الموضة والسياسة: 2017.. عام المرأة بلا منازع

تصاميم رومانسية.. خطوط أنثوية وهروب من الواقع.. عنوان الـ«هوت كوتير» للخريف والشتاء المقبلين

الموضة والسياسة: 2017.. عام المرأة بلا منازع
TT

الموضة والسياسة: 2017.. عام المرأة بلا منازع

الموضة والسياسة: 2017.. عام المرأة بلا منازع

في موسم تحول فيه الكل في باريس إلى محللين سياسيين، لا حديث لهم سوى عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتبعات هذا الخروج على الحياة عموما والموضة خصوصا، أكد المصممون، كما أكدت بريطانيا، أن الأعوام القادمة ستكون للمرأة.
بريطانيا قالت كلمتها باختيارها امرأة لمنصب رئيس الوزراء لأول مرة منذ ثاتشر. فبعد منافسة بين وزيرة الدولة للطاقة أندريا ليدسوم، ووزيرة الداخلية تيريزا ماي، على زعامة حزب المحافظين البريطاني ومن ثم رئاسة الوزراء، كان الفوز من نصيب ماي. أما الموضة فعبرت عن الأمر باحتفالها بالأنوثة من خلال أزياء رومانسية تفوح من جوانبها رائحة التفاؤل، أو بالأحرى الرغبة في إلغاء كل ما يتعلق بالواقع، من تراجع الاقتصاد إلى العمليات الإرهابية التي تهز العالم. كانت هناك أيضًا عودة إلى الماضي البعيد، لأنه بالنسبة لهم أضمن من الحاضر والمستقبل، خصوصًا وأنهم يعرفون ما يتوقعونه منه. وبالفعل، بدءا من «ديور»، و«أتولييه فرساتشي»، و«أرماني بريفيه»، و«رالف أند روسو»، إلى «جيامباتيستا فالي» و«إيلي صعب» وغيرهم، تحولت عروض باريس إلى شبه واحة للهروب، ليس من الواقع الحزين بكل مشكلاته وتعقيداته فحسب، بل أيضًا من الموضة «السبور» الدارجة حاليًا. فأغلب المصممين وظفوا خيالهم في التفصيل والعودة إلى الزمن الجميل، حين كانت المرأة تحتفل بأنوثتها على الملأ، من دون خوف أن يدينها العالم على بذخها وإسرافها. ورغم أن دماء الإمبراطورة ماري أنطوانيت، التي جسدت هذا البذخ في القرن الثامن عشر، لا تجري في عروق زبونة الـ«هوت كوتير» المعاصرة، إلا أنها لا تختلف عنها في عشقها للموضة وتوقها للتفرد. هذه الزبونة تتميز أيضًا بالقوة، سواء من ناحية شخصيتها أو قدرتها المالية، وتأتي باريس في هذا الموسم خصيصا لتنتقي فساتين لا مثيل لها، بغض النظر عن أسعارها. وهذا يعني أنها لا تريدها بتصاميم أو خامات تأخذ بعين الاعتبار الأحوال الاقتصادية المتردية، كما لا تريدها أن تعكس ثقافة الشارع والواقع، بل تريدها أن تحلق بها عاليًا وتحقق أحلامها، وبالتالي تتوقع فساتين تحاكي التحف، لا يبخل عليها المصممون بشيء، سواء تطلبت هذه الفساتين تنورات مستديرة أو بذيول طويلة تليق بالقصور والمناسبات الكبيرة. والحقيقة أن كل المصممين، ودون استثناء، اجتهدوا أن لا يخيبوا آمال هذه المرأة وتوقعاتها، ونجحوا بنسب مختلفة. فقد غاب الأسلوب الـ«سبور» الدارج حاليا في شوارع الموضة العالمية، وحلت محله تصاميم تستحضر الخمسينات من القرن الماضي، حين تمرد أمثال كريستيان ديور على تقشف الحرب العالمية الثانية وأعادوا للمرأة أنوثتها المسروقة، من خلال تحف يستغرق تنفيذها آلاف الساعات وتتطلب أمتارا طويلة من أقمشة مترفة تبرر أسعارها التي قد تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات.
