دور كتيبة الفرنسيين في «داعش» في هجمات نيس

كالعادة.. توظيف تقليدي لشخصيات مأزومة نفسيًا وسلوكيًا

رجال شرطة فرنسيون يطوقون شاحنة لتفتيشها قرب المنطقة التي حصلت فيها هجمات نيس قبل ايام (أ.ف.ب)
رجال شرطة فرنسيون يطوقون شاحنة لتفتيشها قرب المنطقة التي حصلت فيها هجمات نيس قبل ايام (أ.ف.ب)
TT

دور كتيبة الفرنسيين في «داعش» في هجمات نيس

رجال شرطة فرنسيون يطوقون شاحنة لتفتيشها قرب المنطقة التي حصلت فيها هجمات نيس قبل ايام (أ.ف.ب)
رجال شرطة فرنسيون يطوقون شاحنة لتفتيشها قرب المنطقة التي حصلت فيها هجمات نيس قبل ايام (أ.ف.ب)

ثلاث عشرة عملية إرهابية كبيرة شهدتها أوروبا خلال العامين 2015 و2016 ابتليت فرنسا وحدها بعشر منها. ولقد بدأ المسلسل مع الاعتداء على مطبوعة «شارلي إيبدو» الساخرة، الذي راح ضحيته سبعة عشر قتيلا بين السابع والتاسع من يناير (كانون الثاني) 2015. حتى هجوم نيس الأخير يوم الخميس الماضي 14 يوليو (تموز) 2016. وفيه دهس عمدي لاحتفالات المدنيين والمواطنين العاديين فيها بـ«يوم سقوط الباستيل» وذكرى الثورة الفرنسية عام 1789. وقد راح ضحيتها 84 قتيلا وعشرات الجرحى.

