بعد مرور عام على توصل الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية الكبرى إلى إبرام اتفاق نووي مع إيران. ووفق ذلك ترفع العقوبات الاقتصادية التي أرهقت اقتصاد وسبب العزلة الدولية طويلة الأمد لإيران. وفي المقابل، وافقت إيران على الشروط التي تقيد من قدراتها النووية، بما في ذلك المراقبة الدولية الصارمة.
وبالنسبة للكثيرين في إيران، كان الابتهاج والفرح هو رد الفعل الفوري على إبرام الاتفاق. حيث بدأت العملية الحقيقية في التبلور عبر شهور طويلة من المفاوضات المضنية، ونزل بعض المواطنين إلى الشوارع للاحتفال، وإطلاق أبواق السيارات، والتلويح بالأعلام الإيرانية.
والآن، وبعد مرور عام كامل على إبرام الاتفاق، لم تتحول الأمور والأوضاع إلى اللون الوردي داخل إيران، ويشير استطلاع أخير للرأي أجري هناك إلى تزايد مستويات خيبة الأمل حيال وتيرة التغيير التي كان من المفترض أن يجلبها الاتفاق بحوزته.
في هذا الصدد، عكس استطلاع الرأي، الذي أجراه مركز الدراسات الدولية والأمنية في ولاية ماريلاند عن طريق منظمة استطلاعات الرأي المستقلة «إيران بوول» في يونيو (حزيران)، هذه الحقيقة في أعقاب الاتفاق الذي أبرم في 14 يوليو (تموز) من العام الماضي، والذي وافق عليه 76 في المائة من الشعب الإيراني. والمثير للمزيد من الدهشة، أن ما يقرب من النصف - أي 43 في المائة - قد وافقوا عليه وبقوة. وانخفضت النسبة الإجمالية إلى 63 في المائة فقط، كما تبين من الاستطلاع، إلى نسبة 22 في المائة فقط ممن لا يزالون يوافقون عليه بقوة.
تبدو المخاوف الاقتصادية هي الأكثر أهمية بين مستويات خيبة الأمل المتزايدة بشأن الاتفاق. تقول نانسي غالاغر، المدير المؤقت في مركز الدراسات الدولية والأمنية: «يبدو أن الشعب الإيراني قد قلل من مقدار العقوبات الاقتصادية الأميركية المتبقية إلى جانب عدم اليقين حول السياسات الأميركية المستقبلية ومدى تأثيرها على وصول إيران إلى الأرصدة المجمدة والتفاعل الاقتصادي مع بقية الدول إلى جانب الولايات المتحدة».
ويقول كريم صادق بور، أحد كبار المحللين في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إنه بمجرد تلاشي أثر الابتهاج والفرح بالاتفاق الجديد، فإن التفاصيل الحقيقية سوف تؤدي بالناس للشعور بخيبة الأمل. وأضاف يقول: «بالنظر إلى التوقعات الكبرى التي ساورت الشعب الإيراني بشأن الاتفاق النووي، كان لا بد أن يتبعها درجة من خيبة الأمل الشعبية».
ومن الواضح بالنسبة للكثيرين أن التوقعات كان فعلا عالية. وبعد توقيع الاتفاق مباشرة قالت نسبة 63 في المائة من الشعب الإيراني أنهم يتوقعون تحسنا اقتصاديا ملموسا خلال عام واحد. وبعد مرور ذلك العام، تقول نسبة 74 في المائة من الشعب الإيراني أنهم لم يشهدوا أي تحسينات قط.
ويبدو أن الكثيرين من الشعب الإيراني يلقون باللائمة في ذلك على كاهل واشنطن: حيث يعتقد 3 من كل 4 مواطنين إيرانيين أن الولايات المتحدة تعمل وبنشاط على منع الدول الأخرى من تطبيع العلاقات الاقتصادية مع بلادهم. وهناك نسبة 72.6 في المائة ممن شملهم الاستطلاع يحملون نظرة غير مواتية لحكومة الولايات المتحدة، و71.8 في المائة يقولون إن لديهم ثقة قليلة أو ربما معدومة في أن الولايات المتحدة سوف ترقى إلى مستوى التزاماتها المعلنة.
وسواء كانت تلك النظرة منصفة فهذه مسألة أخرى. فانخفاض أسعار النفط، ناهيك عن تصرفات الصقور المتشددين من الحكومة الإيرانية، تشكل قدرا من المشاكل الأخرى المؤثرة ومن دون شك على الاقتصاد الإيراني.
يقول مئير جاودان فر، وهو محاضر إيراني لدى مركز هرتسليا للدراسات المتخصصة في إسرائيل: «مع وضع المشاكل الاقتصادية الهيكلية القائمة في إيران في الوقت الراهن، مثل الفساد المرتفع، وسوء الإدارة، والمحسوبية في الاعتبار، فإن ضخ الأموال في الاقتصاد الإيراني سوف يكون أشبه بسكب المياه في الغربال».