إضافة إلى تأثير الخمسينات من القرن الماضي، عاد بعضهم إلى ماري أنطوانيت، وبعضهم الآخر إلى العهد الإليزابيثي، مثل «فالنتينو»، وجيامباتيستا فالي، وأليكسي مابيل، والثنائي «فيكتور أند رولف»، حيث كانت هنا الكثير من التنورات المستديرة بأحجام مبالغ فيه أحيانًا، كما كان هناك كم سخي من الياقات العالية والأكمام ذات الكشاكش. جون غاليانو أيضًا عاد بأنظاره إلى الماضي، وتحديدا إلى عهد نابليون بونابرت، وقدم لـ«ميزون مارجيلا» تشكيلة ثورية بكل معنى الكلمة، الأمر الذي يؤكد أنه بدأ يتأقلم مع دوره الجديدة في الدار، التي كانت قبله تميل إلى الاختبارات والتجارب أكثر من السريالية والدراما.
من اليوم الأول للأسبوع، وفي عرض «أتوليته فرساتشي» تأكد هذا الحنين إلى الماضي. فقد قدمت دوناتيلا فرساتشي قطعا متنوعة، تتباين بين فساتين السهرة ومعاطف للنهار، تضج بالإثارة والأنوثة وأيضًا بالحرفية وكأن المصممة تريد أن تنأى بنفسها عن الاستسهال. في اليوم التالي قدمت «ديور» أيضًا تشكيلة، رغم بساطتها، تصب في خانة السهل الممتنع، والسبب أن المصممين، لوسي ماير وسيرج ريفيو، يعرفان أنهما مؤقتان وبأن هذه آخر تشكيلة سيقدمانها للدار قبل أن تتسلم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «فالنتينو» سابقًا، المشعل منهما. الفصل الذي كتباها كان واضحًا وبسيطًا بالأبيض والأسود فقط، ولم يضعا في آخره نقطة النهاية. فهما يعرفان جيدًا أن الفصل القادم سيكون مهمًا في تاريخ الدار، كون ماريا غراتزا ستكون أول مصممة تدخل «ديور» منذ تأسيسها في الأربعينات من القرن الماضي.
المصمم إيلي صعب ينجح دائما في أن يُهدي المرأة ما تطلبه وتحلم به، بحكم باعه الطويل مع الأنوثة الرومانسية من جهة، وعلاقته بهذه المرأة من جهة أخرى. فهو يفهمها جيدًا ويعرف أحيانًا ما تريد قبل أن تعرفه هي أحيانًا. ديكور القاعة الواقعة في «شارع غامبون»، كان بسيطًا لكن بدلالات كبيرة. فهو يعكس مدينة نيويورك، وتحديدا بنايات مانهاتن و«غرايزلر»، وهو ما تجسد في الأحجام والطيات وأيضًا في موتيفات ظهرت في مجموعة من الفساتين استهل بها عرضا لم يكن ينقصه سوى أغنية «نيو يورك نيو يورك» الشهيرة لفرانك سيناترا حتى تكتمل الرسالة. والرسالة هنا ليس إعجاب المصمم بالمدينة وإيقاعها فحسب، بل أيضًا نيته افتتاح محل كبير بماديسون سكواير، بحلول عام 2017، الأمر الذي يؤكد أن لا شيء يحدث في عالم الموضة اعتباطًا ودون دراسة مسبقة. بدأ العرض وتوالت الفساتين والاقتراحات، لنتبين أن وصفته الناجحة واللذيذة لم تتغير، وأن كل ما في الأمر أنها اكتسبت قوة وديناميكية، لمسناها في تشكيلاته السابقة لكن جرعتها زادت فخامة هذه المرة. كانت أيضًا أكثر جرأة، سواء من ناحية سخاء التطريزات التي غطت، في بعض الأحيان، فساتين بالكامل، وجاء أغلبها على شكل ورود ثلاثية الأبعاد، أو من ناحية الأقمشة الكلاسيكية مثل الحرير والتول والمخمل الذي عانق الجسم مع طيات أو فتحات هنا وهناك. الألوان أيضًا كانت لافتة، لأن إيلي صعب كان يركز في السابق، على لون واحد في كل إطلالة يضخه بالتطريزات الغنية بالخرز والترتر والأحجار، بينما كانت الألوان هنا متداخلة مع بعض. كلما زادت جرأتها، تشعر كما لو أنها كانت بمثابة اكتشاف بالنسبة للمصمم، وبأنه استحلى عذوبتها وهي تتماوج أو تتداخل مع بعض، فظل يزيد من جرعتها بالتدريج.
لم يكتف إيلي صعب برومانسية الألوان والأقمشة ولا أنثوية الخطوط والتطريزات التي غلبت عليها الورود، بل أضاف جديدا، يعرف بحسه التجاري أنه سيلمس وترا حساسا بداخل كل امرأة. هذه الإضافة جاءت على شكل مجموعة فساتين للأطفال تخاطب مناسبات الأعراس والأفراح.
