أحمد الفيتوري يستقصي جذور «داعش»

وقّع روايته الجديدة في نادي الجالية الليبية بالقاهرة

المؤلف يوقع روايته - غلاف الرواية
المؤلف يوقع روايته - غلاف الرواية
TT

أحمد الفيتوري يستقصي جذور «داعش»

المؤلف يوقع روايته - غلاف الرواية
المؤلف يوقع روايته - غلاف الرواية

احتفل الكاتب الليبي أحمد الفيتوري بصدور روايته الجديدة «ألف داحس وليلة غبراء» الصادرة عن مؤسسة «ميادين للنشر»، وذلك في حفل توقيع نظمه له مؤخرا نادي الجالية الليبية الاجتماعي بالقاهرة.
شهد الحفل حضورا لافتا من الأدباء والإعلاميين والصحافيين الليبيين والمصريين والعرب والسياسيين الليبيين والمهتمين بالشأن الأدبي والليبي من الجالية الليبية. في البداية، تحدثت الإعلامية الليبية فاطمة الغندور، المدير العام لمؤسسة «ميادين» في كلمتها الافتتاحية بالحفل، عن تجربة صحيفة «ميادين» في النشر، ومحاولة المساهمة في تقديم المبدعين والكتاب الليبيين بأبسط الطرق عبر «كتاب في جريدة» الذي كان يرافق صدور أعداد جريدة «ميادين»، مشيرة إلى أن رواية «ألف داحس وليلة غبراء» هي باكورة إصداراتها من الكتب وفق برنامج النشر الذي تتبناه مؤسسة «ميادين»، وذلك رغم الصعوبات السياسية والمادية التي تواجهها مؤسسة «ميادين» حاليا في ظل الأوضاع السياسية المضطربة في البلاد.
ثم تحدث المحتفى به أحمد الفيتوري عن روايته ومناخ كتابتها، مشيرا إلى أنه «جعل من موت الأب اختبارا حقيقيا لفكرة الحرية، حيث كان خبر موت الأب هو أول ما يسمعه عند خروجه من السجن الذي قضى فيه نحو 10 سنوات، بتهمة معارضته نظام العقيد الراحل معمر القذافي، ليطغى هذا الخبر الصاعق على فرحة الخروج من السجن، وكل ما يمكن أن تسجله الذاكرة في تلك اللحظة»، مشيرا إلى أنه رغم كل شيء يبقى الأهم من سيرة الآباء هو الحرص الدائم على تعليم أبنائهم رغم أنهم كانوا في زمن صعب حتى في إيجاد لقمة لإطعامهم.
تقع الرواية في 253 صفحة من القطع المتوسط، وهي عبارة عن ثلاثية روائية، هي «غابة الأشجار الميتة»، و«غابة القضبان الحية»، و«غابة الرؤوس المقطوعة». وتحاول أن تجيب عن السؤال الحائر والمصيري الذي يواجه العالم اليوم: من أين أتى «داعش»؟
وتتناول الرواية أيضًا عالم السجن، وما يرافقه من مكابدات وعنف وسلب لأبسط الحقوق الإنسانية، كما تسرب في نسيجها السردي خيطا بوليسيا شفيفا حول واقعة مقتل أحد أبطالها بشكل غامض.
يشار إلى أن أحمد الفيتوري أسس صحيفة «ميادين» بالقاهرة في أثناء الثورة على نظام القذافي، ثم انتقلت للصدور من مدينة بنغازي مسقط رأسه بليبيا. وله كثير من المؤلفات النقدية والأدبية منها «سيرة بني غازي»، ورواية «سرنديب»، كما أصدر عددا من المجموعات الشعرية.



جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي
TT

جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي

ثمة فرق بين النقد الثقافي الساعي لإصلاح حال أمة ما وتسليط الأضواء على الأخطاء التي تعيق التطور من جهة، وجلد الذات الذي يصبح إدماناً، من جهة أخرى. هذا ما خطر ببالي وأنا أعيد قراءة كتاب الفيلسوف السعودي عبد الله العلي القصيمي «العرب ظاهرة صوتية». من وجهة نظره، العرب مُصوّتون فقط في حين لا يكتفي الآخرون بإصدار الأصوات، بل يتكلمون ويفكرون ويخططون وهم أيضاً خلاقون قاموا بإبداع الحضارات والقوة والفكر وتجاوزوا الطبيعة وفهموها وقاموا بتفسيرها قراءة فهم وتغيير وبحث عن التخطي والتفوق.

مثل هذا النقد مدمر لأنه يبشر بسقوط يستحيل النهوض منه لأن المشكلة في الجينات، والجينات لا يمكن إصلاحها. «العرب ظاهرة صوتية»، شعار رفعه العديد من الكتاب وأصبحت «كليشة» مكرورة ومملة، ولا يمكن أن يكون هذا التوجه نافعاً لأنه لا يضع خطة عمل، بل يرمي العربي في حفرة من الإحباط. مع أن هناك الكثير مما نراه من إنجازات دولنا في الجوانب النهضوية وأفرادنا على الصعيد العلمي ما يدعو إلى التفاؤل، لا الإحباط.

