أوامر باعتقال 47 صحافياً والقبض على 31 رجل أعمال

جميعهم من صحيفة «زمان».. و«هيومن رايتس ووتش» تحذر من استهداف المعارضة التركية

صحافيون أتراك اجتمعوا خارج محكمة في إسطنبول لدعم أحد زملائهم المعتقلين ضمن حملة «التطهير» الحكومية أمس (أ.ب)
صحافيون أتراك اجتمعوا خارج محكمة في إسطنبول لدعم أحد زملائهم المعتقلين ضمن حملة «التطهير» الحكومية أمس (أ.ب)
TT

أوامر باعتقال 47 صحافياً والقبض على 31 رجل أعمال

صحافيون أتراك اجتمعوا خارج محكمة في إسطنبول لدعم أحد زملائهم المعتقلين ضمن حملة «التطهير» الحكومية أمس (أ.ب)
صحافيون أتراك اجتمعوا خارج محكمة في إسطنبول لدعم أحد زملائهم المعتقلين ضمن حملة «التطهير» الحكومية أمس (أ.ب)

أصدرت النيابة العامة في تركيا، أمس (الأربعاء)، أوامر باعتقال 47 صحافيا من الموالين لفتح الله غولن، الذي تتهمه السلطات بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت منتصف يوليو (تموز) الحالي، ضمن حملة اعتقالات وإقالات وتوقيفات واسعة شملت حتى الآن أكثر من 60 ألفا من مؤسسات التعليم والقضاء والوزارات والجيش والإعلام.
وجميع الصحافيين الصادرة بحقهم أوامر اعتقال كانوا يعملون في صحيفة «زمان» المرتبطة بغولن، التي صادرتها السلطات التركية في 4 مارس (آذار) الماضي، خلال حملة على أنصاره. وأصدر نائب المدعي العام لنيابة الجمهورية في إسطنبول فضولي أيدوغان قرارات اعتقال بحق 47 مشتبها بهم في التحقيقات التي تتولاها شرطة مكافحة الإرهاب بمديرية أمن إسطنبول، وشنت قوات مكافحة الإرهاب حملة في الساعات الأولى من صباح أمس على مقرات صحف معينة، وأجرت عمليات تفتيش.
ومن بين المطلوب اعتقالهم الكاتب علي بولاج، المستشار الأسبق للرئيس رجب طيب إردوغان، خلال عمله كرئيس للوزراء، وعبد الحميد بيليجي، المدير العام رئيس التحرير السابق لصحيفة «زمان» ووكالة أنباء «جيهان»، ومحمد كاميش مدير التحرير السابق لصحيفة «زمان»، والكاتبان بالصحيفة شاهين ألباي وممتاز ار تركونه.
في الوقت نفسه، أصدرت النيابة العامة قرارا بمنع 400 صحافي من السفر، غالبيتهم ممن كانوا يعملون في «زمان» والصحف ووسائل الإعلام الأخرى القريبة من غولن. وألقت الشرطة القبض على الكاتب الصحافي شاهين ألباي من منزله، بمنطقة بشكتاش، في وسط إسطنبول، في السادسة صباحا، بعد تفتيش المنزل لمدة ساعتين ونصف الساعة، واقتادته إلى السيارة دون تقييد يديه. ورد ألباي على أسئلة الصحافيين، قائلا: «لن أقول شيئا، فأنا لا أعرف سبب اعتقالي».
كان غولن، في السابق، حليفا للرئيس رجب طيب إردوغان، ثم تحول إلى عدو له منذ تحقيقات الفساد والرشوة في تركيا، في نهاية عام 2013، التي اعتبرها إردوغان محاولة من غولن للإطاحة بحكومته. وأقام غولن شبكة واسعة من المدارس والجمعيات الخيرية والشركات في تركيا وخارجها على مدى عقود، وندد بمحاولة الانقلاب، وهو ينفي أية علاقة له بها، لافتا إلى أنه كان هدفا لكل محاولات الانقلاب السابقة التي شهدتها تركيا.
في الوقت نفسه، اعتقلت قوات الأمن التركية 31 رجل أعمال، من بينهم عضو مجلس إدارة اتحاد الغرف والبورصات التركي رئيس الغرفة التجارية في مدينة دنيزلي (غرب تركيا) نجات أوزار. وشنت فرق مكافحة الجريمة المنظمة والتهرّب، التابعة لمديرية الأمن، حملة مساء الثلاثاء على الغرفة التجارية في دنيزلي. وخلال الحملة، تم الاستيلاء على الأقراص الصلبة لأجهزة الحاسب الآلي ووثائق. وعقب انتهاء أعمال التفتيش، اعتقلت قوات الأمن 31 رجل أعمال، من بينهم رئيس الغرفة التجارية أوزار. وكان أوزار قد عقد مؤتمرا صحافيا في مبنى الغرفة التجارية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة للتنديد بها.
وفي السياق ذاته، قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن القرارات الأولى التي دخلت حيز التنفيذ، عقب إعلان حالة الطوارئ في تركيا تهدف لما هو أبعد من مجرد معاقبة المتورطين في محاولة الانقلاب الدموية، مشيرة إلى أن كل المعارضين قد يصبحون أهدافا للسلطة.
ووصفت المنظمة، في بيان لها، الإجراءات المعمول بها في أعقاب حالة الطوارئ بـ«التعسفية والجائرة»، كما أوضحت مديرة المنظمة في تركيا إيمي سينكلار ويب أن هذه القرارات تظهر أن جميع المعارضة بعد حركة «خدمة» (التي تسميها الحكومة بالكيان الموازي أو تنظيم فتح الله غولن «الإرهابي»)، قد تصبح هدفا للسلطة في الفترة القادمة.
وأكدت المنظمة، في بيانها، أن تمديد فترة الاحتجاز إلى 30 يوما بموجب حالة الطوارئ يزيد من احتمالية تعرض المشتبه بهم إلى التعذيب وسوء المعاملة، قائلة إنه «يجب على الحكومة التركية أن تعلم أن الاحتجاز لمدة 30 يومًا لا يمكن تشريعه حتى في ظل حالة الطوارئ، فحرمان المعتقلين من الالتقاء بمحاميهم يعني حرمانهم من الدفاع عن أنفسهم».
كما أشارت المنظمة إلى أن عدم التعرض للمحاسبة القانونية والمالية والإدارية لمن سيطبقون القوانين الصادرة، ويتخذون قرارات خلال حالة الطوارئ، هو إجراء آخر مثير للقلق، مؤكدة أن هذا الوضع يمنح قوات الأمن والمسؤولين الآخرين سلطة مطلقة. وأضافت أن «هذه القرارات الأولية لم تعد تهدف لمحاسبة المتورطين في محاولة انقلاب 15 يوليو الدموية، فما يحدث هو عملية تصفية تعسفية بحق موظفي الدولة والقضاة ومدعي العموم».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