تحديات اليمنيين الصعبة وخياراتهم الممكنة.. رؤية استشرافية

دولة «نصف فيدرالية» بصلاحيات واسعة تضمن مصالح الجميع

تحديات اليمنيين الصعبة وخياراتهم الممكنة.. رؤية استشرافية
TT

تحديات اليمنيين الصعبة وخياراتهم الممكنة.. رؤية استشرافية

تحديات اليمنيين الصعبة وخياراتهم الممكنة.. رؤية استشرافية

* كانت مطالب الحراك الجنوبي عقلانية ومعتدلة ولم تكن راديكالية.. إذ رفعت مطالب مشروعة من أبرزها إعادة تقييم العلاقة وتحديدها بين الشمال والجنوب في كيان بلد موحد إضافة إلى ضرورة المساواة والعدل في استثمار الموارد وتوزيعها.. والمسارعة في الإصلاح والمشاركة الشاملة السياسية والعسكرية والإدارية وإعادة الهيكلة الإدارية والإجراءات والقوانين

* إجبار الرئيس علي صالح على التنازل عن السلطة وتفويض نائبه جنب اليمن مصادمات عسكرية وزعزع بعض أساسيات النظام القديم

* الحراك الجنوبي استفاد من انتفاضة الشمال وكشف عن قدرة قوية في حشد الاحتجاج والتظاهر في الجنوب من أجل تثبيت مشروعية مطالبه

* مبادرة مجلس التعاون الخليجي أسست لخارطة طريق تضمن انتقال اليمن سلميا من أزمته وأخطارها إلى وضع جديد آمن ومستقر