لا شك أن الأمر كان سيبدو محاولة تجارية ساذجة، لكن المصمم يعرف ذلك جيدًا، ولا يمكن أن يخطر بباله أن يقوم بخطوة لها تبعات سلبية، كما أنه من الصعب اتهامه بالسذاجة أو الاستسهال لتحقيق الربح. فكل خطوة يقوم بها تكون مدروسة من كل الجوانب. ما يشفع له أن هذه المجموعة الصغيرة جمعت في عمقها الأناقة وظاهرها البراءة. ثم أنه لم يكن يحتاج لعرضها أمام الحضور، حتى يصل إلى قلوب زبوناته، وهن كُثر، لأن المتعارف عليه أن أغلبية زبونات الـ«هوت كوتير» تطلبن أزياء خاصة لأطفالهن للمناسبات الخاصة، لكن وراء الكواليس.
في عرض «أتولييه أرماني» لا يمكن لأحد أن يتهم المخضرم جيورجيو أرماني بالرومانسية أو الدراما على حساب الأناقة العصرية. فهو يعتمد دائما على مكمن قوته، وهو التفصيل الدقيق والمحسوب من الأكتاف العالية إلى البنطلونات المستقيمة أو الفساتين المحددة على الجسم. لهذا ليس غريبا أن يفتتح عرضه بتايور، مكون من جاكيت وبنطلون، مستوحى من خزانة الرجل بأكتاف عالية وأقمشة أنثوية، تلمع حينا وتتطاير حينا آخر، قبل أن يتسلل المخمل للفساتين الموجهة للمساء والسهرة. لم تكن هناك أي مبالغات أو تفاصيل لا تحتاجها المرأة، بل العكس كل غرزة وكل طية مدروسة وتتمركز في جزء استراتيجي، سواء كان الخصر أو الأكتاف أو الصدر، مع لعب على الأقمشة التي مزجها في الإطلالة الواحدة. مثلا كان هناك جاكيت من الساتان الأسود مع تنورة من نفس اللون من المخمل بفتحة جانبية. نفس الفكرة تكررت في اقتراحات أخرى، ركز فيها على درجات ألوان هادئة مثل الأبيض اللؤلؤي، والوردي الفاتح والأزرق السماوي. كانت العارضات يتخايلن على وقع نغمات موسيقية أوبرالية، تجعلك تسبح في عالم ساحر يتأرجح بين الخيال والواقع، لتستفيق منه على صوت تصفيق عال، عندما تطل عارضة في فستان من المخمل الأسود وقبعة مثيرة تغطي مجموعة الرأس وتتدلى منها ستارة خفيفة من التول المطرز لتغطي نصف الوجه. هذه القبعة قد تكون عملة ذهبية في يد جيورجيو أرماني، لأنها تلعب على مشاعر متعددة وتخاطب ثقافات مختلفة.
نفس الشيء يمكن أن يقال عن تشكيلة الثنائي «رالف أند روسو» التي لعبت هي الأخرى على المشاعر، لا سيما الحنين إلى الزمن الجميل. ما قدماه في الأسبوع الماضي هو سادس عرض لهما في برنامج أسبوع الـ«هوت كوتير» الرسمي بباريس. قبل ذلك، لم يكن يعرف بالماركة، سوى قلة من الناس، إلا أن اسم «رالف أند روسو» سرعان ما فرض نفسه على ساحة الموضة وأصبح لصيقًا اليوم بالأناقة الراقية. عندما اختيرا للمشاركة في الأسبوع، منذ ثلاث سنوات تقريبًا، عبرا عن رغبتهما في إعادة الحلم إلى المرأة، وهذا ما نجحا فيه لحد الآن، بعودتهما دائما إلى الخمسينات والسبعينات هذه المرة. لم تتغير استراتيجيتهما لكنهما يعرفان أن الأزمة الاقتصادية تعني المزيد من الاجتهاد لشد انتباه المرأة وكسب ودها، الأمر الذي يُفسر سخاءهما في التطريز وغرفهما من الطبيعة المتفتحة، إلى حد جعل الكثير من الفساتين والتنورات والبنطلونات المستقيمة تبدو وكأنها لوحات فنية متحركة. كل أنواع التطريزات استعملت هنا، من الترصيع بأحجار الكريستال والزجاج واللؤلؤ إلى تطريزات الورود ثلاثية الأبعاد، إضافة إلى الريش. بعض هذه الفساتين، تطلبت مهارة نحو 20 حرفية وآلاف الساعات لإنهائها بالمستوى المطلوب.
