ظهور نجوم «القائمة السوداء» في صحف طهران يغضب الملالي

لأكثر من 30 عامًا، كان على الصحف الإيرانية مراقبة قائمة سوداء من الأسماء التي ينبغي ألا يرد ذكرها أبدا في الصحافة الصادرة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وينتمي الكثير من تلك الأسماء «المحظورة» إلى جيل الممثلين ما قبل الثورة، وهم نجوم سينمائيون حظوا بإعجاب وانتقاد وحب وكره الملايين من رواد السينما الإيرانية.
ومن أولى الإجراءات التي اتخذها الملالي فور استيلائهم على السلطة في عام 1979، هو إغلاق صناعة السينما الإيرانية التي كانت تحتل مرتبة من بين أفضل 10 صناعات سينما في العالم، وكانت تنتج ما لا يقل عن 40 فيلما سنويًا. كما قام الملالي بالزج بالكثير من النجوم ومخرجي الأفلام في السجون بتهم ملفقة. في حين جرت مصادرة البيوت والحسابات المصرفية الخاصة ببعضهم، وجرى إلغاء أنظمة التقاعد الخاصة بهم، وأُجبروا على العيش على معونات من أسرهم وأصدقائهم.
أما بالنسبة للممثلات الإيرانيات، فكان عليهن تحمل وطأة القمع والذنب المضاعف لأنهن نساء وممثلات أفلام في آن واحد. بيد أن بهمن مقصودلو، وهو أحد النقاد السينمائيين المشهورين في إيران فضلاً عن كونه مؤرخا، قرر أن يتحدث عن نجمات السينما الإيرانية في فترة ما قبل الثورة، في فيلم وثائقي جديد بعنوان «حد الموسى: إرث الممثلات الإيرانيات». والفيلم الذي تستمر فترة عرضه لمدة 90 دقيقة هو نتاج بحث هائل تم على مدار 20 عامًا، ويتناول في معظمه قصصا سرية حدثت تحت سمع وبصر الشرطة السرية.
وعلى الرغم من أن ذلك الفيلم الوثائقي يتمحور حول إجراء حوارات مع 23 ممثلة، فإنه يمتد إلى نطاق أوسع ليقدم سردًا سريعًا لصناعة السينما الإيرانية التي ظهرت للنور في بداية تسعينات القرن الماضي، وأنتجت أول «فيلم سينمائي ناطق» في عام 1932.
ومن بين الذين جرى إجراء مقابلات معهم، نجوم شباك التذاكر من أمثال فرزانة تائيدي، وإيرين زازيا نس، وشهلا رياحي، وفخري خوروش، وبوري بنائي، وفيدا قهرماني. وكما ظهرت في الفيلم الوثائقي أيضًا بعض الممثلات الأسطوريات، مثل النجمة لوريتا، التي ظهرت في الفيلم وهي محجبة.
ويتضمن الفيلم الكثير من المفاجآت المثيرة. إذ تظهر فيه شهرزاد وهي رمز جلي لما ينعته بعض المثقفين بـ«السينما الفارسية المبتذلة» التي تتوجه إلى جمهور من الرعاع والأميين. وكانت شهرزاد في الأصل تعمل راقصة في ملهى ليلي، وتقول في المقابلة إنها «لم تدرس في الجامعة» وتعلمت أصول المهنة لتصبح ممثلة بارعة. ثم دخلت التاريخ من أوسع أبوابه لتكون أول امرأة إيرانية تقوم بكتابة وإخراج فيلم «مريم وماني» عام 1976. الذي تصدر شباك التذاكر وأغوى الكثير من النقاد.
وثمة مفاجأة أخرى تتمثل في المقابلات التي أُجريت مع إيرين زازيانس وشهلا رياحي، وكلتاهما من كبار النجمات في وقتهما، وتتحدثان عن ظروف العمل في صناعة السينما في الستينات والسبعينات، وبالتالي قاما بتسليط الضوء على جزء مهم من تاريخ إيران المعاصر.
وتُذكرنا المقابلات المطولة التي أُجريت مع كل من فرزانة تائيدي وفيدا قهرماني، بصعوبة أن تكون امرأة في تحت حكم الشاه، فما بالك بأن تكون ممثلة، فالأمر أشبه بالمقامرة.
وكان على النساء الإيرانيات في السينما أن يتغلبن على الكثير من العقبات.
وعلى سبيل المثال كان مثلاً ظهور امرأة تدخن سيجارة محل نقاش مفجع، وكانت أول قبلة في فيلم إيراني أحدثت وقعًا هو الأسوأ من نوعه بالمجتمع الإيراني. وقد حدث هذا بين الممثلة فيدا قهرماني والممثل ناصر مالك مطيعي، الذي كان حينها من كبار النجوم الذكور في السينما الإيرانية، في فيلم «حوادث مفترق الطرق» للمخرج ساموئيل خاشيكيان، وكان مشهد القبلة المقتضب بمثابة فضيحة وطنية. وقام زوج فيدا على إثره بمنعها من الظهور في أي فيلم لمدة عامين.
في حين واجهت الممثلة فرزانة تائيدي تهديدًا أكبر، إذ حضر إلى بيتها ابن عم من الأقاليم لم تسمع عنه من قبل، وكان شاهرًا سلاحه في وجهها وحاول أن يطلق عليها النار لقيامها بتلطيخ شرف العائلة من خلال الظهور في الأفلام.
وقالت: إن الأمر انتهى بعقوبة أقل وطأة بأن قام أبوها بضربها بحزامه لإسكات اللغط الذي أثارته في العائلة. وبينما كان صفع النساء على الوجه يُعد أمرًا روتينيًا خالصًا في السينما الإيرانية، كان توجيه امرأة صفعة لرجل ما بمثابة معضلة كبيرة. غير أن ذلك حدث عام 1965، مما تسبب في فضيحة وطنية كبيرة وتسبب في شكوى التقليديين من أن وجود امرأة تصفع رجلا، قد يُعد مؤشرًا على نهاية العالم.
ومنذ البداية، لم تكن الممثلات الإيرانيات يرتدين الحجاب، الذي صار فيما بعد رمزًا لحكم الخميني (إذ تم اختراعه في السبعينات من القرن الماضي، وجرى فرضه على النساء الإيرانيات بدءًا من عام 1982 حتى وقتنا هذا)، على الرغم من أنه كان يظهر على الشاشة كجزء من الزي الذي يمثل الحياة الواقعية في إيران وخاصة في الريف.
بيد أن هذا الأمر اختفى تمامًا من على الشاشة في الستينات من القرن الماضي، وصارت التكهنات تدور حول متى كان ينبغي على النجمة السينمائية الظهور في ملابس السباحة، وحدث ذلك عندما ظهرت إيرين زازيانس بزي السباحة، وهي من أجمل الممثلات اللاتي ظهرن على الشاشة الذهبية في العالم بأسره. ويتمثل التحدي الثاني في التوقيت والكيفية التي يمكن بها أن يتجرد الممثل الإيراني من ملابسه على الشاشة. وقد حرص الجمهور على مشاهدة بوري بنائي على وجه التحديد، وهي أيقونة أخرى من جميلات السينما، وهي تغطس في المياه في فيلم «وداعًا طهران»، وهو فيلم مثير آخر للمخرج صموئيل خاشيكيان.
غير أن السنوات اللاحقة شكلت «وداعًا للسينما» بالنسبة لجميع النجوم، عندما أحكم النظام الجديد قبضته على إيران.