نائب هيلاري كلينتون..ليبرالي متحفظ..لكنه عاقل

في الاسبوع الماضي، اختارت هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية لرئاسة الجمهورية، السناتور تيم كين نائبا لها. ويوم الاثنين، عندما وقفا معا امام مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي استضافته فيلادلفيا، كبرى مدن ولاية بنسلفانيا، وعاصمة الاستقلال الأميركي، اهتزت القاعة بالتصفيق لهما. وفي صباح اليوم التالي كتبت الصحف الاميركية عدة مقالات حوله، حيث قالت صحيفة «لوس آنجليس تايمز»: «كان التصفيق سيهز القاعة اكثر اذا كانت كلينتون اختارت (منافسها اليساري بيرني) ساندرز نائبا لها. بل كان ساندرز نفسه سيهز القاعة». بينما قالت صحيفة «هافينغتون بوست» في تعليقها «ربما انتقاماً من ساندرز الكثير الكلام، والكثير الغضب، اختارت كلنتون رجلا هادئاً». في المقابل، قالت صحيفة «واشنطن بوست» مادحة الرجل «يجب احترام كين لانه، وهو الديمقراطي التقدمي، يظل يعارض الاجهاض لاسباب دينية (لكونه كاثوليكياَ، لكن يؤمل ألا يؤثر ذلك سلباً على (فرص) كلينتون». وفي اتجاه مماثل مؤيد ولكن متحفظ كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أن «كين هادئ وعاقل وليبرالي.. لكنه ليس مثيراً».
ولد كين في سنت بول (ولاية منيسوتا) في عائلة كاثوليكية آيرلندية. ويظل، حتى اليوم، يدين بالكاثوليكية، ويفتخر بذلك. كان والده لحاما وحدادا. وبحث عن ظروف عمل أحسن، وانتقل، مع العائلة، إلى كنساس سيتي (ولاية ميزوري). هناك، درس كين المرحلة الثانوية. ثم درس في جامعة ميزوري، ثم في كلية القانون في جامعة هارفارد.
هناك، كما قال في وقت لاحق، مارس الكاثوليكية «بصفتها عملا، ربما أكثر من عبادة». تطوع في العمل الكاثوليكي (مع جماعة «المبشرين اليسوعيين») لمدة عامين تقريبا في هندوراس، في أميركا الوسطى. وهناك تعلم اللغة الإسبانية (التي، من دون شك، ستفيده، خلال هذه الحملة الانتخابية، في كسب أصوات اللاتينيين).
بينما كان يدرس في هارفارد، قابل طالبة القانون، آن هولتون، من رتشموند (عاصمة ولاية فرجينيا)، ومن عائلة: «أرستقراطية فرجينية»، وكان والدها حاكما للولاية.
في وقت لاحق، تزوج ابن الحداد بنت حاكم الولاية. لم يعودا إلى مقر عائلته في كنساس سيتي، وانتقل معها إلى مقر عائلتها في رتشموند. وهناك عمل محاميا، وجنى أكثر من فائدة:
أولا: صار صهرا لعائلة سياسية مرموقة في ولاية فرجينيا. وبدأ يتعلم النشاط السياسي (بعد أن كانت نشاطاته كاثوليكية وإنسانية تطوعية).
ثانيا: استفاد من سمعة العائلة في مكتب المحاماة الذي كان يعمل فيه. (مرة، رفع مكتب المحاماة قضية، بالنيابة عن حكومة الولاية، ضد شركة «نيشانوايد» للتأمينات. وعندما كسب مكتب المحاماة القضية بمئات الملايين من الدولارات، كان نصيب المكتب قرابة عشرين مليون دولار. وفجأة أصبح كين مليونيرا).
العمل السياسي:
بالتدريج، دخل كين العمل السياسي. بدأ من مجلس مدينة رتشموند، حيث ترشح وفاز أربع مرات. ثم ترشح وفاز عمدة للمدينة. في الوقت نفسه، بدأت زوجته ممارسة المحاماة، والعمل السياسي. وصار واضحا أن الزوجين يخططان لمستقبل سياسي كبير في ولاية فرجينيا.
