الأمم المتحدة تطالب بتسلّم الممرات الإنسانية في حلب.. وواشنطن تحذر موسكو من تدمير تعاونهما

المدنيون فضلوا التزام منازلهم بعد إبلاغهم أن المعابر التي حددها النظام غير آمنة

الأمم المتحدة تطالب بتسلّم الممرات الإنسانية في حلب.. وواشنطن تحذر موسكو من تدمير تعاونهما
TT

الأمم المتحدة تطالب بتسلّم الممرات الإنسانية في حلب.. وواشنطن تحذر موسكو من تدمير تعاونهما

الأمم المتحدة تطالب بتسلّم الممرات الإنسانية في حلب.. وواشنطن تحذر موسكو من تدمير تعاونهما

طالب المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا يوم أمس الجمعة بتسلّم منظمة الأمم المتحدة إدارة الممرات الإنسانية الجديدة في مدينة حلب، التي حددتها قوات النظام السوري وحليفتها موسكو، في حين نبّه وزير الخارجية الأميركية جون كيري من أنّه «إذا ثبت أن العملية الإنسانية الروسية في حلب حيلة فإن ذلك سيدمر التعاون الأميركي الروسي في سوريا».
المدنيون في المدينة، التي هي عاصمة شمال سوريا وثاني كبرى مدنها، التزموا منازلهم بعد إبلاغهم بأن المعابر غير آمنة وأن مصير من يسلكها مجهول. وحقًا اقتصر عدد الخارجين من حلب، منذ الإعلان عن فتح الممرات يوم الخميس، على 12 شخصا، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي قال: إنهم خرجوا عبر معبر بستان القصر «قبل أن تشدد الفصائل المقاتلة إجراءاتها الأمنية وتمنع الأهالي من الاقتراب من المعابر».
وأكّدت وعد، وهي أم لطفلة وممرضة تعيش في أحياء المعارضة المحاصرة في حلب، أنه «لا نية لدى السكان لمغادرة منازلهم، خاصة أن المعابر التي تم تحديدها يسيطر عليها النظام». ولفتت وعد إلى أنه «هناك خوف من الحصار لكن الخوف الأكبر مما يُخطط لحلب». وتابعت في حديث لـ«الشرق الأوسط» شارحة «نحن نموت مائة مرة في اليوم من القصف والجوع والخوف»، مشيرة إلى «توتر كبير يعيشه معظم الحلبيين وشعور بالضعف واليأس بعد إحكام النظام قبضته على المدينة، خاصة أننا نخشى دخول الجيش السوري إلينا ووقوع مجازر فيما دول العالم تعبّر عن فرحها بالحصار الحاصل».
من جهته، أكّد الدكتور وائل العجي، الناطق باسم «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» أن المعابر التي جرى الإعلان عنها «غير آمنة باعتبار أنها تتعرض للقصف العشوائي والقنص، كما أنّه لا يمكن الوثوق بقوات النظام التي تتولى إدارتها»، وشدد العجي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» على أنه «لا إمكانية لتحديد مصير من يسلكها». وأضاف موضحًا «أما موضوع تسلم الأمم المتحدة إدارة هذه الممرات، فأمر معقد باعتبار أن ذلك قد يعني استقدام قوات دولية ما يتطلب إصدار قرار دولي يحدد أيضا آليات حماية المعابر».
وفي السياق ذاته، وصفت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنجي صدقي الـ«الشرق الأوسط» الوضع في حلب حاليا بـ«غير الواضح»، وقالت: «لكن كل ما نتمناه هو أن يتم التخطيط جيدا، وبموافقة جميع الأطراف، لخروج آمن لسكان حلب الشرقية الذين يرغبون في ذلك، وأن يتم ضمان مأوى ومساعدات غذائية وصحية لهم». وأكدت صدقي أن «الصليب الأحمر على استعداد لتقديم الدعم الإنساني سواء للمدنيين الراغبين في المغادرة، أو الذين يختارون البقاء في حلب الشرقية»، مشددة على وجوب السماح لجميع الأطراف من الفرق الإنسانية بأن يصلوا إلى سكان المدينة حتى نستطيع تقييم احتياجاتهم والاستجابة إليها بشكل فعّال».
من جانب آخر، استغربت مصادر المعارضة السورية في حلب تصوير المدينة وكأنها كساقطة عسكريا، وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن «ذلك غير حاصل طالما النظام يحاصرها ولم يقتحمها». وتابعت المصادر «يجري حاليا التجهيز لعمليات عسكرية في المدينة وريفها للرد على الحصار المفروض، وكل ما يُحكى عن ممرات آمنة أكاذيب باعتبار أن قوات النظام قتلت في الساعات الماضية عددا من المدنيين الذين تجمّعوا لسلوك هذه المعابر».
