نائب هيلاري كلينتون..ليبرالي متحفظ..لكنه عاقل

تيم كين ابن الحداد الذي تزوج «أرستقراطية فرجينية»

نائب هيلاري كلينتون..ليبرالي متحفظ..لكنه عاقل
TT

نائب هيلاري كلينتون..ليبرالي متحفظ..لكنه عاقل

نائب هيلاري كلينتون..ليبرالي متحفظ..لكنه عاقل

في الاسبوع الماضي، اختارت هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية لرئاسة الجمهورية، السناتور تيم كين نائبا لها. ويوم الاثنين، عندما وقفا معا امام مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي استضافته فيلادلفيا، كبرى مدن ولاية بنسلفانيا، وعاصمة الاستقلال الأميركي، اهتزت القاعة بالتصفيق لهما. وفي صباح اليوم التالي كتبت الصحف الاميركية عدة مقالات حوله، حيث قالت صحيفة «لوس آنجليس تايمز»: «كان التصفيق سيهز القاعة اكثر اذا كانت كلينتون اختارت (منافسها اليساري بيرني) ساندرز نائبا لها. بل كان ساندرز نفسه سيهز القاعة». بينما قالت صحيفة «هافينغتون بوست» في تعليقها «ربما انتقاماً من ساندرز الكثير الكلام، والكثير الغضب، اختارت كلنتون رجلا هادئاً». في المقابل، قالت صحيفة «واشنطن بوست» مادحة الرجل «يجب احترام كين لانه، وهو الديمقراطي التقدمي، يظل يعارض الاجهاض لاسباب دينية (لكونه كاثوليكياَ، لكن يؤمل ألا يؤثر ذلك سلباً على (فرص) كلينتون». وفي اتجاه مماثل مؤيد ولكن متحفظ كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أن «كين هادئ وعاقل وليبرالي.. لكنه ليس مثيراً».
ولد كين في سنت بول (ولاية منيسوتا) في عائلة كاثوليكية آيرلندية. ويظل، حتى اليوم، يدين بالكاثوليكية، ويفتخر بذلك. كان والده لحاما وحدادا. وبحث عن ظروف عمل أحسن، وانتقل، مع العائلة، إلى كنساس سيتي (ولاية ميزوري). هناك، درس كين المرحلة الثانوية. ثم درس في جامعة ميزوري، ثم في كلية القانون في جامعة هارفارد.
هناك، كما قال في وقت لاحق، مارس الكاثوليكية «بصفتها عملا، ربما أكثر من عبادة». تطوع في العمل الكاثوليكي (مع جماعة «المبشرين اليسوعيين») لمدة عامين تقريبا في هندوراس، في أميركا الوسطى. وهناك تعلم اللغة الإسبانية (التي، من دون شك، ستفيده، خلال هذه الحملة الانتخابية، في كسب أصوات اللاتينيين).
بينما كان يدرس في هارفارد، قابل طالبة القانون، آن هولتون، من رتشموند (عاصمة ولاية فرجينيا)، ومن عائلة: «أرستقراطية فرجينية»، وكان والدها حاكما للولاية.
في وقت لاحق، تزوج ابن الحداد بنت حاكم الولاية. لم يعودا إلى مقر عائلته في كنساس سيتي، وانتقل معها إلى مقر عائلتها في رتشموند. وهناك عمل محاميا، وجنى أكثر من فائدة:
أولا: صار صهرا لعائلة سياسية مرموقة في ولاية فرجينيا. وبدأ يتعلم النشاط السياسي (بعد أن كانت نشاطاته كاثوليكية وإنسانية تطوعية).
ثانيا: استفاد من سمعة العائلة في مكتب المحاماة الذي كان يعمل فيه. (مرة، رفع مكتب المحاماة قضية، بالنيابة عن حكومة الولاية، ضد شركة «نيشانوايد» للتأمينات. وعندما كسب مكتب المحاماة القضية بمئات الملايين من الدولارات، كان نصيب المكتب قرابة عشرين مليون دولار. وفجأة أصبح كين مليونيرا).
العمل السياسي:
بالتدريج، دخل كين العمل السياسي. بدأ من مجلس مدينة رتشموند، حيث ترشح وفاز أربع مرات. ثم ترشح وفاز عمدة للمدينة. في الوقت نفسه، بدأت زوجته ممارسة المحاماة، والعمل السياسي. وصار واضحا أن الزوجين يخططان لمستقبل سياسي كبير في ولاية فرجينيا.
