نداءات في «مجموعة العشرين» لمزيد من التنسيق بحثًا عن «نمو مستدام»

انتقادات لكفاءة السياسات المالية والنقدية ومطالبات بإصلاحات ضريبية

نداءات في «مجموعة العشرين» لمزيد من التنسيق بحثًا عن «نمو مستدام»
TT

نداءات في «مجموعة العشرين» لمزيد من التنسيق بحثًا عن «نمو مستدام»

نداءات في «مجموعة العشرين» لمزيد من التنسيق بحثًا عن «نمو مستدام»

وسط انتقادات متزايدة لدور السياسات المالية والنقدية التقليدية التي تتبعها الدول الكبرى حاليا في محاولة تحفيز الاقتصاد العالمي، وكذلك الإحساس المتنامي بـ«عدم الارتياح» تجاه نتائج سياسات «العولمة» على الأوضاع الداخلية والعامة للكثير من دول العالم، تتزايد الدعوات من أجل تعزيز التنسيق بين الاقتصادات العالمية الكبرى لتحقيق نمو مستدام. فيما أشار عدد من المسؤولين الدوليين البارزين في مجموعة العشرين إلى أنه يتعين تحسين السياسات الضريبية في مختلف أنحاء العالم، لتعكس صورة جيدة للعولمة وتعزز النمو الاقتصادي المستدام المتوازن اجتماعيا.
وأشارت مسودة بيان اطلعت عليها «الشرق الأوسط» لوزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة العشرين، المنعقدة حاليا في مدينة تشينغدو عاصمة إقليم سيتشوان جنوب غربي الصين، إلى أن «التعافي الاقتصادي مستمر؛ لكنه يظل أضعف من الهدف المنشود. في وقت يجب فيه التشارك في فوائد النمو بشكل دولي أوسع، من مزيد من الترويج للشمولية». وتابعت المسودة أن «نتيجة الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي تضيف إلى حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي.. لكن كبرى الاقتصادات في العالم تتخذ موقفا جيدا في التعامل بشكل فعال مع التبعات المحتملة الاقتصادية والمالية الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».
وتأتي عدة قضايا رئيسية على رأس اهتمامات صناع القرار الاقتصادي في العالم، بما فيها تبعات انفصال بريطانيا على الاقتصاد العالمي، وأيضا محاولة تنسيق المواقف والسياسات المالية بين أكبر 20 اقتصاد في العالم، إلى جانب بحث سبل مكافحة التجارة غير المشروعة والتهرب الضريبي حول العالم.
وخلال اجتماعات الوزراء، التي بدأت أمس السبت وتستمر حتى اليوم الأحد، قال وزير الخزانة الأميركي جاك ليو إنه لا يتعين فحسب تعديل القواعد الخاصة المتعلقة بالضرائب لكن «الإدارات الضريبية بأكملها (اعتمادا على الحدود الوطنية)»، مضيفا أن «تغيير نماذج العمل له تأثير خطير»، ومشيرا في معرض حديثه إلى ضرورة متابعة التجارة العابرة للحدود وحالات التهرب من الضرائب الحالية.
وبدوره، دعا أنجيل جوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى نظام ضريبي منصف اجتماعيا. وأضاف: «يجب أن ندرس تأثير الضرائب على رفاهية الناس.. لا يتعين أن يؤدي تعزيز التجارة العالمية إلى مزيد من عدم المساواة».
من جانبها، قالت رئيسة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، إنها توافق على أن تكون السياسة الضريبية جزءًا من إصلاحات تقودها الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، بينما أثارت المخاوف من «تباطؤ النمو الذي يتعرض لتهديدات بسبب أحداث سياسية أخرى».
السياسات المالية
وعن دور السياسات المالية، قال ليو إنه كان من المهم جدا لدول مجموعة العشرين استخدام «كافة الأدوات الممكنة»، في سبيل تعزيز النمو المشترك، شاملة من ضمنها السياسات النقدية والمالية، فضلا عن الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتعزيز كفاءة تلك الإجراءات.. مؤكدا في كلمة للصحافيين على هامش الاجتماع أن «الوقت الحالي مناسب لمضاعفة جهودنا لاستخدام جميع الأدوات التي نملكها لتعزيز النمو المشترك».
لكن رؤية وزير الخزانة الأميركي تواجهها وجهة نظر أخرى. حيث قال وزير المالية الصيني لوه جيوي، إن السياسات المالية والنقدية أصبحت أقل كفاءة في حفز النشاط الاقتصادي، ومن ثم فعلى الاقتصادات الرئيسية في العالم زيادة التنسيق لتشجيع تحقيق نمو دائم، متابعا: «ما زال تشجيع تحقيق نمو اقتصادي قوي ودائم ومتوازن يشكل القضية المحورية لمجموعة العشرين».
وحذر جيوي في كلمته أن الاقتصاد العالمي في «منعطف خطير»، حيث ما زال تأثير الأزمة المالية جليا»، داعيا مجموعة العشرين للاضطلاع بدور مهم في دعم نظام ضريبي دولي جديد.