وهناك استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الدولية والأمنية في فبراير (شباط) الماضي يشير كذلك إلى أن جزء من خيبة الأمل السائدة في المجتمع الإيراني ترجع إلى سوء فهم ما يقدمه الاتفاق النووي بالأساس. حيث تبدو نتائج استطلاع الرأي الجديد لأن تشير إلى أن ذلك التوجه في استمرار. وفي مايو (أيار) عام 2015 كانت هناك نسبة 62.2 في المائة من المواطنين الإيرانيين يعتقدون وبشكل خاطئ أن الاتفاق النووي سوف يؤدي إلى رفع العقوبات الأميركية عن إيران. وفي يونيو من عام 2016 كانت نسبة من يعتقدون ذلك من الشعب الإيراني لا تتجاوز 23.4 في المائة ممن شملهم الاستطلاع.
ومع ذلك، تشير نتائج الاستطلاعات الأخرى إلى أن الكثيرين من الشعب الإيراني لا يزالون يحملون معتقدات خاطئة حول الاتفاق النووي. وما مجموعه 64.1 في المائة من الشعب الإيراني لا يزالون يعتقدون أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تستطيع دخول المواقع العسكرية الإيرانية بموجب الاتفاق. ولكنها تستطيع ذلك في حقيقة الأمر، رغم ارتفاع نسبة المواطنين الإيرانيين الذين يعتقدون عكس ذلك على نحو خاطئ، حيث بلغت في العام الماضي نحو 60.6 في المائة.
يمكن أن يكون من الصعب إجراء استطلاعات الرأي في الدول ذات أنظمة الحكم الاستبدادية. فمن المحتمل أن الكثيرين ممن يشملهم الاستطلاع سوف يشعرون بعجزهم عن الحديث بصراحة حول الموضوعات المثيرة للجدل. ومع ذلك، يعتبر الاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات الدولية والأمنية جدير بالإعجاب من حيث مجاله: حيث تم التواصل مع شريحة بلغت 1007 مواطنا إيرانيا عبر الهواتف الأرضية في الفترة بين 17 و27 يونيو، باستخدام أسلوب أرقام الهواتف العشوائية الذي يمكن من خلاله الوصول إلى 90 في المائة من أصحاب المنازل، وفقا لمنظمة «إيران بول».
رغم ذلك هناك بوادر أمل في التقرير نسبة 46 في المائة ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون أنه سوف تكون هناك تحسينات كبيرة في الاقتصاد الإيراني في غضون عامين (رغم أن نسبة 5 في المائة فقط منهم تقول إن ذلك قد حدث بالفعل)، ونسبة 49.8 في المائة يتوقعون تحسينات ملموسة في الأوضاع الاقتصادية للمواطنين في نفس الإطار الزمني. ونسبة 9.9 في المائة تعتقد أن علاقات إيران مع الولايات المتحدة سوف تتحسن وبصورة كبيرة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وتتوقع نسبة 21.5 في المائة أن تشهد العلاقات تحسنا ولكن بوتيرة بطيئة.
ومع ذلك، فإن العواقب الأكثر إلحاحا لحالة الاستياء العامة والمتزايدة قد يصعب للغاية التنبؤ بها. يقول المحلل صادق بور: «السؤال المهم هو ما إذا كان الشعب الإيراني سوف يلقي باللوم على حكومة الرئيس روحاني لعدم الوفاء بالتعهدات، وعلى المتشددين في الحكومة لعرقلة الخطوات والأمور، أو على الغرب لعد رفع العقوبات بدرجة كافية»، مشيرا إلى أن الذين يعيشون داخل إيران لديهم نظرة أكثر تفحصا ودقة حول مشاكل بلادهم الاقتصادية.
من المقرر انعقاد الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة في مايو (أيار) عام 2017. ويشهد الرئيس الحالي حسن روحاني، الذي يعتبر من الشخصيات المعتدلة بدرجة ما ومن أصحاب التوجهات البراغماتية والذي أسند إبرام الاتفاق النووي، انخفاضا ملحوظا في مستويات شعبيته عبر العام الماضي، وفقا لاستطلاع الرأي الذي أجراه مركز الدراسات الدولية والأمنية. وانخفضت نسبة المواطنين الذين شملهم الاستطلاع المشار إليه، ممن قالوا إنهم يفضلون الرئيس روحاني بدرجة ما، إلى نسبة 37.8 في المائة في يونيو هذا العام من واقع 61.2 في المائة في أغسطس (آب) العام الماضي.
وعلى ناحية أخرى، لا تزال الآراء المعارضة للرئيس روحاني منخفضة بصورة نسبية، وقال المواطنون ممن شملهم الاستطلاع إنهم يفضلون روحاني على محمود أحمدي نجاد ومحمد باقر غاليباف، وهما من المرشحين المحتملين من ذوي التوجهات المحافظة - رغم أن روحاني لم يُعلن خوضه السباق الانتخابي المقبل حتى الآن.
ويقول مئير جاودان فر من مركز هرتسليا إنه «رغم الصعوبات الراهنة، فإن الوضع الحالي أفضل بكثير مما كان عليه الحال في ظل العقوبات الاقتصادية. وما لم يُسمح للمزيد من المرشحين المعتدلين بخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، فلا تزال الفرصة المتاحة للسيد روحاني جيدة بدرجة ما للفوز فيها».
* خدمة «واشنطن بوست»