يمكن القول إن اليمن في شماله وجنوبه كان دوما عرضة لعدم الاستقرار، لأكثر من قرنين من الزمن، ولكن بعد سيطرة العثمانيين على الحجاز ونجد (1811 - 1818)، في عهد محمد علي باشا، والي مصر (1805 - 1843)، وقعت بعض أجزاء اليمن تحت النفوذ العثماني في عام 1818. فأعلنت الإمامة الزيدية، في صنعاء، ولاءها للعثمانيين. وعندما أعلن محمد علي استقلاله عن الدولة العثمانية عام 1831، تعرض شمال اليمن إلى السيطرة المباشرة للحكم المصري فيما بين 1833 - 1839. ومع تقدم قوات محمد علي في اليمن في الثلاثينات من القرن التاسع عشر، سارعت بريطانيا إلى احتواء النفوذ المصري في تلك الفترة، وتحذير محمد علي من تقدم قواته تجاه الجنوب. وفي النهاية، قامت بريطانيا بمحاصرة عدن في عام 1838، ولم تلبث أن احتلتها بالقوة، وذلك بعد مقاومة عنيفة دامية في أوائل عام 1839. ومنذ هذه السنة امتدت السيطرة البريطانية سريعا إلى الأجزاء الباقية في جنوب الجزيرة العربية، وذلك على الكيانات التي عرفت فيما بعد بـ«المحميات التسع»، حسب التسمية البريطانية الاستعمارية. وتنفيذا لقرارات مؤتمر لندن عام 1840، قامت بريطانيا بزعامة تحالف دولي، وأجبرت محمد علي بالانسحاب من جميع المناطق التي سيطر عليها في المشرق العربي، بما في ذلك اليمن، وفي الوقت ذاته أعيد محمد علي إلى حظيرة الدولة العثمانية، واليا على مصر، ولكن بصلاحيات محدودة واسمية.
وعلى أي حال، فيما بين أعوام 1840 - 1871، ظل النفوذ العثماني اسميا أو شبه معدوم في اليمن، الذي بات عرضه للنزاعات المحلية وتنافس أئمة الزيدية على السلطة فيه، بينما كان الاستعمار البريطاني يتمدد بقوة في الجنوب. وبعد افتتاح قناة السويس عام 1869، تمكنت الدولة العثمانية من تجهيز حملة كبيرة، بقيادة أحمد مختار باشا، الذي سيطر على المخلاف السليماني في عام 1871، ثم على اليمن في عام 1872. وفي هذه المرة أصبح اليمن تحت الحكم العثماني المباشر، ويدار من قبل الولاة والقادة العثمانيين أنفسهم، ومع هذا أبقت الدولة العثمانية منصب الإمامة الزيدية في صنعاء، بصورة شكلية من أجل كسب نوع من الولاء والشرعية.
ومهما يكن من أمر، منذ عام 1872 شب نزاع مرير بين الدولة العثمانية وبريطانيا حول مسألة تبعية الكيانات - المحميات - في جنوب الجزيرة العربية، ولم تهدأ الأوضاع إلا في مطلع القرن العشرين عندما أذعنت الدولة العثمانية لبريطانيا ووقعت معها برتوكولات أعوام 1903، 1904، 1905، التي أشارت إلى مدى تبعية مناطق الدولتين بصورة عامة ملتبسة. والأكثر سوءا، تبنت الدولتان الأجنبيتان هذه البروتوكولات وألحقتها في الاتفاقية الإنجليزية - العثمانية في أغسطس (آب) عام 1914، وذلك قبيل نشوب الحرب العالمية الأولى بعدة شهور.
ومع نهاية الحرب العالمية 1918م وانهيار الدولة العثمانية أصبح اليمن - الشمالي - مستقلا عن أي نفوذ أجنبي، بل إن كلا من الإمام يحيى حميد الدين (1918 - 1948)، والإمام أحمد يحيى حميد الدين (1948 - 1962) لم يتنازلا إطلاقا عن مطالبهما مع بريطانيا عن كيانات الجنوب، كما لم يعترفا في البرتوكولات واتفاقية 1914 بين الدولة العثمانية وبريطانيا، التي تعتبر الدولتين أجنبيتين وليس لهما شرعية، ولا يحق لهما التصرف والتفاوض على الممتلكات والأراضي اليمنية.
وعلى الرغم من الضغوط والإغراءات البريطانية المتزايدة على الإمام يحيى من أجل التخلي عن المطالبة بالجنوب، إلا أنه لم يتراجع. ووصل الطرفان إلى حل مؤقت، حسب الاتفاقية البريطانية اليمنية لعام 1934، التي أكدت في مادتها الثالثة على المحافظة على الوضع الراهن في مناطق الطرفين حتى يصل الجانبان إلى تسوية نهائية في فترة سريان الاتفاقية، وهي 40 سنة بدءا من تاريخ توقيعها.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، وتطور حركة الاستقلال الوطني في الجنوب، سخر الإمامان جهودا سياسية وعسكرية وإعلامية كبيرة لدعم المقاومة الوطنية للاستعمار البريطاني، وأصبحت صنعاء مركزا للقيادة والأحزاب والفئات المنفية المناهضة له. ومع نهاية سلطة الإمامة في ثورة 1962، وعلى الرغم من الحرب الأهلية الداخلية، ظل اليمن يساعد المقاومة السياسية والمسلحة ضد بريطانيا حتى نال اليمن الجنوبي استقلاله بعد انسحاب بريطانيا في أواخر عام 1967.
وهكذا، بدلا من أن يكون عام 1967 فاتحة عهد جديد، ثار نزاع شديد بين الدولتين حول مسائل الحدود والمناطق التي تركها الإرث الاستعماري الطويل، ثم تطور إلى صراع مرير نتيجة التباين الجذري في التوجهات السياسية والآيديولوجية بين جمهورية اليمن العربية من جهة، وجمهورية اليمن الديمقراطية ذات الحكم الاشتراكي الراديكالي من جهة ثانية، خاصة خلال عقدي السبعينات والثمانينات. وقد ظلت الخلافات على أشدها بين قيادات الحزب الاشتراكي الحاكم، ولم تلبث أن قادت إلى صراع دموي شديد على زمام السلطة في يناير (كانون الثاني) عام 1986. أما الشطر الشمالي، فلم يكن أفضل حالا، إذ كان عرضة لسلسلة من الانقلابات والاغتيالات. وفي النهاية، وبعد اغتيال الرئيس أحمد الغشمي في يونيو (حزيران) 1978، رشح مجلس الشعب في يوليو (تموز) 1978، علي عبد الله صالح (1978 - 2011) رئيسا للجمهورية، وظل في السلطة لأكثر من 33 عاما، تمكن خلالها من تحقيق إنجازات رئيسة بارزة، وفي الوقت عينه، شهد عهده الكثير من الفساد والمظالم.
فقد جرت في عهده انتخابات وتعددية وحريات ومجلس نواب ودستور.. إلخ، بدرجة أو بأخرى، وبغض النظر عن مدى حقيقتها أو شكليتها. وكذلك تمكن الرئيس صالح من تحقيق الوحدة بين الشطرين في عام 1990، وحل كثير من قضايا الحدود التاريخية العالقة بين اليمن وجيرانها، إريتريا وعمان والسعودية، وتوسع في علاقات اليمن العربية والإقليمية والدولية. لكنه مع مرور الوقت، انفرد بالسلطة، ونما في عهده الاستبداد، وتعددت المحسوبيات، وتنوعت مراكز القوى، وانتشر الفساد والاستغلال الفاحش في الأوساط السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية كافة. وبدلا من استثمار الكفاءات العلمية والمهنية، أصبحت كثير من الوظائف، خاصة في المناصب القيادية، تخضع إلى الأهواء والولاءات الشخصية والعائلية وأصحاب المصالح من ذوي المال والنفوذ، كما ذهبت معظم الإعانات والمساعدات الخارجية إلى جيوب الفئات المتنفذة المختلفة، وأصبح نشاط القطاع الخاص محتكرا إلى حد كبير من قبل هذه الفئات.
وعموما، سارعت الحكومتان في صنعاء وعدن إلى الاتفاق على صيغة وحدة اندماجية في 22 مايو (أيار) 1990. ويعود هذا التوجه إلى أسباب داخلية وخارجية أملتها طبيعة الظروف الخاصة لكل من الدولتين. لكن سرعان ما برزت مشكلات كبيرة بين القيادتين السياسيتين الشمالية (المؤتمر) والجنوبية (الاشتراكي)، تطورت سريعا 1994، مع اندلاع حرب أهلية قصيرة بين الشطرين انتصر فيها الشمال، إلا أن هذا الانتصار السريع لم يكن الفصل الأخير في الصراع بين الطرفين. ومنذ تلك اللحظة ظهرت رؤيتان أساسيتان ومتعارضتان؛ الأولى أن الحرب عززت الوحدة الوطنية بين الشطرين، وقضت على طموحات الانفصال، والثانية أنها قد قضت بتداعياتها اللاحقة، على مشروعية الوحدة وآفاقها المستقبلية، وقادت إلى احتلال الشمال للجنوب.
وكانت الرؤية الثانية تعبر عن الشعور السائد لدى معظم سكان الجنوب. فقد تضررت الفئات الاجتماعية كثيرا في الشطر الجنوبي بشكل خاص، مع تزايد استفراد سلطة الرئيس علي صالح ونظامه، والتخوف من احتمالات المستقبل. لقد لجأ نظام صنعاء إلى تسريح معظم القوات الجنوبية من الخدمة، وأجرى مناقلات رئيسة في القوات الأخرى، وتغييرات طالت قياداتها العسكرية والأمنية، إضافة إلى عدم صرف المستحقات والتقاعد وإنكارها. وعلى الرغم من أن الشطر الجنوبي كان أفضل تعليما وخبرة ومهنية وأكثر تطورا ومدنية من الشمال، فقد استحوذ الشماليون على المناصب الإدارية والوظيفية في المحافظات الجنوبية، وسيطروا على كثير من النشاطات والموارد الاقتصادية. وكذلك تدهورت البنية التحتية والخدمات العامة، وساءت الأوضاع المعيشية والسكنية والصحية والتعليمية، وهكذا انتشر الفساد والمحسوبية وعدم الأمن والاستقرار، وازداد الفقر والتذمر والنقمة في أجزاء اليمن كافة. وأخذ الكثيرون من سكان الجنوب يتمنون عودة النظام الاشتراكي السابق، الذي انتقدوه في الماضي.
لهذا لم يكن مستغربا أن تثور المطالبات والاحتجاجات منذ زمن في محافظات كثيرة، وأن يتزايد الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني، الذي أدى بدوره إلى ظهور التطرف والعنف بصورة غير مسبوقة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وتداعياتها المتسارعة دوليا وإقليميا، وبعد لجوء كثير من أنصار «القاعدة» في أفغانستان إلى اليمن فيما بعد، وتحالف النظام مع الولايات المتحدة عسكريا وأمنيا في مواجهة الإرهاب، إلا أن تلك العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة ونظام علي صالح أصبحت مثار شبهة وذريعة سياسية أخرى لتعبئة المقاومة ضد النظام نفسه. في هذا السياق، لم يأتِ اندلاع التمرد في محافظة صعدة الشمالية في عام 2004، معقل الحوثيين، مصادفة، حيث تطورت الأحداث إلى مواجهات وقعت خلالها، خمس حروب بين الحوثيين والقوات الحكومية منذ عام 2004. وبدأ يظهر بعض الداعين إلى إحياء الزيدية وإمامتها والعودة إلى المحافظة على المنظومة الزيدية وبعض شعائرها التاريخية القديمة، خاصة تلك المغالية من بعض أئمة الزيدية في قرون ماضية.
ومما زاد من التأثير الحوثي أن محافظة صعدة تعرضت للإهمال والتهميش في نواحٍ كثيرة، كما أن الحروب المتكررة والقصف الجوي والعنف الذي مارسته السلطة أدى إلى تدمير القرى والطرق والبنية التحية وزيادة المظالم.
أما المحافظات الشمالية، فقد تدهورت أوضاعها وكثر فيها النهب والسلب والاختطاف وتهريب الأسلحة، وانخراط القبائل في هذا النزاع وتنافس الميليشيات على الموارد والمساعدات من الحكومة.. إلخ. وكذلك أحاط بالمشكلة اليمنية البعد الدولي والإقليمي، مع تنامي النفوذ الإيراني وتدخل طهران الواضح في الشؤون اليمنية.
ومنذ عام 2007، أصبحت حركة الاحتجاج أوسع انتشارا وشعبية في الجنوب، وعرفت منذ ذلك الحين، بالحراك الجنوبي، وهو تحالف حركات سياسية واجتماعية قديمة وجديدة. وللحق، ففي البداية كانت مطالب الحراك الجنوبي عقلانية ومعتدلة، ولم تكن راديكالية، إذ رفعت مطالب مشروعة، من أبرزها إعادة تقييم العلاقة وتحديدها بين الشمال والجنوب في كيان بلد موحد، إضافة إلى ضرورة المساواة والعدل في استثمار الموارد وتوزيعها، والمسارعة في الإصلاح والمشاركة الشاملة السياسية والعسكرية والإدارية، وإعادة الهيكلة الإدارية والإجراءات والقوانين.
وعلى الرغم من وعود حكومة صنعاء الكثيرة، فإنها لم تتخذ أي مبادرات إصلاحية أو حتى جزئية. وتدريجيا انجرت حكومة صنعاء إلى القسوة والقمع الشديدين ضد خصومها تحت مبررات مختلفة. ومع تزايد القمع والإنكار ازدادت شعبية الحراك الجنوبي، وبدأت الأصوات تتعالى كثيرا وتطالب بالانفصال.
ومن دون شك، فقد أفادت انتفاضة الشمال الحراك الجنوبي، الذي كشف عن قدرته القوية في حشد الاحتجاج والتظاهر في الجنوب من أجل تثبيت مشروعية مطالبه، حيث استفادوا من مواقف كثير من النشطاء الشباب، وأطراف قوية في أحزاب اللقاء المشترك من الشمال والجنوب الذين يأملون في تجاوز الانقسام الوطني. وإذا كانت الانتفاضة في الشمال فرصة استراتيجية للحراك الجنوبي لا يمكن التفريط بها، ففي المقابل، ساعد الوضع الجديد على انفتاح بعض الأطراف الشمالية والجنوبية، ومهّد لنوع من الثقة وكسر الحواجز وتبادل وجهات النظر ومناقشة الخيارات الممكنة كافة حول مستقبل اليمن عموما، والجنوب خصوصا.
وفي النهاية، ومع استمرار الانتفاضة وصمودها، وبدعم من مجلس الأمن والولايات المتحدة والدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، قام مجلس التعاون لدول الخليج العربي في فبراير (شباط) 2012، بمبادرة سياسية شاملة ومتماسكة من أجل إنقاذ اليمن من خطر الصراع وتقرير مستقبله، لكي تصبح خارطة طريق تضمن انتقال اليمن من أزمته وأخطارها إلى وضع جديد آمن ومستقر بصورة سلمية. وقد شملت الاتفاقية تفاصيل كثيرة ومحددة، من أبرزها تنحي الرئيس علي عبد الله صالح من السلطة، ومنحة الحصانة من الملاحقة القضائية في الداخل، كما وضعت وثيقة تنفيذية حول مرحلة انتقالية محددة في خطواتها ومراحلها ضمن أطر زمانية (Benchmarks). وهكذا، وبموجب آلية التنفيذ برعاية الأمم المتحدة لخارطة الطريق، صار على الحكومة أن تُخضع قوات الأمن كافة للقيادة المدنية، وأن تنجز مشروعا للدستور وتصلح النظامين الانتخابي والقضائي، وأن تضع قانونا للعدالة الانتقالية، وإجراء انتخابات عامة في عام 2014. وكذلك قضت الاتفاقية بتفويض علي صالح كامل السلطة إلى نائبه، عبد ربه منصور هادي، وتشكيل حكومة إجماع وطنية، تضم حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك، وإطلاق حوار وطني يضم جميع الأطراف لمعالجة مظالم كل المجموعات، وإضافة إلى تشكيل لجنة عسكرية وأمنية تعمل على معالجة الانقسام والتوتر داخل القوات العسكرية والأمنية.