رغم أن والد الزوجة كان جمهوريا، تحولت البنت إلى الحزب الديمقراطي. لكن، تقدر البنت على أن تفتخر بسجل والدها:
أولا: واجه والدها عائلة: «أرستقراطية فرجينية» أخرى، هي عائلة بيرد الديمقراطية التي سيطرت على الولاية لقرن كامل تقريبا، وعارضت الحقوق المدنية للسود. وكانت تسمى «منظمة بيرد» (لم تكن عنصرية متطرفة مثل منظمة «كوكلس كلان»، لكنها كانت عنصرية في غير خجل).
ثانيا: فتح والدها سجلا جديدا في تاريخ ولاية فرجينيا الحديث، وهو وصول الجمهوريين إلى حكم الولاية. وكان والدها أول حاكم جمهوري للولاية منذ الحرب الأهلية. ومن المفارقات، أن الديمقراطيين هم الذين عارضوا الحقوق المدنية للزنوج، وجاء الجمهوريون ليؤيدونها («على خطى الرئيس الجمهوري إبراهام لنكون»، كما قال الوالد في ذلك الوقت).
عمدة رتشموند:
عن سنوات كين كعمدة رتشموند، قال جون مويسار، أستاذ الدراسات الحضرية في جامعة رتشموند: «كان نشطا، وجذابا، وأهم من ذلك كله، كان صريحا في تأييده للتسامح العرقي في رتشموند».
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»: «لم يبن كين كوبري كبيرا في شارع رئيسي في رتشموند. لكنه بنى كوبري التواصل العرقي (بين البيض والسود)». ذلك أن رتشموند (وكل ولاية فرجينيا)، ولمئات السنين، كانت من معاقل التفرقة العنصرية في الولايات المتحدة. وكانت عاصمة «الولايات الفيدرالية الأميركية» لأربع سنوات (بين انفصال ولايات الجنوب، سنة 1961. وهزيمتها سنة 1865).
وحتى اليوم، يستمر التوتر العرقي في المدينة وفي الولاية، وبخاصة لأنها ولاية جنوبية على الخط التاريخي بين ولايات الجنوب وولايات الشمال (وتجاور واشنطن العاصمة، وولاية ماريلاند الشمالية الليبرالية).
لهذا؛ عندما كان كين عمدة لرتشموند، وقف في قلب المدينة، حيث كان سوق تجارة الرقيق في الماضي البعيد، وقدم اعتذارا رسميا لما لحق بالزنوج في المدينة. أفرح ذلك الزنوج، حتى سموه «أول عمدة أسود لرتشموند».
لكنه أغضبهم عندما رفض إزالة تمثال الجنرال روبرت لي (الذي قاد قوات الولايات الجنوبية خلال الحرب الأهلية). وقال كين جملة تتردد حتى الآن: «كان جزءا كبيرا من تاريخنا مشينا. لكن، لا نقدر على إزالة التاريخ».
حاكم الولاية:
في عام 2005. وبناءً على سجله كعمدة للعاصمة رتشموند، وبمساعدة زوجته وعائلتها، ترشح كين حاكما للولاية، وفاز. وصارت زوجته الساعد الأيمن له (عندما دخلت مع زوجها المنزل الرسمي لحاكم الولاية، لم تكن تلك أول مرة بالنسبة لها، فقد عاشت في المنزل وهي صبية عندما كان والدها حاكما للولاية).
عن سنوات كين حاكما للولاية، قالت صحيفة «واشنطن بوست»: «تخطى كين المحلية الفرجينية، وانفتح على بقية الولايات المتحدة، واشتهر بالتعقل والهدوء».
مثلما يقال هذه الأيام، بعد أن رشحته هيلارى كلينتون نائبا لها، ربما ليس سهلا وصف سياسي بأنه «هادئ» أو «ممل»، لكن، يظل كين هكذا. وربما سيكرر التاريخ نفسه؛ لأن كين فاز حاكما للولاية على جيرى كيلمور، المرشح الجمهوري الغوغائي الذي يمكن تشبيهه بالمرشح الجمهوري الحالي لرئاسة الجمهورية، دونالد ترامب. اتهم كيلمور كين بأنه «يريد إعادة كتابة تاريخ ولاية فرجينيا». وردد شعارات مثل التي يرددها، في الوقت الحاضر، ترامب. مثل: «لنجعل فرجينيا عظيمة مرة أخرى». (مثل شعار ترامب: «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى».)