مثل إيلي صعب وجيورجيو أرماني وغيرهما، تعرف تمارا رالف ومايكل روسو بأن الموسم قد يكون خاصا بأزياء الـ«هوت كوتير» وأجمل المناسبات، لكن لا بأس من بعض الإكسسوارات لإكمال الصورة، لهذا قدما مجموعة من حقائب يد مع أحذية وقبعات رأس يُمكن أن تُدخل شريحة أوسع، نادي ال«هوت كوتير» النخبوي.
إذا كان الأغلبية هربوا من الواقع إلى الماضي، القريب والبعيد، فإن جون بول غوتييه، فضل الهروب إلى الطبيعة، من خلال تشكيلة لعبت فيها الألوان دورا مهما، بدءا من الأخضر الغامق إلى البني المستوحى من الأخشاب. لم يكن العرض مسرحيًا كعهدنا به ولا بشقاوة أيام زمان، بل كان هادئا ركز فيه على الأزياء أولا وأخيرا، والتصاميم التي تحتفل بمقاييس أنثوية للمرأة، بتركيزه على تحديد الخصر وإبراز منطقة الصدر. رغم أن كل ما قدمه يشي بحرفيته وخياله الخصب، فإن العرض افتقد حرارة أيام زمان عندما كان الحضور يخرجون وشعور بالنشوة يغمرهم.. النتيجة أن التشكيلة كانت متقنة وليس فيها ما يُعيبها، كما أنها ستروق حتمًا للطبقات الأوروبية البورجوازية، إلا أنها تفتقد إلى الإبهار وذلك العنصر الحيوي الذي يجعلها تتميز عما تم تقديمه طوال الأسبوع.
فشقي الموضة الفرنسية، كما يُلقب في أوساط الموضة، اكتوى بالأزمة منذ بضع سنوات، إلى حد أنه أوقف خطه الخاص بالأزياء الجاهزة مُبقيًا على خط الـ«هوت كوتير» فقط. وربما هذا ما جعلنا نتوقع أن يُقدم أفكارا جديدة وجريئة في الوقت ذاته، لكن العكس حدث، حيث ركز على ما يُتقنه ويعرفه جيدًا، وكأنه خائف أن يخض المتعارف عليه ويفقد زبوناته المخلصات، لا سيما وأن استقطاب زبونات جديدات ليس مضمونًا مائة في المائة في ظل الأوضاع الحالية. المؤسف أن اسم جون بول غوتييه مترسخ في الذهن على أنه مصمم شقي يميل إلى تكسير التابوهات، لهذا فإن ما قدمه مؤخرًا يشير إلى أنه، بعد أكثر من 35 عامًا من الجرأة، أصبح يتوخى السلامة، وهو ما يمكن أن يقتل الإبداع على المدى البعيد.
جيامباتيستا فالي، مثل جون بول غوتييه، احتمى بالطبيعة، لكنه على العكس من غوتييه قدم جديدًا واختار حديقة غناء تتفتح فيها الورود بشتى الألوان، وتنسدل على الجسم بخفة وخطوط تلعب على دراما من نوع خفي وهادئ. إلى جانب الألوان والطبيعة، عاد المصمم إلى الأحجام التي يمكن القول إنها ماركته المسجلة، وخفف من مبالغاتها بطرحه فساتين «بايبي دول» وأخرى مستوحاة من الخمسينات بأكمام منفوخة. في البداية قدم مجموعة باللون الأبيض تعبق بالأنوثة رغم إيحاءاتها التجريدية، سرعان ما تطورت إلى فساتين طويلة من الحرير وأخرى من الموسلين بكشاكش وأكمام وكأنها بالونات أحيانًا، بألوان الأبيض، والأسود، والأزرق السماوي مع زخات من الأحمر. استعمل أيضًا الفرو، بعد أن جعله بخفة وملمس الحرير وطرزه بسخاء. بيد أن ما نجح فيه المصمم فالي أنه مزج إيحاءات تاريخية بتفاصيل عصرية منحت كل قطعة تفردًا وفنية تروق لزبوناته الشابات. وحتى يُذكرهن بالسبب الذي جعلهن يعشقن تصاميمه منذ بدايته، أنهى عرضه بثلاث فساتين ضخمة لعب فيها على الدراما والأحجام اللافتة.



الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.