في هذه الأثناء، رحب دي ميستورا خلال مؤتمر صحافي عقده في مدينة جنيف السويسرية «بأي مبادرة تهدف إلى مساعدة السكان المدنيين في النزاعات وخصوصا في سوريا»، وقال: «نحن نؤيد مبدئيا وعمليا الممرات الإنسانية في الظروف التي تسمح بحماية المدنيين، لكننا نقترح أن تترك لنا روسيا الممرات التي فتحت بمبادرتها، فالأمم المتحدة وشركاؤها الإنسانيون يعرفون ما ينبغي القيام به، ولديهم الخبرة». أما وزارة الدفاع الروسية فزعمت يوم أمس أن عملية حلب «إنسانية بحتة»، معربة عن استغرابها بشأن موقف بعض السياسيين الذين يرون «أهدافا خفية» وراء خطوات روسيا. وقال أناتولي أنطونوف، نائب وزير الدفاع الروسي، للصحافيين «إننا مستعدون لنفعل كل ما بوسعنا من أجل تقديم المساعدات إلى المواطنين المسالمين وحتى المسلحين الراغبين في إلقاء السلاح». وادعى إمكانية فتح ممرات إنسانية ليس فقط من حلب، بل وإلى المدينة، إذا اقتضت الضرورة ذلك، مشيرا في ذات الوقت إلى أن الجانب الروسي لن يسمح في أي ظرف بتدفق المزيد من الأسلحة إلى المناطق التي يسيطر عليها مسلحون.
هذا، وفي حين فتحت قوات النظام السوري الخميس أربعة معابر إنسانية للسماح للمدنيين والمقاتلين بالخروج من الأحياء الشرقية من مدينة حلب التي تسيطر عليها فصائل المعارضة وتحاصرها قوات النظام، قال ستيفان أوبريان، نائب الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإغاثة الإنسانية، معلقًا إنه ليس مقتنعا بأن هذه الخطوة في صالح أهالي حلب. وأضاف: «نريد أن نضمن أنه إذا كان هناك عرض ومساهمات وطرق بعينها سيجري عرضها فلا بد أن تضمن كل الأطراف أنها آمنة، وأنه لن يجبر أحد على استخدامها رغم إرادته أو يتوجه إلى أي مكان رغما عنه».
من جهتها، دانت وزارة الخارجية التركية في بيان الحصار الذي يفرضه جيش النظام السوري والقوات الرديفة على الأحياء الشرقية لحلب واستمرار الغارات الجوية على تلك الأحياء، وطالبت بالوقف الفوري للغارات الجوية التي قالت: إنها تستهدف «المدنيين والبنية التحتية المدنية» في المدينة. كذلك قال البيان بأن فرض الجيش النظامي الحصار الكامل على الجزء الشرقي لحلب، بعد هجمات مكثفة استمرت منذ فترة، يثير «غضب أنقرة العميق».
وراهنًا تخشى المعارضة السورية أن تكون «الممرات الإنسانية» التي تم الإعلان عنها وتفضل تسميتها «ممرات الموت»: «مقدمة لتهجير أهالي المدينة استكمالا لمخطط التهجير الديموغرافي الذي تشهده سوريا». ووجه المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، وهو رئيس وزراء سابق، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ندد فيها بـ«بتغيير ديموغرافي وتهجير قسري» في حلب، معتبرا أن كل ما يحصل «يتنافى جملة وتفصيلا مع الحديث عن عملية سياسية والسعي لحل سياسي». كذلك نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر دبلوماسي غربي قوله: إن «الروس والنظام يريدون دفع الناس إلى تسليم أنفسهم»، مضيفا: «ما يريدونه هو الاستسلام وتكرار ما حدث في حمص» العام 2014 حين تمّ إخراج نحو ألفي مقاتل من المدينة القديمة بعد سنتين من الحصار المحكم والقصف شبه اليومي من قوات النظام.
وبحسب عضو الائتلاف السوري أحمد رمضان «ليس هناك أي ممرات في حلب توصف بممرات إنسانية، فالممرات التي تحدث عنها الروس يسميها أهالي حلب بممرات الموت». ويعتبر رمضان أن «الإعلان الروسي ومطالبة المدنيين بمغادرة مدينتهم جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وهو ما يتنافى مع التزامات روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن» مشددا على أنه لا يحق «لدولة أن تغزو بلدا آخر وتطالب سكان مدينة كحلب بمغادرتها دون أن يكون هناك ما يبرر ذلك».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».