باريس: إحالة 5 أشخاص للقضاء للاشتباه في ارتباطهم بمنفذ اعتداء نيس

توتر في المجتمع الفرنسي بعد الهجمات.. والجدل حول الأمن يعود إلى الواجهة

باريس: إحالة 5 أشخاص للقضاء للاشتباه في ارتباطهم بمنفذ اعتداء نيس
TT

باريس: إحالة 5 أشخاص للقضاء للاشتباه في ارتباطهم بمنفذ اعتداء نيس

باريس: إحالة 5 أشخاص للقضاء للاشتباه في ارتباطهم بمنفذ اعتداء نيس

قال مصدر قضائي إن 5 أشخاص تحتجزهم السلطات لاستجوابهم في الاعتداء الذي وقع بمدينة نيس الجنوبية أثناء الاحتفال بـ«يوم الباستيل»، كانوا سيمثلون أمس أمام محكمة قد تقرر فتح تحقيق رسمي معهم.
وقال المصدر إن الخمسة نقلوا من وحدة مكافحة الإرهاب الفرنسية إلى المحكمة التي قد تقرر توجيه اتهامات لهم. وكان تنظيم «داعش» أعلن مسؤوليته عن الهجوم الذي شنه السائق التونسي محمد لحويج بوهلال، 31 عاما، عندما صدم بشاحنة المحتفلين بـ«يوم الباستيل» في نيس ما أسفر عن مقتل 84 شخصا على الأقل.
من جهتها، قالت الحكومة الفرنسية أمس إنها أمرت بأن تفتح إدارة التفتيش في الشرطة تحقيقا لإلقاء الضوء على ما حدث في أعقاب ازدياد الانتقادات لها على خلفية هجوم نيس الدامي الذي وقع الأسبوع الماضي. وأعلن ذلك وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف بعد اتهامات من سياسيين في مدينة نيس بأن الترتيبات الأمنية لاحتفالات اليوم الوطني في 14 يوليو (تموز) الحالي لم تكن كافية.
وقاد مهاجم شاحنة كبيرة ليدهس عددا كبيرا من المحتفلين ما أسفر عن مقتل 84 شخصا وإصابة المئات.
في غضون ذلك، عاد الجدل حول الأمن إلى الواجهة بعد أسبوع على اعتداء نيس الذي تبناه متشددون في تنظيم «داعش»، وتنامت مشاعر الغضب والجدل حول الإجراءات الأمنية في فرنسا، حيث تقرر تمديد حال الطوارئ 6 أشهر على خلفية أجواء سياسية متوترة.
وبشأن التحقيق في المجزرة التي ارتكبها في 14 يوليو الحالي التونسي محمد لحويج بوهلال، أحيل 5 مشتبه بهم أمس إلى القضاء المكلف النظر في قضايا الإرهاب لتوجيه التهم إليهم.
وهدد تنظيم «داعش» الذي يقف وراء اعتداءات باريس في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي التي أوقعت 130 قتيلا، بتكثيف هجماته على فرنسا في شريط جديد ظهر فيه متطرفون فرنسيون يشيدون بمنفذ اعتداء نيس. وكان التونسي قتل بشاحنة مبردة زنتها 19 طنا استأجرها قبل أيام، 84 شخصا وأصاب أكثر من مائتين بجروح بعد عرض للألعاب النارية بمناسبة العيد الوطني في 14 يوليو.
وأمس، أعادت صحيفة «ليبراسيون» اليسارية الجدل حول الانتشار الأمني في تلك الليلة، في حين وجهت من كل حدب وصوب اتهامات بـ«الكذب». وأكدت الصحيفة أن سيارة واحدة للشرطة البلدية أغلقت المدخل إلى منطقة المشاة على جادة البروموناد ديزانغليه حيث وجد 30 ألف شخص لمشاهدة الألعاب النارية، في حين لم يكن هناك أي انتشار لعناصر من الشرطة الوطنية. ورد وزير الداخلية برنار كازنوف على الفور بغضب: «هذا ليس صحيحا». ومنذ اليوم التالي نفى رئيس الوزراء مانويل فالس وجود أي تقصير من القوى الأمنية. وطالب رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه (يمين) بـ«تحقيق مستقل» حول التدابير الأمنية.
من جهته، طلب كازنوف «تقييما تقنيا» لقوات الشرطة. وهذا الجدل الجديد يعيد إلى الواجهة اتهامات اليمين واليمين المتطرف بالتساهل بعد ساعات من وقوع المجزرة، مما انعكس سلبا على دعوات الحكومة الاشتراكية للوحدة الوطنية.
