بروس ريدل لـ «الشرق الأوسط»: غزو العراق مهد لتفكيك الدول العربية.. وسوريا وليبيا ستختفيان

القيادي السابق في «سي آي إيه» ومستشار 4 رؤساء أميركيين سابقين قال إن «داعش» يتنافس مع «القاعدة» وحمزة بن لادن سيخلف أباه

بروس ريدل
بروس ريدل
TT

بروس ريدل لـ «الشرق الأوسط»: غزو العراق مهد لتفكيك الدول العربية.. وسوريا وليبيا ستختفيان

بروس ريدل
بروس ريدل

لمدة 30 عامًا عمل بروس ريدل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) هو من أبرز الاختصاصيين في مكافحة الإرهاب. قضى، كما يقول، كل حياته في الشرق الأوسط الذي «لا يسمح لك بالهرب منه، بل يظل يلاحقك».
كان مستشارًا لأربعة رؤساء أميركيين فيما يتعلق بالشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا، ضمن فريق جهاز الأمن القومي. أصدر عدة كتب تتعلق بمكافحة الإرهاب، وأمن الخليج، والعلاقات العربية - الإسرائيلية. قال لي أحد أصدقائه عنه: «بروس ذكي جدًا، مطلع ولائق». وكونه قضى معظم حياته حتى الآن في الشرق الأوسط يردد على الدوام: «من المحزن جدًا رؤية مدن عظيمة، مثل دمشق وبغداد، تتحول إلى ساحات قتال». في الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط»، وهو الأول مع مطبوعة عربية، قال ريدل إن غزو العراق عام 2003 مهد لتفكيك الدول العربية، كما أشار إلى أن الحرب اللبنانية في منتصف السبعينات كانت مقبلات لما سيأتي لاحقًا. ولفت الانتباه إلى أن سوريا وليبيا في طريقهما إلى الاختفاء، وأن العراق سيفقد شماله الكردي. وقال إن ما يسميه الإيرانيون ثورة إسلامية إنما هو في الحقيقة ثورة مذهبية، «وما دامت هناك ميليشيات شيعية في العراق تدعمها إيران، سيكون هناك (داعش)». ويضيف: «أحب الإيرانيون العراق إلى درجة أنهم يريدون رؤية 3 دول فيه. عراق شيعي، وعراق أصغر سني، وعراق كردي، وبهذا يمكنهم استغلاله».. واستبعد أن يلغي الرئيس الإيراني حسن روحاني الحرس الثوري.
* هل نحن متجهون الآن إلى منطقة يُعاد رسمها من قبل الولايات المتحدة وروسيا؟
- أعتقد أننا نتجه إلى منطقة يُعاد رسمها، لكنني لستُ متأكدًا من أن الأميركيين والروس هم من يقومون بذلك. أعتقد أن قوى الفوضى والتدمير هي التي تعيد رسمها أكثر من قوى خارجية.
* الشرق الأوسط يتفجر من الداخل..!
- نعم، إنه يتفجر، هناك عدة أسباب وراء ذلك، بينها سببان رئيسيان: الأول، قرار جورج دبليو بوش (الرئيس الأميركي السابق) وتوني بلير (رئيس الوزراء البريطاني الأسبق) الكارثي بغزو العراق، والثاني، فشل الربيع العربي.
* من أثّر على الآخر؟
- أعتقد أنه مع غزو العراق بدأت عملية تفكيك الدول العربية وتوازن القوى في المنطقة، ثم جاء «الربيع العربي» ليسرّع في العملية، مع الأسف.
* إذا كان الشرق الأوسط يتفجر، فأي دولة تراها قد اختفت، وأي دولة تراها صارت أكثر من دولة، وأي دولة تراها وقد ضُمَّت إلى دولة أخرى؟
- أعتقد أن سوريا وليبيا في طريقهما إلى الاختفاء. العراق بصدد خسارة شماله الكردي، فيما تتماسك مناطقه الباقية، ليس حبًا، إنما بقوة السلاح. لن أُفاجأ إذا ما رأيت أجزاء من ليبيا وقد ضُمّت إلى دول أخرى.
