طهران تكسر الالتزامات الدولية وتكافئ المعتدين على السفارة السعودية

القضاء الإيراني اعتبر تخفيف الأحكام ثأرًا من المواقف العربية ضدها

جانب من الاعتداء على مبنى السفارة السعودية في طهران الثاني من يناير 2016 (أ.ب)
جانب من الاعتداء على مبنى السفارة السعودية في طهران الثاني من يناير 2016 (أ.ب)
TT

طهران تكسر الالتزامات الدولية وتكافئ المعتدين على السفارة السعودية

جانب من الاعتداء على مبنى السفارة السعودية في طهران الثاني من يناير 2016 (أ.ب)
جانب من الاعتداء على مبنى السفارة السعودية في طهران الثاني من يناير 2016 (أ.ب)

بعد مضي أسبوع على محاكمة الدفعة الأولى من مهاجمي السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، اعتبر المتحدث باسم القضاء الإيراني محسن أجئي أن السياسة السعودية الحازمة التي وقفت أمام التدخل الإيراني في الشؤون العربية سبب في تخفيف العقوبات تجاه المعتدين.
ووجه أجئي خلال مؤتمره الأسبوعي أول من أمس اتهامات إلى السعودية، معتبرا إياها «عدوة إيران»، في مشهد مكرر هذا الأسبوع لمسؤولين بارزين في النظام الإيراني. وفي إشارة إلى المواقف السعودية الرافضة للتدخلات الإيرانية في المنطقة قال أجئي إن الغضب الإيراني من التحركات السعودية سبب تخفيف العقوبات.
وكانت مواقف المسؤولين الإيرانيين إضافة إلى بيان الحرس الثوري السبب الرئيسي في اعتداء الباسيج الطلابي ومناصريه على مقر البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد في الثاني من يناير (كانون الثاني) الماضي. وكانت حسابات الحرس الثوري وزعت دعوات للتجمع أعضاء الباسيج أمام مقر البعثات الدبلوماسية.
وفي أول رد فعل لها كانت طهران قالت إنها ستلاحق المهاجمين على السفارات في تأكيد لـ«التزامها بحماية المقرات الدبلوماسية في طهران من الاعتداءات». هذا وأقر أجئي أن تخفيف العقوبة قد يعارضه الكثيرون إلا أن بلاده تقوم بذلك عن عمد لاتخاذ التدابير المناسبة للعداء بين طهران والرياض، على حد قوله.
وكان المسؤولون الإيرانيون قالوا إن المتهمين يواجهون تهمة «تهديد الأمن القومي»، وفي تراجع واضح وجه القضاء الإيراني تهمة «المشاركة في التخريب المتعمد لأموال السفارة السعودية» و«الإخلال بالنظام العام من خلال إثارة الفوضى والتجمع غير القانوني».
وحاول أجئي تبرير الهجوم على السفارات في طهران رغم إعلان طهران براءتها من الاعتداء عقب إدانة دولية واسعة وقطع دول عربية علاقاتها الدبلوماسية مع طهران. ويأتي موقف القضاء الإيراني في حين اعتبر الرئيس حسن روحاني الهجوم على مقر البعثات الدبلوماسية ضد الأمن القومي.
وفي حين وصف روحاني المهاجمين بـ«العناصر الضالة» في وقت سابق أقر بأن المهاجمين ينتمون لجهات معروفة في البلاد، مطالبا القضاء باتخاذ الإجراءات المطلوبة في هذا الصدد. وفق ما نقلت وكالة إيسنا نهاية يونيو (حزيران) الماضي فإن روحاني أمام المؤتمر السنوي للقضاء قال إن «الشعب يريد أن يعرف كيف سيتعامل القضاء مع من هاجموا السفارة في انتهاك للقانون والأمن القومي الإيراني».
ورغم استنكار المرشد الإيراني علي خامنئي الهجوم على المراكز الدبلوماسية وقوله إن الهجوم «أضر بسمعة إيران» فإنه حذر المسؤولين الإيرانيين من استخدام وصف المهاجمين بالمتشددين والمتطرفين.
الأسبوع الماضي أقامت إيران محاكمة لـ21 من مهاجمي السفارة السعودية في يناير الماضي، وأفادت الجهات القضائية بأن المحكمة خصصت لموظفي الدوائر الحكومية الذين هاجموا مقر البعثات الدبلوماسية السعودية. وبحسب تقارير وسائل إعلام إيرانية فإن المتهمين في دفاع عن أنفسهم ذكروا أنهم ينتمون إلى ما يسمى «حزب الله»، وكذلك قوات تحارب في سوريا تحت شعار «الدفاع عن الأماكن المقدسة». وكانت طهران قد ذكرت بعد أسبوعين من الاعتداء على مقر البعثات الدبلوماسية أنها اعتقلت في مكان ما خارج إيران وأعادت العقل المدبر وأودعته السجن. تبين لاحقا أن العقل المدبر كان ضمن الذين أرسلوا إلى القتال إلى سوريا في مهمة «استشارية»، وفق ما تقول إيران. وكان أحد المهتمين ذكر أن والده من قادة فيلق «القدس» الإيراني، مؤكدا أن الاعتداء حدث لدوافع طائفية. في هذا السياق قال أحد أعضاء الباسيج إنه «نادم لأنني تسببت في حزن خامنئي».
في هذا الصدد ذكرت السلطات الإيرانية في وقت سابق أنه تم توجيه الاتهام إلى 48 من المهاجمين على مقر البعثات الدبلوماسية. وكانت التقارير الإيرانية أكدت اعتقال 121 على خلفية الهجوم على السفارة السعودية.
قبل أسبوع كشف المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري عن إقامة محكمة لرجال الدين المتورطين في الهجوم على السفارة السعودية، وفي 19 يوليو (تموز) ذكرت وكالة فارس التابعة للحرس الثوري أن 24 من المتهمين سيحاكمون في محكمة رجال الدين. قبل ذلك كانت المواقع الإيرانية قد أشارت إلى مقاضاة أربعة من المعممين بتهمة المشاركة في الاعتداء على السفارة السعودية.
والسعودية أعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بطرد الوفد الدبلوماسي الإيراني بعد الاعتداء على مقر البعثتين السعوديتين في طهران ومشهد.
يشار إلى أن المسؤولين الإيرانيين بما فيهم قادة الحرس الثوري في المحاولات الأولى لتبرير الاعتداء على السفارات وجهوا الاتهام إلى جماعات شيعية مناوئة لولاية الفقيه وقالوا إنها جماعات من «شيعة لندن» في إشارة إلى جماعة تعرف باسم الشيرازي.



تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)

أشعل رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس توتراً جديداً مع تركيا، بعد أشهر من الهدوء تخللتها اجتماعات وزيارات متبادلة على مستويات رفيعة للبناء على الأجندة الإيجابية للحوار بين البلدين الجارين.

وأطلق ميتسوتاكيس، بشكل مفاجئ، تهديداً بالتدخل العسكري ضد تركيا في ظل عدم وجود إمكانية للتوصل إلى حل بشأن قضايا المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.

تلويح بالحرب

نقلت وسائل إعلام تركية، السبت، عن ميتسوتاكيس قوله، خلال مؤتمر حول السياسة الخارجية عُقد في أثينا، إن «الجيش يمكن أن يتدخل مرة أخرى إذا لزم الأمر». وأضاف: «إذا لزم الأمر، فسيقوم جيشنا بتنشيط المنطقة الاقتصادية الخالصة. لقد شهدت أوقاتاً تدخّل فيها جيشنا في الماضي، وسنفعل ذلك مرة أخرى إذا لزم الأمر، لكنني آمل ألا يكون ذلك ضرورياً».

رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس (رويترز - أرشيفية)

ولفت رئيس الوزراء اليوناني إلى أنه يدرك أن وجهات نظر تركيا بشأن «الوطن الأزرق» (سيطرة تركيا على البحار التي تطل عليها) لم تتغير، وأن اليونان تحافظ على موقفها في هذه العملية. وقال ميتسوتاكيس: «في السنوات الأخيرة، زادت تركيا من نفوذها في شرق البحر المتوسط. قضية الخلاف الوحيدة بالنسبة لنا هي الجرف القاري في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. إنها مسألة تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعلينا أن نحمي جرفنا القاري».

من ناحية أخرى، قال ميتسوتاكيس إن «هدفنا الوحيد هو إقامة دولة موحّدة في قبرص... قبرص موحّدة ذات منطقتين ومجتمعين (تركي ويوناني)، حيث لن تكون هناك جيوش احتلال (الجنود الأتراك في شمال قبرص)، ولن يكون هناك ضامنون عفا عليهم الزمن (الضمانة التركية)».