في الأسبوع الماضي، تهكم بيل ماهار، النجم التلفزيوني الليبرالي الفكاهي، على شعار ترامب. وقال: إن ترامب يقصد أن يقول: «لنجعل أميركا بيضاء مرة أخرى». وتهكم على خجل ترامب ومؤيديه من الاعتراف بهذه الأحاسيس. لهذا؛ يمكن تطبيق ما قال ماهار عن ما يقول ترامب، على ما قال كيلمور عندما ترشح ضد كين.
وربما سيعيد التاريخ نفسه مرة أخرى؛ لأن الذين يصفون كين بأنه «هادئ، وربما ممل»، يكررون ما كان قال: أنصار كيلمور. في الحقيقة، في ذلك الوقت، شن كليمور حملة ضد كين بأنه «ليس سياسيا حقيقيا»، إشارة إلى أن زواجه من ابنة حاكم الولاية السابقة هو الذي دفع به إلى واجهة المسرح السياسي في ولاية فرجينيا.
ويتوقع أن يقول ترامب الشيء نفسه، وأن يهاجم كين شخصيا، مثلما يهاجم هيلاري كلنتون، ويصفها بأوصاف سلبية متطرفة، مثل أنها «كاذبة» و«غبية».
سيناتور:
في عام 2012. بعد دورتين حاكما لولاية فرجينيا (الحد الأقصى حسب دستور الولاية)، ترشح كين لعضوية مجلس الشيوخ، وفاز بأغلبية مريحة، وحل محل سيناتور جمهوري، في تقلب حزبي آخر، في هذه الولاية التي تتأرجح بين ولايات الجنوب وولايات الشمال.
هذا هو سجله في السياسة الخارجية:
أولا، العراق: واصل انتقاده لغزو العراق. في الحقيقة، عام 2006 (بعد ثلاثة أعوام من غزو العراق)، عندما كان حاكما لولاية فرجينيا، ألقى خطابا رئيسيا رد فيه على خطاب الرئيس جورج بوش الابن أمام الكونغرس. وقال فيه: «صار واضحا أن الشعب الأميركي زود بمعلومات غير صحيحة عن أسباب غزو العراق».
في ذلك الوقت، كان كين واحدا من سياسيين أميركيين قلائل يستعمل عبارة «غزو العراق» (وليس «عملية الحرية الدائمة»).
ثانيا، سوريا: انتقد تردد الرئيس أوباما في التدخل في سوريا، بعد أن تحولت الثورة إلى حرب أهلية. وكان من أوائل أعضاء الكونغرس (جمهوريين أو ديمقراطيين) الذين طالبوا بإعلان منطقة حظر الطيران فوق سوريا، بهدف تجميد طيران حكومة الرئيس بشار الأسد، وبهدف حماية المواطنين السوريين، وبهدف تنزيل مساعدات إنسانية لهم.
في ذلك الوقت، قال لإذاعة «إن بي آر»: «تظل استراتيجيتنا في سوريا نصف استراتيجية. لا نحن قررنا إسقاط نظام الأسد، ولا نحن قررنا عدم التدخل. وها نحن الآن بين تدخل وعدم تدخل».
ثالثا، «داعش»: في عام 2014. مع انتشار خطر تنظيم داعش، تحالف السيناتوران الديمقراطي كين والجمهوري ماكين، لإقناع الرئيس أوباما بإعلان الحرب رسميا على «داعش» (وطلب موافقة الكونغرس، حسب الدستور). وقالا إن البديل هو عدم التدخل «بأي صورة من صور التدخل».
في ذلك الوقت، قال كين لصحيفة «ديلي بست»: «هل هي حرب (في سوريا) أم غير حرب؟ إذا كانت حربا، لا بد من موافقة الكونغرس. ها هم جنودنا يضحون بأرواحهم ويقتلون. وها نحن لا نعرف هل هم في حرب، أم نصف حرب، أم ربع حرب».
رابعا، أفغانستان: في عام 2014، كتب كين في موقعه بصفته سيناتورا في الإنترنت: «يبدو أن مهمتنا الأساسية في أفغانستان، وهي تحطيم تنظيم القاعدة، قد اقتربت من النهاية. لهذا؛ يجب وضع خطوات انسحاب نهائي من أفغانستان، وانسحاب سريع، وانسحاب قريب. مع وضع اعتبار لأمن أفغانستان، ولأمن المنطقة».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.