وتأتي تلك النقاشات بينما تتزايد المخاطر المحيطة بالاقتصاد العالمي، خاصة تحديات النمو الاقتصادي التي فاقمها قرار بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ما يدعو أصحاب القرار في الدول الكبرى إلى دراسة اتخاذ إجراءات وإصلاحات هيكلية أكثر عمقا.
حرب العملات
واتخذت دول مختلفة خطوات لدعم النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة، ولكن وزير المالية الصيني قال: إن «فعالية السياستين المالية والنقدية تتقلص، وبدأت آثار جانبية في الظهور»، متابعا أنه «يجب على دول مجموعة العشرين زيادة الاتصالات والتنسيق بشأن السياسة وتشكيل توافق بشأنها، وتوجيه توقعات السوق وجعل السياسة النقدية أكثر تطلعا وشفافية وزيادة كفاءة السياسة المالية»، من أجل تعزيز النمو المستدام والمتوازن بهدف تحقيق زيادة معدلات النمو الاقتصادي العالمي بنحو 2 في المائة إضافية خلال 5 سنوات، تنتهي بحلول عام 2018.. مشددا خلال اجتماع مع وزيري المالية الياباني والخزانة الأميركي على ضرورة «امتناع أعضاء مجموعة العشرين عن التخفيضات التنافسية للعملات».
وطالب جاك ليو وزير المالية الياباني تارو أسو، بضرورة تضافر جهود مجموعة العشرين من خلال النأي عن خفض قيمة العملة المحلية لزيادة التنافسية. حيث يعد الين الياباني أحد أبرز «الملاذات الآمنة»، خاصة عقب إعلان نتائج الاستفتاء البريطاني في نهاية الشهر الماضي.
وجاءت مطالبة ليو، فيما ينتظر الجميع نتائج اجتماع المركزي الياباني بعد أيام قليلة للإعلان عن سياساته النقدية خلال المرحلة المقبلة، خاصة في ظل تصريحات حاكم المصرف المركزي الياباني هاريكو كوردا أمس، التي لمح خلالها إلى أنه سوف يقوم بمزيد من «التيسير» في حال الضرورة من أجل الوصول إلى هدف التضخم بنسبة 2 في المائة.
وتعد الاجتماعات تمهيدا لقمة مجموعة العشرين التي ستنطلق أعمالها في مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل بمدينة هانغتشو الصينية. ويتناول جدول أعمال الاجتماعات خلال يومي انعقادهما، مناقشة إصلاح النظام المالي العالمي واستعادة الاستقرار المالي الدولي وتحفيز الاستثمارات في البنية التحتية، فضلا عن مواجهة تحديات التغير المناخي وسبل دعم دور صندوق النقد الدولي في مساعدة الدول الأعضاء لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة وتعزيز الاقتصاد الأخضر ومكافحة تمويل الإرهاب.
وتتضمن المناقشات كذلك تبني آليات جديدة لمواجهة المخاطر الناتجة عن التغيرات السريعة لحركة تدفقات رؤوس الأموال عالميا، كما يعقد على هامش الاجتماعات منتدى رفيع المستوى حول السياسات الضريبية الدولية حيث سيتم مناقشة آليات تنسيق تلك السياسات ومكافحة التجنب الضريبي والممارسات الضريبية الضارة لتعزيز النمو الاقتصادي العالمي.
زيادة توقعات النمو في الصين
وفي سياق ذي صلة، طالب رئيس الوزراء الصيني دول العالم بالعمل معا لإنعاش الاقتصاد العالمي، مؤكدا حرص الصين على المساهمة بشكل فعال في أي مساعٍ لتحقيق هذا الهدف.
جاء هذا خلال حوار المائدة المستديرة «6+1» الذي عقده مع رؤساء بعض كبرى المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، والذي استضافته الصين أول من أمس لأول مرة تحت عنوان «تعزيز نمو اقتصادي صيني وعالمي أكثر قوة واستدامة وتوازنا».
وطبقا لبيان صحافي صدر عقب المحادثات، التي ضمت رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم ومدير عام صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد والمدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبرتو ازيفيدو والأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنجيل جوريا ورئيس مجلس الاستقرار المالي العالمي مارك كارني، اتفق الجميع على العمل لتوثيق التعاون والتواصل بشأن القضايا الاقتصادية والمالية الدولية وتعزيز الإصلاح الاقتصادي والاستقرار المالي، والتغلب على التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي.
وتناول اللقاء النمو الاقتصادي والإصلاح الهيكلي وفرص العمل والتمويل والإدارة، فضلا عن الزخم الجديد لنمو الاقتصاد الصيني وسط عملية تحولها الاقتصادي. وكانت لاغارد قالت في تصريحات صحافية بعد المحادثات، إن صندوق النقد الدولي قرر مؤخرا زيادة توقعاته بالنسبة للنمو الاقتصادي الصيني في العام 2016 إلى 6.6 في المائة لسببين، الأول هو الإصرار والمثابرة اللذان أظهرتهما الصين بالنسبة لتنفيذ برامجها الخاصة بالإصلاح الهيكلي، والثاني هو الأسلوب الذي اتبعته لدعم الاقتصاد وتشجيع نموه المستدام.



ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
TT

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة بتقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح. وقد يتجه المستثمرون إلى الأسواق الأوروبية الأقل تكلفة، ولكن من غير المرجح أن يجدوا كثيراً من الأمان عبر المحيط الأطلسي؛ إذ إن الانخفاض الكبير في الأسواق الأميركية من المحتمل أن يجر أوروبا إلى الانحدار أيضاً.

تُعتبر سوق الأسهم الأميركية مبالَغاً في قيمتها، وفقاً لجميع المقاييس تقريباً؛ حيث بلغ مؤشر السعر إلى الأرباح لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، على مدار 12 شهراً، 27.2 مرة، وهو قريب للغاية من ذروة فقاعة التكنولوجيا التي سجَّلت 29.9 مرة. كما أن نسبة السعر إلى القيمة الدفترية قد بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق؛ حيث وصلت إلى 5.3 مرة، متجاوزة بذلك الذروة السابقة البالغة 5.2 مرة في بداية عام 2000، وفق «رويترز».

وعلى الرغم من أن التقييمات المرتفعة كانت قائمة لفترة من الزمن؛ فإن ما يثير الانتباه الآن هو التفاؤل المفرط لدى مستثمري الأسهم الأميركية. تُظهِر بيانات تدفق الأموال الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي أن حيازات الأسهم تشكل الآن 36 في المائة من إجمالي الأصول المالية للأسر الأميركية، باستثناء العقارات، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة الـ31.6 في المائة التي تم تسجيلها في ربيع عام 2000. كما أظهر أحدث مسح شهري لثقة المستهلك من مؤسسة «كونفرنس بورد» أن نسبة الأسر الأميركية المتفائلة بشأن أسواق الأسهم قد وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 37 عاماً، منذ بدء إجراء المسح.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن القلق المتزايد بين المستثمرين المحترفين بشأن احتمال التصحيح في «وول ستريت» ليس مفاجئاً.

