تقدم بطيء لميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» في منبج

الوضع الإنساني والطبي يزداد سوءًا.. و«داعش» يستخدم المدنيين دروعًا بشرية

جون كيري خلال لقائه نظيره الروسي سيرجي لافروف بخصوص سوريا في موسكو أمس (أ.ب)
جون كيري خلال لقائه نظيره الروسي سيرجي لافروف بخصوص سوريا في موسكو أمس (أ.ب)
TT

تقدم بطيء لميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» في منبج

جون كيري خلال لقائه نظيره الروسي سيرجي لافروف بخصوص سوريا في موسكو أمس (أ.ب)
جون كيري خلال لقائه نظيره الروسي سيرجي لافروف بخصوص سوريا في موسكو أمس (أ.ب)

تتقدم ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية»، ذات الغالبية الكردية، ببطء في منطقة منبج بريف محافظة حلب الشمالي الشرقي، بشمال سوريا، حيث تستمر المعارك العنيفة مع تنظيم داعش في وقت يعاني فيه آلاف المدنيين المحاصرين من كارثة إنسانية، نتيجة وقوعهم تحت الحصار الذي تفرضه القوات على مدينة منبج من جهة، وتحت رحمة التنظيم المتطرف في الداخل من جهة أخرى. وفي حين يزداد الوضع الإنساني والطبي سوءا يوما بعد يوم، اضطر سكان الأحياء التي تدور فيها اشتباكات للنزوح إلى الأحياء الواقعة وسط المدينة الصغيرة، والإقامة في الحدائق العامة والمحال التجارية والمستودعات.
ويوم أمس سيطرت «قوات سوريا الديمقراطية» على «مبنى النفوس» وسط مدينة منبج، بحسب ما ذكرت وكالة «سبوتنيك» الروسية، مشيرة إلى أنها تمكنت من الاستيلاء على دبابة وقتل أكثر من 25 من عناصر «داعش». كذلك استمرت الاشتباكات العنيفة بين الجانبين في القسم الشمالي من حي الحزاونة، وفي محيط المستشفى الوطني، وتترافق مع شن طيران التحالف الدولي غارات مكثفة على مواقع التنظيم داخل منبج.
ونقل «مكتب أخبار سوريا» عن مصدر من منبج قوله إن قسما من سكان المدينة البالغ عددهم اليوم نحو 25 ألفا، اتخذ الحديقة مكانا لتجنب قصف طيران التحالف الدولي الذي يساند الميليشيا في حملة السيطرة على منبج، فيما سكن آخرون المحال التجارية والأقبية التي كانت تستخدم مستودعات، مؤكدا أن التنظيم لم يسمح بفتح ممرات آمنة للمدنيين ليخرجوا إلى ريف المدينة، مرجحا أن يكون هدفه الحد من فعالية غارات الطيران، ولاتخاذهم «دروعا بشرية» في حال سقوط المدينة. وهذا ما ذكره المسؤول الكردي إدريس نعسان لـ«الشرق الأوسط»، الذي قال إن القسم الأكبر في منبج بات تحت سيطرة ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية»، فيما لا يزال هناك بعض الجيوب التي يتواجد فيها التنظيم بين المدنيين «الذين يتخذ منهم التنظيم دروعا بشرية». وقال نعسان: «إن هناك كثيرا من المباني الحكومة التي أصبحت تحت سيطرة القوات، وأهمها (دوار السبع بحرات) الذي دخلت إليه يوم أول من أمس».
ويصف المصدر الكردي المعارك التي تجري في منبج بـ«حرب العصابات والشوارع» مشيرا إلى أن «مجلس منبج العسكري» يحقق تقدما وإن كان بطيئا في وجه محاولات «داعش» المستمرة لفك الحصار عن عناصره من مختلف المحاور، واعتماد أساليب زرع المفخخات والتفجيرات. وأكد أن المدينة باتت على أبواب السقوط و«لهذه المعركة حيثياتها الإنسانية بالدرجة الأولى، إذ إنه إذا اعتمدنا على الجانب العسكري فقط فإنها ستسقط خلال أيام». ومن ثم اعتبر أن «داعش» اليوم «تتعرض للانهيار والاستنزاف» وحصار المدينة لفترة طويلة «سيؤدي بلا شك إلى سقوطها.. لكن المدنيين في الداخل يعيشون حالة مأساوية ويطلقون بشكل دائم نداءات استغاثة».
من ناحية ثانية، بينما يؤكد كثيرون من المدنيين الذين فروا من مناطق القتال أن ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية - التي تشكل العمود الفقري لميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» - تمنعهم من العودة إلى مناطقهم التي استعيدت من التنظيم، يرد نعسان معتبرًا الاتهامات غير صحيحة، ويدعي أن من يطلقها جهات متضررة من تحرير منبج. وحسب المصدر الكردي فـ«إن المناطق المحررة في المدينة عاد إليها آلاف المواطنين، ويتم توفير المساعدات والمواد الغذائية التي يحتاجونها قدر الإمكان»، مكررًا اتهام «داعش» باستهداف المدنيين الذين يحاولون الهروب من مناطق سيطرته.
في هذه الأثناء، أشار «مكتب أخبار سوريا» إلى أن «داعش» أجبر أصحاب المستودعات والمحال الموجودة في منبج خلال الأسبوع الفائت على فتحها، وبيع المواد للأهالي بأسعارها المعتادة، ما حدّ من ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وأوضح «المكتب» أن المحاصرين داخل المدينة يعانون أوضاعا إنسانية ومعيشية صعبة، بعد تقدّم القوات والسيطرة على كامل حيي الحزاونة والمطاحن في الجهة الجنوبية الشرقية، والمدخل الغربي ودوار السبع بحرات قرب المستشفى الوطني. وأكد مصدر محلي لـ«المكتب» أن التنظيم المتطرف لا يزال يمنع السكان من استعمال جميع وسائل الاتصال للتواصل مع خارج منبج، وفرض غرامة قدرها 500 ألف ليرة، أي ما يزيد عن ألف دولار أميركي، على كل من يجد عنده خط اتصال خلوي يعمل على الشبكة التركية، ويثبت عليه التواصل مع الآخرين عبره، وذلك بعد إيقاف جميع شبكات الإنترنت الفضائي الخاصة في المدينة.
من جهة أخرى، قال فيصل عبد العزيز، وهو صاحب صيدلية طبية في منبج، كان قد غادر المدينة قبل الحصار، لـ«مكتب أخبار سوريا»، إن الوضع الطبي في المدينة حاليا «سيئ جدا»، إذ بدأت الأدوية في النفاد من المستودعات الطبية والصيدليات، كما أُغلق كثير منها نتيجة نزوح أصحابها إلى مناطق أخرى، في حين غادرت الغالبية الساحقة من الأطباء خارج منبج، وخاصة إلى تركيا.
جدير بالذكر، أن ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن، كانت قد بدأت في 31 مايو (أيار) هجوما في ريف حلب الشمالي الشرقي للسيطرة على منبج التي استولى عليها «داعش» عام 2014، وتمكنت، بدعم جوي من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، من تطويق منبج وقطع كل طرق الإمداد إلى مناطق سيطرة التنظيم المتطرف وباتجاه الحدود التركية.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.