رغم أن والد الزوجة كان جمهوريا، تحولت البنت إلى الحزب الديمقراطي. لكن، تقدر البنت على أن تفتخر بسجل والدها:
أولا: واجه والدها عائلة: «أرستقراطية فرجينية» أخرى، هي عائلة بيرد الديمقراطية التي سيطرت على الولاية لقرن كامل تقريبا، وعارضت الحقوق المدنية للسود. وكانت تسمى «منظمة بيرد» (لم تكن عنصرية متطرفة مثل منظمة «كوكلس كلان»، لكنها كانت عنصرية في غير خجل).
ثانيا: فتح والدها سجلا جديدا في تاريخ ولاية فرجينيا الحديث، وهو وصول الجمهوريين إلى حكم الولاية. وكان والدها أول حاكم جمهوري للولاية منذ الحرب الأهلية. ومن المفارقات، أن الديمقراطيين هم الذين عارضوا الحقوق المدنية للزنوج، وجاء الجمهوريون ليؤيدونها («على خطى الرئيس الجمهوري إبراهام لنكون»، كما قال الوالد في ذلك الوقت).
عمدة رتشموند:
عن سنوات كين كعمدة رتشموند، قال جون مويسار، أستاذ الدراسات الحضرية في جامعة رتشموند: «كان نشطا، وجذابا، وأهم من ذلك كله، كان صريحا في تأييده للتسامح العرقي في رتشموند».
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»: «لم يبن كين كوبري كبيرا في شارع رئيسي في رتشموند. لكنه بنى كوبري التواصل العرقي (بين البيض والسود)». ذلك أن رتشموند (وكل ولاية فرجينيا)، ولمئات السنين، كانت من معاقل التفرقة العنصرية في الولايات المتحدة. وكانت عاصمة «الولايات الفيدرالية الأميركية» لأربع سنوات (بين انفصال ولايات الجنوب، سنة 1961. وهزيمتها سنة 1865).
وحتى اليوم، يستمر التوتر العرقي في المدينة وفي الولاية، وبخاصة لأنها ولاية جنوبية على الخط التاريخي بين ولايات الجنوب وولايات الشمال (وتجاور واشنطن العاصمة، وولاية ماريلاند الشمالية الليبرالية).
لهذا؛ عندما كان كين عمدة لرتشموند، وقف في قلب المدينة، حيث كان سوق تجارة الرقيق في الماضي البعيد، وقدم اعتذارا رسميا لما لحق بالزنوج في المدينة. أفرح ذلك الزنوج، حتى سموه «أول عمدة أسود لرتشموند».
لكنه أغضبهم عندما رفض إزالة تمثال الجنرال روبرت لي (الذي قاد قوات الولايات الجنوبية خلال الحرب الأهلية). وقال كين جملة تتردد حتى الآن: «كان جزءا كبيرا من تاريخنا مشينا. لكن، لا نقدر على إزالة التاريخ».
حاكم الولاية:
في عام 2005. وبناءً على سجله كعمدة للعاصمة رتشموند، وبمساعدة زوجته وعائلتها، ترشح كين حاكما للولاية، وفاز. وصارت زوجته الساعد الأيمن له (عندما دخلت مع زوجها المنزل الرسمي لحاكم الولاية، لم تكن تلك أول مرة بالنسبة لها، فقد عاشت في المنزل وهي صبية عندما كان والدها حاكما للولاية).
عن سنوات كين حاكما للولاية، قالت صحيفة «واشنطن بوست»: «تخطى كين المحلية الفرجينية، وانفتح على بقية الولايات المتحدة، واشتهر بالتعقل والهدوء».
مثلما يقال هذه الأيام، بعد أن رشحته هيلارى كلينتون نائبا لها، ربما ليس سهلا وصف سياسي بأنه «هادئ» أو «ممل»، لكن، يظل كين هكذا. وربما سيكرر التاريخ نفسه؛ لأن كين فاز حاكما للولاية على جيرى كيلمور، المرشح الجمهوري الغوغائي الذي يمكن تشبيهه بالمرشح الجمهوري الحالي لرئاسة الجمهورية، دونالد ترامب. اتهم كيلمور كين بأنه «يريد إعادة كتابة تاريخ ولاية فرجينيا». وردد شعارات مثل التي يرددها، في الوقت الحاضر، ترامب. مثل: «لنجعل فرجينيا عظيمة مرة أخرى». (مثل شعار ترامب: «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى».)