وافق علي صالح بعد شهور من المماطلة على الاتفاقية، ووقعها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، مع تفويض السلطة لنائبة عبد ربه هادي، ثم أُجريت انتخابات رئاسية حيث انتخب عبد ربه هادي رئيسا - بلا منافس - لليمن في 21/ 2/ 2012. وقد حدد الرئيس هادي لحكومته مدة سنتين، على أن تعمل على تنفيذ أمور رئيسة، من أبرزها إطلاق مؤتمر حوار وطني، وإعادة الهيكلة العسكرية والأمنية، وتحقيق العدالة الانتقالية، ومعالجة القضايا السياسية والاقتصادية، ووضع دستور جديد يحظى بإجماع وطني قبل انتخابات فبراير (شباط) 2014. وعلى أي حال، فمن المؤكد أن إجبار الرئيس علي صالح على التنازل عن السلطة وتفويض نائبه جنّب اليمن مصادمات عسكرية، أو حتى حربا أهلية على أسوأ تقدير، كما زعزع بعض أساسيات النظام القديم. ومن دون شك، فإن المرحلة الانتقالية، على الرغم من تعثرها وانتخاب رئيس جديد، قد فتحت الإمكانية لفرصة نادرة وثمينة لن تتكرر، وبالتالي يمكن أن تتيح صياغة قواعد وعلاقات جديدة تحفظ مصالح جميع الأطراف، في إطار يمن موحد.
وفي الحقيقة، فإن البرنامج الذي أعلنه الرئيس عبد ربه هادي وحكومته، كان طموحا ومثيرا للإعجاب، ولكن تنفيذه يتطلب توفر مناخ ملائم وشروط صعبة وكثيرة. وعموما، وأيا كانت الآمال المعقودة، فقد بدأ مؤتمر الحوار الوطني في 18 مارس (آذار) 2013، تحت مظلة عامة تضم فئات متعددة ومختلفة من الشمال والجنوب. غير أن ثمة مشكلات عدة قد تعترض المرحلة الانتقالية، هي:
أولا: الوضع الاقتصادي الفاسد والمتهالك لعقود طويلة، خاصة في السنوات الأخيرة بعد اندلاع الانتفاضة والاحتجاجات.
ثانيا: تؤكد التجارب أن الشعوب بعد كل ثورة أو تغيير تساورهم آمال واسعة بحل مشكلاتهم بصورة مباشرة، وإذا لم يحدث هذا يُصاب الناس بالإحباط بسرعة، ثم يتراجع حماسهم بقوة، ولا تلبث أن تنكفئ كل فئة أو طرف إلى وضعها السابق، وهنا فإن اليمن في هذه الحالة ليس استثناء. وفي اعتقاد الكاتب، فإنه إذا نجحت الدول المانحة في اتخاذ إجراءات كبيرة وعاجلة في الاستجابة لمعالجة أهم مشكلات الظروف المعيشية والإنسانية خلال الفترة الراهنة من المرحلة الانتقالية، فإن غالبية الشعب سوف يكون مستعدا للصبر والانتظار لإنجاز التسوية السياسية.
ثالثا: على الرغم من سعي الرئيس هادي في المناقلة والتغيير في القيادات العسكرية والأمنية، مثل أبناء علي صالح وعائلته وذويه، وكذلك الفريق علي محسن الأحمر من عائلة الأحمر القوية، فإن مراكز الجانبين قوية وباقية في الأجهزة العسكرية والأمنية، كما يسيطر الفريقان منذ زمن على كثير من الموارد والثروات والأنشطة الاقتصادية. ولهذا فإن كل فريق قد يسعى لحفظ مصالحه السابقة، وربما يستطيع أي طرف أن يستغل موارده لتقويض مصالح الآخر مما يؤدي إلى المقاومة والممانعة في إعادة الهيكلة في الأجهزة العسكرية، من حيث دمج الفرق والمناقلات والصرف عن الخدمة وحل بعض الفرق الخاصة.
رابعا: ما زالت تحديات الحراك الجنوبي والحوثيين قائمة، وبالطبع لكل طرف أسبابه من نواحٍ عديدة، فالنزعة الانفصالية تتزايد في الجنوب، كما وسع الحوثيين سلطتهم ومناطقهم في الشمال، وما زال الجانبان ينظران بكثير من الشك إلى نجاح المرحلة الانتقالية، ولهذا لا بد أن تُبنى جسور التواصل والثقة، مهما كانت سعة الخلاف.
خامسا: ومع سوء الأوضاع والفراغ الأمني المتزايد لأكثر من عقد من الزمن، أصبحت كثير من المناطق، خاصة البعيدة، مسرحا لـ«القاعدة» وأنصارها، علاوة على انتشار أنصار الشريعة، وهم مزيج من «القاعدة» وسلفيين ومتطرفين. ومع سوء الأمن في المدن الرئيسة، مثل صنعاء وتعز والحديدة، فإن المناطق الأخرى، مثل أبين ومآرب والجوف وحضرموت، باتت أكثر سوءا وإهمالا.
سادسا: ومما يزيد الطين بله، تصاعد النقمة ضد العمليات الأميركية واستخدام الطائرات من دون طيار (Drones) في قصف أي هدف مشتبه فيه، مما ينتج عنه كثير من الدمار العشوائي الوحشي الذي يذهب ضحيته المئات من الأبرياء. وساهم ذلك، إلى حد كبير، في تقوية مواقع «القاعدة» وادعاءات المتطرفين، وظهور جماعات مسلحة معارضة للنظام في صنعاء، ترفض التدخل الأميركي، كما أصبحت هذه الجماعات ترتبط بصورة أو بأخرى مع «القاعدة» والفئات الجهادية، نتيجة لتقاطع بعض المصالح والأهداف، على الرغم من أنها أصلا مدفوعة بعوامل سياسية واجتماعية أكثر من عقائدية دينية.
سابعا: مما يظهر - حتى الآن - في مؤتمر الحوار الوطني، أن الممارسات والمناقشات الحزبية التقليدية ما زالت تسيطر على هذه الفئات، ويشعر كثير من الإصلاحيين والنشطاء أن المصالح السياسية الخاصة لحزب المؤتمر الشعبي وأحزاب اللقاء المشترك، أصبحت تطغى على المصلحة العليا العامة، وأن الطرفين يسعيان للمحافظة على دولة شديدة المركزية، مع إضافة واجهات تجميلية من أجل تسويق مشاريعهم. بينما ينظر بعض الجنوبيين أن مثل هذه الممارسات تحابي الأطراف التقليدية الشمالية، مما يسهم في تزايد الشكوك حول المرحلة الانتقالية، وحالة الانقسام بين الشمال والجنوب. وبعبارة أخرى فإن التسوية ظلت تجري بصورة رئيسة من قبل نخب قديمة ذات تأثير ونفوذ، حيث شارك جزء كبير منها بالسلطة، وكانوا أصلا مسؤولين عن مشكلات البلاد في السابق.
ثامنا: التنفيذ وكيف؟ ما زال التنفيذ يفتقر إلى آلية المساءلة والمحاسبة الجدية التي يمكن أن تتابع سجل الالتزامات والخطوات وتنفيذها، وكذلك الانتهاكات لأي اتفاق من أي طرف. وهذه مسؤولية يمنية من جهة، وكذلك دول مجلس التعاون والأمم المتحدة والأطراف العربية والدولية من جهة ثانية.
ما العمل؟ على الرغم من التحديات والضغوط المتزايدة فإن المرحلة الانتقالية سوف تبقى الفرصة الوحيدة التي لن تتكرر من أجل العمل بإصلاحات جذرية في الهيكل العسكري والأمني والسياسي والإداري للدولة اليمنية، ولهذا فإن العمل يتطلب جانبين رئيسين متكاملين ومتلازمين لنجاح المرحلة الانتقالية.
الجانب الأول: الهيكلة العسكرية والأمنية:
1 - من المعروف أن الجيش اليمني والأجهزة العسكرية ليسا احترافيين في ظل عقيدة عسكرية وطنية، وكذلك الحال في الأجهزة الأمنية التي أصبحت كلها أشبه بإقطاعيات شخصية، ولهذا فإنها تتطلب إعادة هيكلة، وتلك عملية حساسة وبالغة الصعوبة، لأنها تهدد بشكل مباشر مصالح ومحسوبيات متراكمة، وولاءات ومراكز قوى متجذرة. وهذه العملية تتطلب وسائل عديدة، من أبرزها إحداث تنقلات واسعة، ليس فقط بالقادة السابقين بل الأوساط الوسطى، وكذلك دمج بعض الفرق المنقسمة، بل وحل بعضها. وفي هذه الحالة، فإن المسألة ليست تدوير مناصب، بل ينبغي أن تكون متوازنة وشاملة دون تحيز لهذا الطرف أو ذاك، ولا تكون متسرعة حتى لا تسبب ردود أفعال عنيفة، لأن مراكز القوى القديمة قادرة على أن تقاوم وتخرب جهود الإصلاح.
2 - تعزيز الاحترافية في القطاعين العسكري والأمني وفرض الانضباط، وتأكيد الهوية المؤسسية الموحدة، واحترام التراتيبية من أسفل إلى أعلى، حتى وزير الدفاع والداخلية، إلى رئيس الجمهورية، وكذلك إدماج رجال القبائل وبعض الميليشيات في الأجهزة الأمنية دون تشجيع للعصبية القبلية، والعمل بطريقة أو بأخرى لإخراج التجمعات القبلية المسلحة من المدن. ومن الضرورة تطبيق الإجراءات والقوانين تدريجيا، من دون تحيز في التوظيف والصرف والخدمة والتنقلات والرواتب والتقاعد... إلخ.
الجانب الثاني: الهيكلة السياسية والإدارية والقانونية:
1 - في البداية لا بد من الاعتراف بكثير من ديناميات تكوين المجتمع اليمني - في شماله وجنوبه - سواء القديمة أو تلك المستجدة، وذلك من حيث فهم التركيب الاجتماعي والانتماء القبلي، وخلفية التعدد المذهبي والتسامح الديني الذي كان سائدا طيلة عهود، إضافة إلى الأعراف والعادات الإيجابية السائدة التي قد تساعد على حل النزاعات واستيعاب الخصوم... إلخ. وفي ضوء هذا، يمكن النقاش والإقرار بالمظالم المشروعة في حالة الجنوب أو الحوثيين أو غيرهم، والعمل على إصلاح العلاقات الودية دون كيل الاتهامات، والاعتراف بأن الجميع كانوا مسؤولين على حد سواء في الماضي.
2 - إعادة هيكلة المؤسسات الإدارية وضمان الرقابة المدنية، بحيث تكون الإجراءات والقرارات بأيدي المؤسسات المدنية في ظل القانون، وليس بأيدي المحسوبية والفئوية. ويجب تبادل كل وجهات النظر عن معايير وقواعد الدولة الجديدة الوليدة، حتى وإن كانت متباينة ومتعارضة، والتأكيد أن يخرج كل طرف كاسبا لرؤيته، وليس خاسرا أو مستضعفا، حتى يتسنى لكل طرف تسويق التسوية وإقناع أنصاره بالمصالح المكتسبة.
3 - ومن المهم جدا التأكيد على أولوية رئيسة، ذلك أنه من أصعب العقبات غياب عقد سياسي شامل، حتى الآن، ولكن إذا تم تجاوز معظم التحديات المذكورة خلال العملية الانتقالية، فإنه يصبح من الممكن صياغة دستور وطني جديد واضح القواعد والمعالم، ينظم كل العلاقات والحقوق والواجبات السياسية والاقتصادية والإدارية لكل أجزاء اليمن ضمن إجماع سياسي شامل وموحد.
لا شك أن كل هذا يتطلب جهدا كبيرا وتنازلات ومفاوضات مرهقة وحكمة وحسن إدارة لأزمة اليمن، وتلك مسؤولية تقع أولا على اليمنيين أنفسهم، وتقع، ثانيا، على الدول الداعمة لوحدة اليمن واستقراره، وعلى رأسها السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
خيارات وسيناريوهات:
بشكل عام، يظهر للمراقب إمكانية حصول أربعة احتمالات في التوجهات الرئيسة في المرحلة الانتقالية، وهي:
الأول: المحافظة على الوحدة القائمة بين الشطرين واستمرار المركزية والتقسيمات الإدارية السابقة، مع تحسين أداء الأجهزة السياسية والعسكرية والاقتصادية والإدارية.
والثاني: المحافظة على الوحدة والمركزية والتقسيمات السابقة مع إعطاء صلاحيات كبيرة للمحافظات.
والثالث: دولة فيدرالية من إقليمين؛ الشمال والجنوب.
والرابع: انفصال الجنوب واستقلاله عن الشمال.
على الرغم مما ذُكر في السابق، أو غيره من فساد ومشكلات وتحديات في الماضي والحاضر، يمكن المراهنة على حل لأزمة اليمن، بما يكفل أمنه واستقراره ووحدته ويضمن مصالح الجميع. وتقوم هذه النظرة على معطيات تاريخية سياسية وثقافية واجتماعية عدة، ولعل أبرز ما يمكن التذكير به ما يلي:
1 - كما ذُكر سابقا، طيلة العهود التاريخية لقد عرف اليمن شماله وجنوبه بالتسامح الديني والتعدد المذهبي، بل إن بعض فروع القبيلة الواحدة قد تختلف مذهبية أفرادها، ولكن تظل الانتماءات العصبية القبلية الرابط الرئيس للفروع كافة.
2 - أيضا عُرف اليمن شماله وجنوبه بمعاداته للأجنبي ومقاومته الشديدة، التي لا تكل ولا تلين، ولعل أبرز الشواهد التاريخية يتمثل في مقاومة اليمن الشمالي للنفوذ العثماني على مدى أربعة قرون، وكذلك النضال السياسي والمسلح في الجنوب ضد الاستعمار البريطاني.
3 - وأيا كانت الانتقادات للنظام اليمني السابق، سواء في فترة الانتفاضة أو قبلها، فقد أثبت أنه كان أقل قمعية ووحشية، بدرجة كبيرة، من غيره من الأنظمة العربية التي هبت عليها رياح التغيير، مثل دول الربيع العربي، وبرهن على أن لديه قابلية للتكيف داخليا، وتلك المرونة، من دون شك لم تأتِ من فراغ، مهما كانت الضغوط الخارجية، بل مستمدة من تراث تاريخي.
4 - وإذا كان المجتمع اليمني يوصف تكوينه بالقبلي من الناحية التاريخية، فقد ظهرت أجيال يمنية شابة جديدة خلال العقود الأخيرة، لها إدراك واعٍ لأهمية الروابط السياسية والفكرية في علاقاتها أكثر من الرابط القبلي أو المذهبي. ولعل أبرز شاهد في هذا الصدد تلك المشاركة من الكمّ الهائل من الشباب - رجالا ونساء - والنشطاء في حشود الانتفاضة اليمنية، وكل هؤلاء من أحفاد قبائل مختلفة.
الحل؟ يمكن تصور الخيار التالي: ربما يكمن أفضل حل أو خيار في قيام دولة نصف فيدرالية - أو شبه فيدرالية - تبدد المخاوف والشكوك وتضم عدة أقاليم - وليس محافظات - مع تفويض صلاحيات أمنية ومدنية وإدارية واقتصادية واسعة، وذلك في ظل عقد سياسي (دستور) جديد وشامل ينظم جميع الحقوق والواجبات والعلاقات. ومن دون شك فإن هذا الطرح يحتاج إلى نقاش وتفاصيل ومفاوضات وتنازلات من الفئات اليمنية من جهة، ويتطلّب من الدول الإقليمية والعربية والدولية الداعمة لوحدة اليمن، وكذلك من المجتمع الدولي والدول المانحة، أن تبذل جهودها لإنجاح التسوية السياسية في المرحلة الانتقالية.
* قسم التاريخ، جامعة الملك سعود