* مثل مصر؟
- ربما مصر عبر المناطق القريبة منها، ربما بشكل غير رسمي في البداية. دولة أخرى أراها تعود إلى شكل مختلف، وهي اليمن. الجنوب قد ينفصل عن الشمال مجددًا، وقد يكون بحماية السعودية.
* أين ستختفي سوريا؟
- قد تبقى مقسمة ما بين العلويين وإمارات سنّية. كلها ستكون إسلامية، لكن بعضها سيكون أكثر تشددًا من الآخر.
* ستصبح دولة خطيرة؟
- ستصبح دولة مرعبة.
* هل تتفق مع بعض الذين يتنبأون بحرب عالمية ثالثة بسبب كل ما يجري؟
- لا أعتقد أن الحروب سوف تنتشر خارج الشرق الأوسط. لكن الضرر وقع بسببها، وهذا سيؤثر على العالم كله، وعلى الأخص أوروبا.
* هذا يعني أنك تلقي اللوم على غزو العراق وبوش وبلير، وبالتالي فأنت تقبل تقرير تشيلكوت؟
- أعتقد أن تقرير تشيلكوت أخبرنا بما نعرف، لكن كان عليه أن يشمل شخصًا آخر، ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي آنذاك.
* وليس أيضًا دونالد رامسفيلد وزير الدفاع في ذلك الوقت؟
- أعتقد أن ديك تشيني هو مهندس كل هذا.
* إذا كان هناك من يتحمل المسؤولية ولنفترض أنه سيدفع الثمن، كيف ستتم استعادة العراق؟
- لا أعتقد أن كردستان العراق سيعود، إلا بقوة السلاح. اكتفى الأكراد من العراق ومن الصعب لومهم. السنّة والشيعة العرب في حاجة إلى إيجاد طريق للمصالحة، فهم عاشوا مع بعضهم بعضًا لآلاف السنوات.
* إذن، ترى هنا أن إيران عامل سلبي؟
- إيران تلعب لعبة غامضة جدًا. تدعي أنها ثورة إسلامية، لكنها في الواقع ثورة مذهبية ضيقة.
* هذا يعني أن دورها في سوريا والعراق وكل الشرق الأوسط هو دور مذهبي. لكن ما أهداف ما تسميه إيران الثورة الإسلامية، على المدى البعيد؟
- أعتقد أن هدفها هو السيطرة على الشرق الأوسط. وهذا كان هدف الشاه أيضًا، وإن بدا أكثر «رقة».
* من يستطيع إيقاف إيران؟
- أعتقد أن الولايات المتحدة وشركاءها الأوروبيين يحاولون احتواء إيران. لكن الولايات المتحدة تحتاج إلى شركاء أقوياء، وكثير من أصدقائنا التقليديين خصوصًا مصر، أكثر ضعفًا الآن، والمصريون ما زالوا يتعافون من الربيع العربي.
* لكن كيف يمكنك احتواء «ذئب»؟
- من الصعب النجاح في ذلك، وبسبب الكارثة التي أسفرت عنها حرب العراق، هناك قابلية ضعيفة عند الأميركيين للحروب في الشرق الأوسط، وهذا ليس متعلقًا فقط بالرئيس باراك أوباما، وبغض النظر عمن سيفوز في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإنه سيواجه التململ نفسه.
* لكن في النهاية، لا يمكن لأي رئيس أميركي الاستمرار بالهرب من الحرب؟
- كلا. الشرق الأوسط لا يسمح لك بالهرب منه، يلاحقك. إنما أظن أن ما يمثله الرئيس أوباما هو عبارة عن شعور عام في أميركا، أي أن نضع رؤوس أصابعنا فقط في المياه، وليس بكل ثقلنا، كما فعل جورج دبليو بوش.
