انتقادات دولية للخطة «الإنسانية» الروسية في حلب

موسكو تقرّ اتفاقية قاعدة جوية في سوريا

انتقادات دولية للخطة «الإنسانية» الروسية في حلب
TT

انتقادات دولية للخطة «الإنسانية» الروسية في حلب

انتقادات دولية للخطة «الإنسانية» الروسية في حلب

تواصل روسيا الإعلان يوما بعد يوم عن خطوات تتخذها في سوريا تزيد من الغموض حول النوايا التي تبيتها على الأرض، في الوقت الذي تتواصل المحادثات مع الجانب الأميركي على مستوى الدبلوماسية والخبراء العسكريين من الجانبين لوضع تفاصيل اتفاق أميركي - روسي جديد حول سوريا يؤكد الجانبان أنهما توصلا إليه خلال محادثات كيري الأخيرة في موسكو. ويؤكد الجانبان أنه سيؤدي إلى تغير ملموس على الساحة السورية بحال جرى تنفيذه بنزاهة. ولكن بعد الإعلان عما تزعم موسكو أنها «عملية إنسانية» تهدف إلى إنقاذ المدنيين في حلب، ذكرت الحكومة الروسية يوم أمس أنها أقرت نص الاتفاقية حول نشر قوة جوية في سوريا، بينما كشفت بيانات برامج مراقبة حركة الطائرات عن إرسال روسيا مجددًا أحدث طائرة استطلاع إلى سوريا.
كانت الحكومة الروسية قد أعلنت يوم أمس قرارها بالموافقة على اتفاقية أبرمت مع حكومة النظام السوري في دمشق بتاريخ 26 أغسطس (آب) عام 2015، حول نشر مجموعة من القوات الجوية على الأراضي السورية، وذكرت الحكومة في نص قرارها الذي نشرت نسخة منه على موقع «المعلومات القانونية» أنها أرسلت الاتفاقية المذكورة بعد الموافقة عليها إلى الرئيس الروسي ليقوم بعرضها على البرلمان للمصادقة عليها. وتنصّ تلك الاتفاقية على تقديم السلطات السورية لمطار حميميم والبُنى التحتية فيه دون مقابل للقوات الجوية الروسية، و«في حال قرّر أحد الطرفين وقف العمل بموجب الاتفاقية فيجب عليه أن يبلغ الطرف الآخر بذلك بصيغة خطية، وفي هذه الحال يتوقف العمل بالاتفاقية خلال سنة منذ لحظة تسلم التبليغ الخطي»، علما بأن الاتفاقية غير محدودة الأجل.
وبينما يتساءل مراقبون أن أسباب كشف روسيا في هذا التوقيت عن اتفاقية مضى على توقيعها قرابة السنة، نقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية عن الجنرال يفغيني بوجينسكي، المدير سابقًا لدائرة الاتفاقيات الدولية في وزارة الدفاع الروسية قوله إن كشف السلطات الروسية عن الاتفاقية لا يشكل أي أمر غير طبيعي، وأن اتفاقيات كهذه كانت في السابق تحمل طابعًا سريًا، معربًا عن قناعته بأن «صيغة النص في الاتفاقية التي تقول إن الجانب السوري يأخذ على عاتقته مسؤولية تسوية اعتراضات دول ثالثة بحال وقوع ضرر خلال عمليات القوات الجوية الروسية أمر طبيعي».
في هذه الأثناء، وفي شأن متّصل بالعمليات العسكرية الروسية في سوريا، تواصلت ردود الفعل على إعلان موسكو يوم أول من أمس عما تقول إنها «عملية إنسانية» في حلب، في ظل تشكيك بالنوايا التي تبيّتها موسكو من وراء تلك العملية، لم يقتصر على تصريحات مسؤولين دوليين، بل ظهر بوضوح في وسائل إعلام روسية. إذ أشارت صحيفة «كوميرسانت» الروسية في تقرير بعنوان «استعدادات إنسانية لاقتحام مدينة حلب» إلى أن الخطة الروسية تنطوي على فتح ممرات إنسانية ليس للمدنيين فحسب، بل وللإسلاميين الذين قرّروا رمي السلاح: «ومن المحتمل أن يتم اقتحام حلب في ختام العملية الإنسانية» حسب الصحيفة التي عرضت ما قالت: إنها مقوّمات نجاح مثل ذلك الاقتحام، وهي «تمكّن القوات السورية مؤخرًا من قطع آخر طرق الإمداد للمعارضة السورية، وسيطرتها على عدة أحياء استراتيجية في المدينة». ولا تستبعد «كوميرسانت» أن يلعب التقارب الروسي –التركي دوره الإيجابي في هذا الأمر، على اعتبار أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان منشغل حاليًا في الوضع الداخلي «ومن المستبعد أن يقف بوجه تطوير قوات الأسد نجاحاتها على الجبهات السورية». وتنقل «كوميرسانت» عن ليونيد كالاشنيكوف، النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما قوله إن «الهدف الرئيسي من العملية الإنسانية عدم القضاء على المدنيين مع المقاتلين». أما أندريه كراسوف، من لجنة الدفاع في مجلس الدوما، فيرى أن هدف العملية الإنسانية «أن نحاول مرة ثانية إجبار المقاتلين بالطرق الإنسانية على رمي السلاح».