خلال سنتين، هذه هي المرة الثانية التي يضرب فيها الإرهاب الداعشي مدينة نيس الساحلية في جنوب فرنسا، إذ شهدت المدينة السياحية الشهيرة يوم 3 فبراير (شباط) 2015، تعرّض 3 جنود لاعتداء بالسكاكين أثناء الخدمة أمام مركز لليهود في نيس، من قبل موسى كوليبالي (30 سنة) الذي عبر أثناء احتجازه عن كراهيته فرنسا والشرطة والجنود واليهود. وهو يبدو من أقرباء أميدي كوليبالي الذي أعلن انتماءه لـ«داعش»، وقتل شرطية في أحياء باريس، بعد احتجازه رهائن في متجر يهودي في يناير 2015. ولقد أقرّ بتنسيقه مع الأخوين كواشي اللذين نفذا عملية «شارلي إيبدو» في 7 يناير من العام نفسه، وإن كان أعلن أميدي انتماءه لـ«داعش» فإن الأخوين كواشي أعلنا انتماءهما لـ«القاعدة».
تعد هجمات نيس الأخطر والأكبر في فرنسا بعد تفجيرات باريس في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي التي راح ضحيتها 140 قتيلاً و350 جريحا، التي تعد الثانية في خطورتها بتاريخ أوروبا خلال أربعة عقود بعد اعتداءات مدريد في 11 مارس (آذار) 2004.
وتأتي عملية نيس بعد نجاح فرنسا في تأمين نهائيات كأس أوروبا لكرة القدم التي انطلقت في 10 يونيو (حزيران) واختمت يوم 10 يوليو الحالي، رغم توقع وزارة الخارجية الأميركية وقوع حوادث إرهابية خلالها، وهو ما لم يحدث حتى كانت مفاجأة نيس والدهس الانتحاري الذي راح ضحيته 84 قتيلاً وأصيب العشرات حتى اللحظة. ولقد جاءت هذه العملية الإجرامية التي تحمل بصمة داعشية واضحة، سواء لجهة اختيار الزمان، ومعها إهانة اليوم الوطني الفرنسي، أو المكان عبر استباحة المدنيين وبشاعة القتل. ومع أن العملية تختلف عن سابقاتها أوروبيًا فإنها سبقت في بعض مناطق «داعش» في سوريا، حين جاءت دهسًا غير متوقع لقائد حافلة مَوتور استخدم حافلته في دهس المحتفلين بيوم الباستيل، وإطلاق النار على مَن استطاع منهم. كذلك كانت محيّرة في دوافع فاعلها الذي لم يعرف عنه - حسب الأمن الفرنسي - أي ميول إرهابية في السابق، بينما يتضمّن سجله الجنائي جرائم أخلاقية متعددة من بينها السرقة عمدًا وبالإكراه، والفشل الأسري وغير ذلك، وهو ما يكشف عن أزمات نفسية وسلوكية يحسن استغلالها «داعش» دائمًا وتوظيفها.
كتيبة الفرنسيين «الدواعش»
يضم تنظيم داعش بين عناصره كتيبة من الفرنسيين والناطقين بالفرنسية، حسب تصريح لرئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس في مايو (أيار) الماضي تقدّر أعدادهم بـ900 عنصر، وهي النسبة الأكبر بين المقاتلين الأجانب من الدول الأوروبية. وهذا مع ملاحظة تراجع أعداد المقاتلين الأجانب عمومًا في «داعش» بفضل اليقظة الدولية الأمنية والعسكرية المتأخرة ضد التنظيم المتطرّف عام 2016 ومقتل نسبة كبيرة منهم تقدر بـ14 في المائة وعودة ما لا يقل عن نصفهم، حسب بعض التقارير الأوروبية. وهذا ما يرتبط منطقيًا بارتفاع معدل العمليات في أوروبا بشكل عام، ولقد اتضح هذا في تفجيرات باريس وبروكسل، خصوصًا، إذ نفذّها بعض العائدين من المقاتلين الأجانب. ولقد ظهر بعض هؤلاء في تسجيل مصوّر في أواخر نوفمبر 2014 وهم يهددون فرنسا، وكان بينهم المدعو «أبو أسامة» الفرنسي الأصل البالغ من العمر 26 سنة، الذي تعرّف عليه جيرانه - من خلال هذا الفيديو - في محافظة التارن بجنوب فرنسا وهو يهدد بلاده ومواطنيه بلغتهم، وهو حقًا ينحدر من التارن.
الظاهر أن «داعش» يستهدف في تجنيده الفرنسيين، والغربيين عمومًا، فئتين رئيستين:
1 - المتحوّلون الجدد للإسلام، شأن «أبو أسامة» الفرنسي المذكور سابقًا، فهو حديث التحوّل، وحسب كثير من المراقبين يُعد «داعش» التنظيم الوحيد الذي يمثل فيه المتحوّلون الجدد نحو الإسلام 25 في المائة من مجموع عناصره.
2 - مهمّشو الضواحي والمعانون من الأزمات: وهم أبناء أجيال الهجرة ونتاج أزماتها، ومَن يُعرفون بـ«مسلمي الضواحي» الذين يعانون أزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية متعدّدة تصب في مسألة الاندماج.
وهنا يغدو الانتماء لـ«داعش» عاملاً يحوّل أصحاب الأمراض النفسية والاجتماعية، وأصحاب السوابق والماضي السيئ، الذين يعانون الاغتراب الاجتماعي والهوياتي، إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة. ويحرّك في الانتحاري من نوعية «الذئب المنفرد» اعتقاد «مُت لتقتل» فينتقم من منظومة قيم يئس من الاندماج فيها، أو كان يؤمن بها ولم تحقّق له شيئا.