لا مكان للاختباء

قد يتطلع المستثمرون الراغبون في تنويع محافظ عملائهم إلى الأسواق الأرخص في أوروبا. ويتداول مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي حالياً عند خصم 47 في المائة عن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» عند قياسه بنسب السعر إلى الأرباح، وبخصم 61 في المائة، بناءً على نسب السعر إلى القيمة الدفترية. وقد أشار بعض مديري صناديق الأسهم الأوروبية إلى أنهم يترقبون، بفارغ الصبر، انخفاض أسواق الأسهم الأميركية، معتقدين أن ذلك سيؤدي إلى تدفقات استثمارية نحو صناديقهم.

ولكن يجب على هؤلاء المديرين أن يتحلوا بالحذر فيما يتمنون؛ فعندما تشهد الأسهم الأميركية انخفاضاً كبيراً، يميل المستثمرون الأميركيون إلى سحب الأموال من الأسهم، وتحويلها إلى أصول أكثر أماناً، وغالباً ما يقللون من تعرضهم للأسواق الأجنبية أيضاً.

وعلى مدار الـ40 عاماً الماضية، في فترات تراجع الأسهم الأميركية، شهدت أسواق الأسهم الأوروبية زيادة في سحوبات الأموال من قبل المستثمرين الأميركيين بنسبة 25 في المائة في المتوسط مقارنة بالأشهر الـ12 التي سبقت تلك الانخفاضات. ومن المحتمَل أن يكون هذا نتيجة لزيادة التحيز المحلي في فترات الركود؛ حيث يميل العديد من المستثمرين الأميركيين إلى اعتبار الأسهم الأجنبية أكثر خطورة من أسواقهم المحلية.

ولن تشكل هذه السحوبات مشكلة كبيرة؛ إذا كان المستثمرون الأميركيون يمثلون نسبة صغيرة من السوق الأوروبية، ولكن الواقع يشير إلى أن هذا لم يعد هو الحال. ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، فقد زادت حصة الولايات المتحدة في الأسهم الأوروبية من نحو 20 في المائة في عام 2012 إلى نحو 30 في المائة في عام 2023. كما ارتفعت ملكية الولايات المتحدة في الأسهم البريطانية من 25 في المائة إلى 33 في المائة خلال الفترة ذاتها.

ويعني الوجود المتزايد للمستثمرين الأميركيين في الأسواق الأوروبية أن الأميركيين أصبحوا يشكلون العامل الحاسم في أسواق الأسهم الأوروبية، وبالتالي، فإن حجم التدفقات الخارجة المحتملة من المستثمرين الأميركيين أصبح كبيراً إلى درجة أن التقلبات المقابلة في محافظ المستثمرين الأوروبيين لم تعد قادرة على تعويضها.

وبالنظر إلى البيانات التاريخية منذ عام 1980، عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في جمع بيانات التدفقات، إذا استبعد المستثمر الأميركي والأوروبي، يُلاحظ أنه عندما تنخفض السوق الأميركية، تزيد التدفقات الخارجة من سوق الأسهم الأوروبية بمعدل 34 في المائة مقارنة بالشهرين الـ12 اللذين سبقا تلك الانخفاضات.

على سبيل المثال، بين عامي 2000 و2003، انخفضت أسواق الأسهم الأوروبية بنسبة 50 في المائة بينما هبط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 46 في المائة، وكان ذلك نتيجة رئيسية لسحب المستثمرين الأميركيين لأموالهم من جميع أسواق الأسهم، سواء أكانت متأثرة بفقاعة التكنولوجيا أم لا.

وفي عام 2024، يمتلك المستثمرون الأميركيون حصة أكبر في السوق الأوروبية مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات، ناهيك من عام 2000. وبالتالي، فإن تأثير أي انحدار في السوق الأميركية على الأسواق الأوروبية سيكون أكثر حدة اليوم.

في هذا السياق، يبدو أن المثل القائل: «عندما تعطس الولايات المتحدة، يصاب بقية العالم بنزلة برد»، أكثر دقة من أي وقت مضى في أسواق الأسهم.