«فخ الأسد»... ليلة هزت حلفاء طهران في بغداد

TT

«فخ الأسد»... ليلة هزت حلفاء طهران في بغداد

صورة ضخمة لبشار الأسد ملقاة على الأرض بعد هروبه على أرضية القصر الرئاسي في دمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
صورة ضخمة لبشار الأسد ملقاة على الأرض بعد هروبه على أرضية القصر الرئاسي في دمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

يطلب مسؤول أمني رفيع في الحكومة العراقية من سائق السيارة أن يسرع قليلاً. عليه اللحاق بطائرة تعيده من دمشق إلى بغداد. واحدة من الرسائل تتدفق إلى هاتفه تقول: «الفصائل السورية في طريقها إلى العاصمة». في مساء يوم السبت السابع من ديسمبر (كانون الأول) 2024 كان المسؤول قد أنهى مهمة روتينية شمال شرقي سوريا، لتنسيق أمن الحدود، لكن البلاد الآن على وشك أن تكون بيد نظام جديد، يشع من أنقاض.

على أسوار دمشق، كانت سيارة المسؤول العراقي تنتظر «ترتيبات استثنائية» مع السلطات الجديدة في سوريا. ونشأت بين الجانبين «اتصالات من عدم».

يقول مسؤول سوري سابق في «إدارة العمليات العسكرية» إنها «المرة الأولى التي تواصلت فيها (هيئة تحرير الشام) مع مسؤول في الحكومة العراقية». ويقول عنصر أمن عراقي كان حاضراً في الترتيبات إن «الأمر تم بسلاسة غير متوقعة حينها، ودخلنا دمشق» رفقة عناصر من «الهيئة» صباح الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024. ثم وصلت رسالة مثل الصاعقة: «هرب (بشار) الأسد».

مطار دمشق بعد سقوط نظام الأسد (أرشيفية-أ.ف.ب)

كان مطار العاصمة السورية مسرح أشباح. حتى ضباط «لواء النقل الجوي» الذين يعرفهم المسؤول العراقي اختفوا. لا أحد يسأل عن تذكرة أو جواز سفر. الممر الخاص بالدبلوماسيين مشرع للرياح. غادر الرجل على متن رحلة استثنائية إلى بغداد.

خلال النهار، تحلق الطائرة وعلى متنها المسؤول الأمني مع حقيبة أسئلة عن سوريا الجديدة. في مسار الرحلة ذاتها، لكن على الأرض، تغادر ميليشيات عراقية كانت تتمركز في سوريا منذ عام 2011. العجلات التي تحركت من ريف دمشق نحو بلدة البوكمال، قرب الحدود العراقية، قطعت رحلة أخيرة باتجاه واحد لمئات المسلحين، تاركين خلفهم خمسة عشر عاماً من «محور المقاومة» ينهار الآن مثل جبل من رمال.