* إذا كنت مواطنًا من الشرق الأوسط، ماذا تفعل الآن كي تتجنب أن تكون لاجئًا في المستقبل؟
- أذكى شيء يمكن عمله الآن هو الحصول على ثقافة جيدة، وعلى التمتع بمهارات يحتاج إليها الناس في كل مكان.
* هذا يعني أنه لا مستقبل في الشرق الأوسط؟
- لن أقول إنه لا مستقبل في الشرق الأوسط، تبقى هناك أماكن حيث يمكن توقع مستقبل باهر لها، ليس فقط في دول الخليج العربي، فعلى الرغم من الهجوم الإرهابي الفظيع على مطار إسطنبول، تبقى إسطنبول مدينة ذات مستقبل رائع. إنما علي أن أقول، بصفتي شخصًا أمضى كل حياته في الشرق الأوسط، إنه من المحزن جدًا رؤية مدن عظيمة، مثل دمشق وبغداد، تتحول إلى ساحات قتل.
* عملت لثلاثين عامًا في «سي آي إيه»، وقلت للتو إنك أمضيت كل حياتك في الشرق الأوسط. ألم تر احتمال أن يحدث ما يحدث الآن؟
- أعتقد أننا رأينا التراكمات وهذا سهل. إن الحرب الأهلية اللبنانية في منتصف السبعينات كانت «مقبلات».
نشأت في القدس الشرقية عندما كانت هاشمية، ومن ثم في بيروت. كنت صغيرًا في حرب 1958 اللبنانية. لكن الحرب اللبنانية في منتصف السبعينات كانت للأسف «مقبلات» وكذلك نسخة عسكرية عما سيأتي لاحقًا. قوى خارجية تتدخل، تغير تحالفاتها وكانت هناك حرب طائفية.
* لكن لم تكن بغيضة بالدرجة التي هي عليها الآن؟
- كلا. لكن كنا في الأيام الأولى للسيارات المفخخة.
* إذا أخذنا الأسبوع الأخير من شهر رمضان، نرى إسطنبول، لبنان (القاع)، بغداد، دكا، المدينة المنورة. ما يجب علينا أن نقرأ من كل هذه التفجيرات؟ هل «داعش» وحده أم أكثر من ذلك؟
- أظن أنها أكثر من «داعش»، إذ بدأ التلف ينهش المنطقة على هذا النحو: صراع طائفي وصل الآن إلى مستويات غير مسبوقة، أشياء لم نشهد مثيلاً لها طوال حياتنا، من ناحية حدة الصراع في المنطقة ما بين المسلمين والمسيحيين، وما بين السنة والشيعة.
* وكيفية البقاء؟
- نحتاج إلى حوار ما بين المملكة العربية السعودية وإيران أكثر من أي شيء آخر. قوتان قويتان. في نهاية التسعينات طور ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الإيراني محمد خاتمي «انفراجًا»، إلى درجة أن ولي العهد أرسل سفيرًا سعوديًا من الشيعة إلى إيران. كانت تلك مبادرة قوية. أكثر من أي شيء آخر، فإن الجهود لتبريد التوتر ما بين السعودية وإيران سوف تساعد على أن لا تكون وحدها، إنما ستساعد كثيرًا.
* من يستطيع أن يقوم بوساطة بين البلدين؟
- تاريخيا، كان الوسيط السلطان قابوس، الذي تثق به كل الأطراف. لكنه أصبح رجلاً مسنًا ومريضًا جدًا. الباكستانيون يمكنهم أن يقوموا بهذا الدور. المشكلة الآن أنني لا أرى قابلية في الرياض أو في طهران لتبريد الأمور.
* أين كانت وظيفتك عام 2003 عندما غزت أميركا العراق؟
- كنت «سعيدًا» في لندن، ومن ثم تم إرسالي إلى بروكسل، وهناك كنت أقيم في شارع بمواجهة أكبر مسجد في المدينة، وكما قلت لك: يمكنك محاولة الابتعاد عن الشرق الأوسط، لكنكِ لن تفلحي.
