الانقلاب في تركيا: إردوغان يفوز بالجولة الأولى من قتال طويل

أهم 100 جنرال عسكري في الجيش لم يشاركوا في العملية

قوات الأمن الموالية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان تتولى حراسة مقر الأركان العامة في العاصمة التركية أنقرة، أمس (رويترز)
قوات الأمن الموالية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان تتولى حراسة مقر الأركان العامة في العاصمة التركية أنقرة، أمس (رويترز)
TT

الانقلاب في تركيا: إردوغان يفوز بالجولة الأولى من قتال طويل

قوات الأمن الموالية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان تتولى حراسة مقر الأركان العامة في العاصمة التركية أنقرة، أمس (رويترز)
قوات الأمن الموالية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان تتولى حراسة مقر الأركان العامة في العاصمة التركية أنقرة، أمس (رويترز)

«لم يتوقعه أحد!»، تلك كانت العبارة الأكثر تداولا في التحليلات التي ظهرت بمختلف أرجاء العالم حول محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، الأسبوع الماضي.
ومع ذلك، ربما تكون هناك مؤشرات على أن بعض الأفراد على الأقل، بينهم الرئيس رجب طيب إردوغان، ربما توقعوا هذه المحاولة، وإن كان توقعهم لم يرتبط بهذا التاريخ على وجه التحديد.
وتبدو مسألة شعور إردوغان بالقلق من «شيء ما يجري التدبير له»، واضحة تماما بالنظر إلى السرعة التي نجحت بها قوات الأمن من إلقاء القبض على أكثر من 6.000 من خصومه الفعليين أو المشتبه بهم في غضون 24 ساعة فقط؛ ما يكشف عن أن مثل هذه العملية لا بد أنه قد جرى التخطيط لها مسبقا، ربما تحسبا لمثل هذا اليوم.
أيضا من بين الإجراءات التي يبدو أنها جرى الإعداد لها منذ أمد بعيد تطهير القضاء والاستخبارات والشرطة. وبحلول وقت كتابة هذا المقال، تعرض قرابة 3.000 قاض وأكثر من 7.000 ضابط، تصل رتب بعضهم إلى لواء، للفصل.
ويعتقد بعض المراقبين الأتراك، أن «إردوغان خطط بالفعل للتخلص من خصومه في إطار ما يطلق عليه (الدولة الموازية) في غضون الأسابيع القليلة المقبلة». وكان من المفترض أن تأتي الخطوة الأولى في 15 أغسطس (آب)، موعد انعقاد المجلس الأعلى للأمن الوطني الذي يترأسه لدراسة خطط لإجراء عملية إعادة هيكلة كبرى للقوات الأمنية والعسكرية، كما تتضمن هذه الاجتماعات الموافقة على قوائم الترقيات والتقاعد في صفوف العسكريين. وعليه، يعتقد مراقبون أن بعض الضباط الذين ظنوا أن وقت رحيلهم اقترب قرروا شن انقلاب كضربة استباقية. الملاحظ أن الانقلاب تألف من مجموعة محورية تضم 48 ضابطا رفيع المستوى، بينهم خمسة جنرالات. ومن المعروف أن اثنين منهم على الأقل سبقت له المشاركة في آخر انقلاب عسكري كبير وقع عام 1980 بقيادة الجنرال كنعان إيفيرين.
وربما يمثل هذا السبب وراء التزام قادة الانقلاب بخطة كلاسيكية جرى وضعها منذ أكثر من 30 عاما، بما في ذلك الأمر بفرض حظر تجول وإعلان تشكيل مجلس عسكري والسيطرة على المباني الاستراتيجية، مثل محطات الإذاعة والتلفزيون ومكاتب الصحف الكبرى.
إلا أن القائمين على الانقلاب الأخير تخلوا عن عنصرين مهمين من الانقلاب السابق: أولهما: ضمان التمتع بدعم سياسي يمكن الاعتماد عليه قبل إصدار أوامر للقوات بالنزول إلى الشوارع.
الملاحظ أن جميع الانقلابات العسكرية السابقة في تركيا جرت بالتنسيق الوثيق مع حزب الشعب الجمهوري، الذي يعد الكيان السياسي المعبر عن النخبة الأتاتوركية ووسيلة التواصل بين الجيش التركي والمجتمع بوجه عام.
عام 1960 كان الجنرال جمال كورسيل، رئيس هيئة الأركان الذي قاد انقلابا ضد حكومة الرئيس جلال بايار، قد وافق بالفعل على تشكيل حكومة مؤقتة أجازها حزب الشعب الجمهوري قبل أن يتحرك بالفعل لتنفيذ الانقلاب. وجرى اتباع الأسلوب ذاته عام 1971 عندما أمر قائد الانقلاب الجنرال ممدوح تاغماك السياسيي بتشكيل حكومة جديدة تحت إشراف المؤسسة العسكرية.
