (تموز)، أنقذ خفر السواحل الإيطالية أكثر من خمسمائة مهاجر غير شرعي، فيما اعتُبِر أكثر من ثلاثين في عداد المفقودين. ويتحدر معظمهم من بلدان أفريقية، وحاولوا الوصول إلى أوروبا انطلاقا من السواحل الليبية. ووجه الناجون إلى مراكز استقبال في جزيرة صقلية.
> في الرابع والعشرين من شهر يوليو الماضي، أنقذ خفر السواحل الأسترالية نحو 160 مهاجرا غير شرعي، في طريقهم إلى أستراليا، إثر غرق زورقهم قبالة سواحل جزيرة جاوا الإندونيسية، على مقربة من المرفأ الذي أبحر منه، في حين غرق سبعة أشخاص آخرين، واعتبر العشرات في عداد المفقودين.
> خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، وتحديدا في السادس عشر منه، قضى 54 شخصا على الأقل، غالبيتهم من الصوماليين، إثر غرق قارب يقل أكثر من 600 مهاجر عربي وأفريقي قبالة سواحل طرابلس الغرب. وجاءت حادثة الغرق هذه بعد شهرين ونصف الشهر من اختفاء قاربين إثر مغادرتهما ليبيا في نهاية مارس (آذار) الماضي، كان يقل أحدهما 320 راكبا والآخر 160، مما أدى إلى مصرع 240 راكبا على الأقل.



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.