بعد فترة تراجع.. «فورة» جديدة للراديكاليين الكشميريين

«دفاعًا عن الإسلام» في الإقليم..ومواجهة الظلم الذي يتعرض له المسلمون

كشميريون يرفعون لافتة سوداء مع أعلام باكستانية وهم يطلقون شعارات تدعو للحرية وضد الهند أثناء مظاهرة (أ.ف.ب)
كشميريون يرفعون لافتة سوداء مع أعلام باكستانية وهم يطلقون شعارات تدعو للحرية وضد الهند أثناء مظاهرة (أ.ف.ب)
TT

بعد فترة تراجع.. «فورة» جديدة للراديكاليين الكشميريين

كشميريون يرفعون لافتة سوداء مع أعلام باكستانية وهم يطلقون شعارات تدعو للحرية وضد الهند أثناء مظاهرة (أ.ف.ب)
كشميريون يرفعون لافتة سوداء مع أعلام باكستانية وهم يطلقون شعارات تدعو للحرية وضد الهند أثناء مظاهرة (أ.ف.ب)

إقليم كشمير، المقسّم سياسيا اليوم بين جزء هندي هو ولاية جامو وكشمير عاصمتاها شريناغار (صيفًا) وجامو (شتاء) وجزء باكستاني هو منطقة آزاد كشمير - أي «كشمير الحرة» - وعاصمته مظفر آباد، يعدّ أكثر مناطق الصراع اشتعالا بين الهند وباكستان في ضوء ادعاء الدولتين ملكيته منذ الاستقلال عن التاج البريطاني وتقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، وخاضت الهند وباكستان منذ ذلك الحين أربع حروب للسيطرة على الإقليم نظرا لأهميته الجغرافية الكبيرة. رغم رصد مكافأة قدرها 15 ألف دولار أميركي لمن يرشد عن هروب برهان واني، الحركي المتشدد، مرت نحو ست سنوات على هروب واني (21 سنة) في إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، الذي تسكنه غالبية مسلمة، ولا يزال الرجل يمثل رمزًا للكثير من الشباب المسلم في كشمير. ولد برهان واني لأب يعمل ناظر مدرسة واجتاز امتحانات الثانوية العامة بنسبة 90 في المائة، بيد أنه أعلن نفسه زعيما لجماعة «حزب المجاهدين» الأصولية المسلحة ليصبح الوجه الجديد للحركية الراديكالية في كشمير.
وبحسب تقرير إعلامي محلي: «أصبح واني موضع إعجاب في حركة التمرد التي ظهرت من جديد في كشمير بعدما انتشرت مقاطعه الصوتية المسجلة بين الشباب الكشميري واستطاع بعدها تجنيد على الأقل 90 شابًا وحثهم على حمل السلاح».
وفي بعض المقاطع المصورة، ظهر برهان واني متباهيا بهدفه أن يرى راية الإسلام ترفرف عالية بمنطقة «ريد فورت»، أو القلعة الحمراء، التي كانت في السابق معقلا لأباطرة الهند المغول في العاصمة الهندية دلهي.
ومن ناحية ثانية، من بين أكثر المطلوبين على قوائم الإرهاب في الهند أيضًا الطالب إسحاق أحمد باراي، وهو طالب عبقري لقب بـ«نيوتن» – تيمنًا بالعالم البريطاني إسحق نيوتن - نظرا لنبوغه الأكاديمي. وفي توقيت متزامن، هجر ذاكر راشد بات، وهو ابن مهندس كبير في الحكومة الهندية، دراسة الهندسة للانضمام لجماعة واني. وفي خطاب لوالده، تحدث ذاكر عن «الظلم الذي يتعرض له المسلمون في كشمير» وفي الخارج وعن أن «الجهاد بات السبيل الوحيد لتحقيق العدالة».