تكشف شهادات خاصة جمعتها «الشرق الأوسط» من شخصيات عراقية ضالعة في الملف السوري قبل هروب الأسد كيف انسحبت ميليشيات من سوريا دون تنسيق، أو ترتيبات مسبقة، وما دار في الكواليس حول رؤيتها لما حدث، وأظهرت لاحقاً أن طهران وموسكو والأسد كانوا قد اتخذوا قرارات عدم القتال في سوريا في أوقات متباعدة، ولم يشاركوا المعلومات المطلوبة مع حلفاء عراقيين إلا في وقت متأخر.

كما تسلط الشهادات الضوء على ردود فعل مجموعات شيعية في أعقاب انهيار نظام الأسد، وصلت إلى المطالبة بتقوية نفوذ الفصائل المسلحة في العملية السياسية العراقية، وتعزيز ما بات يعرف بـ«الحاكمية الشيعية» في بغداد، حتى «تستوعب صدمة أولئك الذين تركوا سوريا».

الرئيس السوري بشار الأسد يصافح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في دمشق (أرشيفية)

«ليست مناورة... تم خداعنا»

في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بعد ثلاثة أيام من بدء «ردع العدوان»، أجرى رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني مكالمة مع بشار الأسد. يومها كانت فصائل المعارضة السورية قد سيطرت على ريف حلب. وقال السوداني للأسد إن «أمن سوريا يرتبط بالأمن القومي للعراق». في اليوم التالي حاصرت المعارضة حماة. ولم يتصل السوداني بالأسد مرة أخرى.

في نينوى، المحافظة الشمالية القريبة من الحدود مع سوريا كان قادة فصائل شيعية يحاولون إرسال الدعم إلى سوريا، لأنه «مع تحرك الفصائل السورية كان عدد المسلحين الموالين لإيران أقل بكثير عما كانوا قبل سنوات». يقول مسؤول فصائلي في نينوى أيضاً إنهم «أخبروا المقاتلين أن عليكم حماية الشيعة والمراقد في سوريا، وكثيرون تحمسوا».

ويقول كاظم الفرطوسي، المتحدث باسم «كتائب سيد الشهداء» التي انخرطت في الميدان السوري منذ عام 2013، إن فصيله انسحب من هناك أواخر 2023. ويضيف: «كانت مهمتنا قد انتهت».

أرشيفية لعناصر حركة «النجباء» التي كانت تنشط في شرق سوريا خلال عرض عسكري في بغداد

حتى عام 2018، ازدحمت سوريا بأكثر من 150 ألف مقاتل من «الحرس الثوري» الإيراني، وعناصر «حزب الله» اللبناني، وميليشيات عراقية، وفق تقديرات أمنية عراقية وسورية. بدا أن الجيش التابع للنظام السوري السابق أقل حجماً من كل الحشود الأجنبية. وبحلول ديسمبر 2023 حدث شيء ما، وسمح «الحرس الثوري» الإيراني بمغادرة مجموعات شيعية بعد مشاورات مع الأسد. قيل على نطاق واسع إن «صفقة إقليمية قادت إلى هذا التحول الميداني».

مع انسحاب جزء من الميليشيات الإيرانية وحلفائها من سوريا عام 2023، كان نظام بشار الأسد يحاول استعادة مقعده في الجامعة العربية. وتطلب ذلك منه الكثير من الوقت حتى يمهد لاندماج شبه مستحيل مع العالم العربي، لم ينجح في النهاية.

ومع بدء عمليات «ردع العدوان» في نوفمبر 2024، تقلص عدد الجماعات الإيرانية في سوريا إلى بضعة آلاف، لكن عودة الأسد لم تكتمل.

مع تحرك فصائل المعارضة نحو دمشق، كان الشعور السائد بأن الجماعات الشيعية تتحرك لسد نقص لم تنتبه إليه. في الثاني من ديسمبر 2024، تسلل العشرات من المسلحين ليلاً عبر طريق عسكري غير رسمي إلى الأراضي السورية، وأوقف طيران أميركي طريقهم بقصف أرتال قرب البوكمال. بعد ذلك، كان واضحاً أن الذين تحمسوا لدخول سوريا تراجعوا عن الفكرة.

في صباح اليوم التالي سيطرت قوات المعارضة السورية على 14 بلدة في حماة، وباتت تتفرغ لمعركة حمص. يومها أعلنت كتائب «حزب الله» العراقية أن «الوقت مبكر لاتخاذ قرار إرسال الدعم العسكري إلى سوريا».

ويقول مسؤول في فصيل شيعي مسلح إنه سأل مرؤوسيه في بغداد عن «عمليات ردع العدوان» في أيامها الأولى. قالوا له: «اطمئن... قد تسقط سوريا (بيد المعارضة)، لكن دمشق باقية (يقصد بيد الأسد)». ويضيف: «بعد أسبوع، لم نستوعب ما حدث».

قبل وصول المعارضة السورية إلى حمص، كانت المجموعات الشيعية ترجح أن الأمر سيتوقف هناك. يقول قيادي في فصيل شيعي إن «تقارير استخبارية اطلع عليها مسؤولون في جهاز الأمن الوطني العراقي، وقيادة الحشد الشعبي، وقادة فصائل، أفادت بأن الروس والإيرانيين سيوقفون زحف المعارضة، وأن مدينة حمص ستكون النقطة الفاصلة».

لم يستخدم الروس تفوقهم الجوي إلا بشكل محدود. ومع تحرك فصائل المعارضة من حماة باتجاه حمص في 6 ديسمبر 2024، كانت طائرات يُعتقد أنها روسية ضربت جسر «الرستن» الرابط بين المدينتين بقوة تدميرية لا تمنع عبور الأرتال.

لاحقاً، أظهرت لقطات مصورة من الجو أن الروس احتفظوا بطائرات سوخوي المزودة بالصواريخ في قاعدة حميميم دون استخدامها، وعبرت فصائل المعارضة الجسر إلى حمص التي أضحت محررة بالكامل بحلول فجر 7 ديسمبر 2024.

لقطة من فيديو لقناة «سوريا» تظهر طائرات حربية روسية رابضة في قاعدة حميميم باللاذقية خلال عمليات «ردع العدوان«

الآن، بات كثيرون من «محور المقاومة» أكثر قناعة بأن الزحف السريع للفصائل ليس مجرد مناورة. يقول القيادي الشيعي إنهم في تلك اللحظة فهموا أن «الإيرانيين شاركوا معنا مواقف متضاربة (...) ربما تم خداعهم».

لقد بقي السؤال عن أدوار طهران وموسكو غامضاً. لم تمتلك فصائل شيعية أجوبة حاسمة في الأشهر القليلة التي تلت هروب الأسد. اليوم، يعتقد الفرطوسي، المتحدث باسم «كتائب سيد الشهداء»، أن «الموقف الروسي والإيراني لم يتغير إلا بعد أن تراجع نظام الأسد، وانهارت القوى الماسكة للأرض، وتحولت المعركة إلى مواجهة مع شعب»، وفق تعبيره.

لكن مصادر من فصائل كانت نشطة في سوريا منذ عام 2013 تحدّثت عن «قرار اتخذته إيران مبكراً بعدم خوض معركة في سوريا بسبب حسابات إقليمية أشد تعقيداً». تقول المصادر إن «إيران لم تكن متأكدة من نتائج لصالحها في حال واجهت زحف المعارضة، لأنها اكتشفت متأخرة أن موسكو باتت تتصرف لوحدها في سوريا».

في النهاية، بدا أن أقطاب التحالف بين موسكو وطهران والأسد ينفصلون عن بعضهم، ويتخذون قرارات ميدانية متباعدة، سمحت بتقدم سريع للمعارضة، وهروب أسرع للأسد. لكن الأكيد من وجهة نظر القيادي الشيعي أن «الجماعات العراقية لم تكن في صلب نقاشات أفضت إلى ما حدث في النهاية».

في تلك اللحظة، كان أكثر من عشرة فصائل عراقية قد أمضت أكثر من عشر سنوات في الجبهة السورية، تورط خلالها آلاف المسلحين في بحر من الدماء.

و«تدور الدوائر»

في السادسة فجراً، يوم 8 ديسمبر 2024، كتب رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي رسالة عبر «إكس» قال فيها: على الباغي تدور الدوائر. ثم طغت أجواء الصدمة على القوى السياسية الشيعية في بغداد.

يومان بعد التحرير، تكون جميع الفصائل قد غادرت الأراضي السورية، والأسد في موسكو. في 12 ديسمبر 2024، ظهر نوري المالكي وهو زعيم «ائتلاف دولة القانون» وكان حليفاً قوياً للأسد لسنوات، ليصرح بأن «الهدف مما حدث في دمشق هو تحريك الشارع في بغداد». وانفجر الرأي العام بالأسئلة عما حدث.