دوليًا قال ستيفان دي ميستورا المبعوث الدولي إلى سوريا بأن «العملية الإنسانية» الروسية بحاجة إلى تحسين، داعيا موسكو أن تترك مسؤولية أي عمليات إجلاء للأمم المتحدة. بينما شككت باريس بالنوايا الروسية وقالت: إن الخطة لفتح معابر إنسانية للسماح لسكان مدينة حلب السورية بالفرار من المناطق المحاصرة لا تمثل «استجابة يعول عليها»، وشددت وزارة الخارجية الفرنسية على ضرورة تمكين السكان من الحصول على المساعدات بموجب القواعد الإنسانية الدولية ومن الإقامة في منازلهم بشكل آمن. وقالت الوزارة في بيان «في هذا السياق إن فكرة (المعابر الإنسانية) التي تطلب من سكان حلب مغادرة المدينة لا تمثل استجابة يعول عليها لمواجهة الوضع».
من جانبها سارعت موسكو للرد على التشكيك بعمليتها، وأكدت على لسان أناتولي أنطونوف، نائب وزير الدفاع الروسي أن الهدف من العملية إنساني بالمطلق. وفي حديثه للصحافيين يوم أمس أعرب أنطونوف عن الدهشة والاستغراب لرد فعل «بعض وسائل الإعلام والشخصيات السياسية، الذين رأوا في العملية الروسية أمرا ما مبيتًا»، حسب قوله، مؤكدًا أنه «في حال كانت هناك ضرورة فإن الممرات للقوافل الإنسانية يمكن أن يتم فتحها، ليس من حلب فقط، بل وإلى داخل المدينة»، مشددا في الوقت ذاته على أن «روسيا لن تسمح بأي شكل من الأشكال بأن يصل المزيد من السلاح إلى المناطق في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة المقاتلين».
في هذه الأثناء، رأت فرنسا، أمس، أن «الممرات الإنسانية» التي أقامها النظام السوري بعدما أعلنت عنها روسيا للسماح بإخلاء الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب بشمال سوريا لا تقدم «حلا مجديا» للوضع. المتحدث باسم وزارة الخارجية رومان نادال قال معلقًا إن «القانون الدولي الإنساني يفرض إيصال المساعدة بصورة عاجلة» إلى السكان المحاصرين. وأضاف نادال أنه «في هذا الوضع، لا تقدم فرضية إقامة (ممرات إنسانية) تتضمن الطلب من سكان حلب مغادرة المدينة، حلا مجديا للوضع». وتابع أنه «يجب أن يكون بوسع سكان حلب البقاء في منازلهم بأمان والحصول على كل المساعدة التي يحتاجون إليها، هذه هي الأولوية». ويذكر أن قوات النظام فتحت، أول من أمس، ثلاثة معابر أمام المدنيين الراغبين في الخروج من الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب، بعد إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بدء «عملية إنسانية واسعة النطاق» في حلب. وأوضح شويغو أن ممرا رابعا سيفتح في الشمال، على طريق الكاستيلو ليسمح «بمرور المقاتلين المسلحين بشكل آمن»، مؤكدا أن الأمر لا يتعلق سوى «بضمان أمن سكان حلب». وتقدر الأمم المتحدة عدد سكان هذه الأحياء بنحو 250 ألف شخص. ولقد أعلن عن هذه الممرات تزامنا مع إصدار الرئيس بشار الأسد مرسوما تشريعيا يقضي بمنح العفو «لكل من حمل السلاح»، وبادر إلى تسليم نفسه خلال مدة ثلاثة أشهر.
وفي العاصمة الألمانية برلين، حذر وزير الخارجية الألماني فرانك - فالتر شتاينماير من «كارثة إنسانية مفزعة» في حلب، مضيفا: «مئات الآلاف من المواطنين في حلب انقطعت عنهم كل أنواع الإمداد. الوضع الإنساني كارثي». وأضاف شتاينماير، وهو زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي: «النظام السوري هو من يتسبب في الأزمة عبر القصف الشامل، ويقدم في الوقت نفسه طرق فرار غير آمنة، فإنه يلعب لعبة ساخرة ويضع المواطنين أمام خيار عديم الرحمة، ويغلق الباب أمام أي فرصة لاستئناف مفاوضات جنيف».
وحمل شتاينماير روسيا جزءًا خاصًا من المسؤولية عن هذا الوضع العصيب في حلب جراء دعمها للجيش والسلاح الجوي السوري، مناشدا موسكو ممارسة نفوذها على النظام السوري لفرض هدنة في حلب والتعاون مع الأمم المتحدة وتسهيل دخول الإمدادات إلى المواطنين في حلب بالتعاون مع المنظمات الإغاثية الدولية. ثم قال: «نحن بحاجة إلى إنهاء العنف والعودة إلى مائدة المفاوضات».



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.