كارول سماحة تفتتح «مهرجانات بيبلوس» باستعراض العصا والطربوش

تحيتان واحدة لـ«الصبوحة» وأخرى لـ«بيروت» التي جمعت صفاء الإيمان

قدمت كارول 22 أغنية على ثلاث مراحل، وبثلاثة أثواب مختلفة («الشرق الأوسط»)
قدمت كارول 22 أغنية على ثلاث مراحل، وبثلاثة أثواب مختلفة («الشرق الأوسط»)
TT

كارول سماحة تفتتح «مهرجانات بيبلوس» باستعراض العصا والطربوش

قدمت كارول 22 أغنية على ثلاث مراحل، وبثلاثة أثواب مختلفة («الشرق الأوسط»)
قدمت كارول 22 أغنية على ثلاث مراحل، وبثلاثة أثواب مختلفة («الشرق الأوسط»)

بالبهجة والطرب ومناجاة الوطن والحبيب، افتتحت الفنانة اللبنانية كارول سماحة «مهرجانات بيبلوس الدولية» يوم أول من أمس، بحفل استعراضي يقدم لليلة واحدة. وكما كان متوقعًا فإن الإقبال جاء كثيفًا، لحضور حفل النجمة التي غابت لفترة طويلة عن المسرح، رغم أن لها جمهورها الذي يتابعها منذ كانت تطل بطلة في المسرحيات الرحبانية، ومن ثم عبر فيديو كليباتها، وحفلاتها.
أطلت كارول سماحة كما يليق بفنانة شاملة، تعرف كيف تجعل التناغم انسيابيًا رقراقًا بين الصوت والحركة والموسيقى، وكيف تتعاطى مع الجمهور والطبيعة الجبيلية الخلابة التي تحيط بها. بمساعدة المخرج جيرار أفيديسيان، الذي اشتغل على جعل الاستعراض قريبًا من روح كارول ورومانسية أغنياتها أحيانًا كما حماستها في أحيان أخرى، جاء الحفل متوكئًا على الرقص دون أن يجعله المحور الأساسي كما كان متوقعًا.
بقي صوت كارول وحضورها الجذاب على المسرح، وحسن اختيارها لأغنياتها هو الجوهر. الشاشات العملاقة التي شكلت جدارًا لخلفية الخشبة وجانبيها، بما عرضته من جميل المشاهد والصور والأفلام والغرافيك، رفعت العرض على مراتب جمالية متعة للمتفرج.
إضافة إلى النشيد الوطني اللبناني، أراد منظمو المهرجان التضامن مع الشعب الفرنسي في محنته التي تعرض لها في مدينة نيس، فبقي الحضور وقوفًا تحية للنشيد الوطني الفرنسي أيضًا.
دندنات من صوت كارول سماحة، وخليط من أغنياتها، والشاشة الخلفية تحولت إلى بحر هادئ في ليل ساكن، تمامًا كما هو المشهد الفعلي الذي يلف المدرجات التي نجلس عليها وسط بحر جبيل، وتدخل كارول بفستانها الأزرق، لتغني «راجع تسأل عني، إيه والله كثر خيرك» و«تطلّع فيني هيك، هو دى مش عينيك»، متساءلة عن تغير أحوال الحبيب ولمساته وهمساته، وكذلك «ذكريات» قبل أن تستدعي الراقصين لمشاركتها الخشبة وتسأل الجمهور إن كان جاهزًا.
على وقع أغنية «مرسي مرسي أعرف قيمة حالي أكثر» رقصت كارول بصحبة الفرقة، التي أدت لوحات من تصميم سامي خوري.
كما غنت «خليك بحالك» و«من أول ما تلاقينا». مجموعة مختارة من أجمل أغنياتها بدءًا من ألبومها الأول «حلم» وصولا إلى الأخير الذي يحمل اسم «ذكرياتي».
22 أغنية قدمت على ثلاث مراحل، وبأثواب ثلاثة مختلفة فكان الأزرق ومن ثم الفضي الذي اختارته لإطلالتها الثانية التي دشنتها وهي تدخل إلى المسرح بدراجة نارية، وأدت خلالها «خليك بحالك» و«حدودي السما» مع رقص تانغو ثنائي رومانسي، و«تعودت عالحياة من بعده» وأغنيات أخرى بينها، أغنية روك تحمل عنوان «ريكنج بال» قالت الفنانة إنها من بين المفضلات لديها، شارحة أنها حين كانت في الجامعة كانت تميل في لباسها إلى موضة «الهيبيز قليلاً، كما صارحت الجمهور أنها في اليوم الذي سبق الحفل، وأثناء التمرينات صعدت المدرجات لتتحدث مع العاملين معها، وسقطت وقد طلب لها الصليب الأحمر الذي أجرى الإسعافات اللازمة، وأنها ربما في كل مرة يكون لها حفل في لبنان تقع لها حادثة مشابهة».
غنت كارول في هذه الليلة التي كانت أشبه بعيد بالنسبة لعشاقها، ما يقارب الساعتين، دون استراحة فعلية باستثناء تلك التي كانت تسرقها لتغير ملابسها، وجاء الرقص غربيًا وشرقيًا، دون إغفال الدبكة، كما شهدنا لوحات تم أداؤها بالعصا والطربوش.
وفي المحطة الثالثة والأخيرة، ارتدت سماحة فستانًا أبيض له لمسة فرعونية، مستمدة ربما من إقامتها المستجدة بعد زواجها في مصر. وقد خصص لهذا القسم الذي اختتم السهرة أحلى الأغنيات وأكثرها إثارة لحماسة الجمهور.
وما بين المصري واللبناني تنقلت الفنانة، وجاءت أغنية «وحشاني الدنيا في بلدي»، بما رافقها من أشرطة لقوافل مسافرين على رمال الصحراء حاملين حقائبهم وحاجياتهم، رافعين يافطات تنادي بالحرية، بمثابة تحية للألم العربي بهجراته واللاجئين والمحرومين من أوطانهم. أما التحية الأكبر فكانت للمطربة الراحلة صباح، حيث مرت صورها المعلقة على جدران حمراء على جوانب المسرح جميلة متألقة، بينما كانت كارول سماحة تؤدي لها أغنية «تعلى وتتعمر يا ديار» لتدب حيوية جنونية على المسرح.
مرة أخرى تبدو الصبوحة هي السيدة التي تبقى أغنياتها ومواويلها متعة لشعب بلدها. وختمت كارول بأغنية جديدة لبيروت، تقدمها للمرة الأولى خصت بها جمهورها، فيها الكثير من الحب للأرض والنقد للسياسيين، وفتح أبواب الأمل، حيث تقول للبنان إن على ترابه «جمعتنا الأديان وصلينا وصفينا الإيمان.. ست الحلا أنت، بيروت ما تزعلي». على مشاهد من جبال لبنان وبحره وآثاره، اختتم الحفل الشيق الذي كان خير ما يمكن أن تفتتح به مهرجانات صيفية تريد لروادها أن يسعدوا ويطربوا ويخرجوا آخر السهرة، وهم يرددون أحلى الكلمات وأكثرها ندى ورقة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».