تفجيرات باريس في نوفمبر الماضي شغلت الباحثين والخبراء في شؤون التطرف والإرهاب، فمنهم مَن أصرّ على إعادتها إلى ذهنية التطرّف ذاته وأصوله أو ربطها بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية ومواقف السياسة الخارجية بشكل رئيسي أو بأزمات المهاجرين، ومنهم مَن حاول تعميقها سيكولوجيًا عن أزمة الشباب بشكل عام في أوروبا والغرب. وفي حين يركّز أوليفيه روا على التفسير الثقافي والمعرفي دون السياسي والاجتماعي، يلحّ فرنسوا بورغا على هذا التفسير ومعه آخرون كجيل كيبيل. وفي حين يلح الأول كذلك على عالمية ظاهرة التطرّف وتصاعد نزعات العنف عالميًا وبشكل عام، يشدّد الآخران وغيرهم على السياق الخاص لصعود ظاهرة الإرهاب الانتحاري والإسلامي من «القاعدة» إلى «داعش» وأخوانه.
أوليفيه روا لا يرى في الإرهابيين الجُدد «تعبيرًا عن غَضبِ المُسلِمين تجاهَ الاعتداءاتِ الغربيّة»، ومن ثم، لا دخلَ إذن للصراعِ العربي - الإسرائيلي في سخطِ العالم الإسلامي تجاهَنا(!).. ويلح روا على أن المتطرفين يأتون من «هوامشِ العالم الإسلامي، وليس من صلبِ المجتمعات العربيّة أو الإسلاميّة»، كما ورد في كتابه «فشل الإسلام السياسي». كذلك لا يحمل السياسات الدولية والفرنسية المسؤولية عن دفع هؤلاء الانتحاريين لمثل هذا، وهو ما يرفضه فرنسوا بورغا وغيره.
وتماهيا مع روا والمدخل النفسي للإرهاب، في اتجاه قدرة وجاذبية «داعش» للشباب في تنفيذ عمليات انتحارية عدمية تستهدف المدنيين للنزوعات العنفية الصاعدة، حسب الباحث الفرنسي بيتر هارلينغ، في مقالة له نشرت في يناير الماضي: «يؤسِس عنفُ مُرتَكِبي هجَمات باريس الشبان لهويَّة بطلٍ عصري تَرفَع من شأنِ حاملها، تتميَّزُ برومانسيَّة حربيَّة تُساهِم وسائلُ التواصُل الاجتماعي بتشكيلِها في سياقٍ أوروبِّي من تَعَصُّب عُنصُري وانسِداد المُستقبَل أمامَ جيلٍ شابٍ بكاملِه. هويَّة يستردُها تنظيم داعش ويوظِفُها لمصلحَتِه مقدِمًا لها فضاءً مَلموسًا يُمكِنُها أن تتجسَد فيه».
وهذا ما أكّده روا أيضًا في مقاله الشهير عقب تفجيرات باريس السابقة، الذي نُشر في جريدة «لوموند» يوم 30 نوفمبر الماضي، وأطروحته عن أسلمة التطرّف وضرورة إدخال علم النفس في دراسة أجيال المتطرّفين والانتحاريين الجديدة، وعدم الاكتفاء بالتفسير الآيديولوجي باعتباره صورة من «تطرّف الإسلام». وهنا يؤكد روا عدمية لا معيارية صاعدة، وتيه شبابي يندفع نحو العنف الرغبوي والانتقامي من منظومة قيَم يمارس التمرّد والرفض لها، بشكل عام، دون اتكاء على التفسيرات التاريخية... كذاكرة المستعمر الذي لم يعرفه ولا يعلم عنه شيئا كثير من أبناء المهاجرين، أو السياسة الخارجية الفرنسية أو الجذور الراديكالية للفكر العنيف نفسه. وهو، دفاعًا عن أطروحته، ينفي أحادية المدخل الذي يعلنه، لكنه يؤكد ضرورة تكامل المناهج وأهمية العامل النفسي في قراءة ظاهرة التطرّف المحيّرة.
المرجّح أن الحيرة الأكاديمية الغربية ستستمر، فالإرهاب ظاهرة متكاملة تتعدّد أبعادها ودوافعها وتتكامل معًا، ولعل في أحداث نيس المأساوية الأخيرة تعبير عن ذلك. فحسب السجل الجنائي للإرهابي الانتحاري فإنه يبدو متحوِّلاً جديدًا ومأزومًا انفجر في محيطه بشكل عشوائي، وتم استغلال ظروفه من أجل ذلك، ولكن هذا لا ينفي أن موقف فرنسا في التحالف الدولي ضد الإرهاب، ومشاركتها مع الولايات المتحدة في التركيز على العراق وتقدمها في هذا الاتجاه عن سواها، جعلاها الهدف الأول أوروبيًا لعمليات الإرهاب.
مع ذلك يصحّ تفسير أوليفيه روا بدرجة ما في أنه لم يعُد غضب المسلمين من القضايا التاريخية الدافع الوحيد، مثل قضية الصراع العربي الإسرائيلي أو الاعتداءات الغربية التاريخية والتجربة الإمبريالية، لهذه الأجيال الجديدة من الانتحاريين، لكنه مع ذلك لا يمكن نفي توظيفه واستغلاله مع أدبيات الراديكالية القتالية المعولَمة المصرة على أممية خطابها وتقسيم الفسطاطين والدارين للعالم.
ونظن أن «داعش» الذي أعاد الأخوين عبد السلام وغيرهما لينفذوا عمليات في باريس وبروكسل، يمتلك استراتيجية استنزاف عبر ما يسميه القتال الفردي أو «الذئاب المنفردة» يستهدف بها تخفيف الضغط عليه من ضربات التحالف الدولي الذي أجبره عن التخلي عن كثير من مناطق سيطرته، وفي حين يُبقي المئات في معاقله في سوريا والعراق يعد مئات آخرين للقتل والانتحار في شوارع نيس مرة وثانية.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».