وأثمر انقلاب عام 1980 بقيادة الجنرال إيفيرين حكومة تكنوقراط في معظمها، لكنها تمتعت في الوقت ذاته بدعم سياسي كبير.
والملاحظ أن المؤسسة العسكرية التركية تجنبت دوما تولي الحكم بصورة مباشرة، مكتفية فقط بالرئاسة، وهو منصب كان دوما شرفيا في الجزء الأكبر منه.
أما انقلاب الأسبوع الماضي فلا يحظى بدعم سياسي واضح، وربما كان هذا هو السبب وراء اتخاذ القائمين عليه قرارا بقصف مقر البرلمان في أنقرة لإرهاب السياسيين، وحتى من قبل أن يتضح فشله، أدين الانقلاب من جانب جميع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان.
أما العنصر الثاني من الانقلاب السابق الذي جرى التخلي عنه هذه المرة، فهو هوية المجلس العسكري المقترح. خلال انقلابات أعوام 1960 و1971 و1980، تولى قيادة الانقلاب أكبر مسؤول عسكري بالبلاد باسم حماية المؤسسات العلمانية والثقافة الأتاتوركية بالبلاد.
هذه المرة، لم يشارك في الانقلاب أي من أكبر 100 جنرال عسكري بالبلاد. الأهم من ذلك، أن القائمين على الانقلاب بعثوا برسائل متضاربة حول هويتهم السياسية؛ ما يسّر على إردوغان مهمة اتهامهم بالعمل لحساب «الدولة الموازية» بقيادة رجل الدين المنفي فتح الله غولن.
وكان من شأن مسارعة بعض أنصار غولن داخل البلاد وخارجها لإعلان تأييدهم للانقلاب، منح مصداقية أكبر لادعاءات إردوغان. كما لجأ غولن نفسه إلى رد فعل متأخر؛ الأمر الذي ساعد في الترويج لحديث إردوغان عن وجود «مؤامرة» من جانب «الدولة الموازية».
ومع وسمهم بطابع غولن، لم يجد إردوغان صعوبة في عزل الانقلابيين. وقد نظر الكثير من الأتراك إلى الانقلاب باعتباره صراعا بين فرعين من الحركة الإسلامية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. ورأى الأتاتوركيون أنه ما من ثمة فائدة وراء التخلص من إردوغان لينتهي الحال بالبلاد في قبضة نظيره غولن الذي عاون حزب العدالة والتنمية بادئ الأمر في الوصول إلى السلطة.
ورغم عدم رضاهم عن إردوغان، فإن القاعدة الانتخابية الديمقراطية الأوسع في تركيا لم تشعر بأدنى تعاطف مع الانقلابيين بسبب علاقاتهم المشتبه بها مع غولن وشبكاته المريبة من الاتصالات التجارية والأمنية والدينية والعسكرية.
وقد أيدت هذه القاعدة الانتخابية الانقلابات السابقة لما حملته من وعود بالعودة إلى الحكم الدستوري وإجراء انتخابات حرة، لكن هذه المرة لم يطرح أي وعود من هذا النوع.
وبالنظر إلى المواقف الراهن، يتضح أن إردوغان فاز بجولة أخرى في صراعه مع خصمه وحليفه السابق. إلا أنه رغم تلويحه بعلامة نصر ابتكرها بنفسه تتألف من رفع أربعة أصابع، كان قد تفتق عنها ذهنه للتعبير عن أمله في انتصار الإخوان المسلمين في مصر، يخرج إردوغان من هذه الأيام القلائل ضعيفا للغاية. ويحاول إردوغان حاليا تصوير انتصاره التكتيكي باعتباره نتاج دعم شعبي له تمثل في خروج بضعة آلاف للشوارع في إسطنبول وأنقرة لرفض الانقلاب. بيد أنه في حقيقة الأمر يدرك إردوغان جيدا أن الانقلاب فشل ليس بسبب حشود أنصار حزب العدالة والتنمية، وإنما لتعرضه للرفض من قبل القوات المسلحة التركية والنخبة السياسية.
ومن بين المؤشرات التي توحي بالفعل أن إردوغان خرج ضعيفا من هذه الجولة أنه اضطر إلى الاتصال هاتفيا بقيادات الأحزاب لطلب دعمهم واقترح عقد اجتماعات لمناقشة مستقبل الأوضاع بالبلاد. ويحمل هذا التصرف أهمية خاصة؛ لأنه ظل يرفض على مدار عامين الحديث إلى الخصوم والمعارضين الذين جعل من إهانتهم عادة له.
كما يتضح وهن إردوغان من اضطراره إلى التوسل إلى قيادات الجيش لتوفير نقل جوي له كي يتمكن من العودة إلى أنقرة.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».