في الأسبوع الماضي، تهكم بيل ماهار، النجم التلفزيوني الليبرالي الفكاهي، على شعار ترامب. وقال: إن ترامب يقصد أن يقول: «لنجعل أميركا بيضاء مرة أخرى». وتهكم على خجل ترامب ومؤيديه من الاعتراف بهذه الأحاسيس. لهذا؛ يمكن تطبيق ما قال ماهار عن ما يقول ترامب، على ما قال كيلمور عندما ترشح ضد كين.
وربما سيعيد التاريخ نفسه مرة أخرى؛ لأن الذين يصفون كين بأنه «هادئ، وربما ممل»، يكررون ما كان قال: أنصار كيلمور. في الحقيقة، في ذلك الوقت، شن كليمور حملة ضد كين بأنه «ليس سياسيا حقيقيا»، إشارة إلى أن زواجه من ابنة حاكم الولاية السابقة هو الذي دفع به إلى واجهة المسرح السياسي في ولاية فرجينيا.
ويتوقع أن يقول ترامب الشيء نفسه، وأن يهاجم كين شخصيا، مثلما يهاجم هيلاري كلنتون، ويصفها بأوصاف سلبية متطرفة، مثل أنها «كاذبة» و«غبية».
سيناتور:
في عام 2012. بعد دورتين حاكما لولاية فرجينيا (الحد الأقصى حسب دستور الولاية)، ترشح كين لعضوية مجلس الشيوخ، وفاز بأغلبية مريحة، وحل محل سيناتور جمهوري، في تقلب حزبي آخر، في هذه الولاية التي تتأرجح بين ولايات الجنوب وولايات الشمال.
هذا هو سجله في السياسة الخارجية:
أولا، العراق: واصل انتقاده لغزو العراق. في الحقيقة، عام 2006 (بعد ثلاثة أعوام من غزو العراق)، عندما كان حاكما لولاية فرجينيا، ألقى خطابا رئيسيا رد فيه على خطاب الرئيس جورج بوش الابن أمام الكونغرس. وقال فيه: «صار واضحا أن الشعب الأميركي زود بمعلومات غير صحيحة عن أسباب غزو العراق».
في ذلك الوقت، كان كين واحدا من سياسيين أميركيين قلائل يستعمل عبارة «غزو العراق» (وليس «عملية الحرية الدائمة»).
ثانيا، سوريا: انتقد تردد الرئيس أوباما في التدخل في سوريا، بعد أن تحولت الثورة إلى حرب أهلية. وكان من أوائل أعضاء الكونغرس (جمهوريين أو ديمقراطيين) الذين طالبوا بإعلان منطقة حظر الطيران فوق سوريا، بهدف تجميد طيران حكومة الرئيس بشار الأسد، وبهدف حماية المواطنين السوريين، وبهدف تنزيل مساعدات إنسانية لهم.
في ذلك الوقت، قال لإذاعة «إن بي آر»: «تظل استراتيجيتنا في سوريا نصف استراتيجية. لا نحن قررنا إسقاط نظام الأسد، ولا نحن قررنا عدم التدخل. وها نحن الآن بين تدخل وعدم تدخل».
ثالثا، «داعش»: في عام 2014. مع انتشار خطر تنظيم داعش، تحالف السيناتوران الديمقراطي كين والجمهوري ماكين، لإقناع الرئيس أوباما بإعلان الحرب رسميا على «داعش» (وطلب موافقة الكونغرس، حسب الدستور). وقالا إن البديل هو عدم التدخل «بأي صورة من صور التدخل».
في ذلك الوقت، قال كين لصحيفة «ديلي بست»: «هل هي حرب (في سوريا) أم غير حرب؟ إذا كانت حربا، لا بد من موافقة الكونغرس. ها هم جنودنا يضحون بأرواحهم ويقتلون. وها نحن لا نعرف هل هم في حرب، أم نصف حرب، أم ربع حرب».
رابعا، أفغانستان: في عام 2014، كتب كين في موقعه بصفته سيناتورا في الإنترنت: «يبدو أن مهمتنا الأساسية في أفغانستان، وهي تحطيم تنظيم القاعدة، قد اقتربت من النهاية. لهذا؛ يجب وضع خطوات انسحاب نهائي من أفغانستان، وانسحاب سريع، وانسحاب قريب. مع وضع اعتبار لأمن أفغانستان، ولأمن المنطقة».