تفجيرات مجهولة المصدر تهز معامل الدفاع النظامية في حلب

مصادر: قضت على 6 مروحيات والتهمت 15 دبابة ومقتل 175 جنديًا

انفجارات شوهدت ليلة أول من أمس على بعد عشرات الكيلومترات من معامل دفاع النظام في السفيرة قرب حلب  (مواقع التواصل الاجتماعي)
انفجارات شوهدت ليلة أول من أمس على بعد عشرات الكيلومترات من معامل دفاع النظام في السفيرة قرب حلب (مواقع التواصل الاجتماعي)
TT

تفجيرات مجهولة المصدر تهز معامل الدفاع النظامية في حلب

انفجارات شوهدت ليلة أول من أمس على بعد عشرات الكيلومترات من معامل دفاع النظام في السفيرة قرب حلب  (مواقع التواصل الاجتماعي)
انفجارات شوهدت ليلة أول من أمس على بعد عشرات الكيلومترات من معامل دفاع النظام في السفيرة قرب حلب (مواقع التواصل الاجتماعي)

تضاربت الأنباء أمس حول التفجيرات التي وقعت في معامل الدفاع التابعة للنظام السوري في جنوب شرقي مدينة حلب؛ إذ أعلن النظام أنها وقعت نتيجة «خلل تقني وفني»، فيما رجحت المعارضة أن تكون التفجيرات الضخمة «ناتجة من فعل جندي منشق في المنطقة»، من غير أن تكون هناك أي تأكيدات حول أسبابها.
ووقعت التفجيرات في معامل الدفاع المخصصة لصناعة المعدات العسكرية في منطقة السفيرة في مدينة حلب، حيث تُصنع فيها الصواريخ وقذائف المدافع والبراميل المتفجرة، وغيرها. وقال مصدر معارض لـ«الشرق الأوسط»: إن هذه المعامل التي تمتد على مساحات جغرافية واسعة جنوب شرقي مدينة حلب، التي تبعد أقل من 20 كيلومترًا عن أحيائها الشرقية: «تتضمن ثلاثة مصانع عسكرية رئيسية، بينها مصانع لصواريخ أرض – أرض، إضافة إلى مستودعات للذخائر ومستودع لصواريخ سكود»، لافتًا إلى أن «التفجيرات أتت على كامل الأبنية المشيدة إلى طبقات تحت الأرض، وشعر السكان في المناطق الحدودية مع تركيا بارتدادات ناتجة منها».
وأوردت وكالة الأنباء السورية (سانا) النبأ بشكل خجول، ونقلت عن مراسلها ‫في حلب تأكيده «السيطرة على انفجارات وقعت في منطقة معامل الدفاع بحلب إثر خلل تقني وفني»، نافية «صحة أي أخبار أخرى يتم تداولها إعلاميا حول الموضوع».
لكن مصادر إعلامية عدة في حلب، قالت: إن «سلسلة انفجارات متتالية، مجهولة السبب، هزت منطقة معامل الدفاع قرب مدينة السفيرة جنوب مدينة حلب، ليلة السبت – الأحد».
ونشر أكثر من حساب على موقع «فيسبوك» صورا للنيران، قال أصحابها إنها التقطت من ريف إدلب. وبحسب ناشطين إعلاميين، شوهدت النيران من أرياف المحافظات المحيطة الرقة وحماه وإدلب وحلب، ومن مسافة تتجاوز الـ40 كم.
وبثت صفحة «حلب24» الإخبارية المعارضة، مقطع فيديو، قالت: إنه لانفجارات غير مسبوقة تهز معامل الدفاع في ريف حلب الجنوبي الشرقي و«التكبيرات تصدح في جوامع المدينة وسقوط مروحية تحاول الهبوط داخل المعامل». ونقلت عن مصادر خاصة، أن «انفجارا وقع في أحد أفران تصنيع مواد متفجرة لصواريخ أرض ـ أرض أدى إلى انتقال الانفجارات للمستودعات».
ومعامل الدفاع، هي أحد المواقع الاستراتيجية التي خسر النظام السوري السيطرة عليها في عام 2012 قبل أن يشن حملة عسكرية في خريف 2013 أسفرت عن سيطرته عليها. وشدد قبضته الأمنية على المنطقة التي باتت الممر الحيوي الوحيد له باتجاه مدينة حلب منذ ذلك الوقت. وشن تنظيم داعش عملية عسكرية في مارس (آذار) الماضي بهدف الوصول إليها، لكنه فشل في السيطرة على المنطقة.
وتحولت منطقة معامل الدفاع، إلى قاعدة عسكرية متقدمة بالنسبة لقوات النظام التي تقاتل على جبهات حلب. وبعد استعادة النظام السيطرة على مطار كويرس في شرق حلب الخريف الماضي، تحولت المنطقة إلى مهبط للمروحيات التي تتذخّر من المنشأة العسكرية، وترمي حمولتها على أنحاء مدينة حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وأكدت صفحات موالية للنظام السوري، أن سبب تفجيرات معامل الدفاع هي الحرارة المرتفعة وتقلبات المناخ، مشيرة إلى أن الخسائر هي مادية، ولا صحة للأنباء التي تتحدث عن مقتل 150 عنصرا من ميليشيات موالية للنظام السوري.
في المقابل، قال مصدر معارض في المدينة لـ«الشرق الأوسط»: إن التفجيرات التي وقعت في معامل الدفاع «قضت على ست مروحيات تحمل البراميل المتفجرة من المنشأة، كما التهمت 15 دبابة من نوعي (تي 52) و(تي 72)، فضلاً عن مقتل 175 جنديًا من قوات النظام يتواجدون فيها، ووثقت أسماءهم الصفحات الموالية للنظام».
من جانبه، ذكر مراسل صفحة «كلنا حلب»، أن «جميع المروحيات احترقت في معامل الدفاع بالسفيرة نتيجة انفجارات عنيفة مجهولة السبب». ورجحت مصادر إعلامية أن تكون سلسلة الانفجارات حصلت في مستودعات البحوث العلمية، وهي مركز تصنيع الأسلحة وتطويرها، التي تعد الأكبر في سوريا من حيث المساحة وحجم الأسلحة الموجود فيها، بعد المستودعات الموجودة في منطقة القلمون الشرقي.
سكان سمعوا دوي الانفجارات قالوا: إنها «كانت أكثر من خمسة عشر انفجارًا، ضربت أماكن عدة داخل المعامل، وتصاعدت على إثرها ألسنة اللهب والنيران التي أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة في المناطق المحيطة، وتسببت في حركة نزوح وإخلاء من مساكن الواحة باتجاه قرية السفيرة، وسط أنباء انفجار كميات كبيرة من البراميل المتفجرة والذخائر، واحتراق مروحيات عدة».
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الانفجارات، كما «لم يشاهد أي تحليق للطائرات وقت الانفجار»؛ إذ اقتصرت إعلانات المعارضة على «مباركة هذه التفجيرات»؛ كونها «تزود الطائرات المروحية بالذخائر». وتتمتع المعامل بموقع استراتيجي قريب من مطار النيرب العسكري، ومطار حلب الدولي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.