* تحدثنا عن الغزو الأميركي - البريطاني للعراق، وكيف أنه أطلق العنان للقتال المذهبي. هل يمكن أن أضيف أنه فتح أيضًا الأبواب واسعة أمام الفساد؟
- نعم، الدولة العراقية كانت منذ زمن ونستون تشرشل مخلوقًا غريبًا. وعندما تم تفكيكها، كانت النتيجة حتمية: الفوضى والإرهاب والفساد. هنا لا أقصد أنه كان علينا الإبقاء على صدام حسين، هو كان شرًا وطاغية خطيرًا، إنما كنا في حاجة إلى فترة انتقالية بقيادة عراقيين، وهذا ما لم نحصل عليه.
* هل تعتقد أن «داعش» يخسر أراضي في العراق وسوريا، وأنه انتقل من الفلوجة إلى بغداد؟
- صحيح أن «داعش» يخسر أراضي، لكن لا أعتقد أن التنظيم في حالة يأس. أظن أنه تمدد كثيرًا لأنه تقدم بسرعة قبل سنتين. لكن أعتقد أن أمرًا آخر يحصل، وهو أن قدرات «داعش» نضجت في السنتين الأخيرتين.
قبل سنتين كان «داعش» مشغولاً في خطف الأميركيين، وطبع الدولارات، الآن انتقل إلى عمل «إلهام» من يُسمون بالذئاب الوحيدة، الآن نرى أن قدرات «داعش» صارت أكبر وتستطيع نشر ما أسميه «مجموعات الذئاب» وهم فرق من القتلة المدربين، على استعداد عادة للإقدام على الانتحار، ويعملون حسب خطة واحدة. رأينا ذلك في باريس، ثم في بروكسل والآن رأيناه في دكا، وبالتأكيد رأيناه منذ فترة طويلة في العراق، و«داعش» الآن قادر على تصدير هذه الفكرة. و«مجموعات الذئاب» هذه أكثر خطرًا من الذئاب المنفردة. تستطيع أن تتسبب أكثر بأضرار بالغة.
لهذا فمن جانب قد يكون «داعش» بصدد خسارة بعض الأراضي في العراق وسوريا، لكن من جانب آخر فإن قدراته لفرض قوته وفرض الإرهاب تبدو وكأنها أصبحت أكثر نضجًا وأكثر خطورة.
* هل تعتقد أن هناك منافسة الآن بين «داعش» و«القاعدة»، لأن حمزة ابن لادن، كما أشرت، نشر رسائل من باكستان يحث فيها «الذئاب المنفردة» على شن هجمات في أميركا وأوروبا وبقية العالم؟
- نعم، أظن أن «داعش» المنشق عن «القاعدة» - إذ انشق أبو مصعب الزرقاوي تحت قيادة جديدة واسم جديد - يتنافس مع تنظيم القاعدة القديم، ولكنني أعتقد أيضًا أن تنظيم القاعدة القديم لم يمت بعد، ثم أن حمزة شاب جذاب وله شخصية كزعيم للمستقبل.
* هذا يعني أننا دخلنا الآن عصر «الذئاب المنفردة» و«مجموعات الذئاب»؟
- بكل تأكيد، خصوصًا «مجموعات الذئاب» في أوروبا وجنوب شرقي آسيا.
* وهل الولايات المتحدة بعيدة وبأمان؟
- حتى الآن، يبدو أن لدى أميركا «الذئاب المنفردة»، وربما الذئب المنفرد وزوجته، أو الذئب المنفرد وشقيقه الأصغر، لكن ليس من الصعب تخمين التكتيك.
* وهل يمكننا أن ننتهي من هذه المرحلة بسرعة؟
- كلا. أعتقد أننا في هذا «العصر» لسنوات من الإرهاب والعنف. فمن الصعب إعادة الجن إلى الزجاجة.
