غموض يلف استهداف مدينة البعث في القنيطرة

ما بين تبني «الحر» واتهام إسرائيل

غموض يلف استهداف مدينة البعث في القنيطرة
TT

غموض يلف استهداف مدينة البعث في القنيطرة

غموض يلف استهداف مدينة البعث في القنيطرة

تضاربت المعلومات أمس حول مصدر القصف الذي استهدف مبنى قريبا من مبنى المحافظة في مدينة البعث بالقنيطرة جنوب سوريا، بحيث اختلفت المعلومات حتى بين الفريق الواحد، بينما لم يصدر عن إسرائيل أي موقف رسمي أو تبنٍ للعملية.
وفي حين أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن طائرات إسرائيلية نفذت الضربات، وهو ما أشارت إليه أيضا بعض مصادر في المعارضة، تبنت «فرقة صلاح الدين» التابعة للجيش الحر العملية، معلنة أنها رد على حصار حلب وداريا. وعلى المقلب الآخر، كان التباين كذلك سيّد الموقف، وقد اختلفت رواية كل من «حزب الله» والنظام السوري، فاتهم الأول «جبهة النصرة» بإطلاق صاروخين من القرى الحدودية مع الجولان، بينما أفاد مصدر أمني سوري رفيع المستوى لوكالة الأنباء الألمانية بأن طائرة إسرائيلية أطلقت الصاروخ على موقع عسكري سوري قرب مدينة البعث، قبل أن يعود مصدر عسكري سوري آخر ويقول لوكالة «رويترز» إن مصدر الصاروخين لا يزال مجهولا.
وفي هذا الإطار، أكد مصدر مطّلع في المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط» أنّ فوج الهندسة والصواريخ في «الجيش الوطني الحر» هو من أطلق صاروخي أرض – أرض، يطلق عليه تسمية «عمر»، على نقاط عسكرية تابعة للنظام وما يسمى «حزب الله»، ما تسبب بدمار هائل وسقوط قتلى وجرح، مشيرا إلى أن زنة الصاروخ تقدر بنحو طنين، ويعادل عملية انتحارية.
وهو ما أكده إبراهيم نور الدين أيضا مدير المكتب الإعلامي في «فرقة صلاح الدين» التابعة للجيش الحر، لموقع «كلنا شركاء» المعارض، قائلا: «عناصر فوج المدفعية والصواريخ التابع لـ(فرقة صلاح الدين) استهدفوا المربع الأمني في مدينة البعث، الذي يعتبر وكرًا لقوات النظام والميلشيات الموالية له». وأشار إلى أن صاروخ «عمر» صناعة محلية، وأسفر عن خسائر كبيرة في صفوف قوات النظام وميليشياته، مؤكدًا عدم صحة الأخبار التي تتحدث عن استهداف إسرائيلي للمكان، ومعلنا أن العملية تأتي نصرة لمدينتي داريا وحلب المحاصرتين.
لكن وكالة «قاسيون» للأنباء، المعارضة كانت قد أفادت بأن مقاتلة حربية إسرائيلية اجتازت الحدود مع سوريا، ودمّرت مبنى قرب مبنى المحافظة، يعتقد أنه مقر لغرفة عمليات عسكرية يديرها النظام السوري وما يسمى «حزب الله».
وأشارت مصادر «قاسيون» إلى أن المبنى هو تجمع عسكري للنظام السوري، مما يزيد فرضية أن يكون فيه ضباط وقادة مما يسمى «حزب الله» ومجموعة عراقية.
وقال ماهر العلي، المتحدث باسم «جبهة ثوار سوريا» لـ«رويترز» إن المعلومات لديه تفيد بأن الهجوم استهدف موقعا لما يسمى «حزب الله»، فيما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن طائرة إسرائيلية شوهدت تحلق في سماء القنيطرة. وبالتزامن مع تحليقها، استهدفت بصاروخ منطقة مبنى المحافظة في مدينة البعث التي تسيطر عليها قوات النظام في ريف القنيطرة.
في المقابل، كان مصدر أمني سوري رفيع المستوى قد أعلن لوكالة الأنباء الألمانية أن طائرة إسرائيلية أطلقت صاروخا على موقع عسكري سوري قرب مدينة البعث في محافظة القنيطرة، مشيرا إلى أن الصاروخ تسبب بمقتل شخص مدني تصادف مروره لحظة سقوط الصاروخ إضافة إلى إصابة ثلاثة جنود سوريين. وعاد مصدر عسكري سوري آخر وقال لوكالة «رويترز» إن صاروخين ضربا البلدة، لكن مصدرهما ما زال مجهولا.
من جهته، قال الإعلام الحربي لما يسمى «حزب الله» إن «جبهة النصرة» أطلقت صاروخين يحملان مواد شديدة الانفجار من القرى الحدودية مع الجولان السوري المحتل على مدينة البعث، مشيرا إلى سقوط قتلى من المدنيين، وإلى «عدم صحة أي غارات للعدو الإسرائيلي». وفي وقت لاحق أعلن جيش النظام السوري أنه دمر آلية «جبهة النصرة» التي أطلقت صواريخ باتجاه مدينة البعث بالقنيطرة وقتلت أفرادها.
ويأتي الهجوم بعد ثلاثة أيام من إعلان إسرائيل أنها أطلقت صواريخ باتجاه طائرة من دون طيار دخلت من سوريا إلى المجال الجوي الذي تسيطر عليه إسرائيل.
وتسيطر على البلدة قوات النظام السوري وفصائل موالية له ومقاتلو ما يسمى «حزب الله». وينشط في المحافظة كل من «جبهة النصرة» التي يقدر عدد عناصرها بـ1800 مقاتل معظمهم من السوريين، وفصائل معارضة أخرى.
مع العلم بأن هذه هي المرة الثالثة التي تقوم فيها الطائرات الإسرائيلية بقصف أهداف تابعة لقوات النظام السوري في «القنيطرة» خلال شهر، وذلك تزامنًا مع أنباء عن وصول مقاتلين مما يسمى «حزب الله» اللبناني للمدينة، حيث استهدفت المرتين السابقتين مباني فارغة، ولم يسفر الاستهداف عن ضحايا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.