لماذا اتجه الشباب الكشميري طواعية للقتال من جديد؟ أشار ضابط شرطة - رفض الكشف عن هويته - إلى أن مسحا أجرته الشرطة المحلية كشف عن أن المساجد في كشمير أصبحت مراكز تجمع يثير فيها الأئمة النقاش عن التهديد الذي يواجه «الإسلام في كشمير». ومن جانبه يرى عمير غل، وهو باحث أعد رسالة الدكتوراه بمعهد دلهي الإسلامي التربوي عن الصراعات المسلحة في الهند، أن «الجيل الجديد من المسلحين يستهويه النموذج المتزمت من الإسلام الذي يدعو للتضحية بالحياة لبلوغ الجنة ونعيمها الأبدي في الآخرة». وغالبا ما يجد هؤلاء الشباب المندفع للكفاح المسلح باسم الدين التأييد الصريح من عائلاتهم، أو على أقل تقدير، غالبا ما تصرح تلك العائلات بما يبرّر سلوك أبنائها.
على سبيل المثال، يبالغ مظفر واني، والد برهان، في تباهيه بأن ابنه أصبح شخصية محورية يتجمع حولها الشباب. ويقول إن الدين والاضطهاد لعبا دورًا هامًا في اشتعال القتال. «أصبح ابني مقاتلاً مسلحًا ليس بسبب تعرضه للظلم فحسب، لكن أيضًا لأنه لم يحتمل رؤية الظلم الذي يتعرّض له الكثير من المسلمين». ولتأكيد وجهة نظره، قال مظفر إن «الجهاد فريضة على المسلم، حيث إن تلك الشرارة كامنة في قلب كل مؤمن، لكنها تحتاج لمن يشعلها كي تصبح حريقًا..».
من ناحية ثانية، مع أن التأييد المحلي للإرهاب، أو القتال المسلح، تراجعت مؤشراته خلال السنوات الثلاث الماضية، فقد ازداد التأييد بشكل واضح بعد شنق محمد أفضل، الكشميري المُدان في الهجوم المسلح على مبنى البرلمان في فبراير (شباط) 2013، وكذلك إثر الهجمات الأخيرة ضد المسلمين في مختلف أنحاء البلاد بحجة تناول لحوم الأبقار.
وفي 26 يونيو (حزيران) الماضي، شاركت أعداد غفيرة من المدنيين في جنازة مسلحين اثنين لقيا حتفهما بعدما قتلا ثمانية من العسكريين الهنود في كمين نصبوه لهم، وامتدح المشيعون «استشهاد ابنيهم». ذلك أنه بالنسبة للكثير من العائلات في منطقة ترال، بجنوب كشمير، يعتبر الاستشهاد عزاء عن فقدان أبنائهم. ولقد قتل عاشق حسين في مواجهات مسلحة، وعند إحضار الجثمان للمنزل بعد ذلك بثلاثة أيام، قدمت عائلته وأقاربه للجثمان الحليب، وبرروا ذلك بقولهم «سقيناه الحليب لأن الشهداء لا يموتون»، بحسب شقيقه مشتاق أحمد. وتعتبر مثل هذه المشاهد مألوفة في ظل العمليات القتالية في كشمير وتعكس هذه التصرفات المزاج العام. وبحسب الصحافي المعروف زهور مالك «يعتبر هذا المشهد تكرارًا لما حدث عام 1989 - 1990 عندما اندلعت أحداث العنف المناهضة للهند في كشمير في محاولة لفصل الجزء الهندي من الإقليم عن الهند، إذ خرج الآلاف إلى الشوارع لمطالبة الهند بمنحهم الحرية».
ومن ثم، رغم تضييق الخناق على المسلحين، أخذت أعداد المسلحين المتشددين تتزايد، وظهرت جماعات مثل «جبهة تحرير جامو وكشمير» و«حزب المجاهدين»، لتفتح الطريق لجماعات إرهابية أخرى مثل «عسكر طيبة» و«جيش محمد». وعلى امتداد منتصف التسعينات، تمكنت قوات مكافحة الإرهاب الهندية من كسر شوكة أغلب الحركات المسلحة الراديكالية، والأهم أن التأييد الشعبي لتلك الجماعات المسلحة، وفق المصادر الهندية، تراجع بعدما عانى الناس من العنف «وأدركوا أن