* ذكرت أنك كنت في لندن (في مهمتك) عام 2003 عام الغزو. هل حاولت أن تلفت الحكومة هنا إلى تبعات الغزو السلبية؟
- أعتقد أن كثيرين في الحكومتين الأميركية والبريطانية حاولوا نصح قادتهم بأنهم إنما يلعبون بالنار. من دون فائدة.
* إذا سئلت عن نصيحتك الآن حول كيفية إعادة الأمن لبغداد؟
- المشكلة المتبادلة في هذا الأمر، هو تأمين الأمن لبغداد، إنما في الوقت نفسه الاستمرار في الهجوم لاسترجاع الموصل، لأنه لا يمكن توفير الأمن الحقيقي لبغداد قبل إزالة سيطرة «داعش» على الفلوجة والموصل. الموصل هي الأكثر أهمية.
* لكن يقول الكثيرون إنه ما دامت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران تقاتل السنّة العراقيين، فسيكون هناك دائمًا عدة أنواع من «داعش»، وستكون هناك دائمًا الفلوجة والموصل تحت سيطرة «داعش».
- نعم، وبكل أسف هذا حقيقي. الإيرانيون يشعلون الصراعات المذهبية. في كل مرة هناك استضعاف للعراق إن كان عبر زرقاوي عام 2003 أو سليماني (الجنرال الإيراني قاسم) 2016، تشتعل الصراعات المذهبية. رأيي أن الإيرانيين أحبوا العراق كثيرًا إلى درجة أنهم يريدون رؤية «3 عراق». عراق شيعي، وعراق أصغر سنّي والعراق الكردي، وبهذا يمكنهم استغلاله.
* هل ترى أن الرئيس حسن روحاني، يمكنه في وقت قريب أن تكون له اليد العليا في صنع القرار الإيراني؟
- منذ الثورة، فإن القرارات المتخذة في إيران هدفها التقسيم والتفرقة. بنى آية الله الخميني نظامًا قائمًا على هذا الأساس. وحتى لو نجح روحاني في اتخاذ القرار القوي، خصوصًا إذا نجح في الاقتصاد، فإنه لن يستطيع إلغاء «الحرس الثوري»، وهم أقوياء جدًا.
* نلاحظ دائمًا أن الأميركيين والغرب يصبون لومهم على الإرهاب السنّي، لكنهم لا يأتون أبدًا على ذكر الإرهاب الإيراني.
- هذا صحيح، ويجب ألا ننسى هنا أن «حزب الله» كان وراء كثير من الهجمات الإرهابية. قبل سنة نجح السعوديون في اعتقال أحمد المغسل (عينته إيران الأمين العام لـ«حزب الله» السعودي)، لم نسمع الكثير من السيد المغسل العام الماضي، وأظن أن السلطات السعودية استمعت إلى الكثير من المغسل، وأنا متأكد من أنه أبلغهم عن خطورة الإرهاب الإيراني ضدهم.
* من المؤكد أن السعوديين يعرفون هذا الخطر، لكن على ما يبدو فإن الإدارة الأميركية لا تريد أن تعرف؟
- بالنسبة إلى إيران، قررت الإدارة الأميركية التركيز على المسألة النووية، برأيها أن هذه على المدى الطويل المشكلة الأكثر خطرًا، ويعود للرئيس المقبل محاولة طرح ومناقشة الإرهاب الإيراني.
* ومن سيكون الرئيس المقبل؟
- لا نملك ترف الخيارات الكثيرة. دونالد ترامب سيكون كارثة على أميركا وعلى العالم. لذلك نحن أمام خيار صعب.