ويستعد القضاء المكلف قضايا مكافحة الإرهاب لتوجيه التهمة إلى 4 رجال تتراوح أعمارهم بين 22 و40 عاما، وامرأة في الـ42، أوقفوا بسبب صلاتهم المحتملة مع محمد لحويج بوهلال قبل المجزرة أو للاشتباه بتزويده بمسدس أطلق النار منه على الشرطيين من الشاحنة التي دهس بها الحشود. وأحد المشتبه بهم المحالين شاب في الـ22 من العمر تلقى رسالة نصية قصيرة من التونسي قبل تنفيذ الاعتداء. وفي الرسالة شكره على «المسدس» الذي زوده به قبل يوم، مضيفا: «سنحضر 5 قطع أخرى من صديقك». وأوضح أن عملية التسليم الجديدة مخصصة لشخص آخر ولأصدقائه.
وأثناء الإدلاء بأقواله قال الشاب إن من سلمه المسدس ألبانيًا في الـ38 من العمر وضع في الحبس مع صديقته على ذمة التحقيق. كما أوقف المحققون الشخص الذي قال التونسي في رسالته النصية القصيرة إنه سيتسلم الأسلحة الأخرى. ولم تكشف التحقيقات وجود رابط بين لحويج بوهلال وشبكات إرهابية، لكن تنظيم داعش تبنى مسؤولية الاعتداء.
ووصف التونسي بأنه رجل عنيف ومضطرب غير متدين، لكنه نفذ الاعتداء عن سابق تصور وتصميم بعد أن استأجر الشاحنة، ثم استكشف جادة البروموناد، كما قال مدعي باريس فرنسوا مولانس أول من أمس. وأبدى اهتماما «أكيدا في الآونة الأخيرة» بالمتطرفين.
وفي الشق السياسي، صوت البرلمان على تمديد حال الطوارئ حتى يناير (كانون الثاني) المقبل.
ووافق النواب على تعديلات أجراها أعضاء مجلس الشيوخ تحظر التجمعات التي لا يُضمن أمنها، وتسهل إغلاق أماكن العبادة التي يتم الإدلاء فيها بتصريحات تحرض على العنف والحقد.
من جهة أخرى، ساهم اعتداء نيس الذي وقع قبل أسبوع في تأجيج التوتر مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2017 وسط أجواء سياسية مشحونة وتنامي مشاعر الغضب والحوادث العنصرية في مجتمع فرنسي يعيش على وقع الاعتداءات الإرهابية منذ عام ونصف العام.
وقال عالم الاجتماع ميشال فيفيوركا لوكالة الصحافة الفرنسية: «الأمر المؤكد هو أن الشرخ الذي كان كامنا بات اليوم واضحا؛ كتوجيه صيحات استهجان إلى رئيس وزراء، أو أن يطلق البعض علنا تصريحات عنصرية».
وقال الرئيس فرنسوا هولاند أول من أمس: «بعد هذه المأساة، مشاعر الغضب مشروعة، لأن مواطنين قتلوا ولأن أبرياء استهدفوا، لكن لا يجوز أن تتحول إلى حقد وشكوك».
وفي نيس، استخدم الموقع الذي نفذ فيه التونسي محمد لحويج بوهلال المجزرة في 14 يوليو، في الأيام التي أعقبتها مكانا لإطلاق المشاعر العدائية، وكتب بالطبشور على الأرض كلمة: «جبان» وسط أعقاب سجائر ونفايات. كما أن البعض صبوا جام غضبهم على المسلمين الذين «هم الأرجح الأكثر تضررا بهذا الاعتداء»، بحسب البلدية. وبحسب الأئمة المحليين هناك، فإن نحو «30» مسلما بين القتلى الـ84.
وفي مكان الاعتداء، تعالت الشتائم الاثنين الماضي خلال مراسم لتكريم الضحايا، كما أظهر شريط فيديو شوهد أكثر من 2.6 مليون مرة على «فيسبوك».
وصرخ رجل موجها كلامه إلى شابة مغربية الأصل: «عودي حيث ولدتي». وردت: «ولدت في فرنسا سيدي. فإلى أين اذهب؟». فيجيبها: «أنت عار على فرنسا»، قبل أن يتدخل شرطي لفض الحادث. وخلال المراسم نفسها، تعرض رئيس الوزراء مانويل فالس لصيحات استهجان ووجهت إليه دعوات للاستقالة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