دعم باكستان له تحركه طموحاتها التوسعية، لا خوفها على حياة ورفاهية الكشميريين». وفعلاً تحسنت الأوضاع في ولاية جامو وكشمير وعادت الحياة إلى طبيعتها. هاريندر باويجا، وهو صحافي معروف غطى أخبار كشمير منذ بداية ظهور العمليات المسلحة هناك، يقول معلقًا: «لا تخشى الفرقة التي شكلها برهان واني الكشف عن هويتها، بل كشفت الحركة المسلحة الجديدة عن حيل للتجنيد لم تكن معروفة في كشمير من قبل. وبعكس الحركات المسلحة التي عرفناها في السابق التي لم تكن تظهر أمام الناس، يكشف أفراد هذه الحركة وجوههم ويعلنون أسماءهم على الملأ، ما يعطي عنفهم المزيد من الجاذبية كما هو الحال مع داعش».
ويتفق تيجندر سينغ، وهو قائد شرطة بولواما، مع هذا الطرح بقوله إن «المقاطع المصورة وصور المقاتلين في زيهم المموّه، وهم يسيرون وسط الغابات الكثيفة وبحوزتهم مدافع كلاشينكوف (أو بنادق إيه كي 47) بينما يتبادلون النكات وعلى وجوههم ابتسامة عريضة، كلها تضفي على القتال جاذبية وسحرا، ما يؤثر على الحالة النفسية للشباب الكشميري الذي يقضي ساعات وساعات في مشاهدة المقاطع المصورة التي حملها المقاتلون المحليون هؤلاء وكذلك تنظيم داعش». ويضيف أن الكشميريين يجدون في هؤلاء المقاتلين أمثال برهان واني نماذج يحتذي بها «لأننا لم نستطع أن نوفر لهم نماذج بديلة». ويتابع بولواما قوله: «بمقدورنا أن نحرم عائلاتهم من الأمان، لكننا في النهاية شعب واحد ونعتبر أن عائلاتهم هي عائلاتنا». هذا، وبعد انتشار المقطع المصوّر، هرب اثنان من رجال الشرطة، هما رياض أحمد وغلام محمد، فارين من تأدية واجبهما وأخذا معهما بندقيتيهما الآليتين الكلاشينكوف وكمية من الذخيرة، للانضمام إلى عصابة واني. ووفق ضابط في الاستخبارات الهندية: «وصل صدى رسالة برهان واني لكثيرين.. ويبدو أن برهان واني يدرك أهمية الإعلام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن صفحته على موقع فيسبوك تحظى بأكبر عدد من المتابعين داخل وخارج كشمير». فقبل يوم واحد من وفاته، ترك غلام رسول بات، الذي عمل خطّاطًا لدى صحيفة محلية، رسالة لابنه بشير أحمد قال فيها: «زر قبري وأعلنه للناس في اليوم الذي تصبح فيه كشمير جزءًا من باكستان».
وهناك أمثلة كثيرة لمناسبات صرّح فيها الكشميريون بحبهم وعشقهم لباكستان كونها دولة إسلامية. ففي الماضي القريب حدث أن خرجت مسيرات من المعاهد الدينية في كشمير مؤيدة لباكستان، معظمها يرفع علم تنظيم داعش. وفي برنامج «أيديا أكستشاينج» - أو تبادل الأفكار - أعرب دي إس دولت، مدير وكالة التجسس الهندية السابق «آر وإيه دبليو» في عهد رئيس الوزراء أتال بيهاري فاجباي، عن قلقه من عودة كشمير لمرحلة ما قبل عام 1996 قائلا: «ينتمي هؤلاء لعائلات عريقة وحصلوا على تعليم راق، لماذا يفعلون هذا إذن؟ هذا أكثر ما يخيف في الأمر. أخشى ما أخشاه أن نرى علم (داعش) مرفوعا ونرى شعاره في شريناغار... لذا نحتاج لدراسة هذا الأمر بعناية».



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.