حاول المجتمع السياسي الشيعي في بغداد استيعاب الصدمة، ونشطت في الكواليس نقاشات عن «مستقبل الشيعة في العراق»، طغى عليها ارتباك شديد، وفق شهادات أشخاص شاركوا في اجتماعات خاصة عقدت في الأسابيع التي تلت هروب الأسد.

وتحدث هؤلاء أن صناع قرار شيعة لم يجدوا أجوبة عما حدث في سوريا، ودور إيران فيه، وواجه كثيرون صعوبات في الإجابة عن سؤال كيف سيتغير العراق والمنطقة بعد الأسد؟.

يقول أحد المشاركين في جلسة خاصة عقدت في يناير (كانون الثاني) 2025 إن الأزمة في سوريا لا تتعلق بهروب الأسد، وانكسار «محور المقاومة»، بل إنها بالنسبة لـ«العراقيين الشيعة تتعلق بإعادة تعريف دورهم بعد سقوط تحالفات وتوازنات قديمة».

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

وظهرت أعراض جانبية لهذه النقاشات الصعبة على الجماعات الشيعية. وروّج كثيرون من بيئة «المقاومة» لمشروع «الفيدرالية الشيعية» التي تمتد من سامراء إلى البصرة، على بحر من نفط. سرعان ما اضمحلت الفكرة مثل رماد بارد.

وتصاعد حديث جاد عن «الحاكمية الشيعية». يقول قيادي في فصيل مسلح إن «القوى الشيعية كانت تركز خلال الأشهر الماضية على تقوية الوضع الداخلي، وتعزيز حضورها في الحياة السياسية، وهذا ما يفسر المشاركة الفاعلة في الانتخابات التي أجريت في 11 نوفمبر 2025، وفوز فصائل مسلحة بمقاعد في مجلس النواب الجديد».

يبدو أن جميع الذين قاتلوا في سوريا فازوا بمقاعد في البرلمان الجديد. لقد حصلت حركة «عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي على 28 مقعداً داخل البرلمان، وفازت منظمة «بدر» بزعامة هادي العامري بـ18 مقعداً، وحصلت كتلة «حقوق»، التابعة لـ«كتائب حزب الله»، على ستة مقاعد، بينما حصلت قائمة تابعة لـ«كتائب الإمام علي» على ثلاثة مقاعد، وحصل تحالف «خدمات» بزعامة شبل الزيدي على تسعة مقاعد.

ويطرح هؤلاء اليوم مشروعاً انتقالياً يقوم على أدوار شيعية جديدة، يتقدمه طموح متنامٍ لدى قادة مثل قيس الخزعلي لصياغة مظلة تحمي الجماعات الشيعية من التفكك عبر حضورٍ أثقل في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية معاً.

وفي مارس (آذار) 2025، سئل الخزعلي عن سوريا الجديدة. وقال إن «الدولة العراقية من واجباتها ومن مصلحتها أن تتعامل معها ما دامت تلك الدول والحكومات تمثل دولها».

ويقول قيادي شيعي إن لحظة هروب بشار الأسد لم تكن حدثاً في سوريا بقدر ما كانت زلزالاً في الوعي الشيعي داخل العراق؛ إذ دفعت الجميع إلى إعادة التفكير في شكل التحالفات التي حكمت الإقليم لأعوام طويلة. لكن خلف هذا التحول تبرز أسئلة معلّقة، وشكوك حول «مستقبل النظرية الإيرانية ذاتها» بعدما بدأت تتعرّض لاختلال كبير بعد أربعة عقود من النفوذ المتواصل في المنطقة. يقول القيادي إن «الجواب لم ينضج بعد».


سوريا بعيون أميركية... «رحلة جنونية من العزلة إلى الانفتاح»

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والسوري أحمد الشرع في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والسوري أحمد الشرع في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
TT

سوريا بعيون أميركية... «رحلة جنونية من العزلة إلى الانفتاح»

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والسوري أحمد الشرع في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والسوري أحمد الشرع في البيت الأبيض (أ.ف.ب)

مع مرور عام على إطاحة نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024، تتابع أوساط سياسية وبحثية أميركية تطورات السلطة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع. ويشير هؤلاء إلى مساعي دمشق لتوطيد العلاقات بالمجتمع الدولي، في وقت تواجه فيه تحديات داخلية تشمل الاستقرار السياسي، وإعادة بناء الاقتصاد، فضلاً عن تحديات خارجية تتعلق برفع العقوبات ومكافحة الإرهاب.

وثمة إجماع بين أوساط أميركية معنية بالملف السوري على أن سقوط الأسد فتح نافذة تاريخية لإعادة بناء البلاد، لكن النجاح يعتمد على ترسيخ نموذج مستقر.

ويرى الخبراء أن الشرع «حقق تقدماً مذهلاً في عام واحد؛ من إنهاء الحرب، إلى الانخراط الدولي، لكنه يحتاج إلى مزيد من الإصلاحات لتجنب احتمالات الفوضى».

ويقول ستيفن كوك، الزميل الأول في «مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا» بـ«مجلس العلاقات الخارجية»، إن «لقاء الشرع مع الرئيس (الأميركي) دونالد ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2025 يمكن أن يكون منطلقاً لبدء عمل جاد وواعد في سوريا»، مشيراً إلى أن «رفع واشنطن العقوبات يتزامن مع إظهار دمشق مساعيَ جادة للقيام بإصلاحات سياسية؛ أهمها في (التعامل مع الأقليات ومكافحة التطرف)»، لكنه يحذر بأن «الحكم في بلد مفلس وممزق سياسياً يظل سؤالاً مفتوحاً».

ويشير كوك، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الانتخابات البرلمانية المحدودة التي جرت في 5 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 (التي غطت 119 مقعداً من 210)، كانت «خطوة رمزية مهمة»، لكنها لم تشمل مناطق الدروز والكرد؛ مما قد يعكس «هشاشة الانتقال»، داعياً إلى توسيع الممارسة لتجفيف منابع الانقسام.

الرئيس السوري أحمد الشرع يحضر بدمشق حفل توقيع مذكرة تفاهم للاستثمار في سوريا يوم 6 أغسطس 2025 (رويترز)

تغيير الشرق الأوسط

يشيد آرون زيلين، الخبير في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، بجهود الشرع في مكافحة «داعش»، ويقول إن لديه فرصة لإحداث تأثير إيجابي في منطقة الشرق الأوسط، لكنه نصح الحكومة السورية الجديدة بالتركيز على تفكيك فصائل مسلحة في البلاد.

وعدّ زيلين تصريحات الشرع الإصلاحية بشأن بناء مؤسسات الدولة علامة إيجابية على توجهات حكومته، رغم قلقه من أن الاقتصاد المدمَّر يهدد الاستقرار في سوريا، لا سيما مع التقديرات التي تفيد بأن تكلفة إعادة إعمار البلاد قد تصل إلى 216 مليار دولار.

بدوره، يقول إدوارد جيريجان، مدير «مركز بلفير للعلوم والشؤون الدولية» بجامعة هارفارد، إن الشرع يواجه «اختباراً لإعادة التوحيد» في بلاد متعددة الطوائف والإثنيات، ويوصي بـ«تعزيز الثقة الداخلية» عبر إصلاحات أمنية موحدة.

ويبدي المحلل الأميركي سيث فرانتزمان تفاؤلاً كبيراً بمستقبل سوريا، عادّاً الشرع «رجلاً مثيراً للإعجاب ومغيراً للعبة»، ويصف التحول في سوريا في أقل من عام بـ«الجنون المطلق»؛ بالتحول من دولة منبوذة إلى دولة بفرص واعدة ومدعومة من الغرب ولاعبين وازنين في الخليج العربي والمنطقة.

ورأى الشرع، في تصريح أمام «منتدى الدوحة» يوم 6 ديسمبر 2025، أن سوريا تسير في الاتجاه الصحيح، بعدما تحولت من منطقة مصدرة للأزمات إلى نموذج للاستقرار، مشيراً إلى أن البلاد «تحتاج الآن إلى بناء مؤسسات مستقرة؛ وهو ما يضمن استمرارية عادلة لبناء الدولة».

الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي خلال توقيع اتفاق دمج «قسد» في الجيش السوري بدمشق يوم 10 مارس 2025 (إ.ب.أ)

صراعات داخلية

ويقول فرانتزمان إن زيارة الشرع التاريخية إلى البيت الأبيض في نوفمبر 2025 تعدّ «محوراً مهماً لإعادة بناء سوريا المحطمة»، بالتزامن مع رفع الشرع من قائمة العقوبات الأميركية، وتجديد تعليق «قانون قيصر».

ويشيد معظم التحليلات بالشرع لتحقيقه تقدماً ملموساً في الاستقرار الداخلي، لكن التحذيرات تتعلق بالصراعات الداخلية التي قد تذكي أعمال عنف أو فوضى. أما خارجياً؛ فتشيد تقارير أميركية بحرص الشرع على توجيه بلاده نحو الغرب، وانضمامها إلى «التحالف الدولي ضد (داعش)»، حيث يشيد مركز «بروكينغز» بعلاقات الرئيس السوري بتركيا والولايات المتحدة، بوصفها مفتاحاً للاستقرار، محذراً من السماح بعودة نفوذ روسيا وإيران.