* نلاحظ تقدمًا في العلاقات بين روسيا وإسرائيل، هل تعتقد أنه بعد سوريا ستكون إسرائيل البوابة الثانية لروسيا على الشرق الأوسط؟
- السيدان فلاديمير بوتين (الرئيس الروسي) ونتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) يريدان إثارة حفيظة الرئيس أوباما، وأعتقد أنه يكون من الأفضل للمنطقة لو أن نتنياهو ركز على الخطر الذي يواجه إسرائيل.
* وهو؟
- استمرار الاحتلال.
* أيضًا رأى البعض اليد الروسية في المصالحة الأخيرة بين تركيا وإسرائيل، ومن يستطيع أن يدجن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وهل ترى ظلاً لليد الروسية؟
- مثل هذا الأمر لن يفاجئني، وأعتقد أن إردوغان أدرك أنه عزل نفسه بشكل خطير وأنه يحتاج إلى أن يفك أسره من هذه العزلة. لكن التفجيرات في مطار إسطنبول أظهرت أن تركيا تحتاج إلى أن تدخل في لعبة قتال «داعش»، وإلا فإن إسطنبول ستكون ساحة رئيسية لكثير من الأحداث.
* هل ترى أعضاء جددًا ينضمون إلى هذا النادي: إسرائيل وتركيا، لاحتواء مثلاً التمدد الإيراني أو لمعاداة أميركا؟
- ما أحب أن أركز عليه، أن الحكومة الإسرائيلية تحاول دائمًا أن تقول لنا إن العالم السنّي لديه قواسم كثيرة مشتركة مع إسرائيل أكثر مما نظن، وتحب أن تقول للصحافيين إن لديها علاقات جيدة خلف الستار، مع عدد من الدول العربية، ما أحب أن أوضحه هو أن كل هذا مجرد خيال. في الواقع، نتنياهو يريد أن يتجنب القضية الحقيقية، وهي الاحتلال.
* هل تعتقد أن رحلته إلى الدول الأفريقية محاولة منه كي تكون على حساب القضية الفلسطينية، أو أن يكسب أفريقيا ضد الفلسطينيين؟
- بكل تأكيد، إنه يريد الحصول على أصوات في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. لكن هذا لن ينجح. البعض سيقدمون له ولائم شهية وتصفيقًا حارًا، لكن لا أعتقد أن الدول الأفريقية ستنسى الاحتلال أو تتجاوزه.
* هو يعتقد أنه ذكي؟
- أظن أن نتنياهو شاطر لكن لا أعتقد أنه ذكي!
* هل ترى احتمال أن تستعمل روسيا قاعدة إنجرليك التركية؟
- كلا. أظن أن هناك حدودًا للتعاون المحتمل بين الروس والأميركيين، يمكنهما تخفيف الصراع. إنما من الصعب عليهما التعاون.
* قل لي: لماذا يقاتل الروس والإيرانيون و«حزب الله» للإبقاء على بشار الأسد في السلطة، ولا يقاتلون للإبقاء على سوريا كدولة؟
- لأن بشار الأسد هو البطاقة الوحيدة للمحافظة على نفوذهم، خصوصًا الإيرانيين. والد بشار (حافظ الأسد) كان «عرّاب حزب الله»، ومن دون دعمه لما وصل «حزب الله» إلى ما وصل إليه، وأظن أنهم يخافون من أنه بمجرد حذف بشار الأسد من الصورة، فإن كل ردف الدولة السورية القائم الآن سيتهاوى.
* لكنه يتهاوى.
- نعم، وهو يسبب أسوأ أزمة إنسانية في حياتنا، ونصيحتي للرئيس الأميركي المقبل أن يعمل بجهد أكبر لزعزعة حكومة الأسد من داخل جماعته، وأن يجد طريقة لفصل المجموعات العلوية والمسيحية والحُضر بعيدًا عن بشار الأسد، وهذه ستكون أول خطوة باتجاه إنهاء الحرب الأهلية.
* وقد تكون الخطوة الأولى لتحرير لبنان من قبضة «حزب الله» الحديدية؟
- قد تكون إن شاء الله!



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».