ولم يصدر عن تركيا رد على تصريحات ميتسوتاكيس حتى الآن.

خلافات مزمنة

تسود خلافات مزمنة بين البلدين الجارين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول الجرف القاري، وتقسيم الموارد في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن النزاعات حول جزر بحر إيجه.

وتسعى اليونان إلى توسيع مياهها الإقليمية إلى ما هو أبعد من 6 أميال، والوصول إلى 12 ميلاً، استناداً إلى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» لعام 1982 التي ليست تركيا طرفاً فيها.

وهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من قبل، مراراً، بالرد العسكري على اليونان إذا لم توقف «انتهاكاتها للمياه الإقليمية التركية»، وتسليح الجزر في بحر إيجه. وأجرت تركيا عمليات تنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في عام 2020 تسبّبت في توتر شديد مع اليونان وقبرص، واستدعت تحذيراً وعقوبات رمزية من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع تركيا وتسحب سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» في صيف العام ذاته.

سفن حربية تركية رافقت سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» خلال مهمتها في شرق المتوسط في 2020 (الدفاع التركية)

وتدخل حلف «الناتو» في الأزمة، واحتضن اجتماعات لبناء الثقة بين البلدين العضوين.

أجندة إيجابية وحوار

جاءت تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، بعد أيام قليلة من تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمة له خلال مناقشة البرلمان، الثلاثاء، موازنة الوزارة لعام 2025، أن تركيا ستواصل العمل مع اليونان في ضوء الأجندة الإيجابية للحوار.

وقال فيدان إننا «نواصل مبادراتنا لحماية حقوق الأقلية التركية في تراقيا الغربية، ونحمي بحزم حقوقنا ومصالحنا في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، ​​سواء على الأرض أو في المفاوضات».

وعُقدت جولة جديدة من اجتماعات الحوار السياسي بين تركيا واليونان، في أثينا الأسبوع الماضي، برئاسة نائب وزير الخارجية لشؤون الاتحاد الأوروبي، محمد كمال بوزاي، ونظيرته اليونانية ألكسندرا بابادوبولو.

جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي - اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي (الخارجية التركية)

وذكر بيان مشترك، صدر في ختام الاجتماع، أن الجانبين ناقشا مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وقاما بتقييم التطورات والتوقعات الحالية؛ استعداداً للدورة السادسة لمجلس التعاون رفيع المستوى، التي ستُعقد في تركيا العام المقبل.

ولفت البيان إلى مناقشة قضايا إقليمية أيضاً خلال الاجتماع في إطار العلاقات التركية - الأوروبية والتطورات الأخيرة بالمنطقة.

وجاء الاجتماع بعد زيارة قام بها فيدان إلى أثينا في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أكد البلدان خلالها الاستمرار في تعزيز الحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لا أرضية للتوافق

وقال ميتسوتاكيس، في مؤتمر صحافي عقده بعد القمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي في بودابست في 9 نوفمبر، إن الحفاظ على الاستقرار في العلاقات بين بلاده وتركيا سيكون في مصلحة شعبيهما.

وأشار إلى اجتماع غير رسمي عقده مع إردوغان في بودابست، مؤكداً أن هدف «التطبيع» يجب أن يكون الأساس في العلاقات بين البلدين، وتطرق كذلك إلى المحادثات بين وزيري خارجية تركيا واليونان، هاكان فيدان وجيورجوس جيرابيتريتيس، في أثنيا، قائلاً إنه جرى في أجواء إيجابية، لكنه لفت إلى عدم توفر «أرضية للتوافق بشأن القضايا الأساسية» بين البلدين.

وزير الخارجية اليوناني يصافح نظيره التركي في أثينا خلال نوفمبر الماضي (رويترز)

وسبق أن التقى إردوغان ميتسوتاكيس، في نيويورك على هامش مشاركتهما في أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكد أن تركيا واليونان يمكنهما اتخاذ خطوات حازمة نحو المستقبل على أساس حسن الجوار.

وزار ميتسوتاكيس تركيا، في مايو (أيار) الماضي، بعد 5 أشهر من زيارة إردوغان لأثينا في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2023 التي شهدت عودة انعقاد مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بعدما أعلن إردوغان قبلها بأشهر إلغاء المجلس، مهدداً بالتدخل العسكري ضد اليونان بسبب تسليحها جزراً في بحر إيجه.