ما الذي خرج به جلد الذات الذي يمارسه المثقفون العرب على أنفسهم وثقافتهم بعد كل هذه العقود المتتابعة؟ بطبيعة الحال، ليس هذا موقف الجميع، إلا أن الأصوات المتطرفة توصلت إلى أن العرب لديهم مشكلة جينية، تمنعهم من مواكبة قطار الحداثة وإصلاح مشكلاتهم والانتقال إلى نظام الحياة المدنية المتحضرة. لا خلاف على تطوير أنظمة الحياة وتطبيق فلسفة المنفعة العامة للمجتمع وإعلاء قيمة حقوق الإنسان والحرية، وإنما الخلاف هو في هذا الوهم الذي يُخيل لبعض المثقفين أن المشكلة ضربة لازب وأنه لا حل، وهذا ما يجعل خطابهم جزءاً من المشكلة لا الحل، لأن هذا الخطاب أسس لخطاب مضاد، لأغراض دفاعية، يتجاهل وجود المشكلة وينكرها.

لا فائدة على الإطلاق في أن ننقسم إلى فريقين، فريق التمجيد والتقديس للثقافة العربية وفريق مشكلة الجينات. وأصحاب الرؤية التقديسية هم أيضاً يشكلون جزءاً كبيراً من المشكلة، لأنهم لا يرغبون في تحريك شيء، وذلك لأنهم يؤمنون بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، وإن دخلت معهم في نقاش فتحوا لك صفحة الماضي المجيد والانتصارات العسكرية وغزو العالم في العصر الوسيط يوم كان العرب حقاً متفوقين، وكان المثقف الأوروبي يتباهى على أقرانه بأنه يتحدث العربية ويفهم فلسفة ابن رشد.

يخطئ الإسلاميون، وهم من يرفع شعار التقديس، عندما يتخيلون أن تجربتهم هي التمثيل الأوحد للديانة الإسلامية، فالنص حمَّال أوجه وفي باطنه آلاف التفاسير، والناجح حقاً هو من يستطيع أن يتخلى عن قراءاته القديمة التي ثبت فشلها ولم تحل مشكلات الشعوب التي تتوق إلى الحياة الكريمة. يخطئ من يتصور أن بإمكانه أن يسحق الأقليات ويحكم بالحديد والنار، وها هي تجربة صدام حسين وبشار الأسد ماثلة أمام عيوننا.

لقد بدأت مشكلتنا منذ زمن قديم، فالأمة العربية الإسلامية أدارت ظهرها للعلم في لحظته المفصلية في قرون الثورة العلمية والاكتشافات، ولهذا تراجعت عن المكانة العظيمة التي كانت للحضارة العربية الإسلامية يوم كانت أقوى إمبراطورية على وجه الأرض. دخلت حقاً في عصور الانحطاط عندما رفضت مبدأ السببية الذي قام عليه كل العلم بقضه وقضيضه، وولجت في عوالم من الدروشة والتخلف، ليس فقط على صعيد العلوم المادية، بل على الصعيد الأخلاقي أيضاً، وأصبحت صورة العربي في الذاكرة الجمعية تشير إلى شخص لا يمكن أن يؤتمن ولا أن يصدّق فيما يقول. هذا ما يجعله ضيفاً ثقيلاً من وجهة نظر بعض المجتمعات الغربية التي لجأ إليها العرب للعيش فيها.

لقد عاش العربي في دول تقوم على فرق ومذاهب متباغضة متكارهة قامت على تهميش الأقليات التي تحولت بدورها إلى قنابل موقوتة. هذا المشهد تكرر في كل الأمم وليس خاصاً بالعرب، فنحن نعلم أن أوروبا عاشت حروباً دينية دموية اختلط فيها الديني بالسياسي وأزهقت بسببها مئات الآلاف من الأرواح، لكنهم بطريقة ما استطاعوا أن يداووا هذا الجرح، بسبب الجهود العظيمة لفلاسفة التنوير ودعاة التسامح والتمدن والتعامل الإنساني الحضاري، ولم يعد في أوروبا حروب دينية كالتي لا زالت تقع بين العرب المسلمين والأقليات التي تعيش في أكنافهم. العرب بحاجة إلى مثل هذا التجاوز الذي لا يمكن أن يحصل إلا في ضفاف تكاثر الدول المدنية في عالمنا، وأعني بالمدنية الدولة التي تعرف قيمة حقوق الإنسان، لا الدول التي ترفع شعار العلمانية ثم تعود وتضرب شعوبها بالأسلحة الكيماوية.

الدولة المدنية، دولة الحقوق والواجبات هي الحل، ومشكلة العرب ثقافية فكرية وليست جينية على الإطلاق. ثقافتنا التي تراكمت عبر العقود هي جهد بشري أسس لأنظمة أخلاقية وأنماط للحياة، وهذه الأنظمة والأنماط بحاجة إلى مراجعة مستمرة يديرها مشرط التصحيح والتقويم والنقد الصادق، لا لنصبح نسخة أخرى من الثقافة الغربية، وإنما لنحقق سعادة المواطن العربي وحفظ كرامته.