وكان الشرع قد أقر، خلال حضوره مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار»، بالرياض، في 29 أكتوبر 2025، بأن هناك مخاطر استراتيجية ارتبطت بالفترة السابقة تسببت في خلق حالة من الاضطراب والقلق لبعض دول العالم.


الصعود التركي في سوريا... من المواجهة إلى التحالف

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله الرئيس السوري أحمد الشرع خلال أول زيارة له في أنقرة 4 فبراير 2025 (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله الرئيس السوري أحمد الشرع خلال أول زيارة له في أنقرة 4 فبراير 2025 (الرئاسة التركية)
TT

الصعود التركي في سوريا... من المواجهة إلى التحالف

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله الرئيس السوري أحمد الشرع خلال أول زيارة له في أنقرة 4 فبراير 2025 (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله الرئيس السوري أحمد الشرع خلال أول زيارة له في أنقرة 4 فبراير 2025 (الرئاسة التركية)

تشكلت في الأسابيع الأولى لسقوط نظام بشار الأسد في سوريا قناعة بأن تركيا لعبت الدور الأكبر في الوصول «السلس» لفصائل المعارضة إلى دمشق في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024، وتعزز ذلك مع دعم أنقرة السريع للإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وتقديم نفسها بوصفها أحد «الرعاة الأساسيين» في مرحلة ما بعد الأسد.

كانت تركيا أول دولة ترسل مسؤولاً رفيع المستوى إلى سوريا للقاء الشرع في «قصر الشعب»، إذ زار رئيس مخابراتها، إبراهيم كالين، دمشق يوم 12 ديسمبر 2024، وتوجه للصلاة في الجامع الأموي، ليبدو أنه حقق وعد الرئيس رجب طيب إردوغان، في الأيام الأولى للثورة السورية في 2011، عندما قال سينهار نظام الأسد بأسرع وقت و«سندخل دمشق ونصلي في الجامع الأموي».

وأوحت تصريحات لوزير الخارجية هاكان فيدان بأن تركيا هي من لعبت الدور الرئيسي في سقوط الأسد وفتح الطريق أمام الشرع إلى دمشق، عندما قال، بعد أيام قليلة، إن أنقرة أقنعت روسيا وإيران، خلال الاجتماع بصيغة «آستانة»، على هامش «منتدى الدوحة» في 7 و8 ديسمبر 2024 بعدم التدخل.

من وجهة نظر فيدان، كان «نظام بشار الأسد ضعيفاً للغاية خلال العامَين أو الأعوام الـ3 الماضية، مع مقاومة نسبية في بعض الأماكن، لكن المعارضة دخلت حلب دون إطلاق نار تقريباً. مع ذلك، لو كرر الروس والإيرانيون رد فعلهم في عام 2016، لكان الشعب السوري قد واجه خطر المزيد من إراقة الدماء والنزوح».

وعندما سُئل فيدان: «كيف أقنعتم روسيا بعدم الوقوف إلى جانب الأسد؟». أجاب بكلمة واحدة: «تحدثنا».

إسرائيل قصفت مطار حماة العسكري في مارس الماضي على خلفية تقارير عن استخدامه من جانب تركيا في نقل مواد لوجيستية ومعدات لإقامة قاعدة جوية في حمص (أ.ف.ب)

تقييم الحصاد

في 16 أغسطس (آب) 2025 عقدت مجموعة التنسيق بين المؤسسات التركية اجتماعاً برئاسة نائب وزير الخارجية نوح يلماظ، الذي أصبح الآن سفيراً لتركيا في دمشق، أُجريت خلاله مراجعة شاملة للعلاقات مع سوريا والخطوات التي ستُتخذ خلال الفترة المقبلة لتعزيزها وتنفيذ الاتفاقات التي توصل إليها الجانبان في مختلف المجالات.

خلال الأشهر الـ8 الأولى بعد سقوط الأسد، وعبر تحركات مكثفة، كانت تركيا أول دولة تعيد فتح سفارتها في دمشق، إضافة إلى قنصليتها في حلب، كما وقعت في 12 أغسطس مذكرة تفاهم للتعاون العسكري والتدريب والاستشارات.

وتحركت تركيا على المستوى الثنائي والإقليمي لدعم حكومة الشرع في مكافحة تنظيم «داعش»، وإقناع الولايات المتحدة بمنظور جديد يجعلها تتخلى عن دعمها لـ«قسد» التي تشكل «وحدات حماية الشعب» (الكردية) عمودها الفقري، في السيطرة على شمال شرقي سوريا، بعد التحالف معها في الحرب على «داعش».

في هذا الإطار سعت تركيا إلى تشكيل تحالف يقوم على مبدأ «الملكية الإقليمية»، الذي يعني أن تقوم دول المنطقة بنفسها على حل مشاكلها دون تدخلات خارجية، وبدأت بالفعل جهوداً لتشكيل منصة خماسية تضمها مع كل من الأردن والعراق ولبنان إلى جانب سوريا، وعقد وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء المخابرات في الدول الخمس اجتماعاً في عمان في 9 مارس (آذار) الماضي، لكنه لم يسفر عن تأسيس آلية سعت إليها أنقرة.

نتيجة لذلك شكّلت تركيا آلية تنسيق مع سوريا عبر مركز عمليات مشترك في دمشق، لتأكيد دعمها للحكومة السورية في الحرب على «داعش».

وعقدت خلال الأشهر الـ10 المنقضية 3 اجتماعات لوزراء الخارجية والدفاع ورئيسي المخابرات في البلدين فضلاً عن الزيارات الثنائية المتبادلة على مستوى وزيري الخارجية، وزيارات رئيس المخابرات التركية لدمشق، كما زار الشرع تركيا 3 مرات في الفترة بين فبراير (شباط) وأغسطس.

على الصعيد الاقتصادي، أعادت تركيا تشغيل جميع البوابات الحدودية مع سوريا، وتم توقيع بروتوكول في أنقرة يوم 5 أغسطس الماضي، لإنشاء لجنة اقتصادية وتجارية مشتركة، وبدء دراسة إنشاء مناطق صناعية، بهدف إنعاش الاقتصاد السوري المتضرر من جراء الحرب وتعزيز التجارة بينهما. كما أعاد البلدان الجاران تأسيس مجلس الأعمال المشترك، الذي توقف عن العمل في 2011.

وتقول تركيا إنها تهدف إلى تجاوز عتبة ملياري دولار في صادراتها إلى سوريا بنهاية العام الحالي، مستغلة الزخم في العلاقات التجارية بينهما. واتخذت خطوات جديدة لتسهيل وتسريع التجارة مع سوريا، وتم الاتفاق على أن تصبح حلب مركزاً لوجيستياً قوياً في الفترة المقبلة.

جانب من لقاء ترمب ونتنياهو بالبيت الأبيض في يوليو 2025 (أ.ف.ب)

تنافس مع إسرائيل

في المقابل، تغيرت أهداف تركيا في سوريا عما كانت عليه خلال حكم بشار الأسد، فبعدما كانت تركز على تأمين حدودها مما تصفه بـ«تهديد (قسد)»، وإنشاء منطقة آمنة على حدودها الجنوبية بعمق يتراوح ما بين 30 و40 كيلومتراً، تسعى اليوم إلى إزالة هذه المجموعة الكردية من المعادلة السورية، عبر ترك أسلحتها والاندماج في مؤسسات الدولة، وإقناع الولايات المتحدة بوقف دعمها لها عبر عرض قيام إدارة سورية جديدة بحراسة سجون «داعش»، ودعمها في هذا الأمر. وزادت على ذلك بالسعي لدى الولايات المتحدة لملء الفراغ، حال انسحاب القوات الأميركية.

لقد أظهرت تحركات تركيا في الواقع السوري الجديد سعيها لملء الفراغ العسكري من خلال العمل على إنشاء قواعد برية وبحرية وجوية في وسط سوريا وعلى سواحلها عبر نموذج يشبه تدخلها في ليبيا بعد القذافي، كما تردد من خلال وسائل إعلام، والانفراد بأكبر دور في الاقتصاد السوري وإعادة الإعمار والتدخل في جميع المجالات من الصحة إلى التعليم وغيرها، استكمالاً لما بدأته بالفعل منذ سنوات في شمال سوريا.

أثارت هذه التحركات قلق إسرائيل التي تخشى استبدال الوجود التركي بالوجود الإيراني في سوريا، وفرض أمر واقع جديد تكون فيه تركيا هي الضامن سياسياً وأمنياً، اعتماداً على علاقاتها القوية مع الإدارة الجديدة ومع فصائل معادية لها.

جانب من اجتماع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وترمب والشرع لبحث رفع العقوبات المفروضة على سوريا في الرياض مايو الماضي (واس)

«نعم أخذتها»

وبدا أن تركيا نجحت في سباقها لإظهار دورها بوصفها «راعياً» تتشاور معه الإدارة السورية حول مستقبل البلاد، وبرزت بوصفها واحدة من أبرز القوى المهيمنة، وهو ما أكده الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالبيت الأبيض في يوليو (تموز) 2025.

قال ترمب إنه هنّأ إردوغان، في اتصال هاتفي بينهما، على «أخذه سوريا (...) وإنه كان يحاول النفي، ويقول إنه لم يأخذها، وإنه قال له إنك فعلت شيئاً عجز الآخرون عن فعله طوال ألفي عام، مهما تعددت أسماؤها تاريخياً، وإنه (إردوغان) قال في النهاية نعم أخذتها».

وجاء موقف ترمب بعد متابعة حالة التنافس بين تركيا وإسرائيل في سوريا، والمخاوف المتبادلة بينهما التي دفعت إسرائيل إلى تدمير قواعد جوية ومطارات رئيسية، بينها مطار حماة العسكري، والقضاء على مقدرات الجيش السوري، مع تردد أنباء، بعد 3 أشهر من سقوط حكم الأسد، عن سعي تركيا إلى إقامة قواعد جوية في حمص، ما دفع تركيا وإسرائيل إلى إرساء قواعد اشتباك تمنع الصدام بينهما في سوريا خلال اجتماعات فنية في باكو توسطت فيها أذربيجان.

عرض ترمب على نتنياهو حل مشاكله مع تركيا إذا كان منطقياً في طلباته، لافتاً إلى علاقته الجيدة مع إردوغان، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي قال، قبل مغادرة واشنطن، إن تركيا تريد إنشاء قواعد عسكرية في سوريا، وإنه يرفض إقامتها لأنها تُشكل خطراً على إسرائيل.

بدورها، تؤكد تركيا أن المسألة الرئيسية بالنسبة إليها وللولايات المتحدة هي ضمان ألا تشكل إسرائيل تهديداً لسوريا، وألا تكون سوريا مصدراً لتهديد أي طرف في المنطقة، وأن يحترم الجميع سلامة أراضي وسيادة بعضهم، بحسب ما قال وزير خارجيتها، هاكان فيدان، الذي شارك في جانب من اجتماع ترمب والرئيس السوري أحمد الشرع بالبيت الأبيض في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025.

وعبرت تركيا، أكثر من مرة، عن عدم انزعاجها للمفاوضات بين دمشق وتل أبيب، مشددة على أن هدفها الأول هو وحدة أراضي سوريا وسيادتها.

ورد إردوغان، الذي التقى ترمب في البيت الأبيض في سبتمبر (أيلول) الماضي، على تصريح أخير لنتنياهو، منذ أسابيع قليلة، قال فيه إن إسرائيل «أوقفت تركيا في سوريا»، مطالباً بالتركيز على ما تفعله تركيا بدلاً من التركيز على ما تكتبه الصحافة الإسرائيلية، مضيفاً: «نحن نفعل ما يلزم في إطار أولوياتنا الاستراتيجية، وسنواصل ذلك».

جانب من الاجتماع بصيغة «آستانة» لوزراء خارجية تركيا هاكان فيدان وروسيا سيرغي لافروف وإيران عباس عراقجي على هامش منتدى الدوحة في ديسمبر 2024 (الخارجية التركية)

شبح العقوبات

تحرص تركيا أيضاً على عدم البقاء بعيداً عن أي ملف يتعلق بسوريا، بما في ذلك رفع العقوبات، الذي بدأ بإعلان مفاجئ من ترمب، قال إنه بناء على طلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وإردوغان، الذي شارك، عبر الهاتف في اجتماع بالرياض، في مايو (أيار) تمت فيه مناقشة رفع العقوبات.

وأكد إردوغان مواصلة تركيا دعمها لدمشق في حربها ضد التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها «داعش»، واستعدادها لتقديم الدعم فيما يتعلق بإدارة وتأمين مراكز الاحتجاز التي يُحتجز فيها عناصر «داعش»، لافتاً إلى أن قرار ترمب رفع العقوبات عن سوريا يحظى بأهمية تاريخية، وأن هذا القرار سيكون مثالاً للدول الأخرى التي فرضت عقوبات على دمشق، وأن فرص الاستثمار ستشمل مختلف المجالات في سوريا، بعد رفع العقوبات.

وسبق إعلان ترمب رفع العقوبات اجتماع ثلاثي لوزراء الخارجية التركي، هاكان فيدان، والولايات المتحدة، ماركو روبيو، وسوريا، أسعد الشيباني، على هامش «منتدى أنطاليا الدبلوماسي» في جنوب تركيا، في أبريل (نيسان) الماضي، لمناقشة تفاصيل تعهد ترمب بإسقاط العقوبات عن سوريا.

وتلقى فيدان دعوة لزيارة أميركا بالتزامن مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع، وشارك في جانب من لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 10 نوفمبر الماضي.

وعقد فيدان لقاءات مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، والممثل الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب في الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، والسفير الأميركي في أنقرة المبعوث الخاص إلى سوريا، توم براك، والعديد من المسؤولين الآخرين في البيت الأبيض، فضلاً عن لقاء مع الشرع ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ولقاء ثلاثي جمعه بالشيباني وروبيو.

وقال فيدان إنه تم خلال الاجتماعات تبادل وجهات النظر حول كيفية إدارة المناطق الإشكالية في شمال وجنوب سوريا، وفي أماكن أخرى، بشكل أفضل وكيف يمكن تنفيذ العمل على إلغاء «قانون قيصر»، وإن التركيز منصبّ حالياً على ما يمكن فعله لرفع العقوبات في إطار «قانون قيصر» بشكل كامل، لمساعدة الاقتصاد السوري على التعافي.

وأشار إلى أن الشرع التقى أعضاءً في الكونغرس، وشدد على أهمية التصويت على إلغاء «قانون قيصر»، مضيفاً أن الرئيس الأميركي يتبنى نهجاً إيجابياً تجاه التعامل مع القضايا السورية.

الشرع وعبدي خلال توقيع اتفاق اندماج «قسد» في مؤسسات الدولة السورية في دمشق 10 مارس 2025 (إ.ب.أ)

هاجس «قسد»

تعمل تركيا على استغلال حالة التشاور المستمر بشأن سوريا، في ضمان موقف أميركي داعم لتنفيذ الاتفاق الموقع بين الشرع، وقائد «قسد»، مظلوم عبدي، في دمشق 10 مارس الماضي، بشأن اندماجها في الجيش والمؤسسات الأمنية السورية، الذي يفترض أن ينتهي تنفيذه قبل حلول نهاية العام الحالي.

وبعد 47 عاماً من الصراع المسلح، أطلقت تركيا مبادرة العام الماضي، لحل حزب العمال الكردستاني ونزع سلاحه، أسفرت عن دعوة زعيمه، السجين لديها، عبد الله أوجلان في 27 فبراير الماضي، إلى حله والتخلي عن الكفاح المسلح، والتحول إلى العمل الديمقراطي في إطار قانوني.

وتتمسك أنقرة بأن دعوة أوجلان تشمل جميع امتدادات حزب «العمال الكردستاني»، وأن «البنية الحالية لـ(قسد) تقوّض وحدة سوريا وتهدّد الأمن القومي لتركيا وتعرّضه للخطر»، وأنه لا يمكن حصر مسألة نزع سلاح حزب العمال الكردستاني في تركيا وحدها.

وتطالب «قسد» تركيا بعدم عدّ مؤسساتها العسكرية والإدارية والأمنية، والإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، تهديداً لها، لأنها «مؤسسات للسلام والأمن».

وعدّ قائد «قسد»، مظلوم عبدي، أن اتفاق 10 مارس مع الشرع شكل منعطفاً مهماً بإغلاق الطريق أمام محاولات تقسيم سوريا ومنع انزلاقها إلى حرب أهلية، وضمن الاعتراف الدستوري بحقوق الكرد، لكنه أكد أنه «يجب أن تكون هناك سوريا لا مركزية، بحيث يتمكّن كل إقليم من إدارة نفسه».

وذهب الكاتب في صحيفة «حرييت» القريبة من الحكومة التركية، فاتح تشيكرجه، إلى أن أميركا تسعى لتأسيس «نموذج بارزاني» الذي أرسته في شمال العراق ضد إيران، في شمال سوريا، وأن الممر الذي يجري إعداده من العراق إلى سوريا يهدف إلى ذلك، وهو مطلب إسرائيلي أيضاً لمنع نقل الأسلحة من إيران إلى لبنان والمنطقة المحيطة.

ولفت إلى أن تركيا لم تقبل في البداية بنموذج مشابه لـ«بيشمركة بارزاني»، وهي الآن تعد «قسد» الحليفة لأميركا، تنظيماً إرهابياً، لكنها يمكن أن تقبل الأمر بعد ذلك في شمال سوريا كما حدث في إقليم كردستان العراق.

الحال، أن تركيا ستواصل خلال المرحلة المقبلة السعي لترسيخ موقعها بوصفها أبرز قوة مؤثرة في إعادة تشكيل سوريا، مستفيدة من علاقتها الوثيقة بالإدارة الجديدة ودعم واشنطن المتزايد لدورها. ومن المتوقع أن تضغط أنقرة باتجاه استكمال دمج «قسد» في مؤسسات الدولة السورية وتقليص أي حضور عسكري غير مرغوب فيه قرب حدودها. لكن التنافس مع إسرائيل والحضور الأميركي قد يحدان من قدرة تركيا على فرض رؤيتها بالكامل.